من طرف هدى قويدر الأربعاء يوليو 06, 2011 8:42 am
أرضة رقمية بين الواقع و التخييل
تعتبر المجموعة القصصية أرضة رقمية المكونة من إحدى وعشرين قصة قصيرة ،من بين المجاميع القصصية الرائدة التي تناولت تيمة الأدب الرقمي أو أدب المنتديات، التي ارتفعت وتيرته في السنوات الأخيرة بفعل انتشار الإعلام الرقمي وسهولة التواصل عبر الانترنيت،حيث أصبح الإنسان يعيش في غرفة صغيرة هي غرفة الدردشة.
أرضة رقمية عبارة عن مرآة تعكس حال العصر وتنقل واقع الحال بكل مستجداته ومتغيراته، غير أنها حقيقة لا تنقله بشكل حرفي، وإنما تنقله بطريقة أدبية وذلك بأن ترفع هذا الواقع من آليته وحرفيته إلى العالم المتخيل الذي يضفي على مستجدات الواقع و المحيط الاجتماعي ما يسمى بأدبية العمل الأدبي.
فالقاص يضع عينيه على الواقع وقلمه على الصيغة التي ينبغي أن ينقل بها هذا الواقع، إنها قصص يمكن أن ننعتها بقصص الفانتازية و الغرائبية،التي تتناغم مع الواقع وتتعايش معه بأسلوبها المتهكم و الساخر من بعض السلوكيات الخاطئة في المجتمع مثل قصة "القاعة" التي تحكي تجربة ذاك الخطيب المعجب بنفسه وبخطابته وفجأة يجد نفسه يخطب على أناس وهميين وفي قاعة فارغة من الجمهور.
حركية الأفعال داخل النصوص القصصية
إن البنية الفنية في أرضة رقمية بنية بسيطة لاتغرق في الترميز و الغموض الذي يفقد الكتابة الأدبية مصداقيتها ويبعدها عن الواقع الاجتماعي،فالألفاظ تتحرك بحرية من التركيب إلى التعبير لتصل أخيرا إلى مرحلة الدلالة لتتخذ الجمل القصصية بعدا فكريا وعمقا دلاليا.
كما كان لبنية الأفعال دورا هاما في حركية القصص حيث اشتغل القاص محمد فري على الأفعال الماضية التي تستحضر المتخيل المتراكم في الذاكرة لتوظيفه داخل فضاء القصة، ومن الماضي ينهض ويتحرك في اتجاه المضارع الذي يزيد من وتيرة الحركية المفضية إلى المستقبل الملئ بالمفاجآت و الفاضح لمستجدات الواقع ومتغيراته .
وفي قصص كثيرة من قصص المجموعة نلاحظ بأن القاص وكأنه يحمل كاميرا على كتفه ويتجول بها في الأزقة وداخل البيوت، وينقل بحرفية ما تلتقطه عدسة كاميراته من وقائع وأحداث اجتماعية تتناقض مع واقع النت مثل قصة "في انتظار المطر" التي تعكس ظاهرة انتشار الدجالين الذين يساهمون في نشر سمومهم الخرافية بين صفوف المواطنين الذين تغلب عليهم ثقافة السحر و الشعوذة.
من السيرة الذاتية إلى التخييل الذاتي:
يمكن اعتبار قصص أرضة رقمية سيرة ذاتية تحكي تجارب القاص المختلفة و المتنوعة مع عالم النت،وقد دخل إليه بقوة من عالم الكتابة الورقية القائم على مبدأ الزبونية إلى عالم الكتابة النتية التي فتحت المجال واسعا للتعبير بكل حرية عما يجري في هذا العالم من تجاوزات فاضحا مجموعة من السلوكيات الخاطئة التي يمارسها بعض الشاتيين(نسبة إلى شات)
ونلاحظ كذلك بأن القاص يتكلم في قصصه بضمير الغائب ليختبئ وراء الشخصيات ليتمكن من تسييرها و حثها على تأدية أدوارها انطلاقا من منظوره الخاص، فنرى بأن القاص يشرك القارئ المتلقي في عملية السرد بل يورطه في أحايين كثيرة في تشكيل الرؤية إلى العالم انطلاقا مما يسمى بعملية التلقي و التأويل، بل أحيانا ينسحب القاص ليتدخل القارئ في بلورة هذه الرؤية وتحديدها،وهنا يمكن استحضار الصراع المحموم حول موت الكاتب،فالكاتب لا يموت باعتباره الشخصية الفاعلة وإنما يموت باعتباره الشخصية العاملة،بمعنى موته كعامل نحوي ليحيا بدله القارئ وينتج نصا يتماشى وذائقته أو لذته القرائية.
فالقاص يكشف مجموعة من السلوكيات المشينة التي تدور بين شخصيات افتراضية تتواصل عبر النت لتمرير خطابات متنوعة منها الصادقة و الكاذبة،هذه التحرشات التي يمكن أن نسميها بالتحرشات النتية التي تدور في غفلة عن القيم الدينية و الأخلاقية، لكن ينبغي أن نعترف صراحة أن هناك أشخاصا نكرههم على النت لكننا بمجرد الالتقاء بهم نصل إلى حقيقة أنهم طيبون، لكن وسيلة التواصل النتية هي التي تعطي هذا المعنى السيئ لهؤلاء النتيين .
وهنا ندخل في أنواع الأبطال في القصة فبعدما كنا نتحدث عن البطل المسطح في القصة التقليدية،ثم عن البطل الحداثي الورقي الذي يتلون بتلوينات الأدوار التي تسند إليه في القصة، أصبحنا نتحدث عن بطل رقمي وهمي زئبقي له خصوصياته، يجد في الفضاء الرقمي الحرية التامة للتعبير. غير أن هذه الشخصية النتية تصبح متعددة بتعدد المواقع و المنتديات،وتزداد لديه نسبة تضخم الأنا كلما كثرت الردود المجاملة على مواضيعه، لأنه كاتب (نحرير) لم تكتمل لديه دورة الحياة الطبيعية،غير أن كاتبا من هذا النوع يموت و ينتهي بمجرد تعرضه لفيروس من الفيروسات التي سماها الكاتب بالأرضة الرقمية التي تقتل النص وصاحب النص.
لقد كانت الأرضة تأكل النصوص الورقية ولا تتعرض لصاحب النص الذي يبقى خالدا في ذهن الجميع،ولهذا فالقارئ يجد نفسه أمام متناقضين الأرضة /الرقمية الأرضة الكائن الحي الذي يتغذى على الورق والرقمية الكائن الرقمي الذي يتغذى على التيارالكهربائي.
الزمن/المكان/التفضيئ الزمكاني
الزمن في الكتابة الرقمية متجدد بشكل تلقائي على مدار الساعة وهو مايسمى بتقنية mise a jour لكي لا يتعرض للأرضة الرقمية،وهو عنوان المجموعة التي تراهن على السبق القصصي وتخطي زمن الوقائع وزمن القص لتدخل مباشرة إلى زمن المواكبة النتية المتشابكة أو العنكبونية المتداخلة.
فالقاص في التجربة القصصية النتية لم يعد لديه الوقت للرجوع إلى الذاكرة ليخترقها وينبش في ماضيها، ويستحضره من أجل التعبير عن أحداث اختمرت ينبغي اختيار الصيغة المناسبة لنقلها أدبا.
إن القاص في أدب المنتديات يكون ابن اللحظة يعبر بشكل تلقائي عما يشعر به دون حاجة إلى تنقيح و مراجعة،بل أحيانا لا يجد الوقت لإعادة النظر في وجهة نظره التي يدافع عنها بتعصب وشدة،وفي كثير من الأحيان يشعر وكأنه مراقب من طرف العالم ككل لا يريد التراجع عن أفكاره بالرغم من خطئها.
ولهذا فإن الزمن في المجموعة القصصية زمن واحد تتداخل فيه أزمنة الأحداث وأزمنة السرد، حيث إن القارئ لا يشعر بهذا الانقطاع في سير الأحداث عبر زمن القصة بل يشعر وكأنه يقرأ قصة واحدة ذات أبعاد مختلفة لكنها تحدث في زمن واحد.
كما أنه يشتغل على بلاغة الصمت التي تظهر من خلال الفراغات التي تتيح الفرصة للقارئ لملء هذه الفراغات" هو " كاتب ".. لقب يحبه كثيرا .. ويحب أن يناديه الآخرون به .. خصوصا وقد عُرف بمناوشاته التي يكشر فيها عن أنيابه ومخالبه .. والويل لمن اعترض طريقه .. فلسانه الكاسح جرافة تغرف كل شيء .. وبحره لا تكدره الدلاء."
أشياء ينبغي قولها
الملاحظ بأن المجموعة القصصية تناقش موضوعا جديدا وبألفاظ جديدة غير أن الطابع العام الذي يغلب على المجموعة القصصية هو طابع التقليد، بحث إن القصة لم تخرج عن الكتابة القصصية التقليدية التي تركز على أسلوب السرد الوصفي الذي ينقل الأحداث الواقعية بشكلها الطبيعي دون مراعاة لأدوات الكتابة الحداثية التي تعتمد أسلوب التشظي الذي يشرك القارئ في تأثيث فضاء القصة القصيرة.
كما أن المجموعة القصصية تناولت موضوعا جديدا لكنها لم تراع حالة السرد القصصي المابعدي الذي يسمى بكتابة "ما بعد القص" حيث يحسب فيه القاص حسابا للمتلقي المناسب للموضوع الراهن و هو الكتابة النتية.
اتصاف المجموعة القصصية بصفة التعميم فليس كل من يدخل إلى عالم النت هو شخص نحرير، وليس كل من يدخل عالم النت غرضه هو إشباع غريزته النتية، فهناك من يدخل إلى العالم الرقمي من أجل إشباع غريزته الثقافية وفضوله المعرفي.
اتصاف القصص بالنفس القصير حيث يشعر القارئ وكأنه أمام جمل قصصية تربطها نقط وفواصل مفتقدة إلى ماينعت بالعكازات اللغوية.
وفي النهاية تبقى "أرضة رقمية" للقاص محمد فري من الكتابات الرائدة التي جربت وغامرت الكتابات القصصة المرتبطة بعالم النت وبعالم المواقع و المنتديات.
إنها مجموعة قصصية تجيب على مجموعة من الأسئلة المرتبط بحاضر الإنسان العربي ومستقبله،ي مواجهة العالم الرقمي المتشابك الخيوط.
-----------------
مع الشكر
هدى قويدر
الجمعة يونيو 28, 2019 8:55 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» د. ليلى عريقات نائب الرئيس ورئيسة تكريم الشهادات الفخرية والرئيسة الفخرية للمجلس
الإثنين ديسمبر 03, 2018 12:25 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» اهداء ارتجالي الى عميدة الشعر المعاصر الاستاذة د. ليلى عريقات / د. لطفي الياسيني
السبت ديسمبر 01, 2018 9:05 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» خذ ومن عمري لعمرك .. مهداة لشيخ الشعراء المجاهدين لطفي الياسيني للشاعر حسين حرفوش
السبت ديسمبر 01, 2018 2:18 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» وما غير الطبيعة من سِفر
الخميس يوليو 11, 2013 6:22 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» حمى الناس ..إهداء إلى أهالي الحولة
الخميس يوليو 11, 2013 6:13 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» قصيدة معايدة الرؤساء العرب .. للشيخ عائض القرني
الخميس يوليو 11, 2013 6:12 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» طال ابتهال المصطفى
الخميس يوليو 11, 2013 6:11 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» من وحي السيول والفيضانات التي اجتاحت بيوتنا / د. لطفي الياسيني
الأربعاء يناير 09, 2013 4:02 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني