ملاحظات شهرين على الثورة السورية..
الآن وبعد مضي شهرين على الثورة السورية المباركة أظن أننا تجاوزنا أصعب لحظات الثورة، مخاض الولادة، وتبعات الحضانة، ولحظات النشأة واشتداد العود، فقد شبت ثورتنا السورية عن الطوق،
ولم يعد باستطاعة أحد - لا من النظام ولا من خارجه - أن يفسدها، أو يقف بها في منتصف الطريق.
الآن - كذلك - وبعد شهرين تحرر شعبنا السوري من الخوف الرهيب الذي كان متسلطا على كيانه، وأزاح كاتم الصوت عن فمه الذي ظل مغلقا لعقود، بدأنا الآن نجني ثمار الثورة ولما تكتمل بعد،
اكتمالها حينما يسقط هذا الكابوس الجاثم على صدورنا منذ عقود، ثم تقديم رموزه الفاسدة للمحاكمة.
فأهداف الثورة واضحة من خلال شعاراتها لا يستطيع أحد المزايدة عليها ولا تحجيمها أو تقزيمها:
إسقاط النظام المستبد، محاكمة رموزه الفاسدة، استعادة خيراته المسلوبة، صيانة حقوق الإنسان وحريته، ووحدة شعبه وأرضه.
كتبت ملاحظاتي على هذه الثورة المباركة لما مضى على عمرها شهر، والأن وبعد مضي شهرين على هذه الثورة المباركة أقيد هذه الملاحظات:
أولا-لا يزال النظام المستبد يؤمن بالحل الأمني، وهذا شيء ليس بالغريب عن عقليته المتخلفة، فهو لا يعرف غير البطش والإرهاب، ولكنه في الآونة الأخيرة اعتمد على أساليب صهيونية يهودية
تقوم على عزل المدن والتفرد بها ومحاصرتها وقطعها عن العالم الخارجي ليعيث فيها فسادا وقتلا وأسرا وإرهابا بعيدا عن سمع العالم ونظره، (أتواصوا به بل هم قوم طاغون).
إلا ان ذلك لم يفُت مِن عزيمة الشعب، ولم يضر بها، فالاتصالات والرسائل التي تصل من الداخل السوري وعلى صفحات التواصل الالكترونية كلها تذكر معنويات مرتفعة ومواقف متصلبة، وحبا للشهادة والبذل والفداء،
وهكذا - وإلا فلا - فلتكن العزائم، وهكذا هو الشعب السوري حينما يتسامى.
ثانيا-تكشفت حقائق مريعة عن أفعال النظام الأسدي في المدن والقرى التي حاصرها، فوسائل الإعلام تتحدث اليوم عن مقابر جماعية، والصور خرجت مؤكدة لذلك، صور كان آخر عهدنا بها في
حرب الإبادة العرقية التي شنها الصرب ضد إخواننا المسلمين في البوسنة والهرسك، حتى الصهاينة لم يتورطوا في مقابر جماعية بحسب الذاكرة التاريخة لأمثالي ولمن هم في جيلي.
وهذا شيء لا يستغرب عن هذا النظام القذر في سوريا، فهو وإن كان في الألفية الثانية إلا أن جيناته الوراثية القذرة قديمة جدا، فهو نظام مستنسخ من أيام والده الطاغية الأكبر أيام الثمانينات في القرن الماضي،
هناك كان حافظ الأسد وأخوه رفعت الأسد، وهناك كان القتل والتدمير في حماة وتدمر، وهناك كانت المقابر الجماعية التي لم تجد طريقها إلى الإعلام، واليوم يوجد هنا بشار الأسد وأخوه ماهر الأسد،
وهنا مقابر جماعية في درعا، ولكن الفارق الوحيد أن عالم الفيس بوك واليوتيوب كان هنا حاضرا -بقوة- لفضح ممارسات هؤلاء المجرمين، لن يغفر الشعب لهذه الطغمة الفاسدة، لا والله ، ولا لمن
ساندها بالقول أو الفعل أو التأييد، بل ولا لمن سكت عنها.
ثالثا-سقطت ورقة المقاومة السورية المزعومة، تلك التي كان يتبجح بها لعقود، ويعلق عليها إخفاقاته، ويبرر بها إجرامه، تلك التي كان يرهبنا من أجلها، ويقتلنا من أجلها، ويفسد في الأرض من أجلها،
ويسلب خيرات بلدي من أجلها، ووضح معنى المقاومة التي يريدها النظام الأسدي.
إنها مقاومته لدرعا وبانياس وحمص واللاذقية والريف الدمشقي، والآن مقاومته لتل كلخ..تل كلخ وليس تل أبيب..
فضح النظام وعري تماما، حتى إن النظام نفسه - وهو لا يتورع ولا يستحي عن الكذب - لم يعد يعول على ورقة المقاومة كثيرا، لا سيما بعد كلمة رامي مخلوف تلك التي أطلقت على النظام
رصاصة الرحمة، وهو لا يستحق الرحمة.
رابعا-سقط مع النظام السوري أنظمة أخرى وأحزاب لا تقل آلتها الاعلامية كذبا عن آلة النظام السوري، وظهرت الطائفية بأجلى صورها في مواقف حزب الله اللبناني من الثورة السورية، واعتقد أنا
جازما ان حزب الله - تنزلا كما يسمي نفسه - يدرك إدراكا جازما أن معركة الثوار في سوريا مع النظام هي معركته، فبقاء النظام بقاؤه وزوال النظام زواله، فالطائفية في المنطقة مرتبطة بسلاسل
صدئة، بعضها مع بعض، ولإدراكي هذه الحقائق لم أكن أتوقع من حزب الطائفية في لبنان ومن سيده غير هذا الذي صدر منهم، ولكني أحمد الله عز وجل إذ تكشفت حقيقة هذا الحزب الطائفية،
وعداوته للشعوب المسلمة فقد كاد يستهوي قلوب كثير من أبنائنا في أقطار العالم العربي المسلم.
أما إيران فالتلاحم معها أشد وأقوى، وما ترحيل صحفية الجزيرة من دمشق إلى طهران إلا صورة من صور التبعية التي يدين بها المجرمون من آل الأسد لطهران.
ولهذا الموقف كذلك حسنة عظيمة، فقد تعرى نظام الخامنئي كذلك، وما عادت عورته تخفى إلا على أعمى بصر وبصيرة.
خامسا-استهلك النظام كل الحجج التي يمكن أن تخطر بعقله المتعفن كي يبرر قمعه وقتله وإرهابه، فمن مندسين ومخربين ومسلحين وجماعات
ثورية إلى سلفيين يسعون إلى إقامة إمارة إسلامية،
ولكنها تهاوت كلها واحدة بعد الأخرى أمام الحقائق، وافتضح أمر النظام للقريب والبعيد، وتكلمت منظمات حقوق الانسان في تكذيب هذه الحجج كلها، واعترفت مسؤولة الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوربي
أن هذه ليست أكثر من مبررات قتل، فالذي خرج هو الشعب، والذي ينشده ويتطلع إليه الحرية.
وحتى أصبحت حججه هذه مثارا للسخرية والاستهزاء من مثل قول القائل: قد يكون السلفيون في لندن أكثر منهم في سوريا!!
سادسا-اضطر النظام العفن لطرح مشروع الحوار - وهو لا يعرف معنى الحوار ولا يؤمن به - كحركة التفافية على منجزات الثورة السورية، ومحاولة منه لإحداث خلل في أراء
المتظاهرين والناشطين المعارضين، ولكن بشكل عام لم يجد الشعب السوري نفسه معنيا بهذه الدعوة، فالشعب يخبر النظام جيدا، ويعرف مصداقيته، إنها صحبة خمسين عاما تقريبا !!
ولسان حال الشعب يقول: قد جربناك وخبرناك، و (كيف أعاودك وهذا أثر فأسك).
سابعا- بالنسبة للمتظاهرين والتظاهرات هناك تطور في اتجاهين:
الأول: في عدد المتظاهرين واتساع رقعة التظاهرات وخروج مدن وقرى لم تخرج من قبل، بل تجولت بؤرة الاحتجاجات وتنقلت بين مدن وقرى سورية مختلفة، من درعا إلى حمص، إلى تلبيسة
إلى بانياس واللاذقية واليوم الأنظار تتوجه نحو تل كلخ، مدينة لا أعرف عنها إلا ذكريات أبي الجميلة يوم كان ضابطا في الجيش السوري، ذكريات ما فتئ يحدثني عنها بين الفينة والأخرى،
ويروي لي أخبارا عن جمالها الخلاب وكرم أهلها الحاتمي.
الثاني: تطور في نوعية المطالب والشعارات، فأول خروج المتظاهرين كانوا يؤكدون على الوحدة الوطنية وعلى المطالبة بالحرية، أما الآن فما عدنا نسمع إلا شعارا واحدا: الشعب يريد إسقاط النظام،
فاتت الفرصة على النظام، فالشعب حسم خياره.
ثامنا-مازالت (حلب) أسيرة الخيانة والخنوع واستبداد علمائها وتجارها، الذين يثبطونها عن النزول إلى الشارع، ويقودونها نحن ذل تاريخي لم تشهده من قبل، ذل ينسي بطولات الحمدانيين، ويلغي حماسات
أبي فراس، وينسخ روائع المتنبي.
سيذكر التاريخ الحديث (مدينة حلب) بصفحات من الذل والعار، ولن يغفر لها الوطن ذلك، فقطار الثورة يوشك أن يتعداها، حينها - وعندما ينتصر الوطن - لن ينفع (حلب) ولا أهلها الأعذار،
الآن أمام حلب فرصة أخيرة قبل أن يرفع الثوار شعار: سننتصر بدونكم يا أهل حلب!!.
هل سألت حلب وهل سأل الحلبيون أنفسهم: ماذا سنقول للأمة حينما تنتصر الثورة؟!
تاسعا-لم يتحمل الجيش مسؤوليته تجاه الله وتجاه شعبه ووطنه، فهو إما متورط في عمليات القتل والإرهاب، وإما ساكت، في وقتٍ الساكت فيه قاتل.
عاشرا-ما زال الإعلام السوري الرسمي يعيش جوا رومانسيا كذابا من الحب المتبادل بين الرئيس القائد وشعبه المناضل، وكأنه يتحدث عن بلد غير هذا البلد، وعن شعب غير هذا الشعب، أخذ الإعلام
السوري نصيبه من شعارات المتظاهرين، ولعل أشهرها: كاذب كاذب كاذب الإعلام السوري كاذب، بل بعض تلك الشعارت منحت الإعلام السوري شهادة التفوق في الكذب على مسيلمة الكذاب!!
هذه الآلة الكاذبة ساهمت في خدمة المتظاهرين والشعب دون قصد طبعا، ذلك أن الإعلام السوري يظن أن العالم كله والشعب كله لا يأخذ أخباره إلا من هذه القناة الفريدة، كأن العالم خلا من قنوات
يضج بها الفضاء، فتراه يعمد إلى الكذب الذي لا يستساغ ولا يمكن تصديقه، في حين بثت المقاومة السلمية للثوار حقائق موثقة بالصوت والصورة والتاريخ تنفي كل ذلك..
ما أغبى هذا النظام وما أحمقه!!
حادي عشر-سقطت أبواق النظام الإعلامية بوقا بوقا، وأصبحوا مثارا للسخرية والاستهزاء، حتى إن مذيعي الأخبار ما عادوا يطيقون كذبهم ونفاقهم، فكم من موقف مخز رصد لهذه الأبواق على الهواء
مباشرة.
أبواقَ العار السورية لكم يوم تتمنوا لو قطعت فيه ألسنتكم قبل أن تقفوا تلك المواقف، لكم يوم قريب فانتظروه، فالشعب زاده حنقه عليكم جدا.
ثاني عشر-الموقف العربي - وليس مهما ولسنا معنيين به- لا يزال على حاله كما كتبت عنه قبل شهر، صمت مطبق في العلن، وشيء في السر لا نعلمه الله يعلمه (أحصاه الله ونسوه).
ثالث عشر-الموقف العالمي لم يصل إلى مستوى الحدث، ثمت كلمات من هنا وهناك تصدر يوم الجمعة حيث يشتد القتل، ثم تخفت هذه الأصوات طيلة الاسبوع، فهل نحتاج مزيدا من إراقة الدماء
لاستصدار مواقف عالمية لقضيتنا العادلة، ألا يكفي أكثر من ألف شهيد، وعشرة آلاف أسير، كي يرفع العالم الحر - كما يصف نفسه- الاعتراف عن الطاغية بشار الأسد، ويطالبه بالتنحي،
أم أن دماءنا ليست بذي بال.
هناك أعضاء بارزون في الكونجرس طالبوا الرئيس أوباما بإعلان نزع الشرعية عن بشار الأسد، ولكن أظن أن الإدارة الأمريكية ليست بهذه النزاهة كي تطلب منه سريعا ذلك، فهي ستستبز النظام
والشعب لآخر لحظة.
واليوم سمعنا عن احتمال استصدار مذكرة توقيف دولية بحق بشار الأسد بصفته المسؤول عن كل ما يحصل في سوريا..
الشعب السوري لا يريد الآن من العالم الخارجي أكثر من ذلك، اسقاط الاعتراف بهذا المجرم وعده مغتصبا للسلطة، واستصدار مذكرة توقيف دولية بحقه.
رابع عشر-المعارضة السورية السياسية في الداخل السوري ما زالت تتعرض لهجمات شرسة من النظام المستبد، وما زال الأبطال يطاردون ويسجنون ويقمعون، وهم مع ذلك صامدون، كل أبطالنا في الداخل
يستحقون الثناء، فهم أبطال حقيقيون، لا يعرف حقيقة بطولتهم إلا من عرف طبيعة هذا النظام المستبد الذي لم يتعود أن يسمع كلمة لا قط.
لن يضيع التاريخ ولا الشعب السوري جهادهم وجهودهم في إيصال صوت الداخل للعالم أجمع، وقبل ذلك لن يضيع الله أجر من أحس عملا.
في كل بلدة تنتقل إليها الأحداث نسمع عن أبطال وعن مناضلين وعن أحرار لا يبالون بالنظام المستبد ولا يعبؤون به، مع علمهم أنهم يسطاردون ويشردون وينكل بهم، ولكن القضية مبادئ آمن بها
شعبنا الكريم، وهو مستحق للتضحية في سبيلها بكل غال ونفيس، ألاحظ في هذا الشهر أن المعارضة في الداخلة قد تمخضت من شوائبها، وصارت أكثر جرأة ومصداقية لدى العالم، وذلك ما كنا نتطلع إليه.
خامس عشر-المعارضة في الخارج لها جهد فردي مشكور، لكن هذا الجهد لم ينتقل إلى مرحلة العمل الجماعي المنظم، لم يتمخض إلى الآن عن مجلس انتقالي مثلا، أو جبهة شعبية موحدة، او أي تنظيم سياسي
يجمع تحته أطياف المعارضة المختلفة ، يجب على المعارضة المبادرة إلى تكوين مثل هذه التجمعات وإشهارها، والتحدث باسمها، وتمثيلها في المحافل الدولية، فإن ذلك من مصلحة الوطن أولا وآخرا.
فالعالم كله - ولا سيما الغربي منه - لا يحبذ التعامل مع الأفراد، وهو يميل إلى التعامل مع التجمعات والتكتلات السياسية.
مازلنا ننتظر من المعارضة في الخارج الكثير الكثير، فهم لم يقدموا ما نتطلع إليه إلى الآن.
سادس عشر-الاعلام الناطق بالعربي جيد في تعامله مع الأحداث في سوريا، فقد ارتقى كثيرا عن الشهر الماضي، وأصبحت الجزيرة متصدرة في تغطيتها الاعلامية، وكذلك العربية، وبي بي سي، وفرانس أربع وعشرون
وغيرها، فضراوة الأحداث فرضت نفسها على هذه القنوات، وشيء آخر صعّد من هذه التغطية وهو الجهد الإعلامي الرائع للشباب السوري على صفحات الفيس بوك واليوتيوب بحيث افتتحت قنوات في هذا
العالم الافتراضي كقناة شام وأوغاريت وغيرها، قنوات محلها العالم الافتراضي، ولها مصداقية عالية في العالم الواقعي.
سابع عشر-أخيرا أرجو من الله العلي العظيم أن أكتب في ملاحظات الشهر الثالث جملة واحدة فقط، هيسقط النظام، وانتصر الشعب) وما ذلك على الله بعزيز.
--
كتبها: د. أحمد فارس السلوم
الآن وبعد مضي شهرين على الثورة السورية المباركة أظن أننا تجاوزنا أصعب لحظات الثورة، مخاض الولادة، وتبعات الحضانة، ولحظات النشأة واشتداد العود، فقد شبت ثورتنا السورية عن الطوق،
ولم يعد باستطاعة أحد - لا من النظام ولا من خارجه - أن يفسدها، أو يقف بها في منتصف الطريق.
الآن - كذلك - وبعد شهرين تحرر شعبنا السوري من الخوف الرهيب الذي كان متسلطا على كيانه، وأزاح كاتم الصوت عن فمه الذي ظل مغلقا لعقود، بدأنا الآن نجني ثمار الثورة ولما تكتمل بعد،
اكتمالها حينما يسقط هذا الكابوس الجاثم على صدورنا منذ عقود، ثم تقديم رموزه الفاسدة للمحاكمة.
فأهداف الثورة واضحة من خلال شعاراتها لا يستطيع أحد المزايدة عليها ولا تحجيمها أو تقزيمها:
إسقاط النظام المستبد، محاكمة رموزه الفاسدة، استعادة خيراته المسلوبة، صيانة حقوق الإنسان وحريته، ووحدة شعبه وأرضه.
كتبت ملاحظاتي على هذه الثورة المباركة لما مضى على عمرها شهر، والأن وبعد مضي شهرين على هذه الثورة المباركة أقيد هذه الملاحظات:
أولا-لا يزال النظام المستبد يؤمن بالحل الأمني، وهذا شيء ليس بالغريب عن عقليته المتخلفة، فهو لا يعرف غير البطش والإرهاب، ولكنه في الآونة الأخيرة اعتمد على أساليب صهيونية يهودية
تقوم على عزل المدن والتفرد بها ومحاصرتها وقطعها عن العالم الخارجي ليعيث فيها فسادا وقتلا وأسرا وإرهابا بعيدا عن سمع العالم ونظره، (أتواصوا به بل هم قوم طاغون).
إلا ان ذلك لم يفُت مِن عزيمة الشعب، ولم يضر بها، فالاتصالات والرسائل التي تصل من الداخل السوري وعلى صفحات التواصل الالكترونية كلها تذكر معنويات مرتفعة ومواقف متصلبة، وحبا للشهادة والبذل والفداء،
وهكذا - وإلا فلا - فلتكن العزائم، وهكذا هو الشعب السوري حينما يتسامى.
ثانيا-تكشفت حقائق مريعة عن أفعال النظام الأسدي في المدن والقرى التي حاصرها، فوسائل الإعلام تتحدث اليوم عن مقابر جماعية، والصور خرجت مؤكدة لذلك، صور كان آخر عهدنا بها في
حرب الإبادة العرقية التي شنها الصرب ضد إخواننا المسلمين في البوسنة والهرسك، حتى الصهاينة لم يتورطوا في مقابر جماعية بحسب الذاكرة التاريخة لأمثالي ولمن هم في جيلي.
وهذا شيء لا يستغرب عن هذا النظام القذر في سوريا، فهو وإن كان في الألفية الثانية إلا أن جيناته الوراثية القذرة قديمة جدا، فهو نظام مستنسخ من أيام والده الطاغية الأكبر أيام الثمانينات في القرن الماضي،
هناك كان حافظ الأسد وأخوه رفعت الأسد، وهناك كان القتل والتدمير في حماة وتدمر، وهناك كانت المقابر الجماعية التي لم تجد طريقها إلى الإعلام، واليوم يوجد هنا بشار الأسد وأخوه ماهر الأسد،
وهنا مقابر جماعية في درعا، ولكن الفارق الوحيد أن عالم الفيس بوك واليوتيوب كان هنا حاضرا -بقوة- لفضح ممارسات هؤلاء المجرمين، لن يغفر الشعب لهذه الطغمة الفاسدة، لا والله ، ولا لمن
ساندها بالقول أو الفعل أو التأييد، بل ولا لمن سكت عنها.
ثالثا-سقطت ورقة المقاومة السورية المزعومة، تلك التي كان يتبجح بها لعقود، ويعلق عليها إخفاقاته، ويبرر بها إجرامه، تلك التي كان يرهبنا من أجلها، ويقتلنا من أجلها، ويفسد في الأرض من أجلها،
ويسلب خيرات بلدي من أجلها، ووضح معنى المقاومة التي يريدها النظام الأسدي.
إنها مقاومته لدرعا وبانياس وحمص واللاذقية والريف الدمشقي، والآن مقاومته لتل كلخ..تل كلخ وليس تل أبيب..
فضح النظام وعري تماما، حتى إن النظام نفسه - وهو لا يتورع ولا يستحي عن الكذب - لم يعد يعول على ورقة المقاومة كثيرا، لا سيما بعد كلمة رامي مخلوف تلك التي أطلقت على النظام
رصاصة الرحمة، وهو لا يستحق الرحمة.
رابعا-سقط مع النظام السوري أنظمة أخرى وأحزاب لا تقل آلتها الاعلامية كذبا عن آلة النظام السوري، وظهرت الطائفية بأجلى صورها في مواقف حزب الله اللبناني من الثورة السورية، واعتقد أنا
جازما ان حزب الله - تنزلا كما يسمي نفسه - يدرك إدراكا جازما أن معركة الثوار في سوريا مع النظام هي معركته، فبقاء النظام بقاؤه وزوال النظام زواله، فالطائفية في المنطقة مرتبطة بسلاسل
صدئة، بعضها مع بعض، ولإدراكي هذه الحقائق لم أكن أتوقع من حزب الطائفية في لبنان ومن سيده غير هذا الذي صدر منهم، ولكني أحمد الله عز وجل إذ تكشفت حقيقة هذا الحزب الطائفية،
وعداوته للشعوب المسلمة فقد كاد يستهوي قلوب كثير من أبنائنا في أقطار العالم العربي المسلم.
أما إيران فالتلاحم معها أشد وأقوى، وما ترحيل صحفية الجزيرة من دمشق إلى طهران إلا صورة من صور التبعية التي يدين بها المجرمون من آل الأسد لطهران.
ولهذا الموقف كذلك حسنة عظيمة، فقد تعرى نظام الخامنئي كذلك، وما عادت عورته تخفى إلا على أعمى بصر وبصيرة.
خامسا-استهلك النظام كل الحجج التي يمكن أن تخطر بعقله المتعفن كي يبرر قمعه وقتله وإرهابه، فمن مندسين ومخربين ومسلحين وجماعات
ثورية إلى سلفيين يسعون إلى إقامة إمارة إسلامية،
ولكنها تهاوت كلها واحدة بعد الأخرى أمام الحقائق، وافتضح أمر النظام للقريب والبعيد، وتكلمت منظمات حقوق الانسان في تكذيب هذه الحجج كلها، واعترفت مسؤولة الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوربي
أن هذه ليست أكثر من مبررات قتل، فالذي خرج هو الشعب، والذي ينشده ويتطلع إليه الحرية.
وحتى أصبحت حججه هذه مثارا للسخرية والاستهزاء من مثل قول القائل: قد يكون السلفيون في لندن أكثر منهم في سوريا!!
سادسا-اضطر النظام العفن لطرح مشروع الحوار - وهو لا يعرف معنى الحوار ولا يؤمن به - كحركة التفافية على منجزات الثورة السورية، ومحاولة منه لإحداث خلل في أراء
المتظاهرين والناشطين المعارضين، ولكن بشكل عام لم يجد الشعب السوري نفسه معنيا بهذه الدعوة، فالشعب يخبر النظام جيدا، ويعرف مصداقيته، إنها صحبة خمسين عاما تقريبا !!
ولسان حال الشعب يقول: قد جربناك وخبرناك، و (كيف أعاودك وهذا أثر فأسك).
سابعا- بالنسبة للمتظاهرين والتظاهرات هناك تطور في اتجاهين:
الأول: في عدد المتظاهرين واتساع رقعة التظاهرات وخروج مدن وقرى لم تخرج من قبل، بل تجولت بؤرة الاحتجاجات وتنقلت بين مدن وقرى سورية مختلفة، من درعا إلى حمص، إلى تلبيسة
إلى بانياس واللاذقية واليوم الأنظار تتوجه نحو تل كلخ، مدينة لا أعرف عنها إلا ذكريات أبي الجميلة يوم كان ضابطا في الجيش السوري، ذكريات ما فتئ يحدثني عنها بين الفينة والأخرى،
ويروي لي أخبارا عن جمالها الخلاب وكرم أهلها الحاتمي.
الثاني: تطور في نوعية المطالب والشعارات، فأول خروج المتظاهرين كانوا يؤكدون على الوحدة الوطنية وعلى المطالبة بالحرية، أما الآن فما عدنا نسمع إلا شعارا واحدا: الشعب يريد إسقاط النظام،
فاتت الفرصة على النظام، فالشعب حسم خياره.
ثامنا-مازالت (حلب) أسيرة الخيانة والخنوع واستبداد علمائها وتجارها، الذين يثبطونها عن النزول إلى الشارع، ويقودونها نحن ذل تاريخي لم تشهده من قبل، ذل ينسي بطولات الحمدانيين، ويلغي حماسات
أبي فراس، وينسخ روائع المتنبي.
سيذكر التاريخ الحديث (مدينة حلب) بصفحات من الذل والعار، ولن يغفر لها الوطن ذلك، فقطار الثورة يوشك أن يتعداها، حينها - وعندما ينتصر الوطن - لن ينفع (حلب) ولا أهلها الأعذار،
الآن أمام حلب فرصة أخيرة قبل أن يرفع الثوار شعار: سننتصر بدونكم يا أهل حلب!!.
هل سألت حلب وهل سأل الحلبيون أنفسهم: ماذا سنقول للأمة حينما تنتصر الثورة؟!
تاسعا-لم يتحمل الجيش مسؤوليته تجاه الله وتجاه شعبه ووطنه، فهو إما متورط في عمليات القتل والإرهاب، وإما ساكت، في وقتٍ الساكت فيه قاتل.
عاشرا-ما زال الإعلام السوري الرسمي يعيش جوا رومانسيا كذابا من الحب المتبادل بين الرئيس القائد وشعبه المناضل، وكأنه يتحدث عن بلد غير هذا البلد، وعن شعب غير هذا الشعب، أخذ الإعلام
السوري نصيبه من شعارات المتظاهرين، ولعل أشهرها: كاذب كاذب كاذب الإعلام السوري كاذب، بل بعض تلك الشعارت منحت الإعلام السوري شهادة التفوق في الكذب على مسيلمة الكذاب!!
هذه الآلة الكاذبة ساهمت في خدمة المتظاهرين والشعب دون قصد طبعا، ذلك أن الإعلام السوري يظن أن العالم كله والشعب كله لا يأخذ أخباره إلا من هذه القناة الفريدة، كأن العالم خلا من قنوات
يضج بها الفضاء، فتراه يعمد إلى الكذب الذي لا يستساغ ولا يمكن تصديقه، في حين بثت المقاومة السلمية للثوار حقائق موثقة بالصوت والصورة والتاريخ تنفي كل ذلك..
ما أغبى هذا النظام وما أحمقه!!
حادي عشر-سقطت أبواق النظام الإعلامية بوقا بوقا، وأصبحوا مثارا للسخرية والاستهزاء، حتى إن مذيعي الأخبار ما عادوا يطيقون كذبهم ونفاقهم، فكم من موقف مخز رصد لهذه الأبواق على الهواء
مباشرة.
أبواقَ العار السورية لكم يوم تتمنوا لو قطعت فيه ألسنتكم قبل أن تقفوا تلك المواقف، لكم يوم قريب فانتظروه، فالشعب زاده حنقه عليكم جدا.
ثاني عشر-الموقف العربي - وليس مهما ولسنا معنيين به- لا يزال على حاله كما كتبت عنه قبل شهر، صمت مطبق في العلن، وشيء في السر لا نعلمه الله يعلمه (أحصاه الله ونسوه).
ثالث عشر-الموقف العالمي لم يصل إلى مستوى الحدث، ثمت كلمات من هنا وهناك تصدر يوم الجمعة حيث يشتد القتل، ثم تخفت هذه الأصوات طيلة الاسبوع، فهل نحتاج مزيدا من إراقة الدماء
لاستصدار مواقف عالمية لقضيتنا العادلة، ألا يكفي أكثر من ألف شهيد، وعشرة آلاف أسير، كي يرفع العالم الحر - كما يصف نفسه- الاعتراف عن الطاغية بشار الأسد، ويطالبه بالتنحي،
أم أن دماءنا ليست بذي بال.
هناك أعضاء بارزون في الكونجرس طالبوا الرئيس أوباما بإعلان نزع الشرعية عن بشار الأسد، ولكن أظن أن الإدارة الأمريكية ليست بهذه النزاهة كي تطلب منه سريعا ذلك، فهي ستستبز النظام
والشعب لآخر لحظة.
واليوم سمعنا عن احتمال استصدار مذكرة توقيف دولية بحق بشار الأسد بصفته المسؤول عن كل ما يحصل في سوريا..
الشعب السوري لا يريد الآن من العالم الخارجي أكثر من ذلك، اسقاط الاعتراف بهذا المجرم وعده مغتصبا للسلطة، واستصدار مذكرة توقيف دولية بحقه.
رابع عشر-المعارضة السورية السياسية في الداخل السوري ما زالت تتعرض لهجمات شرسة من النظام المستبد، وما زال الأبطال يطاردون ويسجنون ويقمعون، وهم مع ذلك صامدون، كل أبطالنا في الداخل
يستحقون الثناء، فهم أبطال حقيقيون، لا يعرف حقيقة بطولتهم إلا من عرف طبيعة هذا النظام المستبد الذي لم يتعود أن يسمع كلمة لا قط.
لن يضيع التاريخ ولا الشعب السوري جهادهم وجهودهم في إيصال صوت الداخل للعالم أجمع، وقبل ذلك لن يضيع الله أجر من أحس عملا.
في كل بلدة تنتقل إليها الأحداث نسمع عن أبطال وعن مناضلين وعن أحرار لا يبالون بالنظام المستبد ولا يعبؤون به، مع علمهم أنهم يسطاردون ويشردون وينكل بهم، ولكن القضية مبادئ آمن بها
شعبنا الكريم، وهو مستحق للتضحية في سبيلها بكل غال ونفيس، ألاحظ في هذا الشهر أن المعارضة في الداخلة قد تمخضت من شوائبها، وصارت أكثر جرأة ومصداقية لدى العالم، وذلك ما كنا نتطلع إليه.
خامس عشر-المعارضة في الخارج لها جهد فردي مشكور، لكن هذا الجهد لم ينتقل إلى مرحلة العمل الجماعي المنظم، لم يتمخض إلى الآن عن مجلس انتقالي مثلا، أو جبهة شعبية موحدة، او أي تنظيم سياسي
يجمع تحته أطياف المعارضة المختلفة ، يجب على المعارضة المبادرة إلى تكوين مثل هذه التجمعات وإشهارها، والتحدث باسمها، وتمثيلها في المحافل الدولية، فإن ذلك من مصلحة الوطن أولا وآخرا.
فالعالم كله - ولا سيما الغربي منه - لا يحبذ التعامل مع الأفراد، وهو يميل إلى التعامل مع التجمعات والتكتلات السياسية.
مازلنا ننتظر من المعارضة في الخارج الكثير الكثير، فهم لم يقدموا ما نتطلع إليه إلى الآن.
سادس عشر-الاعلام الناطق بالعربي جيد في تعامله مع الأحداث في سوريا، فقد ارتقى كثيرا عن الشهر الماضي، وأصبحت الجزيرة متصدرة في تغطيتها الاعلامية، وكذلك العربية، وبي بي سي، وفرانس أربع وعشرون
وغيرها، فضراوة الأحداث فرضت نفسها على هذه القنوات، وشيء آخر صعّد من هذه التغطية وهو الجهد الإعلامي الرائع للشباب السوري على صفحات الفيس بوك واليوتيوب بحيث افتتحت قنوات في هذا
العالم الافتراضي كقناة شام وأوغاريت وغيرها، قنوات محلها العالم الافتراضي، ولها مصداقية عالية في العالم الواقعي.
سابع عشر-أخيرا أرجو من الله العلي العظيم أن أكتب في ملاحظات الشهر الثالث جملة واحدة فقط، هيسقط النظام، وانتصر الشعب) وما ذلك على الله بعزيز.
--
كتبها: د. أحمد فارس السلوم
الجمعة يونيو 28, 2019 8:55 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» د. ليلى عريقات نائب الرئيس ورئيسة تكريم الشهادات الفخرية والرئيسة الفخرية للمجلس
الإثنين ديسمبر 03, 2018 12:25 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» اهداء ارتجالي الى عميدة الشعر المعاصر الاستاذة د. ليلى عريقات / د. لطفي الياسيني
السبت ديسمبر 01, 2018 9:05 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» خذ ومن عمري لعمرك .. مهداة لشيخ الشعراء المجاهدين لطفي الياسيني للشاعر حسين حرفوش
السبت ديسمبر 01, 2018 2:18 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» وما غير الطبيعة من سِفر
الخميس يوليو 11, 2013 6:22 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» حمى الناس ..إهداء إلى أهالي الحولة
الخميس يوليو 11, 2013 6:13 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» قصيدة معايدة الرؤساء العرب .. للشيخ عائض القرني
الخميس يوليو 11, 2013 6:12 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» طال ابتهال المصطفى
الخميس يوليو 11, 2013 6:11 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» من وحي السيول والفيضانات التي اجتاحت بيوتنا / د. لطفي الياسيني
الأربعاء يناير 09, 2013 4:02 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني