لكأن عنوان المجموعة القصصيّة "كما القلق يتّكئ الجمر"(1) للكاتبة السعوديّة هيام المفلح كان في البداية: "أشجار النار"، ثم عُدِل عنه إلى العنوان المنشورة به المجموعة. بدليل أن لوحة الغلاف هي تلك اللوحة المصاحبة لنصّ "أشجار النار"(2). وقد ذُيِّلت لوحة "أشجار النار" في داخل المجموعة بعبارة "أشجار النار، بقلم هيام المفلح". وبعيدًا عن تعليل العدول عن هذا العنوان، إنْ صحّ احتماله، فإن ما استقرّت الكاتبة عليه من عنونة يلفت الحِسّ اللغويّ بتركيبته، التي تدخل فيها "كما" على الاسم، وكان يمكن القول: "كالقلق يتّكئ الجمر"، إنْ كان الهدف مجرد التشبيه. فما سبب هذا التركيب الصياغي؟: أسَيْرًا مع الدارج من التعبير، أم لمسوّغ دلاليّ؟
إنّ "ما"، في "كما"، يمكن أن تكون اسميّةً، موصولةً، أو نكرةً موصوفةً، كقولنا: "كما تَدين تُدان"، أي "كالذي تَدين به تُدان بمثله"، أو "كشيءٍ تَدين به تُدان بمثله". أو تكون حرفيّة مصدريّة، كقولنا: "كتبتُ كما كتبتَ"، أي ككتابتكَ. ويبقى ممّا يتّفق وصيغة عنوان مجموعة المفلح أن تكون "ما" زائدة، وذلك كقول عمرو بن براقة الهمداني:
لقد ظلّت النصوص في هذه المجموعة تعبّر عن موضوعة "القلق"؛ فهو الذي يهطل بحسب لوحة رسمٍ داخليّة خُطّت فوقها عبارة: "يتّكئ الجمر، فينثقب قلبي، ويهطل القلق"(4)، وذلك على طريقة هطول "المطر"، لدى السيّاب: "…ويهطلُ المطر". غير أن الأمر لا يقف عند شِعريّة العنوان، ولا عند عبارات مجنّحة الانزياح في سياقات النصوص، أو صُوَر بلاغيّة مبتكرة التركيب، كما في هذا النصّ:
أن لا سبيل يوصله إليها.. إلاّ القَفَص!" فللقارئ أن يتساءل: هل من كبير فرقٍ بين هذا النصّ وقصيدة نثرٍ، ولتكن على سبيل المثال نصًّا بعنوان "حجر وزهرة" (لفرات إسبر)(7):
أم هل نصّ المفلح بعنوان "النوق"( يُعَدّ قِصّة، بأيّ مقياس؟:
إنّ "ما"، في "كما"، يمكن أن تكون اسميّةً، موصولةً، أو نكرةً موصوفةً، كقولنا: "كما تَدين تُدان"، أي "كالذي تَدين به تُدان بمثله"، أو "كشيءٍ تَدين به تُدان بمثله". أو تكون حرفيّة مصدريّة، كقولنا: "كتبتُ كما كتبتَ"، أي ككتابتكَ. ويبقى ممّا يتّفق وصيغة عنوان مجموعة المفلح أن تكون "ما" زائدة، وذلك كقول عمرو بن براقة الهمداني:
وننصر مولانــا ، ونعلم أنـهُوهاتان الحالتان من استخدام "ما"- أي "ما" الزائدة و"ما" الكافّة- واردتان في الشِّعْر لا في النثر(3). ولا معنى لحرفٍ زائدٍ في أوّل كلمة من عنوان كتاب، ولا للكفّ عن العمل هناك أيضًا. فإذن لا مجال إلاّ بتأوّل فعلٍ مضمَرٍ بعد "كما"، وكأن التقدير: "كما يتّكئ القلق يتّكئ الجمر". على أن الكاتبة قد استعملت عبارة "كما القلق"، لوحدها، عنوانًا للقسم الأوّل من مجموعتها؟ ولئن كان مبتغَى الإيجاز وراء استخدام تعبيرٍ كذاك في العنوان، فقد كان يمكن أن يكون العنوان "كما يتّكئ القلق"، مع ترك العبارة الشارحة الأخيرة لحدس القارئ وخياله. ومهما يكن من أمر، لندع محاكمة هذه الاستعمالات، ولننظر في محاكمة الدلالات. هل الأمر كما يقول العنوان: "كما القلق.. يتّكئ الجمر"، أم هو "كما الجمر.. يتّكئ القلق"؟
كما الناسِ، مجرومٌ عليه وجارمُ
أو كافّة عن العمل، نحو قول زياد الأعجم:
وأعلمُ أنّني وأبـا حُمَـيدٍ
كما النشوانُ والرجلُ الحليمُ
أريدُ هجاءَهُ وأخـافُ ربّـي
وأعرفُ أنـه رجلٌ لئـيـمُ
لقد ظلّت النصوص في هذه المجموعة تعبّر عن موضوعة "القلق"؛ فهو الذي يهطل بحسب لوحة رسمٍ داخليّة خُطّت فوقها عبارة: "يتّكئ الجمر، فينثقب قلبي، ويهطل القلق"(4)، وذلك على طريقة هطول "المطر"، لدى السيّاب: "…ويهطلُ المطر". غير أن الأمر لا يقف عند شِعريّة العنوان، ولا عند عبارات مجنّحة الانزياح في سياقات النصوص، أو صُوَر بلاغيّة مبتكرة التركيب، كما في هذا النصّ:
"ضغطت أصابع قلبي على الأرقام…بل إن بعض نصوص كاملة من المجموعة تتوالج مع قصيدة النثر، إلى درجة التماهي. كالنّصّ بعنوان "مشكلة"(6):
اخترقتْ أذني مثل صوت الشواء:
- "هلا حبيبي"…
استجمعني اتّقادٌ قبل أن أتشظَّى رمادًا: …"(5)
"المشكلة:المشكلة:
أن أسوارها عالية..
أعلى من قامته..
من هامته..
من كل سلالمه!
أن لا سبيل يوصله إليها.. إلاّ القَفَص!" فللقارئ أن يتساءل: هل من كبير فرقٍ بين هذا النصّ وقصيدة نثرٍ، ولتكن على سبيل المثال نصًّا بعنوان "حجر وزهرة" (لفرات إسبر)(7):
"مثل غروب تذوب.بل قد تبدو قصيدةُ نثرٍ أكثر سرديّة أحيانًا ممّا يُسمّى قِصّة قصيرة جِدًّا. وهنا يكمن قلق الشِّعريّة والقَصَصِيّة بين القِصّة القصيرة جدًّا وقصيدة النثر.
أمدّ يدي إلى أحجارها، تصير رمادًا
أمدّ يدي إلى مائها يصير سرابًا.
مدينة من ركام
كيف قالوا منك مرّ الإله؟
رمى حجرًا وزهرة
وقال للمرأة: اسكني في عماكِ."
أم هل نصّ المفلح بعنوان "النوق"( يُعَدّ قِصّة، بأيّ مقياس؟:
"تفاجأتْ أن قلبه عموميٌّ كاستراحة طريق!فما هاهنا هو أَشْعَرُ من كثيرٍ ممّا يسمّى "قصيدة نثر"، بهذا التصاقب الصوتيّ والدلاليّ بين الجُمَل، وهذا الإيقاع الشجيّ للصُّوَر، فضلاً عن اللغة الانزياحيّة الوارفة الظِّلال، والطِّباقات والمقابلات، وتداخل النصوص. وهي عناصر مشتركة بين الشِّعر والنثر، إلاّ أن تكثيفها يُدني النصّ من الشِّعريّة على نحو لافت، ولاسيما من (قصيدة النثر). ولا غرابة، فالقِصّة القصيرة جِدًّا تشارك قصيدة النثر في قواعدها "البرناريّة" الثلاث: (الوحدة- الإيجاز- وربما المجّانيّة). [ونتابع استقراء ذلك في الحلقة الآتية]
يكتظّ في كلّ وقتٍ بالزائرات..
يَرِدْنَهُ نُوقًا عطشى.. ويُغادرنه يماماتٍ ثملات!
قبل أن تَقْبَلَ دعوة قلبه..
سرّبتْ إليه سحابة حُبِّها.
كنستْ منه أعقاب الكلمات.. رماد الحنين.. روائح العبث.
كسرتْ كؤوس الذكرى.. وفناجين الوعد.
ثم دخلتْ إليه مجلّلة بالتفرّد.. وختمتْ أبوابه بشمع التحدّي!
((كان قد قرّر أن يكتب على الباب:
"مغلق.. حتى سحابةٍ أخرى".
كانت قد قرّرتْ أن تُشاركه كتابة:
"مغلق.. حتى آخر نبض"))!"
الجمعة يونيو 28, 2019 8:55 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» د. ليلى عريقات نائب الرئيس ورئيسة تكريم الشهادات الفخرية والرئيسة الفخرية للمجلس
الإثنين ديسمبر 03, 2018 12:25 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» اهداء ارتجالي الى عميدة الشعر المعاصر الاستاذة د. ليلى عريقات / د. لطفي الياسيني
السبت ديسمبر 01, 2018 9:05 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» خذ ومن عمري لعمرك .. مهداة لشيخ الشعراء المجاهدين لطفي الياسيني للشاعر حسين حرفوش
السبت ديسمبر 01, 2018 2:18 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» وما غير الطبيعة من سِفر
الخميس يوليو 11, 2013 6:22 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» حمى الناس ..إهداء إلى أهالي الحولة
الخميس يوليو 11, 2013 6:13 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» قصيدة معايدة الرؤساء العرب .. للشيخ عائض القرني
الخميس يوليو 11, 2013 6:12 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» طال ابتهال المصطفى
الخميس يوليو 11, 2013 6:11 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» من وحي السيول والفيضانات التي اجتاحت بيوتنا / د. لطفي الياسيني
الأربعاء يناير 09, 2013 4:02 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني