بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة السلام على الهادي الأمين وعلى اله وصحبه الطاهرين
وبعد:-
فهذة وريقات في الأسلوب عند ابن خلدون وقد جمعتها بما منَّ الله عليَّ فأن أصبت فمن الله وان أخطأت فمن نفسي وقد قسَّـمت هذة الوريقات إلى تعريف بأبن خلدون، والى نظرته للأسلوب، ثم خاتمة مختصرة .
ابن خلدون:- عبد الرحمن أبو زيد ولي الدين بن خلدون ولد بتونس سنة 732 هـ وتقـلـَّد كثيرا من الوظائف الديوانية ثم تفرغ للكتابة فألف كتابه ( العبر و ديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر ) ويطلق على القسم الأول من هذا الكتاب مقدمة ابن خلدون وكانت وفاته سنة 808 هـ . ( 1 )
نظرته للأسلوب : يعد بحثه في الأسلوب إضافة ً وتوضيحا ً لبحث الأسلوب عند حازم القرطاجني فقد ربط بين الأسلوب والفن الأدبي وكذلك ربط بين الأسلوب والمنشيء و اكـــَّـد أن الأسلوب صورة ذهنية لا تأخذ الشكل المتجسد إلا بتمام التركـيب اللغوي الذي يرتبط بالقدرة اللغوية لدى المنشيء والتي ترادف المعرفة اللغوية لدى ( تشو مسكي ) والتي تستدعي معرفة المنشيء بالقواعد الصرفية والنحوية التي ترتبط بها المفردات في البنية العميقة . ( 2)
وقد أحسن في تصوير حالة الجاهل بتأليف الكلام وأساليبه فيقول:-( إنما الجاهل بتأليف الكلام و أساليبه على مقتضى ملكة اللسان إذا حاول العبارة عن مقصوده و لم يحسن بمثابة المقعد الذي يروم النهوض و لا يستطيعه لفقدان القدرة عليه و الله يعلمكم ما لم تكونوا تعلمون ) . ( 3 )
وبذلك يكون الأسلوب لدى ابن خلدون طريقة التعبير مبنية على المستعمل في كلام العرب وهو فن يعتمد على الطبع والتمرس والتلطف خارج عن علوم البلاغة والعروض وان كانت ضرورية لإصلاح الكلام في مرتبة تالية لصورة الأسلوب في الذهن .( 4 )
وهذا من جانب آخر – تأكيد على وحدة النظام اللغوي وتفاعل مفرداته وهذه العلوم متصلة فيما بينها اتصالا ً وثيقا ً منسجما ً مما يتيح للمبدع أن يتميز في الإبداع . ( 5 )
فانظر إلى مكانة المنشيء فالنظام اللغوي متداخل. والمنشيء ينتقي العبارات ويركِّـبها وينسجها نسجا ً فتكون مترابطة بأسلوبه يضفي عليها مسحة الجمال وبتمكنه من اللغة يخرج لنا الأسلوب من هذا النظام المتداخل فيظهر إبداع المنشيء .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) – ) البلاغة والأسلوبية ) د . محمد عبد المطَّلب ص 30
( 2 ) – (الاتجاهات الأسلوبية المعاصرة ) د .عكاب طرموز (ا طروحة دكتوراه) ص 139-140
( 3 ) – ( مقدمة ابن خلدون ) ص 490
( 4)- (الاتجاهات الأسلوبية المعاصرة ) د .عكاب طرموز (ا طروحة دكتوراه) ص 140
( 5 )- (الأسلوب في الإعجاز البلاغي للقرآن الكريم ) د .محمد كريم الكواز (ا طروحة دكتوراه) ص 31
ثم نأتي إلى ما قاله ابن خلدون في مقدمته فقد فرَّق بين الأسلوب وعلوم اللغة فيقول :- ( لنذكر هنا سلوك الأسلوب عند أهل هذه الصناعة و ما يريدون بها في إطلاقهم فاعلم أنها عبارة عندهم عن المنوال الذي ينسج فيه التراكيب أو القالب الذي يفرّغ به و لا يرجع- سلوك الأسلوب- إلى الكلام باعتبار إفادته أصل المعنى الذي هو وظيفة الإعراب و لا باعتبار إفادته كمال المعنى من خواص التراكيب الذي هو وظيفة البلاغة و البيان و لا باعتبار الوزن كما استعمله العرب فيه الذي هو وظيفة العروض فهذه العلوم الثلاثة خارجة عن هذه الصناعة الشعرية و إنما يرجع إلى صورة ذهنية للتراكيب المنتظمة كلياً باعتبار انطباقها على تركيب خاص و تلك الصورة ينتزعها الذهن من أعيان التراكيب و أشخاصها و يصيرها في الخيال كالقالب أو المنوال ثم ينتقي التراكيب الصحيحة عند العرب باعتبار الإعراب و البيان فيرصها فيه رصا كما يفعله البناء في القالب أو النساج في المنوال حتى يتسع القالب بحصول التراكيب الوافية بمقصود الكلام و يقع على الصورة الصحيحة باعتبار ملكة اللسان العربي فيه) ( 6 )
فالملاحظ مما تقدم انه يذهب إلى أنَّ وظيفة الأساليب الشعرية هي استيعاب العلوم إدراكا ً، ثم إنتقاء منها ما يناسب التركيب الخاص بالشاعر و الصور الذهنية التي يحملها وهل هي متسعة لوظائف القدرات اللغوية و الإبداعية ( 7 )
فيتضح لنا أسلوب الشاعر المبدع من خلال ما تقدم فيظهر بناءه ونسجه للعبارات حتى كأنها بنيان ٌ مرصوص ــ إن صح َّ التعبير ــ ثم يذكر ابن خلدون (إنَّ لكل فن من الكلام أساليب تختص به و توجد فيه على أنحاء مختلفة فسؤال الطلول في الشعر يكون بخطاب الطلول كقوله يا دار مية بالعلياء فالسند) و يكون باستدعاء الصحب للوقوف و السؤال كقوله قفا نسأل الدار التي خف أهلها) أو باستبكاء الصحب على الطلل كقوله قفا نبك من ذكرى حبيب و منزل) أو بالاستفهام عن الجواب لمخاطب غير معين كقوله ألم تسأل فتخبرك الرسوم) و مثل تحية الطلول بالأمر لمخاطب غير معين بتحيتها كقوله حي الديار بجانب الغزل) أو بالدعاء لها بالسقيا كقوله :
( أسقى طلوهم أجش هزيم ... و غدت عليهم نضرة و نعيم )
أو سؤاله السقيا لها من البرق كقوله :
( يا برق طالع منزلا بالأبرق ... واحد السحاب لها حداء الأينق )
أو مثل التفجع في الجزع باستدعاء البكاء كقوله :
( كذا فليجل الخطب و ليفدح الأمر ... و ليس لعين لم يفض ماؤها عذر )
أو باستعظام الحادث كقوله : أرأيت من حملوا على الأعواد أرأيت كيف خبا ضياء النادي أو بالتسجيل على الأكوان بالمصيبة لفقده كقوله :
( منابت العشب لا حام و لا راع ... مضى الردى بطويل الرمح و الباع )
أو بالإنكار على من لم يتفجع له من الجمادات كقول الخارجية :
( أيا شجر الخابور مالك مورقا ... كأنك لم تجزع على ابن طريف )
أو بتهيئة فريقه بالراحة من ثقل وطأته كقوله :
( ألقى الرماح ربيعة بن نزار ... أودى الردى بفريقك المغوار )
و أمثال ذلك كثير من سائر فنون الكلام و مذاهبه و تنتظم التراكيب فيه بالجمل و غير الجمل إنشائية و خبرية إسمية و فعلية متفقة مفصولة و موصولة على ما هو شأن التراكيب في الكلام ( 8 )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ
( 6 ) - ( مقدمة ابن خلدون ) ص 474
( 7 ) – (الأسلوب بين التراث البلاغي العربي و الأسلوبية الحداثية ) د . محمد بلوحي
( 8 ) - ( مقدمة ابن خلدون ) ص 474-475
وختاما ً:- يـُلاحظ على كلام ابن خلدون ما يأتي :-
أولا ً:-أعطى للأسلوب مفهوما ًذهنيا ًخالصا ًباعتباره صورة تملؤ النفس و تطبع الذوق وقد ارجع تكوين الصورة إلى مهارة الأديب وما تركته علوم النظام اللغوي في ذهنه و إظهار قدرة الأديب في انتقاء العبارات . ( 9 )
ويرى الدكتور محمد شهاب العاني انه ( أعطى للموهبة و المهارة مكانتها في قضية صياغة الأسلوب )
ونجد مكانة الموهبة والإبداع في قول ابن خلدون :- ( المعاني موجودة عند كل واحد و في طوع كل فكر منها ما يشاء و يرضى فلا يحتاج إلى تكلف صناعة في تأليفها و تأليف الكلام للعبارة عنها هو المحتاج للصناعة كما قلناه و هو بمثابة القوالب للمعاني فكما أن الأواني التي يغترف بها الماء من البحر منها آنية الذهب و الفضة و الصدف و الزجاج و الخزف و الماء واحد في نفسه و تختلف الجودة في الأواني المملؤة بالماء باختلاف جنسها لا باختلاف الماء كذلك جودة اللغة و بلاغتها في الاستعمال تختلف بإختلاف طبقات الكلام في تأليفه باعتبار تطبيقه على المقاصد و المعاني واحدة في نفسها ) ( 10 )
ثانيا ً:- الأسلوب لا يتكون إلا بتمام التركيب اللغوي فأبن خلدون يربط بين الأسلوب والقدرة اللغوية بحيث يتمكن من التعبير عما يريد ولكن بجمل جديدة تظهر إبداع الأديب وتبيـِّن نسجَه الجديد
ثالثا :- الأسلوب اخذ يأخذ الظاهرة الاجتماعية الموحدة وقد لاحظنا اجتماعية الأسلوب في الأمثلة الشعرية في السؤال عن الطلول والبكاء عليها والتفجع ...الخ
رابعا ً:-ابن خلدون ربط بين الفن النثري والشعري وفـرَّق بينهما باعتبار انَّ أساليب الشعر تلازمه الاستعارات والتشبيهات وخلط الجد بالهزل في حين يجب أن تنزه المخاطبات الديوانية عن ذلك
فقال :-( لكل مقام ٍ أسلوب يخصه من إطناب أو ايجاز أو حذف أو إثبات أو تصريح أو إشارة أو كناية واستعارة ) ( 11 )
فيعتبر عمله إضافة إلى ما عمله حازم القرطاجني . وحازم القرطاجني وابن خلدون يعبران عن وجهة نظر المغاربة ولا يخفى على احد أنهما اطلعا على أدب الشرق والغرب وبهذا نلاحظ قرب ابن خلدون من المعاصرين في قضية الأسلوب .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ
( 9 ) - ) البلاغة والأسلوبية ) د . محمد عبد المطَّلب ص32
(10)- ( مقدمة ابن خلدون ) ص 474
(11)- ( مقدمة ابن خلدون ) ص 490
المصادر
ـــــــــــــــــــ
1)- البلاغة والأسلوبية الدكتور محمد عبد المطلب /الهيئة المصرية العامة للكتاب/ 1984
2)- الاتجاهات الأسلوبية المعاصرة في دراسة النص القرآني .الدكتور عكاب طرموز
(اطروحة دكتوراه) كلية التربية\ جامعة الأنبار 2002
3)- الأسلوب في الإعجاز البلاغي للقرآن الكريم .الدكتور محمد كريم الكواز (اطروحة دكتوراه)
كلية الآداب /جامعة بغداد 1990
4)- مقدمة ابن خلدون / دار العودة-بيروت لبنان طـ 2 / 1980
الدوريات
ــــــــــــــــ
1)- الأسلوب بين التراث البلاغي العربي و الأسلوبية الحداثية .الدكتور محمد بلوحي
مجلة التراث العربي /العدد 95 – دمشق/ 2004 ( من الانترنيت )
أخوكم في الله
عادل حواري
والصلاة السلام على الهادي الأمين وعلى اله وصحبه الطاهرين
وبعد:-
فهذة وريقات في الأسلوب عند ابن خلدون وقد جمعتها بما منَّ الله عليَّ فأن أصبت فمن الله وان أخطأت فمن نفسي وقد قسَّـمت هذة الوريقات إلى تعريف بأبن خلدون، والى نظرته للأسلوب، ثم خاتمة مختصرة .
ابن خلدون:- عبد الرحمن أبو زيد ولي الدين بن خلدون ولد بتونس سنة 732 هـ وتقـلـَّد كثيرا من الوظائف الديوانية ثم تفرغ للكتابة فألف كتابه ( العبر و ديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر ) ويطلق على القسم الأول من هذا الكتاب مقدمة ابن خلدون وكانت وفاته سنة 808 هـ . ( 1 )
نظرته للأسلوب : يعد بحثه في الأسلوب إضافة ً وتوضيحا ً لبحث الأسلوب عند حازم القرطاجني فقد ربط بين الأسلوب والفن الأدبي وكذلك ربط بين الأسلوب والمنشيء و اكـــَّـد أن الأسلوب صورة ذهنية لا تأخذ الشكل المتجسد إلا بتمام التركـيب اللغوي الذي يرتبط بالقدرة اللغوية لدى المنشيء والتي ترادف المعرفة اللغوية لدى ( تشو مسكي ) والتي تستدعي معرفة المنشيء بالقواعد الصرفية والنحوية التي ترتبط بها المفردات في البنية العميقة . ( 2)
وقد أحسن في تصوير حالة الجاهل بتأليف الكلام وأساليبه فيقول:-( إنما الجاهل بتأليف الكلام و أساليبه على مقتضى ملكة اللسان إذا حاول العبارة عن مقصوده و لم يحسن بمثابة المقعد الذي يروم النهوض و لا يستطيعه لفقدان القدرة عليه و الله يعلمكم ما لم تكونوا تعلمون ) . ( 3 )
وبذلك يكون الأسلوب لدى ابن خلدون طريقة التعبير مبنية على المستعمل في كلام العرب وهو فن يعتمد على الطبع والتمرس والتلطف خارج عن علوم البلاغة والعروض وان كانت ضرورية لإصلاح الكلام في مرتبة تالية لصورة الأسلوب في الذهن .( 4 )
وهذا من جانب آخر – تأكيد على وحدة النظام اللغوي وتفاعل مفرداته وهذه العلوم متصلة فيما بينها اتصالا ً وثيقا ً منسجما ً مما يتيح للمبدع أن يتميز في الإبداع . ( 5 )
فانظر إلى مكانة المنشيء فالنظام اللغوي متداخل. والمنشيء ينتقي العبارات ويركِّـبها وينسجها نسجا ً فتكون مترابطة بأسلوبه يضفي عليها مسحة الجمال وبتمكنه من اللغة يخرج لنا الأسلوب من هذا النظام المتداخل فيظهر إبداع المنشيء .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) – ) البلاغة والأسلوبية ) د . محمد عبد المطَّلب ص 30
( 2 ) – (الاتجاهات الأسلوبية المعاصرة ) د .عكاب طرموز (ا طروحة دكتوراه) ص 139-140
( 3 ) – ( مقدمة ابن خلدون ) ص 490
( 4)- (الاتجاهات الأسلوبية المعاصرة ) د .عكاب طرموز (ا طروحة دكتوراه) ص 140
( 5 )- (الأسلوب في الإعجاز البلاغي للقرآن الكريم ) د .محمد كريم الكواز (ا طروحة دكتوراه) ص 31
ثم نأتي إلى ما قاله ابن خلدون في مقدمته فقد فرَّق بين الأسلوب وعلوم اللغة فيقول :- ( لنذكر هنا سلوك الأسلوب عند أهل هذه الصناعة و ما يريدون بها في إطلاقهم فاعلم أنها عبارة عندهم عن المنوال الذي ينسج فيه التراكيب أو القالب الذي يفرّغ به و لا يرجع- سلوك الأسلوب- إلى الكلام باعتبار إفادته أصل المعنى الذي هو وظيفة الإعراب و لا باعتبار إفادته كمال المعنى من خواص التراكيب الذي هو وظيفة البلاغة و البيان و لا باعتبار الوزن كما استعمله العرب فيه الذي هو وظيفة العروض فهذه العلوم الثلاثة خارجة عن هذه الصناعة الشعرية و إنما يرجع إلى صورة ذهنية للتراكيب المنتظمة كلياً باعتبار انطباقها على تركيب خاص و تلك الصورة ينتزعها الذهن من أعيان التراكيب و أشخاصها و يصيرها في الخيال كالقالب أو المنوال ثم ينتقي التراكيب الصحيحة عند العرب باعتبار الإعراب و البيان فيرصها فيه رصا كما يفعله البناء في القالب أو النساج في المنوال حتى يتسع القالب بحصول التراكيب الوافية بمقصود الكلام و يقع على الصورة الصحيحة باعتبار ملكة اللسان العربي فيه) ( 6 )
فالملاحظ مما تقدم انه يذهب إلى أنَّ وظيفة الأساليب الشعرية هي استيعاب العلوم إدراكا ً، ثم إنتقاء منها ما يناسب التركيب الخاص بالشاعر و الصور الذهنية التي يحملها وهل هي متسعة لوظائف القدرات اللغوية و الإبداعية ( 7 )
فيتضح لنا أسلوب الشاعر المبدع من خلال ما تقدم فيظهر بناءه ونسجه للعبارات حتى كأنها بنيان ٌ مرصوص ــ إن صح َّ التعبير ــ ثم يذكر ابن خلدون (إنَّ لكل فن من الكلام أساليب تختص به و توجد فيه على أنحاء مختلفة فسؤال الطلول في الشعر يكون بخطاب الطلول كقوله يا دار مية بالعلياء فالسند) و يكون باستدعاء الصحب للوقوف و السؤال كقوله قفا نسأل الدار التي خف أهلها) أو باستبكاء الصحب على الطلل كقوله قفا نبك من ذكرى حبيب و منزل) أو بالاستفهام عن الجواب لمخاطب غير معين كقوله ألم تسأل فتخبرك الرسوم) و مثل تحية الطلول بالأمر لمخاطب غير معين بتحيتها كقوله حي الديار بجانب الغزل) أو بالدعاء لها بالسقيا كقوله :
( أسقى طلوهم أجش هزيم ... و غدت عليهم نضرة و نعيم )
أو سؤاله السقيا لها من البرق كقوله :
( يا برق طالع منزلا بالأبرق ... واحد السحاب لها حداء الأينق )
أو مثل التفجع في الجزع باستدعاء البكاء كقوله :
( كذا فليجل الخطب و ليفدح الأمر ... و ليس لعين لم يفض ماؤها عذر )
أو باستعظام الحادث كقوله : أرأيت من حملوا على الأعواد أرأيت كيف خبا ضياء النادي أو بالتسجيل على الأكوان بالمصيبة لفقده كقوله :
( منابت العشب لا حام و لا راع ... مضى الردى بطويل الرمح و الباع )
أو بالإنكار على من لم يتفجع له من الجمادات كقول الخارجية :
( أيا شجر الخابور مالك مورقا ... كأنك لم تجزع على ابن طريف )
أو بتهيئة فريقه بالراحة من ثقل وطأته كقوله :
( ألقى الرماح ربيعة بن نزار ... أودى الردى بفريقك المغوار )
و أمثال ذلك كثير من سائر فنون الكلام و مذاهبه و تنتظم التراكيب فيه بالجمل و غير الجمل إنشائية و خبرية إسمية و فعلية متفقة مفصولة و موصولة على ما هو شأن التراكيب في الكلام ( 8 )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ
( 6 ) - ( مقدمة ابن خلدون ) ص 474
( 7 ) – (الأسلوب بين التراث البلاغي العربي و الأسلوبية الحداثية ) د . محمد بلوحي
( 8 ) - ( مقدمة ابن خلدون ) ص 474-475
وختاما ً:- يـُلاحظ على كلام ابن خلدون ما يأتي :-
أولا ً:-أعطى للأسلوب مفهوما ًذهنيا ًخالصا ًباعتباره صورة تملؤ النفس و تطبع الذوق وقد ارجع تكوين الصورة إلى مهارة الأديب وما تركته علوم النظام اللغوي في ذهنه و إظهار قدرة الأديب في انتقاء العبارات . ( 9 )
ويرى الدكتور محمد شهاب العاني انه ( أعطى للموهبة و المهارة مكانتها في قضية صياغة الأسلوب )
ونجد مكانة الموهبة والإبداع في قول ابن خلدون :- ( المعاني موجودة عند كل واحد و في طوع كل فكر منها ما يشاء و يرضى فلا يحتاج إلى تكلف صناعة في تأليفها و تأليف الكلام للعبارة عنها هو المحتاج للصناعة كما قلناه و هو بمثابة القوالب للمعاني فكما أن الأواني التي يغترف بها الماء من البحر منها آنية الذهب و الفضة و الصدف و الزجاج و الخزف و الماء واحد في نفسه و تختلف الجودة في الأواني المملؤة بالماء باختلاف جنسها لا باختلاف الماء كذلك جودة اللغة و بلاغتها في الاستعمال تختلف بإختلاف طبقات الكلام في تأليفه باعتبار تطبيقه على المقاصد و المعاني واحدة في نفسها ) ( 10 )
ثانيا ً:- الأسلوب لا يتكون إلا بتمام التركيب اللغوي فأبن خلدون يربط بين الأسلوب والقدرة اللغوية بحيث يتمكن من التعبير عما يريد ولكن بجمل جديدة تظهر إبداع الأديب وتبيـِّن نسجَه الجديد
ثالثا :- الأسلوب اخذ يأخذ الظاهرة الاجتماعية الموحدة وقد لاحظنا اجتماعية الأسلوب في الأمثلة الشعرية في السؤال عن الطلول والبكاء عليها والتفجع ...الخ
رابعا ً:-ابن خلدون ربط بين الفن النثري والشعري وفـرَّق بينهما باعتبار انَّ أساليب الشعر تلازمه الاستعارات والتشبيهات وخلط الجد بالهزل في حين يجب أن تنزه المخاطبات الديوانية عن ذلك
فقال :-( لكل مقام ٍ أسلوب يخصه من إطناب أو ايجاز أو حذف أو إثبات أو تصريح أو إشارة أو كناية واستعارة ) ( 11 )
فيعتبر عمله إضافة إلى ما عمله حازم القرطاجني . وحازم القرطاجني وابن خلدون يعبران عن وجهة نظر المغاربة ولا يخفى على احد أنهما اطلعا على أدب الشرق والغرب وبهذا نلاحظ قرب ابن خلدون من المعاصرين في قضية الأسلوب .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ
( 9 ) - ) البلاغة والأسلوبية ) د . محمد عبد المطَّلب ص32
(10)- ( مقدمة ابن خلدون ) ص 474
(11)- ( مقدمة ابن خلدون ) ص 490
المصادر
ـــــــــــــــــــ
1)- البلاغة والأسلوبية الدكتور محمد عبد المطلب /الهيئة المصرية العامة للكتاب/ 1984
2)- الاتجاهات الأسلوبية المعاصرة في دراسة النص القرآني .الدكتور عكاب طرموز
(اطروحة دكتوراه) كلية التربية\ جامعة الأنبار 2002
3)- الأسلوب في الإعجاز البلاغي للقرآن الكريم .الدكتور محمد كريم الكواز (اطروحة دكتوراه)
كلية الآداب /جامعة بغداد 1990
4)- مقدمة ابن خلدون / دار العودة-بيروت لبنان طـ 2 / 1980
الدوريات
ــــــــــــــــ
1)- الأسلوب بين التراث البلاغي العربي و الأسلوبية الحداثية .الدكتور محمد بلوحي
مجلة التراث العربي /العدد 95 – دمشق/ 2004 ( من الانترنيت )
أخوكم في الله
عادل حواري
الجمعة يونيو 28, 2019 8:55 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» د. ليلى عريقات نائب الرئيس ورئيسة تكريم الشهادات الفخرية والرئيسة الفخرية للمجلس
الإثنين ديسمبر 03, 2018 12:25 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» اهداء ارتجالي الى عميدة الشعر المعاصر الاستاذة د. ليلى عريقات / د. لطفي الياسيني
السبت ديسمبر 01, 2018 9:05 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» خذ ومن عمري لعمرك .. مهداة لشيخ الشعراء المجاهدين لطفي الياسيني للشاعر حسين حرفوش
السبت ديسمبر 01, 2018 2:18 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» وما غير الطبيعة من سِفر
الخميس يوليو 11, 2013 6:22 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» حمى الناس ..إهداء إلى أهالي الحولة
الخميس يوليو 11, 2013 6:13 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» قصيدة معايدة الرؤساء العرب .. للشيخ عائض القرني
الخميس يوليو 11, 2013 6:12 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» طال ابتهال المصطفى
الخميس يوليو 11, 2013 6:11 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» من وحي السيول والفيضانات التي اجتاحت بيوتنا / د. لطفي الياسيني
الأربعاء يناير 09, 2013 4:02 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني