هل هي لغة الأدب .. ؟ وهل للأدب لغة .. ؟ يبدو هذان السؤالان غريبان وبلا جدوى ، إنهما شبيهان ببعض الأسئلة البدائية التي يطرحها بعض أعضاء اتحاد الكتاب في سورية والوطن العربي .
إنهما شبيهان بالأسئلة المدرسية ، ولكنهما يبحثان في المنطقة الأكثر عمقاً ، إنهما ينقبان عن معدن ما في منجم ما ، ذلك أن الامر يرتبط بعملية خلق تعبير اللغة وسيلتها الأولى
إنني أستعيد الآن صورة الخزاف الذي يجلس طويلاً وبكامل تركيزه من أجل إبداع قطعة فنية وإذا كنت أتساءل عن السر الذي يجعل من حفنة كلمات نصاً أدبياً عظيماً ؟
ماهي اللغة ؟ إنها الطين وشكله .
إنني أتحدث هنا عن اللغة بوصفها الرادف الاقرب إلى الأدب ، اللغة كمفهوم شامل يكاد يستغرق العمل الأدبي برمته ،
اللغة كمادة خام للرواية مثلاً وكعامل ليس فقط لتصور الكاتب لشخصياته وسلوكاتها ولسيرورة الزمن وتحولات الأحداث والامكنة بل كمؤثر كبير على مدى تلقي القارىء لعمل ماومدى تفاعله معه
إن درجة تعاطفنا مع كائن روائي - أريد له أن يكون موضع عطف - تختلف حسب عامل أساسي هو شكل اللغة الواصفة لوضعه فشكل النعوت المفردة أو الجمل هو الذي يتحكم بطريقة حاسمة في شكل الشعور الذي يتم تصريفه نحو شخصية أو حدث ماداخل الرواية .
إنني أتحدث هنا عن اللغة كمفهوم يقترب إلى حد كبير من مفهوم الاسلوب عند سيلين فإميل سيوران مثلاً يرى أن الادب هو النثر منتصراً بذلك لجنس أو أجناس متقاربة وقد تستمد هذه الفكرة مشروعيتها من كون النثر هو المجال الذي يختبر أدبية الكاتب حتى لايتاح للكلام غير الممكن استيعابه أو على الاقل غير الممكن تخيله أن ينتمي إلى حقل الأدب لكن سيلين يرى أن الأسلوب هو الأدب وأن الكاتب هو أسلوبه ومالم يمتلك المؤلف أسلوباً فإنه يظل يجدف في السطح بعيداً عن حقيقة الأدب .
ماهي لغة الأدب ؟
يقول موريس بلانشو« اللغة العامة في متناولنا »هي تقول الأشياء تعطينا الأشياء بأبعادها وتتلاشى هي نفسها في هذا الاستعمال الذي هو دائماً وخفي ولكن عندما تصبح اللغة لغة « حكي » تصبح خارج نطاق الاستعمال ، إنها لغة غير مستعملة ، أو بالأحرى لغة فوق اللغة المستعملة ، فمهما تنامت تيارات الواقعية والحداثة ومابعدها تظل لغة الأدب لغة أخرى ، ذلك أن بداية الحديث بها يحتل بالضرورة إلى النوع « أدب » فحين يقول رجل لمحبوبته كلمة غزل ترد عليه « أنت تقول شعراً» ، حتى لو كانت تلك الكلمة رديئة فهي تلتصق باللغة الأخرى ، لغة الأدب ، الأدب الرديء في أسوأ الحالات .
إن ماأريد أن أقوله وأريد أن أرفعه إلى الحدود المتاخمة لكلمة سيلين أجده أيضاً عند رولان بارث الذي يعتبر الأسلوب هو اللغة الغريزية النابعة من الاحشاء والملتحمة بحميمنا السري .
إن عدداً من الروائيين حظوا بشهرة واسعة بل وأحياناً جماهيرية إلا أنهم لم يستطيعوا أن يمارسوا أي نوع من السحر على نخبة الكتاب أنفسهم إن الروائي الاثير عند المثقفين والكتاب والقراء الكبار قد يكون مثلاً هو ميلان كونديرا إن لغة كونديرا مميزة ومؤثرة بشكل يصعب معه التخلص من تداعيات القراءة فكل الكتاب يمكنهم مثلاً أن يصفوا لحظة حب أو لحظة ألم ، لكن قليلون جداً أولئك الخزافون الذين سيصعدون باللحظة إلى الحب إذ ليس الاساسي هو الحب أو الألم لذاتيهما ولكن الاهم هو الشكل الذي يظهران به في الرواية
فلنعد إلى عالمنا العربي ولنسأل عن اللغة التي يكتب بها روائيونا وشعراؤنا اليوم سأقف عند أمثلة محدودة في الشعر لأنه مجال اشتغالي إن الذي يجعل القراء عشاقاً كباراً للماغوط هو لغته اللغة المشحونة بالدفق الإنساني القادرة على أن تنوب عن الجميع لأنها تحمل في أحشائها قلقهم وحزنهم وريبتهم ، إن مايجعل شعر وديع سعادة مميزاً هو لغته الواثقة والصارمة ومايجعل نصوص بسام حجار قريبة من قلوب القراء هو لغتها الدافئة والهادئة التي تنقل الإحساس كما هو دون زوائد غير شعرية ومايجعل من عباس بيضون اليوم شاعراً مميزاً هو لغته المحكمة ولهذه الاسباب نفهم لماذا يبدو باهتاً كل شاعر يتبع هؤلاء في طريقهم أو طرقاتهم أنه يحاول أن يسرق منهم لغتهم « « غير المستعملة » على حد تعبير بلانشو أو أسلوبهم على حد تعبير سيلين .
لغة الأدب هي لغة إعمال الجهد لاتنفتح لك مغاليقها ولاتهبك لذتها الكاملة إلا بالحضور الكلي والتركيز أنها تفرض عليك هيبتها ، بل إنها تملك من التسلط مايسبي الكائن لمدة زمنية قد تقصر أو تطول حسب طبيعة العلاقة المؤسسة بينهما .
إن لغة الأدب قد تصل أحياناً أوج استبدادها حين تتمكن من تحويل كلي لطريقة التفكير في الذات وفي الأشياء المحيطة بها إنها تملك من المكر والخطورة مايحول وجهة الكائن فقد تخرجه من الكآبة وقد تقوده إلى الانتحار
ماهي لغة الأدب ؟
إنها الطين وشكله ، الطين الذي قد يصير بلمسة يد ذلك التمثال المقدس الذي يعبده البوذي في محرابه وقد يصير بلمسة يد أخرى مجرد إناء فارغ يتكسر على جمجمته .
ودمتم بكل صباح مشرق
رغد الصمادي
الجمعة يونيو 28, 2019 8:55 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» د. ليلى عريقات نائب الرئيس ورئيسة تكريم الشهادات الفخرية والرئيسة الفخرية للمجلس
الإثنين ديسمبر 03, 2018 12:25 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» اهداء ارتجالي الى عميدة الشعر المعاصر الاستاذة د. ليلى عريقات / د. لطفي الياسيني
السبت ديسمبر 01, 2018 9:05 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» خذ ومن عمري لعمرك .. مهداة لشيخ الشعراء المجاهدين لطفي الياسيني للشاعر حسين حرفوش
السبت ديسمبر 01, 2018 2:18 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» وما غير الطبيعة من سِفر
الخميس يوليو 11, 2013 6:22 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» حمى الناس ..إهداء إلى أهالي الحولة
الخميس يوليو 11, 2013 6:13 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» قصيدة معايدة الرؤساء العرب .. للشيخ عائض القرني
الخميس يوليو 11, 2013 6:12 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» طال ابتهال المصطفى
الخميس يوليو 11, 2013 6:11 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» من وحي السيول والفيضانات التي اجتاحت بيوتنا / د. لطفي الياسيني
الأربعاء يناير 09, 2013 4:02 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني