مسرحية ساخرة في مشهد واحد
تفتح الستارة على رجل يلبس لباس النوم و يجلس أمام التلفاز يقلب في المحطات ، و ينظر إلى الساعة في يده و هو يتثاءب ، و بجانبه سرير النوم المغطى بقماش إلى أسفل .
يطرق الباب طرقة قوية ، يرتبك ، ينهض لينظر من ثقب بالباب ، يضطرب ، يتحرك بنصف دائرة داخل الغرفة .. تزداد الطرقات ... يعود فينظر! الطرقات تتوالى .. يركض إلى الداخل ،يقف خلف الطاولة ثم ينظر إلى السرير ، فيرفع الغطاء ليدخل تحته عند ذلك يكسر الباب و يدخل عناصر ثلاثة مسلحون فلا يجدون أحداً ..
يشير أحد العناصر إلى التلفاز الذي ما زال يتكلم .. يهز رئيس الدورية رأسه ، فيبدؤون بالبحث عن أحد ما؟ يقترب رئيس الدورية فيرفع غطاء السرير ، فيجد المواطن بثوب النوم .
رئيس الدورية ( متوعداً ) : أمسكتك ، و لا حركة ، تختفي تحت السرير و تفر من مواجهة رجال الأمن (بتوتر)
ينبطح العنصران و يخرجان المواطن ، يقف أمامهم
رئيس الدورية : ماذا تفعل هنا ( و يشير إلى السرير )
المواطن : أشم النسيم ، و أطلع على نمط جديد من الحياة
رئيس الدورية ( بصوت مرتفع ) كذاب : هناك شيء آخر!!
المواطن : فررت من شخير زوجتي ، فأنا لا أحب
الضجيج !
رئيس الدورية : كذاب ! فكل الموظفين من أمثالك يشاركون في المسيرات الرسمية ، و يهتفون حتى تبح أصواتهم ، ثم يعودون قبل انتهاء الدوام .
المواطن ( في ارتباك ) أريد أن أجرب التفكير في مناطق الناس الذين يعيشون تحت ( مشيراً إلى السرير )
رئيس الدورية : ليس مهماً أن تعترف بالحقيقة ، فنحن نسجل ما نريد ، و أنت تقول ما يحلو لك !
( بصوت منخفض )ما رأيك أن تصنع لنا عشاءً ، و نتحاور و نحن على المائدة في جو ديمقراطي ، فنعتبر اللقاء بيننا حواراً لا تحقيقاً .
المواطن ( انفرجت أساريره) : كما تحبون فالعشاء جاهز و كنت على وشك البدء بالطعام .
يكشف غطاء بلاستيكي عن صحون و طعام فوق الطاولة ،يجلس الجميع .
رئيس الدورية ( ملتفتا إلى أحد العناصر ) اكتب الإجابات كما يقول ، و أنا سأتدبر الأمر بعد ذلك ( يلتفت إلى المواطن: ما رأيك بمن يعادون النظام ؟!
المواطن ( بلا انتظار ) خوارج !
رئيس الدورية : و الذين يؤيدونه ؟
المواطن : دواخل
رئيس الدورية : صف لنا الدواخل ، فنحن نعرف الخوارج !
المواطن ( يعتدل في جلسته ، و يتوجه إلى الدورية محاولاً الابتسام ) الدواخل - أعزكم الله - يصدقون ما تقوله الإذاعة و وسائل الإعلام ، و يؤمَّنون على ما تنشره الصحف ، و يحرصون على إقناع الآخرين بذلك !
أحد العناصر : رائع
العنصر الثاني : رائع جداً
المواطن : و يخرجون في المسيرات و يسارعون في إرسال برقيات التأييد .. ( يبلع ريقه بصعوبة )
و يحضرون إلى صناديق الانتخاب ، و هم يعلمون النتيجة مسبقاً .
رئيس الدورية : ممتاز - هائل
المواطن : و فيهم إيثار و محبة للآخرين حتى إنهم لينتخبون عن الغائبين و المسافرين ، و لديهم وفاء للغابرين فيدلون بأصوات التأييد نيابة عن الميتين !
رئيس الدورية ( مسح شاربيه من أثر اللبن ) : أنت مواطن واعٍ يا مواطن !
المواطن ( يهز رأسه )
رئيس الدورية : لا شك أنك تحب الرقم (99)
المواطن : طبعا .. إنه من أحب الأرقام إليّ على الإطلاق و صورته لا تغيب عن ذهني و خاصة عندما يضاف إليه 99. ، و يُعلن بعدها فوز الرئيس المناضل
رئيس الدورية ( بإعجاب و تشجيع ) : و عي - إدراك - وطنية !! ما رأيك في الخامس من حزيران و ما حدث فيه ؟
المواطن ( بلا تردد ) : قيادات واعية على مستوى المسؤولية ، و قواعد متخلفة دون الطموحات الثورية .
رئيس الدورية ( يهز رأسه مبتسما و معجباً ) هل تعتبر ما حدث نكبة أم نكسة ؟
المواطن : أبداً ( نافياً بشدة ) مجرد جولة ، فليس المهم أن نحتفظ بالتراب الوطني ، إنما المهم أن يبقى النظام بيد الطليعة التي تخوض المعركة .
العنصر الأول : ما رأيك بالمخبرين ؟
المواطن : أحبائي و أصحابي
العنصر الآخر : رائع
المواطن ( متابعاً ) فيهم غيرة على البلد .
ينظر رئيس الدورية إلى العنصرين بإعجاب و هما يهزان رأسيهما .
المواطن ( متابعا) و أنا في كثير من الأحيان أكاد أبكي من شدة تأثري عندما أرى وجوههم الصفراء ، و عيونهم الزائفة و لهاثهم المتواصل .
رئيس الدورية ( يربت على كتفه معجباً )
المواطن : فهم العين الساهرة ( بلهجة خطابية ) و الأذن السامعة ، و اليد المسجلة ، و الرِّجل الملاحقة (يلتفت إلى رئيس الدورية ) تصوَّرْ - يا حضرة رئيس الدورية - لو أنهم كانوا غير موجودين بيننا ، ماذا كان يفعل آلاف المعتقلين في قطرنا المناضل المستهدف ( و ينقل بصره بين الثلاثة ) و أنتم على كل حال تعرفون فضلهم ، و لا يعرف الفضل لأهله إلا أهله .
رئيس الدورية : أحسنت .. أحسنت ! و ماذا نقول عن السوق السوداء ؟
المواطن ( يبتلع ريقه )
رئيس الدورية ( يتصنع الاحترام له ) بشفافية و موضوعية و دون إكراه .
المواطن : أنا أكره التمييز ! سوق سوداء ، سوق بيضاء ، لا يهم ! المهم أن السلع موجودة .
رئيس الدورية ( بلطف زائد ) و هل تتعامل معها ؟
المواطن : أتعامل معها و مع غيرها ! أليست ضمن حدود القطر ؟! و الكبار الكبار هم الذين يديرونها !
رئيس الدورية : و الطوابير ؟
المواطن : أحسن وسيلة لتعليم الناس النظام ، و ضبط الأعصاب ، و عدم التبذير ، و معرفة قيمة النعمة ، و مقدار الجهود التي يبذلها نظامنا التقدمي لخدمة الجماهير .
رئيس الدورية : مواطن صالح !
يهز العنصران رأسيهما موافقين
رئيس الدورية ( يقف و هو ينظر إلى المواطن ) : أنا معجب بالشفافية و الحس الوطني لديك ، و كنت سأنهي الحوار معك إلى هذا الحد ( يسكت قليلاً ، و المواطن يحدق فيه )
رئيس الدورية ( متابعاً) لقد وزعنا كل الشتائم و الصفعات خلال جولتنا في هذا الحي
المواطن ( يصطنع الابتسام )
رئيس الدورية : و لم يبق لدينا سوى خمس شتائم و عشر صفعات و لا نستطيع أن نرجع إلى الفرع و هي بحوزتنا !
المواطن ( يبتلع ريقه بصعوبة ) : كما تحبون .
رئيس الدورية ( يضع يده على كتفه ) و نحن سنراعيك بحيث تتلقى الشتائم و الصفعات في آن واحد .. ( يحدق في المواطن ) تقف في منتصف الغرفة و أشتمك ، و العنصران يضربانك معاً.
أحد العناصر ( يهمس ) سيدي ! ليس هو المطلوب ؟!
رئيس الدورية ( ملتفتاً إليه بغضب ) : أتريد أن نعود إلى الفرع و معنا بقية الشتائم و الصفعات ليقال لنا : لم تؤدوا المهمة ؟!!
( تتوالى الصفعات من العنصرين و رئيس الدورية يبدأ بالشتائم ، و المواطن يصيح ! بالروح بالدم نفديك يا قائد)
يتوقفون و المواطن بينهم
رئيس الدورية ( يبتسم ) بقي شيء واحد
المواطن ( بذلة و انكسار ) : ما هو ؟
رئيس الدورية ( بتراخٍ ) يجب أن تقبل حذاء أحدنا
المواطن ( بحدة ) : لا أفعل حتى أعرف نوع الجلد ، فأنا لا أقبل إلا جلداً مصنوعاً في قطرنا
رئيس الدورية ( يلتفت إلى عنصريه ، ثم إلى المواطن ) لك ما تريد ، ألم أقل لك نحن ديمقراطيون و نحب الحوار ؟
و متسامحون .. ( بتباطؤ ) سنؤجل ذلك إلى جلسة حوار أخرى .
رئيس الدورية ( يمسك بيده ) و يرفع غطاء السرير : عد - يا عزيزي - إلى تحت السرير ، فنحن لا نحب ترويع الآمنين .. و لك مطلق الحرية أن تشم النسيم كما تريد .. فالوطن لك و لكل الشرفاء .
( المواطن ينبطح و يدخل تحت السرير ، و رئيس الدورية و العنصران يخرجون و يغلقون الباب)
المواطن ( يمد رأسه و هو يدفع الغطاء ، و يدير نظره في الغرفة قائلاً : تفو ... تفو ... ثم يضع يده على أذنه صائحاً:
لا تسقني كأس الحياة بذلة =
بل فاسقني بالعز كأس الحنظل
(يعود و يخفي رأسه و ينسدل غطاء السرير)
تغلق الستارة
تحياتي ولنا لقاء
آية صابر
الجمعة يونيو 28, 2019 8:55 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» د. ليلى عريقات نائب الرئيس ورئيسة تكريم الشهادات الفخرية والرئيسة الفخرية للمجلس
الإثنين ديسمبر 03, 2018 12:25 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» اهداء ارتجالي الى عميدة الشعر المعاصر الاستاذة د. ليلى عريقات / د. لطفي الياسيني
السبت ديسمبر 01, 2018 9:05 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» خذ ومن عمري لعمرك .. مهداة لشيخ الشعراء المجاهدين لطفي الياسيني للشاعر حسين حرفوش
السبت ديسمبر 01, 2018 2:18 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» وما غير الطبيعة من سِفر
الخميس يوليو 11, 2013 6:22 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» حمى الناس ..إهداء إلى أهالي الحولة
الخميس يوليو 11, 2013 6:13 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» قصيدة معايدة الرؤساء العرب .. للشيخ عائض القرني
الخميس يوليو 11, 2013 6:12 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» طال ابتهال المصطفى
الخميس يوليو 11, 2013 6:11 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» من وحي السيول والفيضانات التي اجتاحت بيوتنا / د. لطفي الياسيني
الأربعاء يناير 09, 2013 4:02 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني