منتدى الشاعر حسن محمد نجيب صهيوني

نرحب بجميع زوار هذا المنتدى ونأمل أن يطيب لكم البقاء ويحدونا الفخر بانضمامكم لأسرتنا


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدى الشاعر حسن محمد نجيب صهيوني

نرحب بجميع زوار هذا المنتدى ونأمل أن يطيب لكم البقاء ويحدونا الفخر بانضمامكم لأسرتنا

منتدى الشاعر حسن محمد نجيب صهيوني

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى الشاعر حسن محمد نجيب صهيوني

ملتقى أدبي يهتم بفنون الأدب العربي من شعر قديم ومعاصر ويحوي عدداً من التراجم والسير الأدبية والمقالات والقصص والروايات

بعد التحية على الزوار الراغبين بالإنضمام لهذا المنتدى التسجيل بأسمائهم الحقيقية أو ألقابهم أو أي اسم أدبي يليق بالمنتدى بعيداً عن أي أسماء تخل بسمعة المنتدى وتسيء إليه، وسوف تقوم إدارة المنتدى بالرقابة على الأسماء غير اللائقة أدبياً ثم حجبها ..... إدارة المنتدى

المواضيع الأخيرة

» ملحمة شعرية مهداة الى الشاعرة عائشة الفزاري / د. لطفي الياسيني
قراءة في قصيدة (في الليل) للسياب Emptyالجمعة يونيو 28, 2019 8:55 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني

» د. ليلى عريقات نائب الرئيس ورئيسة تكريم الشهادات الفخرية والرئيسة الفخرية للمجلس
قراءة في قصيدة (في الليل) للسياب Emptyالإثنين ديسمبر 03, 2018 12:25 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني

» اهداء ارتجالي الى عميدة الشعر المعاصر الاستاذة د. ليلى عريقات / د. لطفي الياسيني
قراءة في قصيدة (في الليل) للسياب Emptyالسبت ديسمبر 01, 2018 9:05 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني

» خذ ومن عمري لعمرك .. مهداة لشيخ الشعراء المجاهدين لطفي الياسيني للشاعر حسين حرفوش
قراءة في قصيدة (في الليل) للسياب Emptyالسبت ديسمبر 01, 2018 2:18 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني

» وما غير الطبيعة من سِفر
قراءة في قصيدة (في الليل) للسياب Emptyالخميس يوليو 11, 2013 6:22 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني

» حمى الناس ..إهداء إلى أهالي الحولة
قراءة في قصيدة (في الليل) للسياب Emptyالخميس يوليو 11, 2013 6:13 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني

» قصيدة معايدة الرؤساء العرب .. للشيخ عائض القرني
قراءة في قصيدة (في الليل) للسياب Emptyالخميس يوليو 11, 2013 6:12 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني

» طال ابتهال المصطفى
قراءة في قصيدة (في الليل) للسياب Emptyالخميس يوليو 11, 2013 6:11 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني

» من وحي السيول والفيضانات التي اجتاحت بيوتنا / د. لطفي الياسيني
قراءة في قصيدة (في الليل) للسياب Emptyالأربعاء يناير 09, 2013 4:02 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني

التبادل الاعلاني


    قراءة في قصيدة (في الليل) للسياب

    avatar
    ختام الأشقر


    عدد المساهمات : 97
    نقاط : 26888
    السٌّمعَة : 0
    تاريخ التسجيل : 11/04/2010

    قراءة في قصيدة (في الليل) للسياب Empty قراءة في قصيدة (في الليل) للسياب

    مُساهمة من طرف ختام الأشقر الخميس يونيو 03, 2010 10:24 am

    القصيدة


    1- الغُرفَةُ موصَدَةُ البابِ

    2- والصَمتُ عميقْ

    3- وستائرُ شبّاكي مرخاةٌ..

    4- ربَّ طَريقْ

    5-يتنصَّتُ لي ، يترصَّدُ بي خلفَ الشبّاكِ ، وأثوابي

    6- كمفزِّعِ بستانٍ ، سودُ

    7-أعطاها البابُ الموصودُ

    8- نَفَساً، ذرَّ بها حسّاً ، فَتَكادُ تفيقْ

    9- من ذاك الموتِ ، وتهمسُ بي ، والصمتُ عميقْ :

    10-" لم يبقَ صديقْ

    11-ليزورَكَ في الليلِ الكابي

    12-والغرفةُ موصدَةُ البابِ " .

    13- ولبستُ ثيابيَ في الوهمِ

    14- وسريتُ : ستلقاني أُمّي

    15- في تلكَ المقبرةِ الثكلى ،

    16-ستقولُ : " أَتَقْتحمُ الليلا

    17- من دونِ رفيقْ ؟

    18- جوعانُ ؟ أتأكلُ من زادي :

    19- خرّوبِ المقبرةِ الصّادي ؟

    20- والماءُ ستنهلُهُ نَهلا

    21- من صدرِ الأرضِ :

    22- ألا ترمي

    23- أثوابَكَ ؟ والبَسْ من كَفَني ،

    24- لم يبلَ على مرِّ الزمنِ ؛

    25- عزريل الحائكُ ، إذْ يبلى ،

    26- يرفوهُ . تعالَ ونمْ عندي :

    27- أعددتُ فراشاً في لَحدي

    28- لكَ يا أغلى من أشواقي

    29- للشمسِ ، لأمواهِ النهرِ

    30-كَسْلى تجري ،

    31- لهُتافِ الديكِ إذا دوّى في الآفاقِِ

    32- في يومِ الحشرِ" .

    33- سَآخِذُ دربي في الوهمِ

    34- وأسيرُ فتلقاني أُمّي.



    لندن.. 27-2-1963

    1
    قراءات


    لقراءة هذه القصيدة، عليك أن تتسلح بأكثر من منهج نقدي لتفحصها، فهي قصيدة حوارية عميقة الدلالة، وغائرة في التجربة الوجدانية للسياب، لذا ليس من السهل التعرف على أبعادها الرمزية والواقعية دون أجراء حفريات في بنيتها. لتكشف عن مستويات الأداء الداخلي لها، فلغة السياب كلما كانت بسيطة ، مألوفة اقرب للكلام منها للغة احتوت أعماقا عديدة لها، وهذه ميزة من يمتلك أداة شعرية تمكنه من أن يبسط الحال ظاهريا بينما تتعمق جذورها ، الشعر كما أرى تصويرالأعماق وهي تتكشف أمامنا باسرارها الدفينة ببساطة غنية، فنفاجأ أن ما فيها من دلالات هو أكبر بكثير مما نقرأه في ألفاظها. ونحاول هنا العروج على عدد من القراءات المفترضة لها، قبل أن نحدد ما هي قراءتنا الخاصة.

    فثمة قراءة تفسرها على أنها قصيدة إجتماعية/ سياسية،مادتها المرض والعزلة والغربة والوحدة، حيث حديثها عن إنسان معزول في غرفة موصدة الأبواب، ويعيش في لندن بعيداً عن أرضه ووطنه وقرائه. يستعيد ذكرى أمه، التي فقدها وهوطفل، فيتجاذبه الحوار النفسي المتخيل معها، عن طريق حلم يقظة شعرية تتداخل فيه مفردات الحياة بالموت،العزلة بالوحدة، الغرفة بالقبر، اللحد المغلق بالغرفة الموصدة.لاسيما وان تاريخ كتابة القصيدة هو 27/2/1963، وهو تاريخ قريب جداً من أحداث مرت بالعراق وبالمثقفين على وجه الخصوص. أي بعد تسعة عشر يوما من إنقلاب شباط الأسود في العراق في 8/2/1963،وفي هذه الفترة شهد العراق إعدامات بالجملة،وغياب لكوادر ثقافية كثيرة يكون مرض السياب جزء من هذا الغياب الكبير. وفي الخلف من هذه الظاهرة، كان السياب قد كتب عدداً من المقالات يدين بها إنتماءه للحزب الشيوعي العراقي، ولما لم يجد عوناً من القوميين الذين إنتصر لهم. بدا إنكسارا في تجربته الياتية عاد بها لنفسه ولما يتصل به،فكانت الأم من أكثر الرموز احتواءا لانكساره الذاتي ويشهد ترددها الكثير في قصائد هذه المرحلة كملاذ له قبل موته.هذه الأحداث شئنا أم أبينا، ألقت بظلالها على القصيدة والشاعر معاً، فكيف إذا كانت القصيدة عن مرض السياب، وعزلته ووحدته، وعن فقدانه أرضيته الثقافية التي ناضل سنوات من أجلها؟ كل هذا الجو السياسي الثقافي شكّل عصب قصائدة في السنتين الأخيرتين من حياته، فأستعاض بمفردة الليل والظلام التي تغنى بهما طويلاً، كبديل نفسي لإقتران مرضه الشخصي بالعراق المريض؟.

    لم يبقَ صديقْ

    ليزورَكَ في الليلِ الكابي،

    والغرفةُ موصدَةُ البابِ.

    في هذا الجو الدموي تبرز الأم منقذة له. بدأ الحنين إليها بصوت ندائها الرمزي إليه، لم يبق يأمي ،وثمة خيوط غير مرئية تشد هذه الرمزية إلى جسده العليل، دون أن نعتمد على هذه الرؤيا كلياً في تحليلنا للقصيدة.فمثل هذه القراءة تستدعي أحداثا خارجية لتسقطها على بنية القصيدة، ربما لم يفكر السياب بها، بالرغم من وجد عدد من الإشارات إليها.

    وهناك قراءة ثانية للقصيدة، على أنها دراما نفسية، تعكس حال السياب المضطربة وهو على فراش المرض، فيستدعي أمه لتنقذه من أحلامه وكوابيسه، بحيث يبدو الإلتصاق بها بنية أوديبية مرضية، هي علاقة الأبن بأمه، فتكون دعوتها له حالاً أنثوية، كمن تتغزل بأبنها المريض. فيصبح إستحضاره للأم من القبر، تعويضاً عن ما إفتقده فيها وهي في الحياة. ويعمق هذه الأوديبية، وجوده مريضاً في غرفة موصدة وقد ضاع مفتاحها،- المرض كما يقول علماء النفس يظهر كل النزعات المكبوتة في النفس، حتى تلك الشريرة- كل ذلك يؤكد على إن إستحضار الأم،هوللإلتحام معها،للتوحد في كفن واحد، والعيش على المائدة نفسها والتغذي من الغذاء نفسه والتطلع إلى سقف لا نور يتخلله.ليست إلا دعوة للإلتحام الجسدي فأمه وليس غيرها،من تدعوه لمثل هذه الوليمة الجسدية الواحدية. ويعتبر تدثره بكفنها،عودة لرحمها،والإلتحام بها إلتحام أرضي جسدي،رافضة أي طعام غير طعام القبور لإطعامهما معاً، فالخروب، وهو ثمارالأشواك التي تنبت على القبوريتغذى من الماء الصادي الذي يأتي المقابر جريانا من الأعماق مختلطا بدم الموتى وجراحهم. وكل هذه رموز دينية قديمة. لذا تهيمن دعوة الأم لإبنها - عن طريق الوهم- بما يؤكد أن الرغبة الأوديبية المكبوتة قد أخذت جانباً لاواعياً.

    ستقولُ : " أَتَقْتحمُ الليلا

    من دونِ رفيقْ ؟

    جوعانُ ؟ أتأكلُ من زادي:

    خرّوبِ المقبرةِ الصّادي ؟

    والماءُ ستنهلُهُ نَهلا

    من صدرِ الأرضِ :

    ألا ترمي

    أثوابَكَ ؟ والبَسْ من كَفَني ،

    لم يبلَ على مرِّ الزمنِ ؛

    عزريل الحائكُ ، إذْ يبلى ،

    يرفوهُ . تعالَ ونمْ عندي.

    وثمة قراءة ثالية للقصيدة، على إعتبارأنها قصيدة رؤيا لمثيولوجيا الصراع بين العالم السفلي،والعالم العلوي حيث هناك جريان الماء والعشب وغذاء الموتى. فالموتى شرهون، كما يقال،يصورهم السياب بأنهم موتى/ أحياء، بما تمنحه الطبيعة لهم،بينما يعم المرض والجوع والأبواب الموصدة عالم الأحياء العلوي.وكأنهم أحياء / موتى. وفي البعد ثمة بنية أسطورية طالما إشتغل السياب عليها كثيراً،هي نداء عشتار لتموز، نداء الأرض للخصب، عله ينجي العالم العلوي من الموت.وهو نفسه نداء الأم لإبنها، التي طالما شغلت النقد الأسطوري. فتختلط الاغراض وتلتحم الظمائر في القصيدة بين ضمائر تخض الأم واخرى تخض الابن وهي في صراع أما أن تتوحد أو تنفصل.فالنداء يصدر من العالم السفلي وهو نداء الأرض/ الأم، بينما يكون نداء الإستجابة من العالم العلوي،الأرض/ الأبن. وهو ما يعني ان الابناء هم الأكثر ارتباطاً بعالم الحياة والتجديد، بينما يكون الآباء اكثر ارتباطا بعالم الأموت بحكم البعد البيولوجي للجسد. فمهما طال الزمن بالعالم العلوي، لابد من عودته للعالم السفلي، ذلك الرحم الأمومي الذي يُغيب الجسد ويحلله ليعيده للأرض. هذه بنية أسطورية طالما أعاد السياب تكوينها مرات. لعل المومس العمياء واحدة من القصائد التي بكّرت بأهمية عالم الموتى." أسطورة ياجوج وماجوج". فتفصح القصيدة عن بنية أُسطورية غائرة في وجدان الشاعر، وعن علاقته بأمه، التي تظهر هنا بحلقة دائرية: الموت/ الحياة/ الموت ثانية. ثمة خوف لدى السياب من العالم العلوي،- حيث مرض فيه- وطمأنينة ما للعالم السفلي هوجود أمه فيه. هذا ما يتضح من سياق القصيدة، من انها نداء مشتبك بين عالمي الحياة الجدلي. ومرد هذا الخوف هو ما يحيط به، وما أشترك هو نفسه في صنعه، وما قيل بشأنه. والتجربة المريرة التي مر بها، والمرض الذي لم يشف منه. كل هذه عوامل حولها السياب إلى بنى مثيولوجية غامضة، هل ثمة بعد ديني في القصيدة؟ ربما ثمة يأس يشد أوصال النص إلى مجهول كمنقذ من الدنس.- فالإيمان ياتي بعد شدة كما يقال- مثل هذه الأسئلة يمكن أن تجد أجوبة شافية لها عندما يعتمد مثل هذا التحليل للقصيدة،لا سيما وأن أي بعد مثيولوجي يقودنا للدين حتماً. لذا تأتي قصيدة " في الليل" مشحونة بمجالات تعبير كثيرة.

    ولبستُ ثيابيَ في الوهمِ

    وسريتُ : ستلقاني أُمّي

    في تلكَ المقبرةِ الثكلى ،



    وثمة قراءة رابعة للقصيدة ، تتمثل بالبحث عن تركيب لغوي تتداخل فيها الضمائر، عندما يصبح السياب وأمه رواة،وهي ثيمة توحي بالتوحد. فالسارد واحد وإن ضمر في سارد متعدد،والإحالات تأخذ مجالات قص وحكي تبادلي، يمكن إعتبارها تنويعاً على سياق واحد مشحون بإحتمالية التعدد. فثمة تكرار للوحدات الدلالية في القصيدة، مما يعني تأكيد لحال مفردة، وهذه صيغة سردية ضمنية تتبادل فيها الضمائر بينا النص واحد، وثمة محورية بؤرية للساردين الشاعر وأمه، الشاعر يموضع جسده في محور الفعل المولد،لانه في العالم العلوي، بينما الأم تموضع جسدها في محورية الفعل المستقبللأنها في العالم السفلي، لذا فالسياب وأمه ليسا إلا ساردين على مستوى واحد من العلم، وهو ما يجعل الأفعال ملتصقة بهما معاً لا تستطيع ان تفصل بين فعل للسياب وفعل لأمه.. ولان القصيدة في عالم الوهم، فثمة حكاية تصاغ من طرفين هما الراوي العلني وهو السياب، والراوي الغائب هو الأم ، أما الحكاية فقد فتحت أبعادها الأسطورية على نفسها فجاءت نهاية القصيدة مغايرة لبدايتها... هل يلبس السياب قناع الأبن الذي يخاطب أمه، ربما، ثمة ميتالغة وراء النص، حيث الوهم يفتح مغاليق الرؤية.



    عزريل الحائكُ ، إذْ يبلى ،

    يرفوهُ . تعالَ ونمْ عندي :

    أعددتُ فراشاً في لَحدي

    لكَ يا أغلى من أشواقي

    للشمسِ ، لأمواهِ النهرِ

    كَسْلى تجري ،

    لهُتافِ الديكِ إذا دوّى في الآفاقِِ

    في يومِ الحشرِ



    كل هذه القراءت وغيرها ممكنة، وفي القصيدة ما يدل عليها ويشي بالكثيرمنها. ويمكن للناقد أن يستخلص نتائج جيدة من قراءاته لها ، ليرى ما في أبعادها من قيم حداثوية،أمكن للسياب أن يقولها في قصيدة وجدانية متجاوزاً فيها مواضيعه الذاتية والقومية والجسدية. ومن هنا فقراءتنا للقصيدة ستكون مختلفة عن هذه القراءات ولن تكون جمعاً بين هذه وتلك، بل طريقة أخرى لرؤية مكونات النص مكانياً.



    2
    النص الملغي


    بدءاً نعتبر القصيدة المقروءة والتي أدرجنا أبياتها أعلاه ليست هي "كل" القصيدة، بل هي نصها المعلن منها فقط ، وثمة نص لها ملغى يقبع في جوهرها، نطلق عليه القصيدة الملغاة أو المخفية. وبدون قراءة العلاقة الجدلية بين النصين المعلن والمخفي وتبادل رموزهما وعلاماتهما، لن تفهم مستويات الشعرية.ولذا تتطلب قبل البدء في قراءة هذه القصيدة وتحليلها، ثلاث مسائل أساسية.

    في رؤيتنا الخاصة لأي نص نقرأه ثمة نص يختفي وراءه، لا يظهر منه شيئا للقراءة، ولكنه ظله الذي لن يفارقه، وقراءة الظل تكون دائماً باستدعاء مرآة لترى ما خلف الصورة، قد لا نقف طويلا عند النص الملغي، ولكن لا يمكن إلغاءه كليا من التأثير على بنية القصيدة.

    إن أولى ملامح النص الملغي هو إستدعاء الحياة ،فالسياب مريض في لندن، يتذكر أمه في غرفة موصدة الأبواب والنوافذ، وبستائر تغلق فيها كل ضوء، أنه في القبو الدستويفسكي فيعيد فيه تشكيل رؤيته لإنقاذ نفسه. في هذا القبو يجتمع قبر إمه ، وغرفته، لخلق عالم متوازن ولكنه منسحب للموت.. مما يعني إن الحياة الهاربة من السياب هي الأنشودة الكبيرة التي يريد الشاعر تقديمها بعرض أخير على المسرح. وما القصيدة / النص، إلا العلامة اللغوية على هذا العرض.

    المسألة الأولى: هي أن النص المعلن من القصيدة لايكفي لفهم آليات تشكل الشعرية في هذه القصيدة، ولذا علينا أن نبحث عن النص الملغي فيها وفي قصائد سابقة كمادة مرجعية، كي تكون مادة لقصائد لاحقة.وسنجد أن كل ثيمة بيت شعري تخفي ثيمة أخرى، وليس شرطا أن تكون الثيمة الأخرى الملغاة ببيت شعري، ومن الإيقاع نفسه،فقد تكون صورة فنية، أو قطعة نثر، أو كولاجاً ،أو نغمة غنائية، أو إحالة ما،لكنها في كل الأشكال هي نص آخر ألغي بالقوة التي أظهرت النص المعلن نفسها. وثمة ظاهرة تعبيرية يجب أن نفهمها، هي أن الشعر هو جوهر لعلاقات متشكله بألفاظ وصور،فالقصيدة مجموعة أحاسيس سابقة قسم منها متشكل في اللاوعي.وقسم آخر يتشكل بالقراءة. بمعنى أن أية صورة شعرية لم تكن وليدة لفظها المعلن في القصيدة لوحده، بل هي نتاج تاريخ سري من العلاقات ظهر بصور شتى من التعابير، من بينها الصورة المعلنة في هذه القصيدة. وسنجدهذه الصور تظهر ثانية وثالثة بأشكال مختلفة، وفي نصوص شعرية لاحقة أو قديمة. ومن هنا لا توجد صورة لا تاريخ لها، حتى لو لم تظهر في هذه المرحلة من الشعرية الكلية لأجيال أو مجموعة متجانسة من الشعراء. فالملغي هو نثارمتروك،فاعل وله تأثير مباشرعلى صور القصيدة المقروءة، وميزته أنه لن يكون على أشكال محددة.

    تطعينا هذه المسألة تصوراً مهما وهو أن: الصورة الشعرية ليست وليدة لكلماتها فقط ،بل أن كلماتها بوابات لها. أما هي، فالبحث عنها يكمن في تاريخ تشكلها.وبالنسبة للسياب لا توجد صورة شعرية له ليس لها تماثل أو تكرار او توليد في صور عديدة سابقة في شعره، ولاحقة في أشعار آخرين. فمفردة "الليل" مثلا والتي يعنون بها قصيدته، لم تنبثق لاول مرة في هذه القصيدة، بل نجد لها عشرات الصور في قصائد أخرى سابقة ،وعشرات القصائد الأخرى اللاحقة. بمعنى أنها متشكلة قبلا في شعره وفي الواقع،وستشكل في صور جديدة وليست هذه الصورة / القصيدة إلا واحدة منها. كذلك مفردة الأم نجدها في عدد كبير من قصائد السياب،أما القبر واللحد فيوجد عشرات الصور منها في شعره وقل ذلك عن الكفن والشرشف الأبيض وعن عزرائيل وعن المقبرة وعن الغربة والعزلة والابواب الموصدة والمعابد الغريقة والرحلة والفقدان وغيرها من صور القصيدة حتى لتجد نص هذه القصيدة ليس خلاصة تجربة الغربة في لندن بل هي خلاصة لسنوات كثيرة من كتابته الشعر وعلاقة هذه الكتابة بوجوده كإنسان اشترك بالحياة واشبك مع مفاصلها واغترب عنها وتغرب فيها. أما أنا السياب وقد اسميتها في دراستي المكانية عنه بـ "العتبة" فشكلت عمود تجربته الشعرية كلها.لذا فكل مفردة لها تاريخ. وبدءا من العنوان "في الليل" نجد العنوان الملغي "في النهار" وبمثل ما يستدعي عنوان القصيدة اللحد والام الميتة والكفن وفقدانها لضوء الشمس والنهر الجاري وصياح الديك، نجد النص الملغي يستدعي كل الصور الملغاة والتي تشكل المعادل للصور المعلنة.وبالرغم من أن "في الليل" مكانية الصورة، لن تكون "في النهار" صورة مكانية،فالليل أكثر حصرية بالتحديد من النهار.حيث الظلمة أسبق وجوداً من النور وأعم.

    المسألة الثانية:هي البحث عن المكان البؤرة الذي يشرك النصين المعلن والملغي في بنية جدلية واحدة. وهو ما نطلق عليه المكان المولد والذي ولّد كل صور القصيدة وأفعالها، بنصيها المعلن والمخفي.في قصيدة " في الليل" ثمة مكانان، المكان البؤرة المعلن في القصيدة هو" اللحد"وهوفضاء يكمن تحت الأرض وقد يكون فوقها،كالغرفةالموصدة،والكفن،والتابوت،والنافذة المغطاة،وأي فضاء محدد مغلق يعمق إحساسنا باللحد. وفي القصيدة جاء معرفة. في حين يكون المكان البؤرة الملغي هو" الفضاء المفتوح"، وهوخارج اللحد والغرفة الموصدة والكفن، هو في كل الصور الحياتية النهارية المعاشة،التي افتقدها السياب، هو في الضوء والحركة والمشاركة والجماعية، هو في الحياة لا في الموت ،وفي النهار لافي الليل.ولذا فهو مبهم نكرة. والنكرة أوسع تأويلا. في المكان البؤرة الملغي ثمة راو إختار زاوية ليروي لنا ما يجري على خشبة المسرح، هذا الراوي هو أحد اللاعبين الثلاثة الذين يتنقلون بين المقبرة والغرفة الموصدة. وهو الصوت المشترك بين الأم والأبن.

    المسألة الثالثة:هي الجدلية القائمة بين مكاني العالم الأسفل /اللحد،موطن الأم،والعالم العلوي /الغرفة الموصدة، موطن الشاعر.وهو ما يشكل قصيدة " في الليل" والذي أصبحا مكانيا بحرف الجر "في".



    3
    القراءة


    نعني بالقراءة هنا، المدخل لرؤيتنا المنهجية للقصيدة، فكل قراءة تبتدئ بحرفيات يسعة إليهها الناقد لتأكيد ما سوف يذهب إليه في تحليل النص.وتكون هذه القراءة عامة وتخطيطية دون ان ندخل في تفاصيل النص.

    نقرأ القصيدة فنجد ها مؤلفة من قسمين:

    القسم الأول: هو ما يحدث في المكان الأرضي/ العلوي" الغرفة الموصدة" ،. ويكون الشاعر فيه هو البطل . وتمثله الأبيات الشعرية غير المقوسة وعددها أربعة عشر (14) بيتاً.

    القسم الثاني: هو ما يحدث في المكان الأرضي /السفلي" اللحد" . وتكون الأم بطلته، وهي الأبيات التي قوست، وعددها تسعة عشر (19) بيتاً. وهذا مؤشر أول على أن مفردة الموت/ الأم 19 بيتاً هي المهيمنة على مفردة الحياة/ الأبن 14 بيتاً. والمؤشر الثاني أن اللحد لا يحتاج إلى توصيف، فهو مغلق كونه لحداً،لذا عدد أبياته أكثر من الغرفة التي وصفت بأنها موصدة،وقد لا تكون موصدة. لذا جاءت أبياتها أقل لأنها ما تزال فيها حياة.

    ويبقى البيت رقم 16 " ستقول: أتقتحم الليلا " مشتركا بين القسمين لإشتراك الصوتين فيه، ولفاعلية سوف المستقبلية.

    ثمة ملاحظتان في هذا الصدد:

    الملاحظةالأولى: هي أن تاريخ كتابة القصيدة هو 27/2/1963، يوم كان السياب يُعالج في لندن،وقبل وفاته بعشرة أشهر تقريباً،مما يعني إن ثيمة الموت مهيمنة على القصيدة. ولأنه لا يستطيع الحراك كثيراً، إستعارالوهم للحركة، فهو يتحرك في الوهم. تعطل الحركة هي القدرة على إستيلاد الوهم وسنجده يتخذ أشكالاً عدة في هذه القصيدة، إبتداء من الإستهلال حيث الوصد يعني الإغلاق التام للغرفة - في غرف موصدة- وحيث الستارة المرخاة بلا حركة،وحيث الأثواب كمفزع بستان سود، كل هذه تشكل أجزاء المشهد الصامت، ربما ستفيق في الصمت العميق هذا ما يتمناه، لكنه يفاجأ أن لاحدا يأتي ليوقظ كل هذا الصمت، وإنتهاء بالخاتمة حيث الحركة في الوهم تجعله يرتدي ملابسه ويغادر، لكنه أيضاً لا يستطيع فالصمت عميق.

    الملاحظة الثانية: هي عنوان القصيدة ،" في الليل" وهي مبتدأ للقصيدة،تضعنا في خبر الظلمة والعزلة والوحدة، وهي مفردات تنسجم وطبيعة الحوار مع النفس، لاسيما وأن السياب فيه شبه مقعد. ومفردة في الليل هنا،تعيش في دلالتها العربية بمعنى الظلمة، وليس في دلالتها المكانية - لندن- . حيث الليل في لندن أجمل من النهار.والليل في شعر السياب، له عمقه الريفي، وثقافته الشعبية المتصلة بعزلة المكان وظلمته. وفي شعره الكثير من إستعمالات الظلام والليل، الذي يصفه بالجميل إذا كان في العراق ،"الليل أجمل في بلادي ..." وبالموت تارة أخرى. ونلاحظ بشكل عام أن الظلام الذي يحيط بالعراق أو العالم الخارجي، كان محبباً، بينما الظلام الذي يصف فيه ذاته في لندن كان قبراً ووسائد كالحة ومستشفى وحزناً وموتاً. وهو ما يتلاءم وسياق منهجنا في كتابنا " جماليات المكان في شعر السياب" الذي قسمنا فيه شعريته على ثلاثة أمكنة :الخارج حيث العالم الخارجي بقضاياه الإجتماعية والسياسية، بلدانا وجغرافيا وأمكنة، والداخل حيث غرف المستشفيات والعزلة والأم وما يحيط به، والعتبة حيث الموقع المابين هي "اللاداخل واللاخارج" والذي عنينا بها كيان السياب وجسدة ومرضه وذاته. فنجد مفردة مثل الليل ، الماء، النهر، القبر، الأم، غياب الأصدقاء،...الخ ترتبط عملياً بالذات التي تملأ هذه المواقع، مصحوبة بجسد مريض مقعد، وبأحلام يقظة يستدعي فيها أمه.. فعندما يكون النهار تكون فيه صورة المدينة المضاءة، والأصدقاء والآخرين. وهي غيرها عندما يكون الليل فتكون صورته الغرفة الموصدة والقبر، وعندما يكون الليل مرتبطاً بذاته، تكون له صورة ثالثة هي صورة المجرى الروحي. إذن فالسياب هنا يتبع هذا السياق المكاني الشعري لليل. الذي يستحيل في لندن إلى كابوس.



    العنوان


    يكشف عنوان القصيدة عن فاعلية شبه الجملة "في الليل" وهو خبر للقصيدة التي تشكل مبتدأً، أي وضع السياب الخاص ،ولذا فالقصيدة تتحدث عن المرض ،وعن العزلة،وعن الغرفة ،وعن الستائر المسدلة،وعن الأصدقاء الغائبين،وعن الطريق الموحشة، وعن الأم، وعن كفنها ولحدها، وعن عزرائيل وما تبع ذلك، وكلها حالات تحدث في الماضي، في حين أن القصيدة مستقبلية وموشاة بسوف، وكأنها المبتدأ المتأخر لما سوف يجرى.

    لو أعدنا قراءة القصيدة، نجد عنوانها موجود في كل بيت من أبياتهأ تقريباً، وبصيغ ودلالات مختلفة. فالغرفة الموصدة ، ليل،والصمت العميق، ليل، والستائر المسدلة ليل،والتنصت ليل..الخ من أبيات القصيدة، مما يعني أن مفردة الليل المولدة تغطي سياقات النص كلها.لكن البنية التي ولدها الليل تأخذ صيغاً شعرية مختلفة، فهي ليست ظلمة بل موت ووحشة ووهم، ومقبرة،وزاد الموتى، وكفن مهترئ،وغياب للشمس،ودروب للوهم، هذه الصيغ وغيرها مشحونة بدلالات الليل وفلسفته، فأعطت للقصيدة مساحات من التأمل.

    يكشف العنوان عن بنية أخرى فهو معرفة وليس نكرة، وهذا يدل على أن مرض السايب علني ومعلوم، وأن صيغ الليل التي أحاطت بالقصيدة ، هي من نتاج هذه العلنية. فلو كانت القصيدة تتحدث عن نكرة ومجهول، لتحولت الصيغ السردية من الذات إلى الآخر، لكن ما يجعل القصيدة حية ومقترنة بالسياب، هو أن كل مفردة منها تحيلك إلى جزئية من حياته.

    ينفتح العنوان على النص فنجده يتألف من 34 بيتاً شعريا ً، تتناوب على سردها ثلاث شخصيات هي: الشاعر، والأم، والراوي. وهو ما يشكل بنية درامية ثلاثية مكتملة العناصر. ويدل "في الليل" على بنية زمكانية هي الظلمة مصحوبة بغرفة موصدة وقبر. والظلمة بمعناها الأوسع هي العماء. نحن إذن في مسرح، كل عناصر المسرحة فيه مكتملة؛ ثلاثة شخوص يُستحضرون من أزمنة مختلفة، وفي أمكنة مختلفة، ليروون لنا حدثا درامياً. وثمة جمهور يوجه له الخطاب شعرأ وليس حكاية وهو ما يقربنا من الأسطورة.وثمة خطة أخراجية يعمل على تنفيذها القراء لترسيم مكان الاحداث،حيث تتباين درجات الضوء والظلمة تبعاً لأجواء وشحنات القصيدة. فتصبح رؤيتها حافزا على قرائن لصور مختلفة تترى أمام أبصارنا. وفي مسرح الغرفة الموصدة الأبواب والشبابيك، ستائر،وأثواب سود، وفزاعات،وأكفان، وماء يجري في الأعماق، ونبات الخرّوب.



    المتن الشعري


    هذه الترسيمة المكانية،تؤلف ثيمة التناقض بين مستويات القصيدة لصناعة مشهد واقعي لمسرح يكون "الوهم " فيه على طريقة بيراندللو هو الشكل الفني. والمسرحية التي تتشكل امامنا تتألف من أربع لوحات:

    لوحة أولى: تلك التي يتحدث الشاعر فيها عن غرفته الموصدة وما يتبعها من أوصاف.

    لوحة ثانية: توصف لنا الطريق واللحد وغياب الأصدقاء.

    لوحة ثالثة: حديث أمه وهي في لحدها.

    ولوحة رابعة: هي العودة إلى الغرفة بعد أن لبس ثيابه في الوهم وخرج إليها.

    هذه الثيمة المكانية لتوزيع القصيدة تسهل لنا عملية تركيب مشاهدها،إننا في مسرح واقعي / خيالي ولكن أدواته عرائس، وليست شخصيات حقيقية. فالكل موتى حتى الأصدقاء الغائبين. أما الجمهور الذي يشاهد العرض فهو جمهورالموتى ،الذين سيشاركون في رسم المتن المكاني الكوني لعالم الأموات. ثمة خيوط ممتدة من الغرفة الموصدة إلى الخارج،حيث المقبرة هي البؤرة المكانية للقصيدة، منها تنطلق وإليها تعود الأفعال. أحد هذه الخيوط يعلم لنا الطريق الموصل بين الغرفة والمقبرة."ربّ طريق" والآخر يعلم لنا الفزاعات التي تتوسد الظلمة وقد وضعت عليها ملابس الشاعر المهترئة." وأثوابي كمفزِّعِ بستانٍ ، سودُ " والثالث يعلم لنا الستائرالمسدلة التي تمنع الضوء الخارجي من الدخول،" وستائرُ شبّاكي مرخاةٌ" .. والرابع يدخل إلى اللحد، حيث الأم ناهضة من نومها، "ألا ترمي أثوابَكَ ؟ والبَسْ من كَفَني" والخيط الخامس يشكل لنا عزرائيل وهو يرف الكفن الممزق، "عزريل الحائكُ ، إذْ يبلى ،

    يرفوهُ . تعالَ ونمْ عندي " والخيط السادس خيط الوهم الذي يخرج الشاعر فيه من غرفته قاصداً المقبرة حيث يلقى الأم فيها، " سَآخِذُ دربي في الوهمِ" والخيط السابع يجسد لنا نبات الخروب وجريان الماء الآتي من أعماق ظلمة الكون، "خرّوبِ المقبرةِ الصّادي ؟ والماءُ ستنهلُهُ نَهلامن صدرِ الأرضِ " والخيط الثامن هو يوم صياح الديك منذراً بيوم الحشر،حيث تنهض الموتى من أعماق العالم السفلي ناشدة الأمل الذي قصدته عشتار في رحلتها بحثاً عن تموز كي توقظ منه كل إخضرار الأرض وربيعها،" لهُتافِ الديكِ إذا دوّى في الآفاقِِ" والخيط التاسع هو الخروب الذي لا ينبت إلا في المقابر كما نعرف نحن أبناء الجنوب وهناك عدد آخر من الخيوط التي يحركها الشاعر وهو على سرير المرض في إحدى مستشفيات لندن، حيث يختلط الوهم بالحقيقة، الصحو بالغياب، الموت بالحياة، المدينة بالمطر،اللحد الأظلم بالكفن، الغرفة الموصدة بالقبر، ...الخ هذه الخيوط اللاعبة في مسرح الأشباح المكانية تؤلف قصيدة " في الليل" التي أغلقت أبوابها الخارجية لتفتحها على العالم السفلي.





    الإستهلال




    يستهل السياب قصيدته بـ ببيت غامض
    الغرفة موصدة الباب




    الكلمات الثلاث التي تضمنها الإستهلال هيمنت على كل صور القصيدة:

    كلمة الغرفة، نجدها ممثلة بـ: الأعماق،الموت،الصمت،المقبرة،صدرالأرض،اللحد،النهر،وكلها مقفلة ولا أمل بالعثور على مفتاح لها.

    وكلمةالوصد، تتمثل في: الصمت،التنصت،الترصد،الهمس، اللبس، النهل،الرمي، الوهم ،وغيرها. وهي أفعال متكورة،تولد نفسها بنفسها، وتدور في فلك ضيق من الحركة. لذا فهي باطنية.

    أما الباب فيتمثل بـ :الشباك المغلق،الطريق المسدود،البستان المهجر،والصديق الذي لن يأتي،الآفاق المستحيلة،وغيرها.وكلها صور مغلقة أيضاً.

    يتكرر الإستهلال مرة ثانية في البيت الثاني عشر،وهذه المرة سيتحث فيه عن القبر. ويعني ذلك أن فعل الإستهلال شمل غرفة السياب وهي في الأعلى ، ويشمل الآن قبر الأم وهي في الأسفل، فيصبح الإستهلال مهيمناً على قسمي القصيدة.

    ثيمة القفل المغلق، وإستحالة الحصول مفتاح له،هي الصورة المركزية التي تحرك كل الأفعال ولو أعدنا النظر ثانية في مفردات الإستهلال ومشتقاتها سنجدها مقفلة.فالقسم الأول من القصيدة الخاص بالسياب نجد القفل على هيأة : الشباك وقد أسدلت ستائرة، والطرق وقد قطعت، والصديق وقد آفل، ،ولم يكف عند هذا الحد، فقد سحب القفل تأثيره، على الثياب السود، والليل الموحش، والصمت العميق،وكلها مفردات العالم العلوي. ثم يكرر ثيمة القفل ثانية فيشمل القسم الثاني من القصيدة وينزل به هذه المرة إلى قبرالأم ولحدها وهنا تحاول الام إنقاذ إبنها أملا في ان تأتيه بالمفتاح: عزرائيل الذي سيرف الكفن، واللحد الذي سيمتلئ بالزاد وبالماء وبالخروب،والفراش الذي سيكون لحافه ،وبالأمل للخلاص من الموت بيوم الحشر.لكن لا أمل بالحصول على أي مفتاح للنجاة.فنجد الوهم يلحم القسمين في البيتين الأخرين من القصيدة:

    سَآخِذُ دربي في الوهمِ

    وأسيرُ فتلقاني أُمّي.


    البؤرة المكانية




    تمثل البؤرة المكانية للقصيدة الأبيات التالية:

    وسريتُ : ستلقاني أُمّي

    في تلكَ المقبرةِ الثكلى ،

    ستقولُ : " أَتَقْتحمُ الليلا.....

    من دونِ رفيقْ ؟

    تولد البؤرة المكانية عدداً من الأفعال التي تتوزع على صور القصيدة ومشاهدها.

    وأفعال البؤرة المكانية أربعة هي: سرى،لقى،قال، أقتحم.وكلها في الماضي.

    السير: ضد المرض. وهو فعل استحالة فالسياب مريض ولم يستطيع السير لذا فالفعل معطل والمحاولة هي الهروب بالجسد إلى الحرية، لكن اية الحرية؟ الحرية هي قبر الأم التي تُستحضر صورتها في هذا الليل.لذا فالسير معطل،وحرية الجسد محبطة والفعل " سرت" لا يجد له صدى أو امتداد في القصيدة بل يتحول إلىف عل إنكفاء وخيال محبط ليتحول إلى وهم." وسريت في الوهم".

    اللقاء: ضد القطيعة. وهو هنا فعل معطل أيضاً غذاليس ثمة لقاء بل تصور للقاء، الوهم ثانية يهيمن على العلاقة المفترضة ان سيكون خاتمتها لقاء.

    القول: ضد الصمت. ليس ثمة قول ايضا كل القصيدة تعبر عن صخب داخلي ممتلئ بالصمت، الليل الصامت والغرفة مغلقة والأبواب موصدة والطريق موحس ولا اصدقاء هذا الصمت الكوني يحيل الشاعر إلى الدخول إلى خياله الذي وجده محبطا فما كان منه إلى العيش في الوهم.

    الاقتحام: ضد العجز. وهو هنا ايضا ليش بمقدور السياب أن يقتحم وهو المريض وقدماه لا نعينانه على القيام فليس ثمة اقتحام وإنما هو وهم والقصيدة تصور الحال المصادة للحرية.

    نحن علينا ان نعيش في القصيدة الملغاة تلك التي تحيا تحت سطح القصيدة التي نقرأ

    ماذا ستؤلف هذه الأفعال.

    سنجد أن أفعال القصيدة كلها تؤكد استحالة اللقاء بين الأبن والأم، فالسير وهم لان الجسد مريض، واللقاء وهم آخر لانه استحالة، والقول وهم آخر لان الصمت مطبق والغرفة موصدة ولا ثمة صديق. والقتحام مستحيل هو الآخر لان السياب غير قادر عليه، من هنا نجد أن الأفهال الاربعة بالرغم من حركتها وفاعليتها ودلالتها على الحركة معطلة كلها وهذا يعني أن القصيدة تغلق حتى بافعالها المتحركة الباب عليها.

    تتفرد هذه القراءة للقصيدة بأنها لم تعتمد منهجية مسبقة لرؤيتها، المنهجية قائمة في عناصرها ومفرداتها ولذا ليس ثمة احالات على مرجعيات ولا تصورات مثيولوجية ولا إيدولوجيا معينة تضغط على الناقد كي يجير عناصر القصيدة لها، القصيدة هي التي تبني مفردات منهجها وعندما تكون مجموعة قصائد بالإتجاه نفسه يعني ثمة مؤشر على أن شاعراً ما له خصوصية منهيجة يفرضها شعره على الناقد.


    قارئ القصيدة يذهب جيئة ورواحا بين موقعين: الغرفة في الأعلى، وهي ليست بيتاً، إنما هي غرفة في سكن، اشبه ما تكون لحدا، واللحد في الأسفل،- اللحد ليس القبر، إنما هو في جانب منه- وكلاهماالغرفة واللحد أمكنة ثانوية. ولكن الهيأة للغرفة وللقبر واحدة، كلتاهما توصد على ساكنيها مرتيننمرة بموقعها الصغير، ومرة بالقفل الخارجي.ولذا ليس ثمة مفتاح فعزرائيل لا يأخذ الروح من الجسد فقط، بل الأمل - المفتاح- ، لذا عاشت القصيدة واستحمت ونامت في الوهم.



    منقول

    تحياتي

    ختام الأشقر

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة نوفمبر 22, 2024 10:44 pm