من طرف فتون شاهين الإثنين سبتمبر 19, 2011 12:52 pm
والعشق أعلى درجات الحب. فقد تحب شخصاً أو شيئاً، ولكن عندما تذوب حباَ في هذا الشخص أو الشيء؛ فإن هذا الحب يصير عشقاً. وعليه نفهم معاني الحب الذي يربط بين قلبين متحابين، وكيف يصير الواحد لا يقدر على فراق الآخر. ويوصف العشق بالهُيام، ومثله نفهم الهيام الإنساني بالذات الإلهية لأهل التقوى والصلاح وحب الله، كما في سيرة الشاعر الصوفي، عمر بن الفارض.
والضمير العربي السليم، المعافى من النزعات الإقليمية الضيقة التي صنعها الغرب، وتشبثت بها الأنظمة العربية التي فرضها على الوطن العربي في كل ديار العرب وأقطارهم، يمثلون الاحتلال المباشر بثوب وطني مزيف، همه الاستغلال والمحافظة على مصالح أعداء الشعب، وليس خدمة مصالح أبناء الشعب.
كانت سوريا عبر مراحل التاريخ العربي الإسلامي، تمثل (قلعة الصمود والتصدي) الحقيقية. فمن سوريا انطلقت جحافل الفتح الإسلامي بعد معركة اليرموك التي غيرت وجه التاريخ إلى قرون من الزمان.
ولا تزال قلعة حلب قائمة شامخة تشير إلى عظمة الأمجاد العربية التي مثلها سيف الدولة الحمْداني، وابن عمه فارس بني حمْدان، أبي فراس الحمْداني، الذي يذكرنا بنقيضه سيف الإسلام القذافي، ومن يشبهه من رجال الحكم العرب المعاصرين.
وكيف لا نعشق دمشق، ومن دمشق انطلقت جحافل الفتح الإسلامي لتحرير المغرب العربي من احتلال الروم؟ وكيف لا نعشق دمشق، ومن دمشق انطلق الجيش الأموي الإسلامي لفتح الأندلس؟ وكيف لا نعشق دمشق، ومن دمشق وصلت جيوش الفتح الإسلامي إلى الصين شرقا؟
كيف لا نعشق دمشق ومن دمشق وصلت الجيوش العربية إلى أسوار القسطنطينية في خلافة معاوية بن أبي سفيان، قبل أن يكرم الله السلطان العثماني، الشاب المسلم محمد الفاتح، بفتحها وتحويلها إلى عاصمة الدولة العثمانية التي وصلت جيوشها إلى أسوار فينا في قلب أوروبا؟
هذه هي دمشق التي وصفها أمير الشعراء بقوله:
أَلَسْتِ دمشق للإسلام ظئراٍ ***** ومرضعةُ الأبوة لا تُعَقُّ؟!
هذه هي دمشق التي قال فيها الشاعر العربي الكبير، ابن دمشق، نزار قباني:
ما تُبْتُ عن عِشقي ولا استغفرته ***** ما أسخفَ العشاقَ لو هُمُ تابوا
والحب يبدأ من دمشق؛ فأهلنا ***** عبدوا الجمال وذوّبوه وذابوا
والخيل يبدأ من دمشقَ مسارها ***** وتُشَدُّ للفتح الكبير ركابُ
والدهر يبدأ من دمشق، وعندها ***** تبقى اللغاتُ وتُحفظُ الأنسابُ
ودمشق تعطي للعروبة شكلها ***** وبأرضها تتشكل الأحقابُ
لكل ما ذكرناه، وما لم نذكره، من مكانة دمشق في الضمير العربي والوجدان الإسلامي، استحقت دمشق هذا الحب الذي يصل درجة العشق، ومن هذا الإحساس الذاتي أحسست بمدى هيامي بدمشق ومدى عشقي لدمشق، مهما تقلب عليها من أنظمة في الحكم، فإنه يظل لدمشق محبة تملأ القلب وتفيض بها النفس العربية الصافية.
من هذا المفهوم تساءل أمير الشعراء عن مكانة دمشق، بالرغم من رضوخها للاحتلال الفرنسي الغاشم في حينه، والذي مزق الوطن السوري الكبير إلى دويلات لكي تسهل السيطرة عليه، بعد أن كان يسمى بلاد الشام. ومن هذا المفهوم صرخ نزار قباني ودمشق ترزح تحت السيطرة الحزبية الضيقة، التي تعد على الإنسان السوري أنفاسه، وتحسب عليه نبضات قلبه، وتجعل منه مجرد آلة صماء بكماء، كما يعيش المواطن العربي في كل ديار العرب وأقطارهم، مما كان السبب الأول لتفجر الثورات العربية الحالية، وتململ الأقطار التي تتفاعل الحركات الثورية فيها موحية بالانفجار، مهما طال بها الزمان، ومهما كانت المعوقات والاستعدادات لمواجهة الطوفان الشعبي العربي القادم، والذي ينادي بمبدأ التغيير والحرية والكرامة.
دمشق التي هي قلب العروبة النابض، كانت نيران الغضب تتفاعل تحت رماد القهر الذي سيطر عليها طيلة هذه العقود المظلمة من تاريخها المضيء، ولذلك انفجر بركان الغضب السوري، كما نشاهده اليوم بكل عنفوانه، والذي نعتقد جازمين أنه لن يهدأ إلا بتحقيق (الحرية والكرامة)، التي كانت شعار الذين خرجوا يتحدون الموت ليلاً ونهاراً ولا يتراجعون؛ بالرغم من وسائل البطش التي يلاقونها.
دمشق مرضعة الأبوة تُعَقُّ اليوم، على غير ما قاله شوقي أيام الاحتلال الفرنسي، قبل أكثر من ثمانية عقود من الزمان، وإذا بها تعيش مرحلة أسوأ من مرحلة الاحتلال الفرنسي. فكيف لا (يذوب القلب من كمد)، وهو يرى أحرار سوريا يدوسهم (حماة الديار) بالنعال؟ وكيف لا يتميز الضمير العربي غيظأ ويتمزق ألما، وهو يرى أطفال سوريا يتم التمثيل بجثثهم بعد قتلهم بالتعذيب الرهيب؟
على قدر الحب يكون ألم المحب لما يصيب حبيبه، وعليه فإني أحس بأعلى درجات الألم وأنا أشاهد مناظر الأحرار السوريين وهم يداسون بنعال (الشبيحة) المجرمين، لأن سوريا حبيبتي، ولأن دمشق معشوقتي. مساء السبت الماضي، بينما كنت أتابع أخبار سوريا الحبيبة، عرض التلفزيون منظرا لأحرار سوريا وهم ينشدون نشيدا جماعياً حزينا يعبر عما يعيشه السوريون من المآسي والمخازي، مما جعلني أنفجر بالبكاء أمام أفراد أسرتي الذين شاركوني البكاء كذلك.
هذا العشق لدمشق ليس وليد المرحلة. إنه من بداية تفتح ذهني على أمجاد سوريا، وإنجاد سوريا لفلسطين وإمدادها بالثوار والسلاح، منذ بداية القضية الفلسطينية وتجاوب الشعب السوري العظيم مع إخوانه الفلسطينيين في صراعهم مع الحركة الصهيونية والاستعمار البريطاني الظالم.
وهل ننسى أن الشيخ عز الدين القسام، هو سوري من بلدة جبلة في منطقة اللاذقية؟ وكيف ننسى سعيد العاص السوري، وكل الذين استشهدوا في الدفاع عن الوجود الفلسطيني، من السوريين ومن غير السوريين؟
أما قائد معركة زرعين عام 1948م، والتى تعتبر من المعارك القليلة التي استطاع المناضلون الفلسطينيون، مع إخوانهم من جيش الإنقاذ، أن يردوا الغزو الصهيوني في حينه ويهزموه. فقد كان المرحوم سعدون، من دير الزور السورية. ولا نستطيع الحصر لكثرة الشهداء السوريين وغيرهم طبعاً من البلاد العربية، يوم كانت النخوة العربية متأججة في الصدور.
أنا أومن إيماناً مطلقاً، كما يؤمن كل عربي صادق الانتماء، بما نادى به الشاعر السوري، فخري البارودي، بأن: (بلاد العرب أوطاني)، بالرغم مما لحق من بلاد العرب من تفتيت وتجزئة، وتحكم بمقدراتها. إلاَ أنني شخصياً، لا أعرف لماذا كنت أحس بميل شديد لدمشق عندما كنت أسافر إلى بيروت لتقديم امتحانات الجامعة عندما كنت أدرس اللغة العربية في جامعة بيروت العربية في بداية السبعينات من القرن الماضي. كنت أشعر أنني أسير بين أهلي إذا مشيت في الشارع في دمشق، وكنت أحس أنني بين أسرتي إذا جلست في صالة الفندق مع السوريين.
كنت أحزم حقيبتي قبل الذهاب لتقديم الامتحان الأخير في الجامعة، لكي أتناولها بسرعة بعد الانتهاء من تقديمه، وأغادر دون تأخير لكي أسافر إلى دمشق، ولكي أتجول في سوق الحميدية بعد تأمين مكان المبيت، ولكي أجلس في صالون فندق (جول جمّال)، هذا الفندق الذي يحمل اسم البطل السوري الذي قاد الطوربيد وفجر نفسه لتدمير البارجة المدمرة الفرنسية (جان بار) التي كانت تقود العدوان البحري على مصر في العدوان الثلاثي سنة 1956م.
كنت أحس أن صاحب الفندق الفلسطيني الأصل من آل القاضي، هو أخ لي لم تلده أمي. التقيت في فندق جول جمّال هذا في إحدى المرات بأبي أحمد من حلب، الذي راح يحدثني عن فلسطين، وكيف كان يشارك في كثير من المعارك التي خاضها العرب ضد اليهود، وأنه كان من ضمن مجموعة البطل السوري سعيد العاص، رحمه الله، الذي استشهد في معركة الخضر في منطقة بيت لحم التي حدثت يومي الخامس والسادس من شهر تشرين الأول عام 1936م، وكيف كان يصف لي كثيراً من مناطق فلسطين التي ظهر لي أنه يعرفها أكثر مما يعرفها كثير من أهالي فلسطين.
أنا أحب سوريا حباً جمّا، وأعشق دمشق عشقاً عظيماً، ربما لأني من أصول سورية، حيث أن جذور عائلتي تعود إلى بلدة (جِبَه)، بكسر الجيم، من أعمال القنيطرة السورية، حيث مقام جد العائلة سعد الدين الجباوي الشيباني، الذي تنتسب إليه عائلتي، موجود فيها.
قال الشاعر القروي، رشيد سليم الخوري، قبل أكثر من ثمانية عقود في الثورة السورية الكبرى سنة 1925م بقيادة البطل سلطان باشا الأطرش، يحض على مواصلة الثورة ضد الغاصب الفرنسي، حتى نيل الحرية وتحقيق الاستقلال:
بَدَتْ لك فرصةٌ لتعيشَ حراً ***** فحاذرْ أن تكون لها مُضيعا
نشرت في جريدة القدس يوم الأحد بتاريخ 18-9-2011م؛ صفحة 44
كتبها ياسين السعدي
الجمعة يونيو 28, 2019 8:55 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» د. ليلى عريقات نائب الرئيس ورئيسة تكريم الشهادات الفخرية والرئيسة الفخرية للمجلس
الإثنين ديسمبر 03, 2018 12:25 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» اهداء ارتجالي الى عميدة الشعر المعاصر الاستاذة د. ليلى عريقات / د. لطفي الياسيني
السبت ديسمبر 01, 2018 9:05 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» خذ ومن عمري لعمرك .. مهداة لشيخ الشعراء المجاهدين لطفي الياسيني للشاعر حسين حرفوش
السبت ديسمبر 01, 2018 2:18 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» وما غير الطبيعة من سِفر
الخميس يوليو 11, 2013 6:22 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» حمى الناس ..إهداء إلى أهالي الحولة
الخميس يوليو 11, 2013 6:13 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» قصيدة معايدة الرؤساء العرب .. للشيخ عائض القرني
الخميس يوليو 11, 2013 6:12 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» طال ابتهال المصطفى
الخميس يوليو 11, 2013 6:11 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» من وحي السيول والفيضانات التي اجتاحت بيوتنا / د. لطفي الياسيني
الأربعاء يناير 09, 2013 4:02 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني