24
لنجرب اختياراً آخر
لنجرب اختياراً آخر
منار: لما كان (الماسينجر) لا يسعفني في الاتصال بك بشكل مباشر؛ لانفصاله المستمر بسبب رداءة الشبكة, التي تأثرت أبلغ التأثر بعد الاحتلال, وكنت أغتاظ كثيرا من الأمر لانقطاع توقك المتلهف لاستطلاع أحوالنا, وبخاصة صحة ماجد الآخذة في التحسن, والاتفاق على ترتيبات زواجه بهيام, أو إتمام عرس محمد وهيام, أو مجريات الأمور في نهر ترشحي لعضوية رئاسة أحد فروع نادى الكتاب, ومن ثم الطموح لرئاسته؛ لإنقاذ مسيرته المتعثرة في السطحية والميوعة والضحالة الإبداعية والفكرية, وارتقاء بمستوى أدائه من خلال حمل راية التغيير للأفضل والأجدى والأنفع, بإزاحة من أسميتهم أنا ومجموعتي من إدارة شئون هذا الاتحاد بالحرس القديم, المتكلس الأدوات والوعي والرؤى, والمرتمي في أحضان سلطة لا تعطى أدنى أهمية للثقافة والإبداع, فأنا الآن أشعر بارتباك شديد؛ لأني قد أنقطع عنك لليلتين كاملتين؛ بسبب سفري إلى بعض المدن الصغيرة, التي يتواجد بالإقامة فيها بعض الأعضاء من الكتاب, وممن لهم حق التصويت في الانتخابات؛ للالتقاء بهم, وتوصيل مضامين حملتنا من أجل التغيير إليهم؛ سعيا للحصول على تأييدهم وأصواتهم, أيضا طرح رؤانا للمستقبل عليهم.
سأكتفي أيتها العزيزة بإرسال الرسائل القصيرة على الهاتف المحمول, وبعبارات تلغرافية لك, من خلالها تدركين الأحداث مفصلة, من خلال معرفتك المقربة لحال وأحوال الكتاب والمبدعين هنا, والتي لا تسر عدوا ولا حبيبا.
على فكرة منار الصغيرة مصرة على مشاركتي كافة جولاتي مع زملائي رفاق رحلتي والمرشحون معي في جبهة الإصلاح والتغيير, وتعهدت هي أن تكتب لك تلك الرسائل من هاتفها, وحين يجد أمر هام ستحول الرسائل إلى اتصال مفتوح بعض الشيء.
ذكرت لك هذا كي لا تقلقي من أنها لن تجلس أمام الحاسوب لترسل لك رسائلها هي الأخرى, فلا يشغلنك أمر غيابنا هاتين الليلتين, وكوني بخير, وليتك تطمئنينا على الصغير والكبير عندك, وبخاصة صحة الحجية مع دخول الفصول ببعضها وتقلبها.
25
أبو الطيب المتنبي يقتل ثاًنية في بغداد!
أبو الطيب المتنبي يقتل ثاًنية في بغداد!
عزيزي حسن:أشعر بالغيرة حين تكتب لي عن شجونك مما يحدث في الوسط الثقافي المصري, وينتابني شعور بالحسد, وأتمنى لو يتسنى لي الانغراس فيما يحدث حولي في الوسط الثقافي العراقي الذي قاطعته منذ الغزو ولم يبق لي شأن به.
اهتمامي ينصب يا حسن في شؤون المقاومة, والمشاكل التي أجد نفسي منغرسة فيها من جراء هذا الغزو اللعين, لم أحضر أي نشاط ثقافي أو أدبي في العراق, ولم أدل بأي حديث صحفي سوى حديث واحد, تم حذف نصف ما قلته, من قبل مدير التحرير الذي خشي على منصبه وراتبه, تحدثت كالعادة عن حقي في مساندة مقاومة بلدي, وقلت بصريح العبارة إن كل ما أكتبه اليوم هو نتاج لكل ما ينجزه فرسان المقاومة على أرض الواقع.
مسكين مدير التحرير, لم يجرؤ أن ينشر أني أهدي كل كتاباتي إلى هؤلاء الأبطال, الذين يسطرون ملامح جديدة لحياة شريفة, في وطن لا يرضى فيه الشرفاء من أمثالي إلا الحياة بالعز.
بعد مرور أكثر من سنة, استوقفني هذا المدير في شارع من شوارع بغداد, وقال لي حانيا رأسه باتجاه قدميه: أعتذر منك, ومن العراق, ومن كل فارس وطفل وشيخ سال دمه؛ ليبقى الوطن الأبجدية الوحيدة التي ترفرف بشموخ.
أدباء الرافدين يا حسن, مثل أدباء النيل والشام واليمن, لا يختلفون في شي, سواء أن هناك من حول قلمه إلى بندقية وسيف, وهناك من برّد رأس قلمه؛ كي لا يكتب حرفا لا يقوى على حمله, وهناك من وجه سهم قلمه في قلب الوطن, وأصاب أحشاء أبنائه.
لِمَ تحزن وأنت أعلم الناس أن الغرب ينفق نصف ميزانيته؛ كي يشتري بضعة أقلام, وأفكار في عالمنا العربي؟!!
واعذرني, ليس لي اتصال بأي أديب, وعلاقتي بهم لا تتعدى حدود الإيميلات والرسائل, أستلم من بعض الزملاء الأدباء رسائل تهنئة وتأييد بالموقف, وأجدهم مثلي انزووا عن قارعة الطريق, إلى شقق ضيقة, وبيوت موصدة الأبواب؛ خوفا من الاعتقال أو الاغتيال، وحدي مع أسماء أخرى, أتنسم عبق كتاباتهم في مواقع الانترنيت, نمنح للقلم حيوية الرصاص, والعبوة, والآربي جي.
لازلت أحمل هويتي اتحاد الأدباء, ونقابة الصحفيين الصادرتين قبل الغزو, ولم أتقدم بطلب تجديدهما, كوني لا أثق بالجهة التي ستمنحني الهوية الجديدة, ولا بالأشخاص الذين يوقعون عليها, لم أعد أثق بأية مؤسسة يا حسن تتشكل بوجود المحتل.
فأنا لا أستبعد أن تكون مخالبه قد مدت إليه, ودست فيها السم الذي يقتلنا ونحن أصحاء, حتى وإن كانت في واجهتها شعارات براقة تؤيد المقاومة.
سأغيب أنا أيضا أياما عن النت, أنا مسافرة غدا إلى مدينة السليمانية؛ لأزور ابن شقيقي زهير, الذي أصيب بمرض في الدم، والأطباء لا يستبعدون إصابته بمرض السرطان, أسافر وأنا أجهل أن يكون مسموحا لي اجتياز الحدود, وتجاوز نقطة العبور إلى السليمانية التي انفصلت عن الدولة المركزية في بغداد, وأصبحت إقليما منفصلا, ويسعى الساسة الأكراد إلى جعلها دولة مستقلة مع مدن كردية أخرى كأربيل ودهوك, ومحاولتهم لضم كركوك إليها, أظن سأحتاج إلى من يكفلني من مواطنين أكراد, إن لم يعترفوا بالتقارير الطبيبة, التي أحملها والتي تؤيد زيارتي لمريض راقد في مستشفاهم, تم إحالته من قبل طبيب كردي في الموصل.
أستبعد يا حسن أن أجتاز الحدود, فهم لا يعترفون بأي تقرير طبي, وصاروا يتعاملون كدولة مستقلة, ويحددون عبور المواطن العربي العراقي إليهم, والأمر شاق إن لم أتمكن من الدخول, زهير راقد هناك, ولا أعرف أين وصلت فحوصاته الطبيبة, وليس من يرافقه, سوى شقيقه الأكبر منه كريم.
أنا متعبة يا حسن بسبب مرض زهير, فتكاليف علاجه باهظة, ولن أتمكن من تدبيره لوحدي, الأطباء ينصحوني بنقله للعلاج في دول أخرى, اتصلت بطبيب عراقي متواجد في سورية, ونصحني بنقله إلى هناك, موضحا أن العلاج متوفر, لكن ليس بالمستوى المطلوب, وأشار أن العلاج متوفر في القاهرة, أو عمان, وأنت تعرف ظروفي المادية التعسة, وارتفاع تكاليف العلاج في هذين البلدين.
إذا تمكنت من اجتياز الحدود مع السليمانية, سأقوم بنقله إلى مستشفى أمراض الدم في أربيل, حسب رأي أطباء السليمانية, يقال إن العلاج متوفر هناك بشكل أفضل.
تأجل موضوع سفري إلى سورية؛ بسبب الطارئ الجديد (مرض زهير المفاجئ), وأنا منزعجة جدا, كنت بحاجة إلى هذه السفرة, لتغيير الجو وتنسم هواء جديدا, أشعر بالاكتئاب والضجر, رغم سفراتي المتعددة, إلى الموصل وكركوك, لكن مدن العراق أصبحت تتشابه في بعضها, رائحة الدم البشع, وصورة الدمار والموت, يخيم على كل المدن, لم تعد هناك مدن تفوح من بساتينها رائحة الزهور الندية, ولا رائحة الآس المنبعثة من الشوارع, والتي كانت تزرع بكثافة بين الجزر الوسطية.
آمل أن لا يستهلك زهير جلّ وقتي, وأفقد القدرة على التوازن وقياس الأمور بدقة, فالإنغراس في أمور عدة مرة واحدة يضع الإنسان في مأزق الضياع الشامل.
المشكلة يا حسن, أن هذا البلد تعصف به الأمراض من جهة, ولاسيما الأمراض المزمنة, مثل السرطان والإيدز المنتشر بكثرة في الجنوب؛ نتيجة ممارسة عادات سلوكية غير صحيحة, و من قبل ثلة من البشر اقتحموا الجنوب من إيران, وما يزيد الطين بلة عدم قدرة المستشفيات المحلية, من تقديم العلاج الكافي لهؤلاء المرضى, مما يستوجب نقلهم للعلاج في مدن آمنة, والمنفصلة عن وسط العراق وجنوبه, مثل أربيل التي تحتاج إلى جواز سفر لعبور الحدود, فالجانب الكردي المتحكم بهذه المدن يتعامل مع المواطنين العرب بطريقة استفزازية, تصل لحد منعهم من الدخول دون تقديم كفالة رسمية مصدقة.
الوضع مزر جدا يا عزيزي, ولست أدري إن كنت سأتمكن من دخول أربيل أم لا, وهل أتمكن من تدبير كفيل كردي, وحالة زهير تتطلب العلاج الفوري, وأنا حائرة وعاجزة عن التفكير وإيجاد المبادرات.
لا تقلق إن تأخرت في الكتابة إليك, كوني مقبلة على أيام عصيبة, لا أعرف كنهها ولا مذاقها, أسأل الله أن يكفيك شر هذا المرض اللعين, وسائر الأمراض, ويجنبك القلق والحيرة.
اتصلت بي صديقتي فاتن, وأعلمتني أنها عثرت على ضالتها من المصادر والمراجع, التي تحتاجها لإنجاز بحثها في مكتبات سوق المتنبي, بعد أن استأنف عدد من باعة الرصيف في هذا لشارع المتخصص بييع الكتب, عرضوا موجوداتهم, رغم الخراب الذي أصاب هذا السوق الثقافي جراء الانفجار الذي راح ضحيته 180 شخصا بين قتيل وجريح ودمر معظم مكتباته.
وقالت فاتن: إن البائع حيدر, الذي أشتري منه أغلب كتبي, عاد لعرض أكثر من 190 كتابا من بينها, روايات غوغول, ودستوفيسكى, ونجيب محفوظ, ومؤلفات علي الوردي, ومؤلفات صادرة حديثا, قام حيدر باستيرادها من المكتبات التي زارها, وأخبرتني أنه جلب لي الكتب, التي كلفته بشرائها لي أثناء سفره لدمشق, وأنه ينتظر عودة سامي ابنه من السفر؛ لإرساله لي إلى تكريت, كما طلبت منه ذلك.
اتصلت بميثاق العاني صاحب إحدى المكتبات التي نجا أكثر من نصفها من حريق الانفجار, وقال لي إن السوق لم يسترد عافيته, فمعظم المكتبات لا تزال أنقاضا, ومعظم الأبنية مدمرة, ومع ذلك فإن أعدادا من المدمنين على أداء طقوس الزيارة اليومية للسوق, مازالوا يترددون ويعرضون علينا المساهمة ماليا بإعادة بنائه.
العاني يرى أن معظم المباني, لم تعد صالحة من الناحية المعمارية، وأنها بحسب تقديرات المهندسين أصيبت بأضرار فادحة في أساساتها, وأصبحت غير صالحة للاستخدام, أو حتى الترميم، ومع ذلك فإن عمليات الترميم التي يقوم بها البعض من تجار السوق, وأصحاب المكتبات تسير ولكن ببطء شديد, ودون تدخل من الحكومة حسب قوله.
بلغ خالتي سكينة السلام وأخبرها أن تطمئن وتنام بهدوء المقاومة متواصلة, ولن تصمت إلى أن يخرج الغزاة أعداء الشعوب الحرة.
واليوم طالعت قصيدة توازى ما نحن به, وما تلاقيه مدينة أبوالطيب, وهى لشاعر أظن أنك تحدثت عنه مرارا بكرم وحميمية مرات كثيرة, وأعتقد أن بينكما صداقة لفترة طويلة, لم يعكرها غير وشاية لعينة باعدت بينكما لزمن، وهو محمد جميل شلش، وإليك هي
يا أبا الطيب سامحنا
فماذا سنقول؟
وعلي أي قوافيك نميل؟
وبأي من مواضيك نصول؟
فالميادين خلت
إلا من الروم
وأحفاد المغول
وبنو شيبان ماتوا
وبنو حمدان ماتوا
وأصيلات الخيول
سئمت من غيبة الصيد
الفحول
نسيت من ذلها معني
الصهيل
نفرت تخبط في البيداء
في عصر الرزايا والذهول
يا أبا الطيب
في أي المتاهات نجول؟
والي أي من الفرسان
نشكو ونقول؟
والأماني خدعتنا
وحكايات أبي زيد الهلالي
قتلتنا
وأناشيد السكارى خدرتنا
والأغاني خدرتنا
والدواوين غدت
محض طبول في طبول.
القصيدة طويلة يا حسن, برغم تقريرية صورها, إلا أنها لامست مواجع تاريخية قائمة وكثيرة, وسأكتفي بإرسال نصها كاملا لك في ملف ملحق بهذا ( الإيميل ).
الجمعة يونيو 28, 2019 8:55 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» د. ليلى عريقات نائب الرئيس ورئيسة تكريم الشهادات الفخرية والرئيسة الفخرية للمجلس
الإثنين ديسمبر 03, 2018 12:25 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» اهداء ارتجالي الى عميدة الشعر المعاصر الاستاذة د. ليلى عريقات / د. لطفي الياسيني
السبت ديسمبر 01, 2018 9:05 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» خذ ومن عمري لعمرك .. مهداة لشيخ الشعراء المجاهدين لطفي الياسيني للشاعر حسين حرفوش
السبت ديسمبر 01, 2018 2:18 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» وما غير الطبيعة من سِفر
الخميس يوليو 11, 2013 6:22 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» حمى الناس ..إهداء إلى أهالي الحولة
الخميس يوليو 11, 2013 6:13 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» قصيدة معايدة الرؤساء العرب .. للشيخ عائض القرني
الخميس يوليو 11, 2013 6:12 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» طال ابتهال المصطفى
الخميس يوليو 11, 2013 6:11 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» من وحي السيول والفيضانات التي اجتاحت بيوتنا / د. لطفي الياسيني
الأربعاء يناير 09, 2013 4:02 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني