نقش على جدار نعشي

أشكرك يا ماجدة على لابراعة والذوق في اختيار تلك المقالة



أعجبتني وأسرتني كثيراً



تحياتي



وكل الشكر الجزيل لك وللكاتب الأصيل



تحياتي



هند خوالدة

صديقي الذي يشبهني وجدته معتكفاً بكهفه وحيداً متوحداً مع كل شيء إلا الحياة .. لكل منّا كهفه ..لكل منّا صديقه الذي يشبهه .. صديقي الذي يشبهني أسكنني كهفه وأودع الكهف بداخلي و لابد أن ترد يوماً الودائع .. نَظَرْتُه فضاعت مني ملامحه بين طيات عتمة الكهف .. تلمسته فلم أجد إلا قلب قد جف أو كاد ! و بلغة الصمت حدثني قلب صديقي الذي يشبهني قبل الصمت و بعد الصمت.. ياالله ما أفقه الصمت ! .. ياالله ما أصدق الصمت ! .. ياالله ما أصعب الصمت !
بلّغني صديقي الذي يشبهني من كهفه الذي يشبه كهفي أنه حان رحيله ! .. حدثني بصمتٍ رهيب : حان الرحيل بعد واحد وأربعين عاماً من بداية نهايتي ، في تلك السنة الأيلولية سوداء كانت أم بيضاء لا يهم ولتكن رمادية ، المهم أني حينها جئت مؤقتاً و الآن حان موعد الرحيل ، فجهزوا نعشي و اجعلوا فيه فسحة وزيدوه بضعة سنتمترات أطول من قامتي ، و اختاروا لونه كما تشاؤون إن كان أبيضاً كقلب بنيتي أو كان أسوداً ككحل أمها أو كان بلون غروب عمري ، اختاروا لونه كما تشاؤون ، و لكن ليكن من البلوط ليعمر طويلاً فتهدأ فيه دهراً عظامي التي كسرتها الخطوب .

حان موعد رحيلي .. لم يعد جسدي يرغب أن يبقى صندوقاً لروحي و لم تعد روحي تطيق حبسها بجسدٍ اشتاق لنعشه ، مرهقة روحي مني وتتغنى بلحن الرجوع الأخير عني ، فاريحوا بعدها بقاياي في نعشي ، و انقشوا على جداره مرثيتي ( كان إنساناً سكنه الحزن و ما سكن الحياة ) . صديقي الذي يشبهني تخط خيوط حزنه وصيته : ضعوني في نعشي و أغلقوا جفوني و في عيني رسمة عَلَمٍ و رسمة نجمة ، و في يدي خصلة شعر من معشوقتي ، و افسحوا قليلاً لتتحرر روحي من أضلعي و تهيم كما آن لها أن تهيم ، واغسلوني بالماء و الثلج و البرد ، و مددوني آمناً بعد واحد و أربعين خريفاً من رعبي ، و بلغوا عني أني كنت في يومٍ إنساناً سكنه الحزن و ما سكن الحياة ! و بلغوا وصيتي لِعَلَمٍ احتلني أجمل احتلال.. أني ولدتُ بحزنٍ و عشتُ بحزنٍ و متُّ بحزنٍ ، فلا ترث مني حزني وعش قوياً برغم الألم و الأيام ، و ما بخلت عليك يوماً يا علماً عشقته فلا تبخل عليّ بدموعك ، وابكني بدمعٍ منك يروي ظمئي و أنا بنعشي ، ابكني عَلَمٌ ، بورك الدمع يا عَلَم .. بورك الدمع يا عَلَم .

و بلغوا وصيتي لنجمةٍ أضاءت دنياي.. أني سكنتُ ما بين الوجع و الوجع سنين و سنين ، و أخذتُ حصتي من الألم أضعافاً و أضعافاً ، فلا ترضي بالوجع و الألم مسكناً و انطلقي برسمة سعادة من أناملك الجميلة ، و ما بخلت عليكِ يوماً يا نجمةً عشقتها فلا تبخلي عليّ بدموعك ، و إبكيني بدموع حرّى منكِ تدفئ برودة نعشي ، و تلملم بعضي على بعضي ، إبكيني نجمة ، بورك الدمع يا نجمة .. بورك الدمع يا نجمة .

صديقي الذي يشبهني يصر على سمفونية الحزن و الوداع و يعزف بصمته : قولوا لأمي.. تغادرني دنيايَ بعدما غدرتني دنياكم ، فأبلغي يا أمي من غسلني و من كفنني : أن صَدَقَ من قال ( ما أحلى موت العزيزين ! ) ،لله در الموت يا أمي ما أكرمه أهداني راحته ! .. لله در الحزن يا أمي ما أعدله عمم علينا عتمته ! .. لله در الزمن ما أظلمه زرع بخاصرة الروح خنجره ! .. فابكيني يا أمي بدموعٍ منك طاهرة تغسل عظامي بنعشي ، ابكيني يا أمي ، بورك الدمع يا أمي .. بورك الدمع يا أمي . صديقي الذي تشبهني مُرٌّ حزنك مُرٌ موتك .. لله درك ما أجمل روحك .. لله درك ما أقوى ضعفك ! صديقي الذي تشبهني خذ معك لأبديتك كهفك الذي أودعته عندي .. خذ وديعتك و حزنك فلا بد أن ترد يوماً الودائع .. و لن أنسى أن أنقش على جدار نعشك الذي يشبه نعشي (كان إنساناً سكنه الحزن و ما سكن الحياة ) .. صديقي الذي تشبهني سلامٌ عليك يوم ضعفت و يوم أنتهيت و يوم تُبعَثُ حزينا .. صديقي الذي تشبهني أسترد مني وديعتك و اذهب لأبديتك فـ( على الأرض ما يستحق الحياة ) .. و في السماء ما يستحق السفر .. فارحل إليه و انتظرني ! .



للكاتب : سميح العجارمة

مع كل شكري وتقديري

ماجدة نصر