الصدِّيقة بنت الصِّدِّيق وحِسُّها الأدبيُّ الرفيع..!!
في مطالعاتنا لأدب السِّيَر والتراجم التي تواترتْ-بالسند والمتن والخبر الصحيح-عن حياة سلـَفنا الأول الصالح من رعيل الجيل الربانيِّ الفريدِ الذي صنعه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على عيْنه،والذي قال عنه-عليه الصلاة والسلام-في ما رواه الشيْخان : (( خيْـــرُكُمْ قرني ))..جيلُ أصحابهِ الأجــلاءِ الكرام-رضيَ الله عنهم جميعاً-وجيلُ زوجاته الفضليَات ؛ أمهاتِ المؤمنين عليهن من الله الرضوان...
ذلكَ الجيلُ الذي تمَّ فيه اللقاءُ بين المثال والواقع،فترجمَ مثالياتِ الإسلام إلى واقعٍ،وارتفعَ بالواقع البشري إلى ذِرْوَةِ المِثال....
في مطالعاتِنا لِسِيَر أولئكَ الصفوةِ ممن أحاطوا بحياةِ المصطفى الأكرم عليه الصلاة والسلامُ،نلمَحُ الصديقة َالحُمَيْراء،السيدة أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر رضيَ الله عنهما وقد تجاوَزَ أفـُقـَها وشمولَ وعيـِها السامي بفقه الدين والحياة ما أثِــرَ عنها-رضي الله عنها-أنها إلى جانب كونِها فقيهة ً،خبيرة ًبدقائق الفتوى وأصول الاستنباط،بل إن علماءَ الجرح والتعديل متفقون إجماعاً أن علمَها الشرعيَّ والفِقهيَّ تجاوَزَ الفتوى إلى التصحيح،وهي كثيرٌ ما ترُّدُّ ما يشيعُ من خطأ أو سوء فهم،وكان رسوخـُها في فهم القرآن الكريم وكان فِقهُهَا في فهم السنة النبوية،يجعلها-في الترجيح-مرجـِعاً ثقة ًلا شكَ في ذلك عند جميع علمائنا الثقاتِ الذين تعاقبوا في تاريخنا الأصولي والفقهي...لذا دائما ما نلمَحُ اسمَها يَردُ-بقوةٍ وغزارةٍ-في مجال الفتوى والإفتاء على عهد خلافةِ عمر وعثمان رضي الله عنهما...
إلى جانب كونِها فقيهة ً،فقد كانتْ-رضيَ الله عنها-متميزة ًبميزة لم يرَها علماءُ السير والتراجم في غيرها من نساء جيلها،وهي ميزة ُإلمامها وإحاطتها الواسعة بـ ( الأدب العربيِّ ؛ شِعْره ونثره )،بل لقد كانتْ ذاتَ ذائقةٍ ملحوظةٍ وذاتَ بديهةٍ سريعةٍ في الاستشهاد به في ما يمر بها من مواقف وأحداث....
فعندما قتل الإمامُ عليٌّ بن أبي طالب كرم الله وجهه غِيلـة ً،علقتْ قائلة ًبقول القائل :
فألقتْ عصاها واستقرَّ بها النوَى ** كما قرَّ عيْناً بالإيابِ المسافرُ..!!
ولما حضرتِ الوفاة ُأباها أبابكر رضيَ الله عنه،قالتْ :
لعمْرُكَ ما يُغني الثراءُ عن الفتى ** إذا حشرجتْ يوماً وضاقَ بها الصدْرُ..!!
فقال لها الصِّدِّيقُ لافتاً نظرَها إلى ما هو أفضلُ من ذلكَ : ( ليسَ هكذا تقولين..!! قولي : (( وجاءتْ سَكرة الموتِ بالحق ذلكَ ما كنتَ عنه تحيد ))...
وعندما قـُتلَ أخوها محمد بن أبي بكر بمصْرَ،تمثلتْ قولَ الشاعر :
وكنا كنـَدْمَانيْ جزيمَة َحِقبَة ً ** من الدهر حتى قيلَ لن يتصدَّعَــا.. !!
فلما تفرقنا كأني ومَــــــالِكاً ** لطول اجتماعٍ،لمْ نبتْ ليلة ً مــــعاً.. !!
قال رُوَاة السِّيَر : وأرسلتِ السيدة عائشة أخاها عبدَ الرحمان إلى مصْرَ،فأحضرَ أولادَ أخيها اليتامَى،واحتضنتهم حتى كبروا..وكانتْ تقول لأخيها عبد الرحمان : ( لقد ضممتـُهُم إليَّ لِصِغـَر سِنهمْ،وخشيتُ أن تتأففَ نساؤكَ منهم،فكنتُ أنا ألطفُ بهم وأصْبَرَ عليهم،فالآن خذهم-بعدما شبوا وكبروا-وكُنْ لهم كما كان حُجَيَّة بن المُضرَّب لأولادِ أخيه مَعْدَان..!!! )
ولحُجية هذا قصة ٌطريفة ٌ،نحب هنا أن نسردها على عجَل لنعرفَ براعة الاستدلال الأدبي عند الصدِّيقةِ رضيَ الله عنها....
بعدَ أن ماتَ أخوه ( مَعْدَان )،رأى ذات يومِ أولادَ أخيه اليتامى،تخرجُ إليهم خادمته ببقايا لبَنٍ قعْبٍ ( إناءٍ ) مكسور،هُــوَ كلُّ ما جادتْ به زوجته عليهم ( !!! )،فتملكَه الوجومُ والغضبُ وتكتمَ على أسَفٍ دفين..ثم أمرَ أن تـُحْلبَ ماشيتـُه في بيْتِ أخيه قبل أن تـُحْلبَ ببيْتِهِ، وأن يأكلَ يتامى أخيه من الأصول لا الفضول،ولما غضبتْ زوجتـُه لذلك،قال حُجيَّة :
تلومُ على مال شفاني مكانـــه ** إليْكِ،فلومي ما بَدا لكِ واغضبي..!!
رأيتُ اليتامى لا تـَسُدُّ فقورَهم ** هدايا لهمْ في كل قعْبٍ مُشعَّبِ..!!
ذكرتُ بهم عِظامَ مَنْ لو أتيْتـُه ** حَريباً،لآساني لدى كل مَركَب..!!
أخي والذي إن أدَعْهُ لِمَلـَمَّـــةٍ ** يُجبْني،وإنْ أغضبْ إلى السيْف يغضـَبِ..!!
إنَّ الصدِّيقة َالأديبة َ،تـُذكِّرُ أخاها عبدَ الرحمان بخِــلاَل رجُل من شعراء الجاهليةِ.. !!
قالَ عُروة بن الزبير رحمه الله-وهوابنُ أختها أسماء رضي الله عنها- : ما رأيتُ أعلمَ بطِبٍّ ولا بفِقهٍ ولا بشِعْر من عائشةٍ...
رضيَ الله عنها وجعلها أسوة وقدوة ًلنسائنا وبناتنا...
نقلتها للدفاع عن أم المؤمنين رضي الله عنها
الجمعة يونيو 28, 2019 8:55 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» د. ليلى عريقات نائب الرئيس ورئيسة تكريم الشهادات الفخرية والرئيسة الفخرية للمجلس
الإثنين ديسمبر 03, 2018 12:25 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» اهداء ارتجالي الى عميدة الشعر المعاصر الاستاذة د. ليلى عريقات / د. لطفي الياسيني
السبت ديسمبر 01, 2018 9:05 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» خذ ومن عمري لعمرك .. مهداة لشيخ الشعراء المجاهدين لطفي الياسيني للشاعر حسين حرفوش
السبت ديسمبر 01, 2018 2:18 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» وما غير الطبيعة من سِفر
الخميس يوليو 11, 2013 6:22 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» حمى الناس ..إهداء إلى أهالي الحولة
الخميس يوليو 11, 2013 6:13 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» قصيدة معايدة الرؤساء العرب .. للشيخ عائض القرني
الخميس يوليو 11, 2013 6:12 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» طال ابتهال المصطفى
الخميس يوليو 11, 2013 6:11 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» من وحي السيول والفيضانات التي اجتاحت بيوتنا / د. لطفي الياسيني
الأربعاء يناير 09, 2013 4:02 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني