منتدى الشاعر حسن محمد نجيب صهيوني

نرحب بجميع زوار هذا المنتدى ونأمل أن يطيب لكم البقاء ويحدونا الفخر بانضمامكم لأسرتنا


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدى الشاعر حسن محمد نجيب صهيوني

نرحب بجميع زوار هذا المنتدى ونأمل أن يطيب لكم البقاء ويحدونا الفخر بانضمامكم لأسرتنا

منتدى الشاعر حسن محمد نجيب صهيوني

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى الشاعر حسن محمد نجيب صهيوني

ملتقى أدبي يهتم بفنون الأدب العربي من شعر قديم ومعاصر ويحوي عدداً من التراجم والسير الأدبية والمقالات والقصص والروايات

بعد التحية على الزوار الراغبين بالإنضمام لهذا المنتدى التسجيل بأسمائهم الحقيقية أو ألقابهم أو أي اسم أدبي يليق بالمنتدى بعيداً عن أي أسماء تخل بسمعة المنتدى وتسيء إليه، وسوف تقوم إدارة المنتدى بالرقابة على الأسماء غير اللائقة أدبياً ثم حجبها ..... إدارة المنتدى

المواضيع الأخيرة

» ملحمة شعرية مهداة الى الشاعرة عائشة الفزاري / د. لطفي الياسيني
رواية عش الدبابير .............للأديب جميل سلحوت  Emptyالجمعة يونيو 28, 2019 8:55 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني

» د. ليلى عريقات نائب الرئيس ورئيسة تكريم الشهادات الفخرية والرئيسة الفخرية للمجلس
رواية عش الدبابير .............للأديب جميل سلحوت  Emptyالإثنين ديسمبر 03, 2018 12:25 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني

» اهداء ارتجالي الى عميدة الشعر المعاصر الاستاذة د. ليلى عريقات / د. لطفي الياسيني
رواية عش الدبابير .............للأديب جميل سلحوت  Emptyالسبت ديسمبر 01, 2018 9:05 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني

» خذ ومن عمري لعمرك .. مهداة لشيخ الشعراء المجاهدين لطفي الياسيني للشاعر حسين حرفوش
رواية عش الدبابير .............للأديب جميل سلحوت  Emptyالسبت ديسمبر 01, 2018 2:18 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني

» وما غير الطبيعة من سِفر
رواية عش الدبابير .............للأديب جميل سلحوت  Emptyالخميس يوليو 11, 2013 6:22 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني

» حمى الناس ..إهداء إلى أهالي الحولة
رواية عش الدبابير .............للأديب جميل سلحوت  Emptyالخميس يوليو 11, 2013 6:13 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني

» قصيدة معايدة الرؤساء العرب .. للشيخ عائض القرني
رواية عش الدبابير .............للأديب جميل سلحوت  Emptyالخميس يوليو 11, 2013 6:12 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني

» طال ابتهال المصطفى
رواية عش الدبابير .............للأديب جميل سلحوت  Emptyالخميس يوليو 11, 2013 6:11 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني

» من وحي السيول والفيضانات التي اجتاحت بيوتنا / د. لطفي الياسيني
رواية عش الدبابير .............للأديب جميل سلحوت  Emptyالأربعاء يناير 09, 2013 4:02 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني

التبادل الاعلاني


2 مشترك

    رواية عش الدبابير .............للأديب جميل سلحوت

    avatar
    تيسير درويش


    عدد المساهمات : 46
    نقاط : 25890
    السٌّمعَة : 0
    تاريخ التسجيل : 10/10/2010

    رواية عش الدبابير .............للأديب جميل سلحوت  Empty رد: رواية عش الدبابير .............للأديب جميل سلحوت

    مُساهمة من طرف تيسير درويش الجمعة يوليو 08, 2011 8:20 am

    حقيقة أعجبتني كثيراً هذه الرواية
    وكثيراً ما أقرأ لهذا الأديب الأستاذ جميل سلحوت
    بارك الله بك على هذه الاضافة يا فياض

    واقبل مني تقديري
    avatar
    فياض النسور


    عدد المساهمات : 61
    نقاط : 26789
    السٌّمعَة : 0
    تاريخ التسجيل : 21/04/2010

    رواية عش الدبابير .............للأديب جميل سلحوت  Empty رواية عش الدبابير .............للأديب جميل سلحوت

    مُساهمة من طرف فياض النسور الأربعاء يوليو 06, 2011 8:18 am

    عشّ الدبابير
    رواية للفتيات والفتيان
    جـميل السلحوت

    رحلة مدرسية

    وعندما عادت إلى البيت في ساعات ما بعد الظهيرة من رحلتها المدرسية إلى حديقة الحيوانات ، كانت في غاية السعادة . تتنقل في أرجاء البيت بخفة ورشاقة كطائر الشنّار ، يسألها شقيقها فراس الذي يكبرها بسنتين عمّا رأت ، فتجيبه إجابات غير كاملة وسط قهقهة عذبة ، فيلح عليها لمعرفة المزيد ، فتزداد ضحكاً وتهرب منه كأنها في مطاردة .
    كان الوالدان مسرورين لما يجري بين طفليهما ، فيسمعان لهما بصمت والابتسامة تعلو وجهيهما ، بينما يزداد فراس شوقاً لمعرفة ما رأت شقيقته في رحلتها المدرسية ، وكلما تهرب منه يرتفع صوته غاضبا ، فيحاول الإمساك بها الا انها تهرب كالفراشة إلى حضن احد والديها ، ويبدو ان هذه اللعبة قد استهوتها.
    ناداها والدها وسألها :
    - ما رأيك يا رباب .. هل ستحدثينني عن رحلتك ؟؟
    فأجابت : نعم يا أبي ، بشرط ان لا يسمع فراس .
    - ولماذا لا تريدين فراس ان يسمع ؟؟
    -لأنه عندما ذهب إلى الرحلة نفسها لم يحدثني شيئا عنها. ضحك الأب ، وضحكت الأم ، بينما انزوى فراس في مقعد جانبيّ ولم ينبس ببنت شفة .
    قال الأب :
    أنت طفلة رائعة يا رباب ، وبالتأكيد فإنك ستحدثيننا أنا وأمك وفراس عن الرحلة . فابتسمت رباب وهي تقف أمام والدها وشرعت تقول ، وهي تشير بيديها ذات الشمال وذات اليمين :
    عندما نزلنا من الباص أمام الحديقة ، طلبت منا المعلمة ان نصطف اثنين اثنين ، وان يمسك الاثنان بيدي بعضهما ، فأمسكت بيد زينب وحرصت ان نكون في المقدمة ، وعندما فتح الحارس الباب وسمح لنا بالدخول ، أول ما صادفنا أقفاص فيها أنواع مختلفة من الببغاوات ، منظرها جميل جدا ، وكل مجموعة لون ريشها يختلف عن لون المجموعة الأخرى ، صوتها مزعج ، الا ان قائدها يتكلم مثلنا نحن البشر ، طرح علينا تحية الصباح ، وطلب منا الوقوف للتفتيش، فلم استجب له وواصلت المسير ، فصاح ثانية : توقفا أيتهما الطفلتان ؟ أريد ان أفتش حقيبتيكما ، فقلت له باستهزاء : أنا لا اسمح لببغاء بأن يفتش حقيبتي ، وبدأ يفتش حقائب الأطفال الآخرين كما فتش حقائب المعلمات ، ولم ينج من التفتيش سوى أنا وصديقتي زينب ، وعلى مقربة منه كانت حظيرة فيها حوالي عشرة رؤوس من حيوانات الّلاما ، كانت تجفل من جانب إلى الجانب الآخر حتى تصطدم بالأسلاك الشائكة، يبدو انها مذعورة ، صاح الذكر الأكبر منها قائلاً :

    - توقفوا أيها الأطفال وافتحوا حقائبكم للتفتيش ؟!
    فأجبته : نحن لا نسمح لأحد بأن يفتشنا. فرفع رأسه واقترب من الأسلاك الشائكة وهو يخبط بقائمته الأولى الأمامية ، وكأنه يريد إلقاء القبض علينا ، فقلت له :
    - أرجو ان لا تنخدع بطول وارتفاع قامتك وشبهك بالجمال، فتظن نفسك جملاً ، فما أنت الا أسير، وان أطلقوا سراحك ، فهناك من يمتطي ظهرك ، ويقودك إلى حيث يشاء ، أو يحملك الأحمال الثقيلة ، وينتقل بك من مكان إلى آخر ، ولن اسمح لك بتفتيشنا .
    وبينما كان الوالدان يصغيان بانتباه شديد ، انفجر فراس صائحا :- هذا كذب ، هذا كذب ، الحيوانات لا تتكلم ، فالتفت إليه والده لفتة فيها عتاب فسكت . وطلب الوالد من رباب ان تكمل ، فقالت :- فتش الّلاما الجميع الا أنا وصديقتي زينب ، ثم انتقلنا إلى أقفاص فيها أنواع مختلفة من القردة والسعادين ، فلفت انتباهي نوع من السعادين طويل الذنب ، صغير الحجم ، كانت تتأرجح على مراجيح منصوبة في الأقفاص ، وبعضها كان يلّف ذنبه على الأرجوحة ، ويدلي جسمه متأرجحا بشكل لا نقوى عليه نحن البشر - طبعا باستثناء من يعملون في السيرك كما شاهدناهم في التلفاز – وهنا التفتت إلى والدتها وقالت : ماما ، الذين يعملون في السيرك هل هم أبناء قردة وسعادين ، أم ان القردة والسعادين أبناء لهم ؟؟ فضحك الأبوان ، أما فراس فقد قال متجهما : هذا سؤال سخيف ، فردت عليه رباب : ومع ذلك فانك لا تعرف الإجابة ، وان كنت تعرفها اخبرنا عنها ، فسكت ، وواصلت رباب حديثها : وبالقرب من قفص السعادين ذات الأذناب الطويلة والأجسام الصغيرة ، كان هناك نوع من القردة كبير الجسم بلا أذناب، أخبرتنا المعلمة انه الشمبانزي ، مظهره يوحي بشبه بينه وبين الإنسان ، يجلس على مؤخرته كالإنسان تماماً ، ويحضن أبناءه الصغار ، ويطعمهم ، ويحملهم في حضنه عندما ينتقل من مكان إلى آخر داخل القفص ، ويتأرجح بيد بينما يحضن ابنه في اليد الأخرى ، يكسو الشعر الكثيف جسمه باستثناء مؤخرته ، يصدر أصواتاً غير مفهومة ، تقدم احدها من أسلاك القفص ، وطلب منا ان نفتح الحقائب لتفتيشها ، فرفضت أنا وصديقتي زينب بينما قام بتفتيش الآخرين ، في حين كانت أنثاه ترضع صغيرها ، فألقيت لها من بين الأسلاك تفاحة ، التقطتها وبدأت تأكلها ، أطعمت قليلا منها لصغيرها ، في حين رفضت ان تعطي أي جزء منها للذكر الذي مدّ يده إليها طالباً ان تمنحه منها شيئا ، التفت إلينا وكأنه يتوسل ان نعطيه تفاحة ، لكن لسوء حظه لم يكن معنا مزيد من التفاح ، الا ان زميلتنا فاطمة أشفقت عليه ، وألقت إليه إجاصة كانت معها فأكلها لقمة واحدة ، وهو يصرخ مناديا إياي وزينب كي نتوقف للتفتيش ‍‍! فقلت له : بدلاً من تفتيشنا كان الأجدر بك ان تعمل لتحرر نفسك من هذا القفص ، وتعود إلى الغابة ، تأكل ما تشاء من الثمار ، وتنتقل كيفما تشاء ، فلو كنت في الغابة لما اقتربنا منك ، ولن نسمح لك بتفتيشنا إلا في الغابة ، فخجل من نفسه ، وعاد إلى بيته الذي يشبه قنّ الدجاج في القفص واختبأ .
    وعندما وصلنا إلى الثعالب ، كانت في حفرة واسعة ، لا تستطيع القفز منها ، محاطة من الأعلى بسياج حديدي يمنع الدخول والخروج وفي جانبها جحر تختبئ فيه وقت الحاجة ، كان بعضها مستلقيا على جانبه كالكلاب في حالة الاسترخاء ، بينما خرج بعضها من الجحر وقد طأطأ رأسه بين قائمتيه الأماميتين الممدودتين أمامه ، نظرت إلينا بعض الثعالب التي اصطفت بجانب بعضها البعض ، وطلبت منا ان نفتح حقائبنا للتفتيش ، فقلت لها ساخرة : نحن لا نستطيع النزول إليكن ، وان أردتن تفتيشنا فاخرجن من هذه الحفرة ، وتقدمن إلينا حتى تستطعن رؤية ما بداخل حقائبنا ، فطأطأت الثعالب رؤوسها، وعادت إلى جحرها، وبهذا أنقذت معلماتي وزميلاتي من تفتيش الثعالب .
    وانتقلنا إلى حظيرة فيها حمير الوحش ، وهذه هي المرة الأولى التي أقف أمامها وجها لوجه ، سبق لي ان رأيتها في التلفاز ، لكن تلك الرؤيا لم يكن لها وقع على نفسي كما المشاهدة الحقيقية ، تمعنت في منظرها ، ولاحظت ان لا فارق بينها وبين حمار جارنا سامر الا في اللون، وسألت إحدى معلماتي ان كانت هذه الحمير تسمح للإنسان ان يمتطيها كما يفعل حمار جارنا سامر ، فأجابت بأن هذه الحمير لم تُسَخّر لخدمة الإنسان كالحمير الداجنة ، كان بعضها مستكيناً ، الذباب يحوم حول أجفانها ، وفمها ، وتحت ذيولها ، في حين كان البعض الآخر يتمرمغ احياناً ، ويخبط الأرض بقوائمه أحيانا أخرى ، تقدم احدها منّا مادّاً أذنيه إلى الأعلى ، رافعا ذنبه جاحظاً عينيه ، ويخبط الأرض بقائمته الأمامية اليمنى ، وينهق علينا طالباً ان نفتح حقائبنا للتفتيش ، فقلت له : لو انك بقيت في مراعي موطنك الأصلي مع بقية الحيوانات الأخرى ، لما استطعنا الاقتراب منك ومنها ، ولو كنت هناك فعلا وطلبت تفتيشنا لسمحنا لك ، أما وأنت أسير في حظيرة حقيرة فليس من حقك ان تفتشنا ، فقال لي : لكنني لم آت إلى هذه الحظيرة بإرادتي بل أتى بي بشر متوحشون ، طاردوني وخدروني وأوثقوا رباطي إلى ان أوصلوني هنا رغما عني، فقلت له : كان الأجدر بك ان تموت ميتة واحدة في موطنك الأصلي ، بدلاً من ان تأتي هنا لتموت في اليوم مئة مرة ، فسألني : وكيف ذلك؟
    فأجبته :
    - ألم تسمع بحكاية جدي عن هذا الموضوع -لا لم اسمع.
    - اذن سأحدثك .وبعد ان هدأت نفسه وأرخى أذنيه وأسبل عينيه ، قلت له :
    "حدثنا أبي عن أبيه عن جده بأنه قال : يحكى ان النبي سليمان عليه الصلاة والسلام ، ذلك النبي الذي حكم الإنس والجن ، بأنه طلب يوما من ساكني إحدى البلدان من إنسان وحيوان ان يتركوا المكان ، لأنه يريد ان يحرقه ، ولن يترك فيه كائناً من كان ، وأعطاهم مهلة أسبوع بالتمام والكمال حتى يخرجوا ، وبعد انتهاء الأسبوع أشعل النيران في الأرض ، فحرقت الزرع والشجر والأعشاب ، ولم يبق فيها شيئ الا واحترق ، وبعد ان خمدت النيران ، خرج وجنده يتفقد المكان ، فوجد ثعباناً طويلاً وقد احترق ، فأسف لذلك ظناً منه ان الثعبان أصمّ فلم يسمع نداء التحذير ، ودعا الله ان يعيده حياً ليسأله عن سبب عدم رحيله ، فاستجاب الله دعاءه ، وعاد الثعبان حياً يسعى ، فسأله النبي سليمان – وكان الله قد أعطاه القدرة على فهم لغة جميع الحيوانات – عن سبب عدم رحيله ، وهل سمع الإنذار بالرحيل أم لا؟ فأجاب الثعبان : بأنه سمع النداء ولم يرحل فاستغرب النبي سليمان ذلك وسأله عن السبب، فأجاب : يا نبي الله ، إن حرق الأبدان أهون عليّ من ترك الأوطان ، فتعجب النبي سليمان من إجابته ، وندم على فعلته ، وترك الثعبان وهو يقول : لو كنت أعلم ما قاله الثعبان قبل الإنذار والحريق لما فعلت ما فعلت ، وسمح لبقية الحيوانات التي هربت أن تعود إلى أرضها ، وقدم لها الماء والغذاء " ، فطأطأ الحمار الوحشي رأسه وألقى جسده على الأرض ، وشهق شهقة واحدة ومات ، وعلى مقربة منّا كانت غرفة ثلاثة جدران منها من الزجاج المقوى ، فيها ثعابين ملتفة حول سيقان أشجار جافة ، وحول أحجار وضعت خصيصاً لها ، فبادرتها أنا بالتحية حيث طرحت عليها السلام ، إلا أنها اختبأت خلف الأحجار وسيقان الأشجار الجافة، فناديتها بأعلى صوتي طالباً منها أن يخرج كبيرها لتفتيش حقائبنا ، فلم يستجب احد منها ، وكررت النداء مرة ثانية وثالثة ، فأطلّ احدها برأسه وقال : اسمعي أيتها الطفلة؟ فأجبته بأنني كلّي أذان صاغية ، فقال لقد استمعنا إلى حكاية جدك عن قصة جدنا الثعبان مع النبي سليمان ، فلحق بنا الخزي والعار، لأننا لم نصن حكمة الآباء والأجداد ، فقررنا أن لا نظهر أمام احد حتى يقضي الله امراً كان مكتوباً ، فتركناه وواصلنا المسير إلى أن وصلنا إلى قفص الأسود ، كان به ثلاث لبؤات وهزبر واحد ، فزأر الأسد ، وطلب منا الوقوف للتفتيش ، فقلت له :
    - إن كنت ملك الغابة حقا فاخرج إلينا وفتشنا ؟!
    فزمجر وزأر زئيراً مرعباً وقال : أتتحدينني أيتها الطفلة ؟!
    فأجبته : نعم ، أتحداك .
    فنظر إلى اللبؤات الثلاث ، وزأر زئيراً خفيفاً كأنه يكلمها ، وما هي إلا لحظات حتى انقضت أربعتها على القضبان الحديدية فكسرتها وخرجت جميعها دون أن تلتفت إلينا، وقفزت قفزات كبيرة باتجاه البعيد ، وأظنها إلى الغابة ، ويبدو أنها سمعت حكاية الثعبان مع النبي سليمان عليه السلام .
    ابتسمت رباب وتوقفت عن الكلام ، فسألها والدها :
    وماذا فعلتم بعد ذلك ؟
    - أجابته : انهينا جولتنا في حديقة الحيوانات لإن الفوضى دبّت بين الحيوانات الأخرى ، فتدخل الحرّاس ببنادقهم ، وعدنا إلى الباص ، الذي أقلّنا إلى المدرسة ، وبعدها عدت إلى البيت .
    احتضنها والدها وطبع قبلة على جبينها وسط مزاحمة الوالدة التي كانت تريد هي الأخرى احتضانها ، بينما صرخ شقيقها فراس قائلاً : كاذبة لا تصدقوها .. اقسم أنها تكذب .

    المعلمة تخطئ ورباب ترفض الاعتذار

    في صباح اليوم التالي ، نهضت رباب مبكرة ، كانت تحلم بأن أسد حديقة الحيوانات قد قفز عليها والتهم جسدها الصغير دفعة واحدة ، فبالت في سريرها ، بقيت في السرير حتى سمعت أمّها تنهض وتسير باتجاه الحمام ، تبعتها وهي تضحك قائلة : أمّي هل تعلمين أنني أصبحت طفلة غبية ؟!
    ابتسمت الأمّ ووضعت يدها على رأس رباب وقالت : لا يا حبيبتي أنت لا لست غبية، لماذا تقولين كلاماً كهذا ؟!
    - لأنني حلمت أن أسد حديقة الحيوان يقفز عليّ ، ويلتهمني دفعة واحدة ، ومن شدة الخوف بوّلت في سريري .
    ما عليك يا صغيرتي هذا أمر عادي ، أجابتها الأمّ وهي تقودها إلى الحمام ، حيث ساعدتها على الاغتسال ، كانت رباب تضحك والماء ينساب على جسدها الصغير ، في حين كانت لا تقوى على فتح عينيها خوفا من أن يدخلهما الصابون .
    أنهت الاغتسال ، وخرجت لترتدي ملابسها، ارتدت المريول الأزرق الذي بلا أكمام ، على قميص أبيض ذي أكمام طويلة ، ثم أدخلت ربطة عنق حمراء على رقبتها ، فقانون المدرسة يلزم الطلاب بهذا اللباس الموحد ، ثم انتعلت حذاءها ، وجلست على كرسي في المطبخ في انتظار أن تحضر الوالدة وجبة الإفطار ، شربت كوب حليب ، وتناولت بعض لقمات من الخبز المغموس بالزيت والزعتر ، وفي بعض الأحيان تقضم قطعة جبن صغيرة .
    نهض شقيقها فراس في السادسة والنصف كالمعتاد ، وعندما رأى شقيقته رباب وقد تناولت إفطارها ، وأكملت لباسها سألها : ما هذا النشاط يا رباب ؟
    فأجابت : أنا لست كسولة مثلك ، تركها وذهب إلى الحمام ، واغتسل ، ثم ارتدى ملابسه ودخل إلى المطبخ لتناول طعام الإفطار ، وفي السابعة والنصف غادرا البيت باتجاه المدرسة- فقد كانت قريبة من البيت- ، في حين كان شقيقها الأصغر يزيد ابن الثلاثة أعوام يصرخ خلفها ، يريد مرافقتها إلى المدرسة .
    وهناك كان طلاب وطالبات صفها يتحدثون فرحين عن رحلة الأمس إلى حديقة الحيوان ، في حين كان طلاب الصفوف الأخرى يلعبون ألعابا أخرى ، وعندما قرع الجرس في الساعة السابعة وخمس وأربعين دقيقة اصطف الطلاب ، وأدّوا التمارين الصباحية المعتادة .
    وفي الثامنة دخلوا إلى الصفوف تتبعهم المعلمات ، وفي الصف الابتدائي الأول حيث تدرس رباب طلبت منهم المعلمة أن يصمتوا ، وشرعت تطلب من كل واحد منهم أن يتحدث عن رحلة الأمس ، فضحك الطالب محمد الذي يجلس في المقعد خلف رباب ، فظنت المعلمة أن الذي ضحك هو مروان الجالس بجانب رباب ، فاستدعته إليها وضربته بالمسطرة على يده ، فبكى ، وهو يصرخ لست أنا الذي ضحك ، لست أنا ... ، لكن صراخه لم يشفع له ، كما لم تشفع له شهادة رباب التي استاءت من تصرف المعلمة ، فجلست صامتة تفكر لعدة دقائق ، ثم خرجت من مقعدها ، وذهبت إلى المعلمة، وطلبت منها إذنا بالخروج إلى الحمام ، وخرجت من الصف قبل أن تسمع إجابة المعلمة ، واتجهت إلى غرفة الإدارة ، فطرحت تحية الصباح على المديرة ، واستأذنتها بالحديث ، ولما أذنت المديرة لها، قالت رباب : سيدتي المديرة ، أنا جئت إلى هذه المدرسة لأتعلم ، ولم أجيء كي أُضرب .
    - ومن ضربك يا رباب ، سألت المعلمة ؟!
    لم يضربني احد ، أجابت رباب .
    - إذن ما المشكلة ، سألت المديرة ؟!
    -المشكلة في المعلمة سعاد ، لقد ضربت جاري مروان ظلماً مع أنه لم يرتكب أيّ مخالفة ، الذي ضحك هو محمد الذي يجلس خلفنا ، والمعلمة ضربت مروان وأبكته ، وأنا لن ادخل هذا الصف ثانية ، فإن لم تنقليني إلى الشعبة الأخرى عند المعلمة هند فلن أعود إلى هذه المدرسة ، بل سأعود إلى البيت ، وأطلب من أبي وأمي أن يرسلاني إلى مدرسة أخرى .
    قالت المديرة : بسيطة يا صغيرتي ، عودي إلى صفك ، وسأعالج الموضوع ؟!
    -قلت لك إنني لن أعود إلى هذا الصف ثانية ، فهذه المعلمة لا تعرف كيف تتعامل مع الأطفال! فألحت المديرة على رباب بأن تعود إلى صفها ، لكنها واصلت الرفض ، فطلبت المديرة منها أن تقف أمام مكتب الإدارة ، ففعلت .
    وبعد أن انتهت الحصة الثانية ، وخرج الأطفال إلى فسحة الصباح استدعت المديرة المعلمة ، وقصّت عليها ما قالته رباب ، ثم طلبت من رباب أن تدخل ، مدّت المعلمة يدها لتمررها على رأس رباب وهي تعتذر قائلة : أنا آسفة يا حبيبتي يا رباب ، ولن أكرر ما فعلت . إلا أن رباب دفعت يدها وهي تقول : لن اقبل عذرك ، هل تريدين أن تضحكي عليّ بهذا الاعتذار ، ولن أعود إلى صفك مرة أخرى ، تدخلت المديرة طالبة من رباب أن تقبل اعتذار المعلمة ، إلا أنها رفضت وبإصرار شديد ، فطلبت المديرة منها أن تخرج وتقف أمام مكتب الإدارة ، ففعلت .
    وبدأت المديرة توبخ المعلمة قائلة: كم مرة قلنا لكم إن العقاب الجسدي ممنوع ؟! ماذا سنفعل الآن ؟! ماذا ؟! فأطلت رباب برأسها من الباب وقالت : نحن فهمنا ما قلت لها ، لكنها هي لم تفهم ، فزجرتها المديرة قائلة : قفي مكانك ولا تتكلمي ؟! فعادت ووقفت .
    ولما أصرّت رباب على موقفها الرافض للعودة إلى الصف ، اتصلت المديرة بوالدتها هاتفياً وطلبت منها أن تحضر إلى المدرسة لوجود مشكلة مع رباب .
    وعندما حضرت والدتها أخبرتها المديرة بالذي حدث ، وطلبت منها أن تتكلم مع رباب ، وتطلب منها العودة إلى صفها ، فأدخلتها والدتها إلى غرفة الإدارة ، وتحدثت معها أمام المديرة وهي تحتضنها قائلة :
    لم يضربك احد يا بنيتي ، والمعلمة اعتذرت ، مع أن المعلمين يعاقبون تلاميذهم ، وهذه المعلمة من المعلمات الجيدات وهي صديقتنا ، فعودي إلى صفك يا رباب يا حبيبتي ..
    لكن رباب أصرت على رفضها ، وهنا طلبت المديرة بأن تحضر المعلمة ثانية ، فجاءت المعلمة وفي يدها قطعة شوكولاتة وعلبة عصير وضمت رباب إلى صدرها وهي تقول لها : هذه لك أيتها الطفلة الجميلة ...
    إلا أن رباب حاولت تخليص نفسها من بين يديها ، ورفضت قبول قطعة الشوكولاتة وعلبة العصير وهي تقول :
    هل تريد أن تقدم لي رشوة هذه المعلمة القبيحة؟ فبكت المعلمة شعوراً بالإهانة فقامت والدة رباب وأمسكت بيد ابنتها طالبة منها أن تغلق فمها ، وان لا تتكلم أيّ كلمة ، واستدارت إلى المعلمة واعتذرت لها ، ثم طلبت الوالدة من رباب : أن تعود إلى صفّها .. إلا أن رباب رفعت صوتها أمام والدتها وهي تقول : إذا ضحكت عليك المعلمة فلن تضحك عليّ ، إذا لم تسمح لي المديرة بالذهاب إلى الشعبة الأخرى فإنني سأعود إلى البيت ، وسأخبر والدي بالّذي حدث ، وسأطلب منه أن يرسلني إلى مدرسة أخرى .
    عندها وافقت المديرة على نقل رباب إلى الشعبة الأخرى ، وأرسلتها إليها ، وعادت تنظر إلى وجه المعلمة مرة والى وجه والدة رباب مرة أخرى ، وهي تردد أي جيل تنتمي إليه هذه الطفلة ... أيّ جيل ؟عادت الوالدة إلى البيت ، وعادت رباب هي الأخرى بعد انتهاء الدوام ، وعندما عاد الوالد من عمله أخبرته زوجته بمشكلة رباب مع معلمتها ، فضمّها إلى صدره ، وطبع قبلة على جبينها ، فسألته رباب :
    - هل أخطأت يا والدي أم لا ؟!
    فضمها إلى صدره ، وقبـّلها مرة أخرى والبسمة تعلو وجهه دون أن يتكلم ، وعندما ذهبت رباب إلى سريرها للنوم ، قال والدها لزوجته : هذه الطفلة لن يأكل حقها أحد ..

    وليمة

    وفي فصل الربيع ، لبست الأرض حُلّة خضراء جميلة ، كانت الزهور البرية تعطي رونقاً خاصاً للمكان الذي تنبت فيه ، يخرج الأشقاء الثلاثة ( فراس ، رباب ، ويزيد ) ، إلى الحقول يتمددون على الأعشاب ، ثم يتقلبون على بطونهم وظهورهم فرحين بهذه المناظر الخلّابة ، كان كلّ واحد منهم يمسك زهرة الأقحوان ، يخلع الوريقات البيضاء المحيطة بالزهرة الصفراء واحدة واحدة وهو يردد سائلاً الآخر : من تحبّ أكثر ؟؟ أمّك أم أباك ؟! ويخلع وريقة وريقة معدداً : أمّك .. أبوك .. أمّك .. أبوك ، وعندما تبقى وريقة واحدة يقف عندها ضاحكاً ويقول الكلمة التي توقف عندها ، ها أنت تحب أباك أكثر من أمّك ، سأخبر أمّي بذلك ، وعندما تبقى الوريقة الأخيرة للأمّ يقول : ها أنت تحب أمّك أكثر من أبيك ، سأخبر الوالد بذلك ..! لكن كل واحد منهم كان يقول أنا أحب أمّي وأبي ، لكنني أحب أمّي أكثر قليلا من أبي ، ولا أعرف سبباً لذلك ، وفي عصر أحد الأيام جاء زوجان حديثا العهد بالزواج لزيارة الأسرة ، كانت المرأة الضيفة رشيقة القوام ، هيفاء ، نحيلة الخصر ، شعرها فاحم يسترسل على كتفيها ، عيناها فيهما حور ، أنيقة الثياب ، صافح الضيفان أفراد الأسرة ، بدءا بالأب ثم الأمّ ثم الأبناء الذين اصطفوا حسب العمر ، عانقت الإمرأتان بعضهما البعض ، ثم قبلت المرأة وكان اسمها فاطمة الأطفال واحداً تلو الآخر ، وأمسكت بيد يزيد ، وقادته إلى حيث تجلس ، أوقفته بين ساقيها ، وأمسكت يديها بيديه ، ومرّرتهما على وجهه وهي تخاطبه مداعبة إياه :
    - ما اسمك أيها الصغير ؟
    -اسمي يزيد
    - كم عمرك ؟
    ثلاث سنوات .
    - هل تذهب إلى المدرسة ؟
    لا ... فأمّي ترفض أن أذهب إلى المدرسة .
    - لماذا ترفض ؟
    لا أعرف .. اسأليها !!
    كان يزيد يقلب ناظريه مرة باتجاه والدته ، والأخرى باتجاه الضيفة فاطمة .
    وفجأة التفت إلى أبيه وخاطبه قائلاً :
    - أبي لماذا لم تتزوج فاطمة هذه !! إنها أجمل من أمّي !! ضحك الجميع ..
    وعلت حمرة على وجه الأمّ وهي تقول له:
    انتظر حتى تكبر لتنظر إلى النساء ، وتعرف أيّهن الأجمل ؟!
    في حين قالت فاطمة الضيفة وهي تضمّه إلى صدرها : أمّك جميلة أيضاً أيها الصغير !!
    فردّ عليها : لكنك أكثر جمالاً ، وهنا روى فراس كيف أن يزيد كانت نتيجته دائما في اللعب على زهرة الأقحوان بأنه يحب الوالد أكثر من الوالدة ، فتدخلت رباب قائلة : أمّي أجمل منكم جميعاً ، وأذكى منكم ،وأقوىمنكم ، فلا تغتروا بأنفسكم .
    حضرت الزوجة وجبة العشاء ، كانت منسفاً من الثريد والأرز ، يعلوهما لحم الضأن المطبوخ بالّلبن ، ومُزين بحبات الصنوبر واللوز المقليّ المتناثرة فوقه بلا انتظام . اصطفّ الجميع حول المائدة ، أمّا يزيد فقد ركض ليجلس بجانب الضيفة فاطمة التي بدورها أجلسته في حضنها ، وقبلت يده ، ولم يستجب لنداء أمّه بالابتعاد عن الضيفة حتى تتناول طعامها ، وكان يزيد أول من مدّ يده إلى المائدة ، فتناول حبة صنوبر بين إصبعيه الإبهام والسبابة ، ووضعها في فم فاطمة الضيفة ، فالتقطتها بفمها ، وقبلت يده الصغيرة وهي تضحك ، ثم تناول أخرى ووضعها في فمه وسط ضحك الجميع .
    طلبت فاطمة وزوجها أسامة ملاعق ، لانهما لم يعتادا أن يأكلا بأيديهما ، مع أن عادة أكل المنسف هي باليد ، وليست بالملاعق أو الشوكات لصعوبة حمل الثريد ، وتقطيع اللحم بهما ، فأحضر فراس لهما الملاعق وتناول كلٌّ منهما ملعقة ، فغرست فاطمة ملعقتها بالأرز والثريد ، وألقت حمولتها في فمها ، وكان الطعام ساخناً جداً ، فهمهمت وتحشرجت واحمرّ وجهها ، ودمعت عيناها ، فسقط قليل من الطعام على رأس يزيد الذي غضب من ذلك ، ورفع يده شاتماً بكلمات غير مفهومة ، أبعدته من حضنها جانبا ، وبلعت ما في فمها على مضض . في حين أحضرت لها ربّة البيت كوباً من الماء البارد، شربت نصفه دفعة واحدة ، فعلّق زوجها على الموقف بحكاية سمعها قبل عدة سنوات ، وتقول الحكاية :
    يُحكى أن أعرابياً من سكان البادية تصادق مع تاجر من سكان المدينة ، فدعاه التاجر إلى وجبة طعام في بيته ، فحضر الأعرابي بصحبة ابنه الفتى البالغ من العمر خمسة عشر عاماً ، ولمّا جلسوا حول المائدة تناول الفتى الأعرابي ملعقة وملأها طعاماً ، وألقى به في فمه ، وكان الطعام ساخناً جداً ، فابتلعه الفتى على مضض بعد أن دمعت عيناه من شدة الحرارة ، فسأله والده عن سبب سقوط دموعه ، فأجاب الفتى : لقد تذكرت المرحوم أخي ، وتمنيت لو أنه كان مشاركاً لنا في تناول هذه الوجبة اللذيذة ، بعدها ملأ الأعرابي الأب ملعقته بالطعام ، وألقاها في فمه ، فدمعت عيناه هو الآخر من شدة الحرارة أيضا ، فسأله ابنه الفتى عن سبب دموعه، فأجاب الأب : راودني هاجس بأنك قد مت ولحقت بالمرحوم أخيك .
    ضحك الجميع على الحكاية في حين شعرت فاطمة بشيء من الإحراج ، أكل الجميع حتى شبعوا باستثناء فاطمة التي لم تعد تشعر بشهية للطعام ، فأعادت الصغير يزيد إلى حضنها ، وأخذت تتناول قليلاً من الطعام على رؤوس أصابعها الثلاثة الإبهام والسبابة والوسطى وتطعمه .
    وعندما انتهوا من الطعام ، غسلوا أياديهم وعادوا إلى الجلوس يتسامرون، وحافظ يزيد على الوقوف بين ساقي فاطمة الضيفة التي كانت سعيدة بذلك ، فقربت خدّها الأيسر من خدّه الأيمن وهي تداعب يديه بيديها وسألته :
    - هل أنا جميلة حقاً يا يزيد ؟
    نعم أنت جميلة .
    -إذن عندما يرزقني الله ابنة سأزوجك إيّاها!!
    فسأل : وما اسم ابنتك ؟!
    - سأسميها الاسم الذي ستختاره لها .
    أين هي وكم عمرها ؟!
    - لم تولد بعد .
    إذن أنت تكذبين عليّ .
    - أنا لم اكذب عليك ، قلت لك عندما يرزقني الله ابنة ، وهذا يعني أنه لا يوجد عندي ابنة الآن .
    فسألها : وكيف سيرزقك الله ابنة جميلة ؟!
    - فأجابت : هذه إرادة الله .
    فسأل : ولماذا لا يرزقني الله أنا ابنة مثلك؟
    عندما تكبر ستتزوج وسيرزقك الله البنين والبنات.

    فنهرته والدته قائلة : ما هذه الأسئلة يا يزيد؟!
    فأجاب : أنا لا أتكلم معك ، أنا أتكلم مع صديقتي فاطمة ، فضمّته فاطمة على صدرها وهي تقول : ما عليك يا حبيبي ، تكلم واسأل مثلما تشاء .
    شرب الضيفان القهوة بصحبة ربّة ورب البيت ، واستأذنا بالانصراف ، وعندما وصلا إلى باب البيت طبعت فاطمة قبلة الوداع على جبين يزيد ، فقال لها : لا تنسي أن تحضري ابنتك معك في المرّة القادمة، فضحك الجميع .
    وبعد أن انصرف الضيفان ، أجلس الوالد ابنه يزيد في حضنه وسأله :من الأجمل أمّك أم صديقتك فاطمة ؟! فغضبت الأمّ وقالت : هذا ما تريده ، اترك الطفل فإنه لا يدرك ما يقول ، وذهبت إلى سريرها للنّوم ، فلحق بها يزيد ، رفع الغطاء بخفة ، وانسلّ إلى جانبها، استدارت إلى جانبها الأيمن ومدت يدها اليمنى، وضع رأسه على يدها ، واقترب من صدرها وهو يقول : أنت أجمل امرأة يا أمّي قبّلته ووضعت يدها اليسرى عليه ، اقترب من صدرها أكثر فأكثر ، كان زفيرها يخرج على رأسه ، فشعر براحة تامة، واستسلم للنوم سريعاً ، فحملته بين يديها وهي تذكر اسم الله عليه ، وأعادته إلى سريره .

    في زيارة المسجد الاقصى

    وذات يوم من أيام عطلة الربيع ، أصرّ الأولاد الثلاثة ( فراس ، رباب ، ويزيد ) ، أن تصطحبهم والدتهم معها لزيارة القدس الشريف ، ففعلت بعد أن استأذنت من زوجها، وعندما أطلّوا على المدينة من منطقة رأس العامود ، التفت يزيد إلى يساره ، فرأى أشعة الشمس تنكسر على قبة الصخرة المشرفة الذهبية ، كانت قطرات الندى تنساب من قمة القبة الذهبية ، فخُيّل إليه أنها مرآة تعكس صورته وهو يسأل بصوت عالٍ : ماما ماما انظري ما هذا وأشار إلى القبة المشرفة ؟؟ فأجابت :هذه قبة الصخرة المشرفة في ساحة الأقصى ، التفت فراس ورباب ، فطلب فراس من السائق أن يتوقف ليستمتع بالمنظر الجميل ، غير أن السائق لم يستجب له ، في حين قالت له والدته : انتظر فنحن ذاهبون إلى هناك .
    أنزلهم السائق في محطة الباصات القديمة قرب باب العامود ، فأمسكت الأم بيد يزيد الصغير ، في حين طلبت من فراس ورباب أن يمسك أحدهما بيد الآخر ، ويتبعانها , فرفضت رباب أن تعطي يدها لفراس ، نظرت إلى سور المدينة التاريخي وهي تقطع الشارع ، فكانت وجها لوجه مع مغارة سليمان التي تشكل ما يشبه النفق العظيم ، محفورة في الصخور تحت أسواق وأبنية المدينة القديمة ، فسألت والدتها عنها ، فأجابتها باقتضاب : هذه مغارة سليمان ، وواصلت المسير ، هبطوا الدرج المقابل لباب العامود ، كان يزيد يريد رؤية كل شيء ، فشرع يلتفت إلى كل الجهات ، في حين فاخر فراس ورباب بأنهما رأيا هذه المناظر من قبل أكثر من مرة ، أمسكت الأم بيدها الثانية يد رباب لتحثها على المشي بصحبتها ، هذه أول مرة في حياة يزيد التي يرى ويعي فيها أسواقاً مكتظة بالمارة، ومحلات تجارية متراصة بجانب بعضها البعض ، في مدخل باب العامود وتحت الباب مباشرة امرأة سوداء عجوز ، تسند ظهرها إلى زاوية حائط الباب ، تبيع الفستق السوداني المحمص ، يقابلها محل صغير لبيع الملابس ، وهناك محل لبيع مختلف أنواع الساعات ، وبجانبه موسيقى تصدح بصوت مرتفع من محل يبيع أشرطة الأغاني المختلفة ، وباعة متجولون يعرضون بضاعتهم على مكان في الرصيف مستغلين غفلة شرطة البلدية التي تعكر صفو حياتهم ، وتعتدي عليهم . رأوا شرطة الاحتلال وهي توقف بعض المارة تحت تهديد السلاح وبشكل انتقائي ، يسمحون للبعض بالمرور ، في حين يُكبلون أيدي بعض الشباب بالقيود الحديدية ، ويقتادونهم إلى جهة مجهولة ، نزلوا طريق الواد فهو أقل ازدحاماً وواصلوا المسير ، كانت بعض الأبنية التي يقف أمامها جنود الاحتلال بأسلحتهم ، وبجانبهم بعض الشباب الذين يضعون طواقي صغيرة على أمهات رؤوسهم مثبتة بمشبك صغير في شعورهم ، وأيديهم على زناد أسلحتهم .
    وصلوا إلى باب المجلس الإسلامي الأعلى، ودخلوا إلى ساحة المسجد المبارك ، كان المنظر مهيباً ، عندما رأت الوالدة قبة الصخرة أمامها ، هلّلت وكبرت بخشوع ، ثم اقتادت أبناءها إلى المطاهر للوضوء ، دخلت مع يزيد ورباب إلى قسم النساء ، في حين طلبت من فراس أن يدخل إلى قسم الرجال المجاور ، وأن يتوضأ ، وينتظر في الخارج حتى يلتقوا جميعاً ، ففعل ، لم تكن رباب ويزيد يعرفان سنن الوضوء ، فطلبت الأم منهما أن يفعلا مثلما تفعل ، توضأوا جميعاً وعادوا إلى باحات المسجد مرة أخرى ، خلعوا أحذيتهم عند مدخل الصخرة المشرفة ، وأبقوها هناك ، ثم دخلوا حفاة ، فهذه من آداب دخول المساجد . طلبت منهم أن يصلوا ركعتين تحية المسجد ، فصلتها هي وفراس في حين كان يزيد ورباب يركعان ويسجدان مُقلدين أمهما ، نظروا إلى جدران مسجد الصخرة المشرفة ، ثم اقتربوا من الصخرة ، فشرحت لهم الوالدة كيف عرج الرسول الأعظم صلوات الله عليه من على هذه الصخرة إلى السماوات العلى، وعاد إلى مكة في الحجاز في جزء من ليلة واحدة ، وهي تردد الآية الكريمة " سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الاقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا انه هو السميع العليم" صدق الله العظيم .
    فسألت رباب : وكيف صعد إلى السماء من هنا وعاد بهذه السرعة ؟
    فأجابت الأم : هذه من معجزات الرسول صلوات الله عليه ، سأحدثكم عنها في البيت ، ثم دخلوا في الكهف الصغير تحت الصخرة ، حاولوا لمسها قدر استطاعتهم ، كان فراس يحاول قراءة بعض الآيات القرآنية الكريمة المنقوشة على فسيفساء جدران المسجد العظيم ، وكان يرددها بصوت مسموع ، ثم خرجوا إلى الساحة ، ركضوا بسرعة على مرأى من والدتهم ، كانوا فرحين وفي غاية السعادة .
    رأوا بعض السائحين الأجانب يتجولون في ساحات المسجد ، يلتقطون الصور بحرية تامة، جلسوا في ظلال إحدى القباب ، وشرعوا يجمعون بعض بقايا الطعام الملقاة على الأرض المباركة ، ملأ فراس ورباب أيديهما بالقمامة ، وعادا إلى أمّهما يقولان :
    انظري كيف يلقي السياح القمامة في ساحات المسجد، فأجابتهما :
    إنهم ليسوا السياح يا أبنائي ، السياح يدخلون المسجد ولكل منهم أسبابه ، وتناول الطعام ليس واحداً من هذه الأسباب ، فسأل فراس : إذن ما هي أسبابهم ؟
    فأجابت : هذه قضية طويلة وكبيرة !!
    استراحوا قليلاً ، ثم قادتهم والدتهم إلى المسجد الاقصى ، ثم إلى المسجد المرواني ، ثم إلى المتحف الإسلامي ، فمكتبة المسجد الاقصى ، وعندما نادى المنادي لصلاة الظهر، ذهبوا إلى قبة الصخرة حيث تُصلي النساء ، وأدّوا الصلاة جماعة ، ثم خرجوا تحت إلحاح الأم ، واستقلوا سيارة عائدين إلى البيت .
    وعندما عاد الأب مساء من عمله ، تسابق الأبناء كل منهم يريد أن يحدثه عمّا شاهدوه في المدينة المقدسة ، وأسهب فراس ورباب في وصف قبة الصخرة والمسجد الاقصى ، والمُصلى المرواني فاستمع إليهم بهدوء لم يقطعه إلا سؤال فراس له :
    لماذا لا يذهب جدي وجدتي لأمّي للصلاة في المسجد الاقصى يا أبي ؟؟
    - لأنهم لا يحملون هوية القدس .
    ولماذا لا يحملون هوية القدس ؟!
    - لأنهم يسكنون في السواحرة الشرقية .
    لكن السواحرة الشرقية ليست ببعيدة عن القدس ، بإمكانهم أن يَصِلوا إلى المسجد الاقصى مشياً على الأقدام بدون عناء .
    - نعم يا ولدي ولدي بإمكانهم أن يفعلوا ذلك ، لكن الجنود لا يسمحون لهم بالدخول .
    لماذا ؟
    - قلت لك لأنهم لا يحملون هوية القدس .
    وكيف يسمحون للسياح الأجانب ولليهود بدخول المسجد الاقصى مع أنهم يأتون من بلدان أخرى ؟!
    - هذه قوانين الاحتلال يا بني .
    وهل يعلم الملوك والرؤساء العرب والمسلمون ذلك ؟
    - نعم يعلمون .
    وماذا يفعلون ؟
    - لا شيء !
    لماذا ؟
    - لا ادري اسألهم ؟!
    وكيف أسألهم ؟!
    - هذه قضية صعبة يا بني ، عندما تكبر ستعرفها !!
    إذن كيف سنتخلص من قوانين الاحتلال ؟!
    - عندما ينتهي الاحتلال !!
    ومتى ينتهي الاحتلال ؟؟
    - لا أعلم .
    لماذا لا تعلم ؟! سألت رباب ...
    فتضايق الأب من أسئلتهم وصاح بهم: ماذا تريدون من الاحتلال ؟؟ وما شأنكم وشأن صلاة أجدادكم إن صلوا في المسجد الاقصى أو غيره ؟!
    قال فراس : لأنني سمعت الشيخ يقول أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الصلاة في المسجد الاقصى بخمسمائة صلاة " وأريد أن يكون ثواب أجدادي عظيماً ليدخلوا الجنة .




    فقال الأب : ربكم غفور رحيم ، وهو العالم بأحوالنا وأحوال غيرنا ، اذهبوا لمشاهدة برنامج الأطفال في التلفاز ، اذهبوا إلى أسرتكم وناموا ..
    - لا نريد مشاهدة التلفاز ، ولا نريد النوم، نريد الحديث معك ، فقال أنا تعب ومرهق يا أحبائي، وأريد أن أنام ، تصبحون على خير .

    *********
    في صباح اليوم التالي نهضت رباب مبكرة، غسلت يديها ووجهها بالماء والصابون ، وارتدت أجمل ثيابها ، بعد أن رتبت سريرها ، وصفّفت شعرها ، وعندما استيقظ والداها طرحت عليهما تحية الصباح ، واقتربت من والدها وقالت : أبي أريد أن اذهب معك اليوم ... إلى أين ؟ سألها الأب !!
    - إلى حيث أنت ذاهب .
    أنا ذاهب إلى العمل .
    - وأنا ذاهبة معك .
    لماذا ؟؟
    - لا لشيء فقط أريد أن اذهب معك .
    حاضر يا رباب ، أجابها الأب ، كيفما تشائين.
    ضحكت رباب ، وشعرت بالرضا .
    وفي مكان العمل كانت رباب تسأل الموظفين والموظفات كل واحد على حدة :
    هل يسمحون لك بالصلاة في المسجد الاقصى، فكانت الإجابة في غالبيتها .. نعم . إلا واحد منهم أجاب : لا .. لا يسمحون لي .
    - هل تحمل هوية القدس ؟!
    نعم .
    - ولماذا لا يسمحون لك ؟؟
    لأن عمري تحت سن الأربعين .
    - لكن أبي قال إنهم يسمحون لمن يحمل هوية القدس بالصلاة في المسجد الاقصى !!
    نعم هذا صحيح ، ولكن في بعض الحالات لا يسمحون لمن هم دون سن الأربعين .
    - لماذا ؟!
    هذه قوانين الاحتلال .
    - أف .. قوانين الاحتلال .. قوانين الاحتلال .. هل للاحتلال قوانين خاصة ؟!
    نعم للاحتلال قوانين خاصة ، لا تشبه أي قانون في العالم .
    - لقد رأيت بالأمس سياحا ويهوداً دون سن الأربعين في ساحات المسجد الاقصى .. فكيف سمحوا لهم بالدخول ؟!
    لأنهم غير مسلمين ، وغير فلسطينيين .
    - ولكن المسجد الأقصى مسجد إسلامي .
    هذا صحيح .
    - وكيف الخلاص ؟!
    عندما يشاء الله .
    - ومتى يشاء الله ؟!
    عندما نعود إليه .
    - ومتى نعود إليه ؟!
    هذه قضية ستعرفينها عندما تكبرين.
    عادت وجلست بجانب والدها وهي تفكر حائرة ... فلم تجد أجوبة تقنعها .
    وعندما انتهى الدوام ، أمسك والدها بيدها وخرجا. وفي شارع صلاح الدين ، توقفت رباب فجأة أمام محل لبيع الأحذية . وسألت والدها ... هل هذه الأحذية للبيع يا أبي ؟؟!
    - نعم إنها معروضة للبيع .
    وهل يبيعونها لأي شخص ؟
    - نعم .
    إذن لما لا تشتري لي حذاءاً جديداً ؟!
    ابتسم الأب وقال : حاضر سأشتري لك حذاءاً جديداً .. دخلا إلى المحل واختارت رباب زوجاً من الأحذية ، دفع الأب ثمنه بعد أن انتعلته رباب ، ووضع صاحب المحل الحذاء القديم في علبة من الكرتون داخل كيس بلاستيكي ، حمله الأب في يده ، وأمسك يد رباب باليد الأخرى ، وسارا باتجاه محطة الباص ، وفجأة اعترضهم جنديان من حرس الحدود ، طلبا هوية الأب ودققا بها ، ثم فتش أحدهم الحذاء ، فسألت رباب أباها :
    لماذا يفتشون الأحذية يا أبي ؟
    - إجراءات أمنية ، إنهم يفتشون كل شيء .
    وهل الحذاء يشكل خطراً يا أبي ؟
    - لا أعلم .. ربما !
    وهل يريدوننا أن نمشي حفاة يا أبي ؟!
    - لا أعلم اسكتي يا بنية .
    سكتت على مضض ، حتى وصلا محطة الباصات، واستقلا الباص ، وعادا إلى البيت الكائن في سفوح جبل المكبر .
    وعندما وصلا القرية ونزلا من الباص ، شرعت رباب تركض فرحة بحذائها الجديد ، وصلت إلى البيت قبل والدها ، تبخترت في البيت وقالت لأخويها فراس ويزيد: انظرا .. أبي اشترى لي حذاءاً جديداً ولم يشتر لكما، غضبا كلاهما ، وشرع فراس يبكي ويصرخ طالبا حذاءاً جديداً كحذاء رباب وعندما وصل الأب ، وعرف سبب بكائهما ، وعدهما بأن يشتري لهما أحذية في صباح اليوم التالي ، لكنهما لم يقتنعا .
    خلعت رباب حذاءها الجديد ، ووضعته بجانبها ، فاختطفه فراس وولى هارباً ، لحقت به وهي تصرخ ، لكنها لم تستطع الإمساك به ، وعندما ابتعد عن البيت ، ادخل قدميه في الحذاء عنوة بعد أن ثنى أصابعه ، وشرع يركض في الطرقات رغم الآلام في أصابع قدميه ، وعاد بعد ان تعب وبعد أن أمضى أكثر من ساعة ، أعاد الحذاء لرباب ، وكان الدم ينزف من إصبع قدمه اليمنى الكبير ، انسلّ إلى فراشه ولم يخبر أحداً بما جرى لإصبعه .
    وفي صباح اليوم التالي ، نهض يعرج من قدمه اليمنى ، فقد تورم إصبعه ، ولم يعد قادراً على المشي إلا على كعب قدمه ، ولما شاهدته والدته غسلت قدمه ، ووضعت مادة مطهرة على الجرح ، لم يستطع انتعال حذائه القديم ، وأمضى يومه يمشي حافياً ، وعندما عاد الأب من العمل أخذه إلى الطبيب الذي كتب له مضاداً حيوياً ، وأعطاه مرهماً يدهن به الجرح ، ومكث على هذه الحالة أسبوعين كاملين لم ينتعل فيها حذاء سوى الفردة اليسرى من " صندل " منها أسبوع في المدرسة بعد أن انتهت عطلة الربيع .

    بين المقاثي

    وفي العطلة الصيفية ، بنت الأسرة خيمة في منطقة الديارة في حي الشيخ سعد ، وسط مقاثي " الفقوس ، والكوسا ، والبامياء واللوبياء والبندورة " في مرج تربته حمراء ، ومزروعاته تسر الناظرين ، وكان ما يثير دهشة الأطفال هو النمو السريع للفقوس ، فما أن تنعقد الزهرة ، وتتحول إلى ثمرة حتى يبدأ نموها بشكل سريع ، تنعقد في الليل ، وفي ساعات الصباح تكون الثمرة بطول إصبع ، وعند المساء تصبح شبراً أو فتراً فهي تنمو بسرعة .
    تعلم الأطفال من جدتهم انه إذا ما دفنت "الفقوس" تحت التربة بعد انعقاده مباشرة ، فإنه يفور بطريقة جنونية ، يتضاعف نموّه مرات ومرات في نفس اليوم ، استغرب الأطفال الطريقة، وشرعوا يستعملونها ، كانوا في بعض الأحيان ينسون الثمار التي دفنوها ، فتنمو بشكل سريع بحيث تصبح غير صالحة للأكل، فيتركها الأهل لتبقى " بذورا ً " لزارعتها في العام القادم ، كانت لذة قطف الفقوس لا يعرفها إلا من مارس الزراعة ، تقطفها بيدك ، تفركها بين راحتي يديك ، وتأكلها بدون غسيل أنها حقاً لذيذة .
    كان الوالدان والجدة يمشون بين النباتات ، يقطفون الثمار ، ويضعون كل صنف في سلة ، يأخذون حاجة ليلتهم فقط ، ثم يوزعون الباقي على الأقارب وعلى الأصدقاء والجيران .
    كانت متعة فراس ورباب ويزيد أن يدعوا اقرانهم من أبناء جيلهم ، يتجولون وسط المقاثي ويأكلون ما يشتهون دون رقيب أو حسيب ، وكان الأهل سعيدين بذلك .
    الصغير يزيد كان يحب الفقوس بشكل كبير، ولا يقبله إلا إذا قطفه بيده ، أما رباب فإن فاكهتها المفضلة هي البندورة ، تقطف حبة البندورة الحمراء ، تمسحها بيديها ، تحضر قليلاً من الملح ، تخدشها بطرف قوارضها ، وترش الملح عليها ، وتأكلها بشهية ، تحب الآخرين أن يشاركوها في أكل فاكهتها المفضلة ، وتشرح لهم أنها فاكهة لذيذة ومغذية . قالت لها أمّها : البندورة من الخضار وليست فاكهة ، فردت عليها رباب بثقة العارف : بل إنها فاكهة .
    سألتها الوالدة : من أين تعرفين ذلك ؟
    أجابت : شاهدت ذلك في برنامج تلفزيوني ، حين قال الخبير الزراعي أن البندورة فاكهة ، وليست من صنف الخضار .
    سكتت الوالدة على مضض ، في حين ابتسم الوالد وهو يؤكد صحة ما قالته رباب .
    أمّا فراس فكانت هوايته المفضلة أن يأكل قرون اللوبياء نيئة بدون طبيخ ، في حين كان يستخرج بذور البامياء ويأكلها أيضا نيئة ، ولم يكن يستمع لنصيحة والدته أن ينتظر حتى تطبخها مع البندورة وقليل من اللحم ، كان يصف السائل اللزج الذي يخرج من البامياء المطبوخة أوصافاً تدعو إلى التقزز .
    طلبت الجدة من ابنها أن يجمع المحاصيل الزائدة ، وان يقوم ببيعها في السوق ، إلا أنه رفض ذلك بشدة قائلاً : يا والدتي : هذه الأرض الطيبة إذا أكرمتها أكرمتك ، وإذا حافظت عليها حافظت عليك، ثم تساءل : كيف أبيع هذه الثمار ، وأخواتي وعماتي وجيراني وخالاتي وأبناؤهن بحاجة إليها؟ هل سأتاجر عليهن ؟!
    - لا يا ولدي ، أجابت والدته : صلة الرحم تطيل العمر ، وتكثر في الرزق ، أعطِ الأرحام حاجتهن وبع الباقي . الله يرضى عليك ، ويعطيك الصحة والعافية .
    فقال وللجيران حق علينا يا والدتي ، ألم تسمعي بالحديث الشريف الذي يقول : " ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت انه سيورثه ".
    - فقالت : هؤلاء جيران للأرض ، وليسوا جيراناً لنا ، لماذا لا يزرعون أرضهم بدلاً من العمل في المستوطنات ؟!
    فرد مازن : هذا شأنهم يا والدتي ، فلا دخل لهم إلا من العمل في المستوطنات ، وغالبيتهم ليسوا متعلمين ولم ولن يحصلوا على وظائف تؤمن لهم دخلاً يكفيهم ، وربما لا يعرفون الزراعة .
    وهنا تدخلت زوجته صفية قائلة : كيف لا يعرفون الزراعة وآباؤهم وأجدادهم كانوا يزرعون كل شبر في هذه الأرض ؟! ولم يكن لهم أية مداخيل إلا من ريعها .
    - فقالت الجدة : يا أبنائي ، عندما كان الناس يعتاشون على الزراعة ، كانوا يستطيعون الوصول إلى أراضيهم ، أما الآن فإن المستوطنات تملأ المنطقة ، وغالبية الأرض الزراعية مغلقة بأوامر عسكرية بحيث لا يستطيع مالكوها الوصول إليها ، وأنا أسأل عن عدم زراعتهم للأراضي الواقعة بجانب بيوتهم ، بدلاً من أن يتركوها للأعشاب والأشواك الضارة ، لماذا لا يزرعون ويحصلون على حاجة بيوتهم على الأقل ؟ انظروا كيف يمرح أطفالهم في مقاثينا ؟ لماذا لا يوفرون الفرحة لأطفالهم على الأقل ؟!
    فرد عليها ابنها مازن : فاقد الشيء لا يعطيه يا أمي ، إنني عندما أرى الفرحة على وجوه أطفالهم- وهم يتراكضون مع أولادي في المقاثي- اشعر بفرحة غامرة ، وأنا أتذكر ما قاله المرحوم توفيق زياد : " وأعطي نصف عمري لمن يجعل طفلاً باكياً يضحك " فلماذا نحرم هؤلاء الأطفال من الضحك والسعادة ؟ ولماذا نحرم أنفسنا هذا الفرح أيضاً ؟!
    -فقالت الجدة : الله يرضى عليك يا ابني ، اعمل ما يرضيك وأسأل الله التوفيق ، ثم أضافت : في سنوات الخير يا ولدي : رحمة الله على أبيك ، ذات مرة حرث أرضنا في البقيعة وبذر كيس قمح " أبو خطّين " كان يتسع إلى حوالي خمسين رطلاً ، وربك إذا أعطى لا يبخل يا ولدي ، هل تعلم يا ولدي أننا جمعنا في موسم الحصاد خمسة وثلاثين شوالاً من القمح ، وبذر خمسة أرطال عدس فجمعنا اثني عشر شوالاً ، في زمن والدك الله يرحمه – لم نشتر الطحين ولو مرة واحدة ، لم يطعمكم إلا خبز القمح البلدي ، إذا أمحلت عاماً أو أكثر كان المخزن دائماً مليئاً بالحبوب التي تكفينا لأكثر من خمس سنوات ، لم نعمل في " الورشات " ولم يستخدمنا احد ، كنا أرباب أنفسنا ، نزرع الأرض، ونربي الأغنام ، نشرب حليبها ولبنها ، ونأكل من جبنها وزبدتها وسمنها ، وفي سنوات المحل التي يقل مطرها ولا يتحول الزرع إلى سنابل ،كانت الأغنام ترعى النباتات فلا نخسر شيئاً ، بالعكس كنا نوفر ثمن العلف ،كنا نبيع الخراف والجبن والزبدة واللبن ، ونشتري حاجياتنا الأخرى ، ثم تساءلت :
    - من أين تعلمت أنت وإخوتك وأخواتك ؟!
    وأجابته : من خير الأرض يا ابني ، فقاطعها : لكن البقيعة الآن مغلقة بأوامر عسكرية يا أمّي ، وغالبية أراضيها إمّا مصادرة أو مغلقة .

    *********
    كان مازن وزوجته صفية يتسامرون والجدة عائشة تحدثهم عن أيام الخير ، في حين كان الأولاد يلعبون في طرف المقاثي البعيد .
    كان هناك عش للدبابير ، كل ولد يحمل قطعة تنك مربعة أو مستطيلة ، ويلوح بها ذات اليمين وذات الشمال ضارباً الدبور الذي يقترب منه ، وعندما يسقط الدبور طريحاً على الأرض غير قادر على الطيران ، يدوسه بقدمه أو يقترب منه ، ينزع زبانته التي يلدغ بها ، ويحتفظ به في علبة ، وعندما تهدأ الدبابير ، يرجمون عشها بالحجارة فتثور من جديد .
    كان أكثرهم حنكة ودراية في محاربة الدبابير فراس، فهو أكبرهم سناً ، هو الآن في العاشرة من عمره ، واثنان من أبناء الجيران من جيله ، فهم أبناء صف واحد ، فدبّر لهم خطة حسب رأيه سيقضي بها على جميع الدبابير ، وقد اكتسب هذه الخبرة بعد مراقبة الدبابير لعدة أيام ، قال لهم : انظروا إن الدبابير تطير من جحرها إلى أعلى ، سأتقدم أنا وصديقي إسماعيل إلى الجحر نحرك الدبابير داخل الجحر بالعصا ، وعندما تطير ، ننبطح أرضاً ، وتطير هي إلى أعلى ، ونقوم بمحاربتها ، انتم وقوفاً ونحن منبطحان على ظهورنا .
    اقترب فراس وإسماعيل من الجحر ، مدّا عصاتيهما إلى الجحر وحركاهما بسرعة فائقة، ثم رمى كل واحد منهم جسده على الأرض بجانب بعضهما البعض ، واحد على يمين جحر الدبابير والآخر على يساره ، فخرجت الدبابير مذعورة وأشبعتهم لسعاً ، عشرات اللسعات في وجوههم وأيديهم وصدورهم ، صراخهم ملأ المنطقة ، اقترب الآخرون منهم لحمايتهم، فكان نصيب كل واحد منهم لسعة أو لسعتين ، إلا يزيد فقد هرب باتجاه الخيمة يصيح بأعلى صوته .
    هرع مازن وزوجته صفية باتجاه يزيد يستطلعون الأمر ، في حين كانت تتبعهم الجدة عائشة تتوكأ على عصاها وهي تردد : خير ، اللهم اجعله خير .
    وعندما وصل مازن وصفية إلى الأولاد ، جرّا فراس وإسماعيل ولم يتبينا وجهيهما من شدة الورم الناتج عن لسعات الدبابير .
    حملوهما إلى المستشفى ، كما استعانا بالجيران لحمل بقية الأطفال ، وفي مستشفى المقاصد الخيرية على قمة جبل الزيتون ، رقد فراس وإسماعيل على سريرين متجاورين ، بعد أن قدم لهما الأطباء العلاج اللازم ، رقدا تحت المراقبة في غرفة الإنعاش المكثف ، في حين تلقى الأطفال الآخرون العلاج في غرفة الطوارئ ، كل و

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين نوفمبر 25, 2024 9:21 am