من طرف د. اسماعيل الحوراني الأحد يونيو 05, 2011 8:18 am
هذه هي الخلافة
محمود صالح عودة
منذ سقوط الخلافة العثمانية وحتى اليوم، ينادي كثير من المسلمين بإعادة نظام الخلافة، والملفت للنظر في تلك الدعوات أنها ركزت على الخلافة بمفهومها السلطوي أو القيادي، حيث يسمى قائد الدولة الإسلامية "خليفة"، في حين غاب - أو غيّب - عنهم المفهوم القرآني الأصيل لها.
فالخلافة في قرآننا الكريم هي خلافة الإنسان الله على أرضه التي هي جزء من ملكوته، حيث جعل الله آدم عليه السلام أول خليفة في الأرض، حين قال لملائكته: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} (البقرة: 30)، وقد جاء في آخر سورة الأنعام: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ}. هذه الخلافة لا تقتصر على إنسان دون آخر، ولا على فئة دون أخرى، بل هي خلافة مطلقة يكون فيها الإنسان - أي إنسان - خليفة الله في الأرض، سواءًا كان مؤمنًا أم كافرًا؛ {هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِلاَّ مَقْتًا وَلا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلاَّ خَسَارًا} (فاطر: 39).
وفي الوقت الذي يتحمل الكافرون وزر كفرهم في الدنيا والآخرة من مقت وخسران، ينعم المؤمنون الصالحون بتمكين الدين والأمن؛ {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (النور: 55).
لم يغب المفهوم القرآني للخلافة في بداية عهد الدولة الإسلامية، فقد شهدت فترة حكم أبي بكر الصدّيق - رضي الله عنه - خليفة رسول الله صلّى الله عليه وسلم في قيادة الأمّة الإسلامية، ومن ثمّ فترة حكم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عدلاً وقسطًا لا نظير لهما في التاريخ، والذي عزّز ذلك هو تعامل الخليفتين الراشدين مع الناس؛ حيث كانا من الناس وإليهم، ولم يتميّزا عنهم بلباس أو مأكل أو مشرب، بل في بعض الأحيان كان لباسهما أقل قيمة وجودة، وكانا يعملان كما يعمل عامّة الناس، وكمن السرّ الأكبر في موقفيهما التاليين: حين قال أبو بكر رضي الله عنه في خطبته الأولى بعد توليه خلافة رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما بعد أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوّموني"، إلى أن ختم بالقول: "أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم"، وقول عمر رضي الله عنه عندما خلف أبا بكر: "إن رأيتموني على الحق فأعينوني وإن رأيتم في اعوجاجًا فقوّموني"، عندها قال له أحد العامّة من المسلمين "لو رأينا فيك اعوجاجًا لقوّمناه بسيوفنا" فرد رضي الله عنه: "الحمد لله الذي جعل في أمّة محمد من يقوّم عمرًا بسيفه".
لقد علم هؤلاء العظماء أن الحرية حق رباني وليست منّة من إنسان، فلم يمنّوا على الناس بإعطائهم الحرية في نقدهم وتصحيحهم وتصويبهم - رجالاً كانوا أم نساءً - ولقد علموا كذلك أنهم في منصبهم لم يكونوا هم المسؤولين فحسب، بل كانوا قادة أمّة من المسئولين، تعينهم إن أحقّوا وتصوّبهم إن اعوجّوا؛ {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّه} (آل عمران: 110).
لقد أرادنا الله تعالى أمّة مؤمنة تعمل الصالحات، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، تستخلف الله في الأرض كما أراد، بالعدل والإصلاح. ومنذ بزوغ فجر الرسالة الإسلامية والمسلمون يبدعون ويبتكرون ويجتهدون ويجددون، على كافة المستويات العلمية والعملية.
لكن غياب مفهوم الخلافة القرآني كان سببًا محوريًا في تراجع الأمّة، فقد عمل على تغييبه الانتهازيون والمستبدّون والظالمون والفاسدون منذ القدم وحتى اليوم، إذ إن الأمّة المسؤولة القويّة تهدّد كيان أولئك المستبدّين ووجودهم.
وفي ظل الثورة المباركة التي تشهدها أمّتنا لا بدّ من مراجعة هذا المفهوم، وغيره من المفاهيم التي شُوّهت وغيّبت على مدار التاريخ، ومن ثم معالجة الأسباب والأساليب التي استخدمت معها، ومحق الأكاذيب والخرافات التي روّجت لتغييبها وتشويهها، عسى أن نعود {خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}.
مع كل شكري
د. اسماعيل الحوراني
الجمعة يونيو 28, 2019 8:55 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» د. ليلى عريقات نائب الرئيس ورئيسة تكريم الشهادات الفخرية والرئيسة الفخرية للمجلس
الإثنين ديسمبر 03, 2018 12:25 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» اهداء ارتجالي الى عميدة الشعر المعاصر الاستاذة د. ليلى عريقات / د. لطفي الياسيني
السبت ديسمبر 01, 2018 9:05 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» خذ ومن عمري لعمرك .. مهداة لشيخ الشعراء المجاهدين لطفي الياسيني للشاعر حسين حرفوش
السبت ديسمبر 01, 2018 2:18 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» وما غير الطبيعة من سِفر
الخميس يوليو 11, 2013 6:22 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» حمى الناس ..إهداء إلى أهالي الحولة
الخميس يوليو 11, 2013 6:13 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» قصيدة معايدة الرؤساء العرب .. للشيخ عائض القرني
الخميس يوليو 11, 2013 6:12 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» طال ابتهال المصطفى
الخميس يوليو 11, 2013 6:11 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» من وحي السيول والفيضانات التي اجتاحت بيوتنا / د. لطفي الياسيني
الأربعاء يناير 09, 2013 4:02 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني