منتدى الشاعر حسن محمد نجيب صهيوني

نرحب بجميع زوار هذا المنتدى ونأمل أن يطيب لكم البقاء ويحدونا الفخر بانضمامكم لأسرتنا


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدى الشاعر حسن محمد نجيب صهيوني

نرحب بجميع زوار هذا المنتدى ونأمل أن يطيب لكم البقاء ويحدونا الفخر بانضمامكم لأسرتنا

منتدى الشاعر حسن محمد نجيب صهيوني

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى الشاعر حسن محمد نجيب صهيوني

ملتقى أدبي يهتم بفنون الأدب العربي من شعر قديم ومعاصر ويحوي عدداً من التراجم والسير الأدبية والمقالات والقصص والروايات

بعد التحية على الزوار الراغبين بالإنضمام لهذا المنتدى التسجيل بأسمائهم الحقيقية أو ألقابهم أو أي اسم أدبي يليق بالمنتدى بعيداً عن أي أسماء تخل بسمعة المنتدى وتسيء إليه، وسوف تقوم إدارة المنتدى بالرقابة على الأسماء غير اللائقة أدبياً ثم حجبها ..... إدارة المنتدى

المواضيع الأخيرة

» ملحمة شعرية مهداة الى الشاعرة عائشة الفزاري / د. لطفي الياسيني
رواية (دم سقى الجولان)  Emptyالجمعة يونيو 28, 2019 8:55 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني

» د. ليلى عريقات نائب الرئيس ورئيسة تكريم الشهادات الفخرية والرئيسة الفخرية للمجلس
رواية (دم سقى الجولان)  Emptyالإثنين ديسمبر 03, 2018 12:25 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني

» اهداء ارتجالي الى عميدة الشعر المعاصر الاستاذة د. ليلى عريقات / د. لطفي الياسيني
رواية (دم سقى الجولان)  Emptyالسبت ديسمبر 01, 2018 9:05 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني

» خذ ومن عمري لعمرك .. مهداة لشيخ الشعراء المجاهدين لطفي الياسيني للشاعر حسين حرفوش
رواية (دم سقى الجولان)  Emptyالسبت ديسمبر 01, 2018 2:18 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني

» وما غير الطبيعة من سِفر
رواية (دم سقى الجولان)  Emptyالخميس يوليو 11, 2013 6:22 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني

» حمى الناس ..إهداء إلى أهالي الحولة
رواية (دم سقى الجولان)  Emptyالخميس يوليو 11, 2013 6:13 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني

» قصيدة معايدة الرؤساء العرب .. للشيخ عائض القرني
رواية (دم سقى الجولان)  Emptyالخميس يوليو 11, 2013 6:12 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني

» طال ابتهال المصطفى
رواية (دم سقى الجولان)  Emptyالخميس يوليو 11, 2013 6:11 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني

» من وحي السيول والفيضانات التي اجتاحت بيوتنا / د. لطفي الياسيني
رواية (دم سقى الجولان)  Emptyالأربعاء يناير 09, 2013 4:02 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني

التبادل الاعلاني


    رواية (دم سقى الجولان)

    avatar
    هند خوالدة


    عدد المساهمات : 96
    نقاط : 26499
    السٌّمعَة : 0
    تاريخ التسجيل : 30/06/2010

    رواية (دم سقى الجولان)  Empty رواية (دم سقى الجولان)

    مُساهمة من طرف هند خوالدة السبت مايو 28, 2011 12:34 pm

    دم سقى الجولان

    د. عبد الله الدهامشة


    -1-



    في كل عام يعود الخريف، وتتلبد السماء بقطع الغيوم البيضاء، وتترطب النسمات، فتفتح المدارس أبوابها، ويعود عمار وسعيد ومحمد ومصعب ومحمود إلى ثانوية ابن رشـد للدراسة في الصف الثالث الثانوي.

    أما عمار فقد جاء من القرية مع محمد ومصعب ليسكنوا في غرفة واحدة للعام السابع، حيث ماتزال المدارس الثانوية محصورة في المدينة، ولاتوجد إلا بعض الإعداديات في المناطق الريفية الكبيرة، التي ميزها المستعمر الفرنسي حسب الخريطة الطائفية ليفرق العرب السوريين.

    فحيثما كانت قرى طائفـة معينـة كان الجهل والتخلف. ومع طائفة أخرى تجـد المدارس وطرق الاسفلت وغيرها من أسباب الحضارة.

    وقد مرت سبع سنوات عجاف على محمد وعمار قاسيا خلالها آلام الجوع والسهر في سنوات جَدْبٍ وقحط مرت على سوريا، حيث انحبس المطر وجف الضرع، وباع الفلاحون أغنامهم بأثمان بخسة، ليسدوا بثمنها جوع أولادهم.

    تلك بعض محتويات الشريط الذي كان يمر في ذاكرة عمار وهو يتجول في ساحة ابن رشـد الواسعة والجميلة، وبجانبه محمد الذي كان ينتظر أفراد الشـلة.

    ـ عمار، هاهم محمود وسعيد !

    وأسرع الأربعة نحو بعضهم، وكان لقاء بالأحضان، وعناق طويل، ثم قطع عمار الصمت فقال :

    ـ مبروكة هذه اللحية الصغيرة يامحمود، ماشاء الله، والله جميلة جداً.

    ـ جزاك الله خيراً، إنها سنة رسول الله r، ولايهم إن كانت جميلة أو غير جميلة.

    ـ ولكن هل فكرت قبل إطلاقها جيداً ؟

    ـ وهل يحتاج الأمر إلى تفكير !!؟

    ـ نعم، أنت هذه السنة تجتاز المرحلة الثانوية، وهذه اللحية تحرمك من أكثر مجالات الدراسة والعمل.

    ـ لقد قررت دخول الجامعة، ولاشيء غيرها.

    عندئذ تدخل سـعيد وقال :

    ـ الحمد لله دخول الجامعة مرهون بالدرجات ولايتعلق بالتقرير السياسي.

    أجاب عمار : ـ ولكن هل نذهب كلنا إلى الجامعة !!؟.

    ـ أين نذهب إذن !!؟

    ـ إلى الكلية العسكرية، أجاب عمار.

    ـ والتقرير السياسي !!؟

    ـ أنا محايد ولا أنتسب إلى أي حزب من الأحزاب، وهذا مقبول عندهم الآن.

    ـ ولكنهم يتهمون كل من يصلي من طلاب الكليات العسكرية بأنه من الإخوان المسلمين.

    قال سعيد : ـ أنا لاأدري لماذا يخافون من الإخوان المسلمين كل هذا الخوف !!؟

    أجاب محمود : ـ إنهم يعرفون أن هذا البلد إسلامي، ولايمكن أن يستقر فيه غير الحكم الإسلامي.

    ـ ألا يريـدون لهذا البلد أن يسـتقر !!؟

    ـ لا، لايريدون لهذا البلد أن يستقر، لأن أسيادهم لايريدون أن يستقر.

    عمار : ـ المهم أنا منذ سنين أحلم بالكلية العسكرية، أريد أن أكون ضابطاً، أدافع عن بلدي ضد الصهاينة.

    ـ إن سمح لك البعثيون أن تدافع عن بلدك !!

    ـ وهل يمنعونني عن الدفاع عن بلدي !!؟ لايستطيعون ذلك أبداً.

    وفي تلك اللحظات ظهر طالب طويل القامة، أشـقر الشـعر، وأزرق العينين، وجاء نحو الشلة قائلاً :

    ـ السلام عليكم.

    ـ وعليكم السلام، كيف حالك يامصعب، لم نرك طول الصيف، أين كنت !؟

    ـ كنت في لبنان، أعمل لأجمع مصروف العام الدراسي وقد رزقني ربي، مصروفاً وافياً هذا العام ولله الحمد. وهذه المرة الأخيرة، ولن أعود إلى لبنان بعد هذه المرة. سأذهب إلى الكلية الجوية إن شاء الله، فمنذ صغري أحلم بقيادة الطائرة، والانقضاض على جيش الصهاينة.

    قال سعيد : ـ إخواننا أبناء الريف يحبون النجوم !!

    فأجاب عمار : ـ لماذا نترك الجيش لغيرنا !!؟

    قال محمود : ـ وما الفائدة من الجيش !!؟

    أجاب عمار : ـ غريب، ألاترى أن الجيش يملك سوريا، من بابها إلى محرابها. منذ سنة (1949م ) عندما قام حسني الزعيم بأول انقلاب في سوريا، وجعل الجيش يحكم البلاد.

    ـ لكن هل خدم الوطن !!؟ أم خَـَّربـهُ !!؟

    ـ لو كان فيه عناصر جيدة، لخدم الوطن، لذلك يجب أن نشارك فيـه.

    ـ أختلف معك في هذا، فقد أسـس هذا الجيش منذ أن بناه المستعمر الفرنسي، ليكون عدواً لهذا الوطن، يخربـه، ولايعمره. وعناصر جيدة لن تستطيع أن تفعل شيئاً.

    ـ أنا لاأتفق معك يا أخ محمود، أجاب عمار.

    وهنا قال سعيد : ـ لكن افرض وجود عناصر جيدة في الجيش، ماذا ستفعل !!؟

    أجاب عمار : ـ انقلاب عسـكري، ( ضحك محمود ) وابتسم سعيد ثم قال محمود :

    ـ لقد تعبت بلادنا من الانقلابات العسكرية، وتأكد لدينا أن كل انقلاب عسكري هو بداية لانقلاب عسكري آخر.

    ـ ماالعمل إذن !!؟

    ـ الثـورة الشـعبية..

    ـ أليس الانقلاب ثورة شعبية !!؟

    ـ لا... أراك نسيت دروس علم الاجتماع في العام الماضي، الانقلاب غير الثورة.

    ـ لماذا يقولون ثورة الثامن من آذار !!؟

    ـ هذا ادعاء باطل، يكذبون بـه على الغوغاء والرعاع أمثالهم، إنـه انقلاب عسكري، سـرق عدة مرات، حتى صار في أيدي البعثيين.

    ـ وكيف تكون الثورة الشـعبية إذن !!؟

    ـ يقوم أكثر الشعب ضـد الحكومة الظالمة والفاسدة.

    ـ وهل يستطيع الشعب الأعزل من السلاح أن يـثور ضد الحكومة!!؟

    ـ نعـم. عندما توجد لدينا قاعدة إسلامية صلبة، تمتد هذه القاعدة حتى تستحوذ على جزء من الشعب، فيتربى تربيـة إسلامية من خلال تكوين الفرد المسلم، ثم الأسـرة المسلمة، ثم المجتمع المسلم، عندها لايرضى هؤلاء أن يعيشوا في مجتمع لايحكم بشريعة الله، بل يحارب شريعة الله، عندها تقوم الثورة المسلمة.

    قال عمار : ـ ولكن هذا يحتاج زمناً طويلاً جداً، إن سارت الأمور كما تريد ياأخ محمود.

    ـ حياة الأمم ياعمار لاتقاس بعمر الفرد.

    أجاب مصعب : ـ ولكن أريد أن أرى بعيني هاتين عِزَّةَ المسلمين.

    ـ هذا ليس ضرورياً ياأخ مصعب، المهم أن نسير في الاتجاه الصحيح، قم بواجبك، وانتظر النتائج من الله عزوجل، يخلقها في الزمان والمكان الذي يريده سبحانه وتعالى.
    * * *


    دق جرس الحصة الأولى في العام الدراسي، وجُمعَ طلابُ السنة الثالثة كلهم في مدرج العلوم الكبير، ليدخل عليهم ( الشيخ ) مدرس التربية الإسلامية في ثانوية ابن رشـد.

    كان الشيخ طويل القامة، عريض المنكبين، تقطر لحيته البيضاء وقاراً وهيبة، وكان معروفاً في القطر كله، يحترمه الكبار والصغار، والحكومة والشعب.

    جلس فوق الطاولة ـ كعادته ـ وقال :

    بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم لاعلم لنا إلا ماعلمتنا إنك أنت العليم الحكيم. يقول رسول الله r : [ يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، قالوا أَوَ مِنْ قلةٍ نحنُ يومئذٍ يارسول الله !!؟ قال : بل أنتم كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور أعدائكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن، قالوا : وما الوهن يارسول الله ؟ قال : حُبُّ الدنيا وكراهية الموت ].

    هذا الحديث من معجزاته r، فهاهم المسلمون كثير، حوالي ( مليار ) مسلم، أي ربع البشرية، ومع ذلك ضعفاء، تطمع فيهم الدول الكافرة، وتتقاسم بلادهم وخيراتهم. لقد ضعف المسلمون وصاروا غثاء كغثاء السيل لأنهم أحبوا الدين وكرهوا الموت. لذلك لم يَخَفْهم الكافرون ؛ كما كان الفرس والروم يخافون المسلمين، عندما كان المسلمون يحبون الموت، ويكرهون حياة الذل والهوان، ومن يحب الموت !!؟ إلا من عرف أن الموت في سبيل الله أسمى أماني المؤمن ؛ لأن الشهداء أحياء وليسوا أمواتاً، ومقام الشهداء في الجنة مع مقام الأنبياء.

    إن حالة المسلمين اليوم يُرثى لها، فمنهم المرتدون عن الإسلام، ومنهم المنحرفون عنه، ومنهم الفاسقون ضعاف الإيمان. وقد اغتصب الصهاينة ثالث الحرمين وأولى القبلتين، والمسلمون مشغولون بسفاسف الأمور، والانقلابات العسكرية، والخلافات السياسية، بل العشائرية والقبلية والطائفية.

    إن مشكلة فلسطين لاتحلها إلا القوة، ولابد أن يعود المسلمون إلى التمسك بكتاب الله وسنة رسوله r ليعودوا أقوياء كما كانوا، ويحرروا فلسطين.

    وهكذا مضى الوقت سريعاً ولم يشعر بـه الطلاب، ومازالت عقولهم متحفزة ومتنبهـة، وعيونهم تمعن النظر في هذا المدرس الذي يختلف عن المدرسين. يختلف عنهم في مظهره ولباسه، ولحيتـه وعصاه التي لاتفارقـه، ويختلف عنهم بجـده واجتهاده فلايضيع دقيقـة واحدة من زمن الدرس، وقد يقف معه طالب أو أكثر فيشغل وقت الاستراحة معـه.

    كان عمار أشد الطلاب إعجاباً بالشيخ وصوته الجهور، وهيبتـه ووقاره، يشعر بالعطف والأمن عندما يستمع لـه. وقبيل انتهاء الحصة بقليل طلب الشيخ من الطلاب أن يوجهوا أسئلة إن وجدت.

    وقف مصعب وقال : ـ سيدي الشيخ : ألا توجد دول صديقة لنا من الكافرين، يحبوننا ولايتداعون علينا !!؟

    ـ لايابني. إنهم أعـداء وليسوا أصدقاء، يقول سبحانه وتعالى ]ولاتؤمنوا إلا لمن تبع دينكم]، فلا تصادق منهم أحداً، لأنه لا أمانة لهم. ويكذبون علينا بأنهم أصدقاء، ويعضون علينا الأنامل، ويصدق بعضنا لأننا صرنا غثاء كغثاء السيل. نصدق كلامهم، ولانصدق قول ربـنا عزوجل.

    قال محمود : ولماذا صرنا غثاء كغثاء السيل ؟ وقد كنا سـادة العالم، لما كنا رهبان الليل، فرسان النهار.

    ـ دخل الدَّخَنُ في قلوبنا، فتغيرت، وران عليها خُبْثُ أفعالنا فعميـت.

    ـ وما الذي أدخل الدخن إلى قلوبنا ؟

    ـ الدنيا، حب الدنيا، وصدق رسول الله r القائل : [ ما الفقرَ أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تُسَلَّطَ عليكم الدنيا كما سُلِّطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فَتُهلكَكُمْ كما أهلكتهم ].

    قال سعيد : ـ وما العمل يا سيدي الشيخ !!؟

    ـ أنتم الدواء أيها الشباب، أنتم دواء هذه الأمـة، إن صلحتم صلحت، وكيف تصلحون ؟ إذا عـدتم إلى كتاب الله وسنة رسوله وتمسكتم بهما. وهناك خطوات متسلسلة منها :

    1 ـ إصلاح الفرد :

    آ ـ بدءاً من إصلاح عقيدته، وذلك بحصر التلقي عن الله ورسوله فقط، ] وما آتاكم الرسول فخذوه ومانهاكم عنه فانتهوا ].

    ب ـ وعندما تصلح العقيدة تصلح العبادة، ويصلح العمل، والخلق، ويتكون الفرد المسلم.

    2 ـ تكوين الأسرة المسلمة.

    3 ـ تكوين المجتمع المسلم.

    وبذلك تخرج أمتنا من الضياع ـ بإذن الله ـ وعسى أن يكون ذلك قريباً بإذن الله عزوجل.

    ودق جرس الاستراحة، وتسابق الطلاب إلى تقيبل يـدي الشيخ، وهو يمتنع ويبعد يـديه عنهم، حتى وصل حجرة المدرسين.

    ـ ما رأيك ياعمار ؟ قال محمود.

    ـ والله وقع كلامه في قلبي، وأتوق إلى سماع المزيد من هذا الشيخ.

    ـ لنذهب إذن بعد صلاة المغرب إلى مسجد السلطان نحضر درسـه اليومي.
    * * *


    في قلب مدينة حماة، جغرافياً وروحياً، يقع مسجد السلطان، ولـه أطول مئذنة في حماة يومذاك قبل أن يهدمها الجيش البعثي (1964م). وقد تسلم الخطابة والدرس فيه الشيخ المجاهد محمد الحامد يرحمه الله، وعلى يـده تربت جماعة الإخوان المسلمين في حماة، ومن هذا المسجد شـع نـور الوعـي واليقظـة. لم لا، والشيخ يرحمه الله عرف الإمام حسن البنا يرحمه الله، وخالطه في مصر، وفهم مضمون حركة الإخوان المسلمين التي أسسها الإمام الشهيد حسن البنـا يرحمه الله. وكان الشيخ والدكتور مصطفى السباعي طالبين في الأزهر يومذاك، وقد عرضت جامعة الأزهر على الشيخ محمد الحامد يرحمه الله متابعة الدراسة للحصول على الدكتوراه، لكنه آثـر العودة إلى حماة، والتدريـس في مدارسها ومساجدها، آثـر ذلك على شهادة الدكتوراه.

    لذلك كان مسجد السلطان ملتقى يومي لشباب الإخوان المسلمين، يسمعون الدرس من شيخهم يرحمه الله، ويلتقون بقادتهم دقائق معدودة كل يوم يتلقون فيها بعض التعليمات اليومية، لذلك كان مسجد السلطان أول هدف تدمره دبابات الجيش البعثي بقيادة العقيد ( حمد عبيـد ) عام (1964م ) وكان في المسجد الشيخ المجاهد مروان حديد يرحمه الله، وعشرات من أشبال الإخوان المسلمين ([1]).

    ثم أعادت وزارة الدفاع بناء المسجد، وعاد إليه الدرس اليومي للشيخ محمد الحامد بعد أن ظل فترة في مسجد الأحدب في السوق الطويل.

    كان مؤذن مسجد السلطان ( الشيخ مصطفى الرهوان ) يدعو الناس إلى صلاة المغرب بصوته العذب المميز في حماة كلها، عندئذ كان عمار ومحمود ومصعب يدخلون الباب الشرقي للمسجد، ويتوجهون إلى البركـة، فيتوضؤون مع جمهور من المصلين تشع وجوههم نوراً، وتقطر مياه الوضوء من لحاهم الصغيرة كحبات اللؤلؤ وسـط تسبيح الملائكة واستغفارهم.

    ثم انتظمت الصفوف للصلاة بأدب وخشوع، ومن ثم تحلق الطلاب حول الشيخ في درسـه اليومي.

    كان عمار ينصت بأدب وينظر إلى الشيخ والطلاب حوله، ويجيل نظره في قبة المسجد، وسجاده، ويقول في نفسـه : كل شيء هنا يشع منه الأدب والطمأنينة والخشوع، وراح يردد في سـره : لماذا يكرهون الإخوان المسلمين !!؟ ألأنهـم يربون الشباب على الإسلام !!؟ فيأتون بهم إلى المساجد، بدلاً من دور السينما، ويعلمونهم الإسلام بدلاً من القمار والخمور.

    عشرات الطلاب في المسجد منذ العصر، معهم كتبهم ودفاترهم، يحلون واجباتهم ويذاكرون دروسهم، ويساعدون بعضهم في فهم ومذاكرة الرياضيات والفيزياء واللغات، وبالتالي يعيش الطالب المسلم يومه بين المدرسـة والمسـجد والأسـرة، ولايعرف غير هذه الأماكن الثلاثة.

    هل تريد الحكومة أن يتفلت الشباب من دينـه وقيمـه وتقاليده، وأن يتربى كالبهيمة يأكل ويشرب ويرقص... ووصل عمار في تفكيره الصامت إلى أن الإخوان المسلمين هم جماعة المسلمين التي أوصى رسول الله r بالالتحاق بها والالتزام معها.

    ارتفع أذان العشاء وتوقف الدرس خلال الأذان، وهم يرددون سـراً مع المؤذن، ثم يدعون : اللهم ربَّ هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً r الوسيلة والفضيلة...... ثم يستمر الدرس ساعة أو نصف ساعة بعد أذان العشاء، ثم تصلى العشاء في مسجد السلطان بعد مساجد المدينة كلها.

    وتنقضي الصلاة، فيلتقي الأحباب مع بعضهم، هذا مروان، وعبد الستار، وهشام وبسام، وغيرهم كثير، ومعهم محمود ومصعب وعمار.

    ـ سنداوم على هذا الدرس يامصعب. قالها عمار.

    ـ نعم، إنه عظيم، يصقل القلب وينظفه من الأدران.

    ـ هل لاحظتم أن معظم الحاضرين من طلاب الثانويات والجامعات والمدرسين والمهندسين والأطباء.

    ـ إنهم صفوة البلد، والعقول العاملة فيـه.

    ـ مساكين أهل الريف، كم يحتاجون لمثل هؤلاء الشيوخ المجاهدين، ليدلوهم على الطريق الصحيح. قالها عمار.

    ـ ويرتاحون من الدجالين الذين يكذبون عليهم باسم الإصلاح الزراعي والاشتراكية والعمال والفلاحين.

    ـ المشكلة هي الجهل، وتثبيت الجهل في عقولهم من طرف الدجالين، المتاجرين بكرامة الشعوب.
    -2-


    ـ أخي محمود، أستشيرك في رغبتي بالانضمام إلى الاتحاد الوطني لطلبة سوريا.

    ـ متى شكل هذا الاتحاد ياعمار !!؟

    ـ في الصيف الماضي، وهذا أول تنظيم طلابي يشهده قطرنا في أيامنا.

    ـ وما هي أهدافـه ؟

    ـ يقولون مساعدة الطلاب في دراستهم، ومساهمة الطلاب في مسيرة القطـر.

    ـ وهل تصدق مايقولون !!؟

    ـ لا أدري، لم أتعرف عليهم بعد.

    ـ وهل فيـه غير البعثيين !!؟

    ـ فيـه قليل من غير البعثيين، ولا أخفي عليك أريد أن أجرب وأعرف بالخبرة العملية صدق هذه المؤسسات وهذه الشعارات.

    ـ لكن مخالطتك لهؤلاء الأشرار تضرك ياعمار.

    ـ سأبقى على صلة معك يامحمود، ولن أنقطع عن درس الشيخ في مسجد السلطان.

    ـ أنت دائماً تفعل مايعجبك ياعمار. أنا لاأستطيع أن أنصحك بدخول هذا الاتحاد.

    صمت عمار، فلم يحصل على موافقة محمود، ولم يقتنع بالمقاطعة السلبية، لهذه المنظمة وتركها للبعثيين، يُسَخِّرونها كما يشاؤون، ثم إنه يحلم بالكلية العسكرية، ولعل مشاركته في الاتحاد في بداية قيامه، وهم بحاجة لأمثاله، لعلها تشفع له في قبوله في الكلية العسكرية. ويكتب عنه تقرير سياسي يساعده على دخول الكلية العسكرية.

    عين حزب البعث مكتباً إدارياً مؤقتاً للاتحاد الوطني لطلبة سوريا في محافظة حماة، ريثما يتـم انتخاب مكتب إداري من قبل الطلاب المشاركين في الاتحاد , والطالب ( صاعد ) هو المسؤول المؤقت المكلف من قبل الحزب بالاتحاد الوطني لطلبة سوريا، وصاعد طالب في السنة الثالثة من زملاء عمار، ويشرف على (صاعد) المراقب ( أبو هدام ).

    دق جرس الفسحة، وخرج عمار يبحث عن صاعد في باحة المدرسـة، فرآه ماشياً وحده، يفكر في أمر مـا، فقطع عليه عمار تفكيره.

    ـ السلام عليكم ياصاعد.

    ـ أهلا وسهلاً عمار، كيف حالك ؟ وشبك يده في يـد عمار ليمشي معـه في باحـة المدرسـة.

    ـ لو أردت الانضمام إلى الاتحاد الوطني للطلبة، هل تشترطون عليّ الدخول في الحزب ؟

    ـ لا.. أبداً ياعمار، الاتحاد لكل الطلاب، بعثيين وغير بعثيين، وإذا ماتصدق جَـِّربْ.

    ووقع عمار طلب انتساب للاتحاد الوطني لطلبة سوريا، ثم سلمه إلى صاعد الذي أوصله إلى أبي هدام.

    فرح كثيراً أبو هدام الذي سبق له أن عرض على عمار ومصعب الالتحاق بالحزب لأنهما قرويان، وأكثر لهما من الوعود المعسولة والدنيا الزائفة، ثم قال لصاعد :

    ـ بعد أسبوع فقط نعين ( الشيخ ) عمار أميناً للصندوق في اللجنة الإدارية، ولن نجد أكثر أمانة منـه، كما نحمل عليه أكبر قسط من العمل.

    ـ أجاب صاعد : عظيم يارفيق، هذه عبقرية فعلاً. أنا معك في هذا القرار.

    وبعد أسبوع فقط اندفع صاعد نحو عمار مبتسماً :

    ـ مبارك ياعمار، تقرر تعيينك أميناً لصندوق اللجنة الإدارية في الثانوية.

    ـ لكن أنا لا أطمح إلى ذلك.

    ـ نحن نطمح إليه، ولانجد أكثر منك أمانة للأمور المالية.

    وشـغل عمار باستلام اشتراكات الطلاب، وتسليمهم الإيصالات مقابل ذلك، ثم تسليم هذه الأموال إلى أمين صندوق المحافظة.

    وجاء يوم الانتخاب، انتخاب اللجنة الإدارية في المدرسـة، وأعضاء مجلس المحافظة، فاجتمع الطلاب الاتحاديون في صالة السينما، وهي أكبر صالات المدرسـة، وكان أبو هدام يذهب ويعود منهمكاً في هندسـة الانتخاب كما يريد الحزب.

    ثم دخل عمار إلى مكتب المراقب أبي هدام، فوجد صاعداً عنده ومجموعة من البعثيين وسمع أبا هدام يقول :

    ـ يجب أن ينجح : صاعد وعمار وفلان وفلان.... اسمع ياصاعد عندما يفتح باب الترشيح اكتب اسمك، ثم اسم عمار، ثم أكمل أسماء الثمانية كما حددتهم لك. وهذه هي الأسماء التي قررها الحزب، ويجب أن تنجح، ثم اكتب أسماء بعض المرشحين بعد هذه الثمانية.

    وأنت يارفيق خـذ اثنين من الرفاق معك ومـروا على الطلاب الحزبيين واهمسوا في آذانهم أن الثمانية الأول هم قائمة الحزب، وإياكم أن تنتخبوا غيرها.

    وأنت ياصاعد تجمع الأوراق وتشطب فيها وتعدل ماتريد كي ينجح هؤلاء الثمانية. مفهوم، فأجاب صاعد : حاضر يارفيق.

    قال عمار : والديمواقراطية يا أستاذ أبا هدام !!؟

    ضحك أبو هدام وقال : مازلنا في الديكتاتورية، ديكتاتورية الطبقة الكادحة، ديكتاتورية البروليتاريا، أما الديموقراطية فهي كلمة نواجـه بها الرعاع والغوغاء، وسوف توافق معنا فيما بعد ياعمار. وضحك مرة أخرى وقال : سوف توافق يارفيق عمار... اسمك مع الثمانية الناجحة.

    وقف صاعد أمام المؤتمر الطلابي، وقدم تقريراً سريعاً شكر فيه اللجنة الإدارية السابقة على جهودها، المبذولة من أجل تشجيع الطلاب على الالتحاق بالاتحاد، وتعالت أصوات الطلاب :

    أمة عربية واحدة.... ذات رسالة خالدة... أهدافنا : وحدة.. حرية... اشتراكية...

    ثم فتح صاعد باب الترشيح، فرفعت أيدي نصف الحاضرين تقريباً، يريدون الترشيح، يجرون وراء المنصب الفارغ، فكيف لو كان منصباً حقيقياً!!؟ وتعجب عمار، كل هؤلاء دخلوا في الاتحاد ليصلوا إلى المسؤولية، كلهم طامعون في المسؤولية.

    وبدأ صاعد يكتب حتى وصل الثمانية ثم ترك فراغاً صغيراً وتابع الكتابة بعده... ثم مـر الرفاق يهمسون : الثمانية الأول هم قائمة الحزب... ثم كان المرشحون الثمانية أنفسهم يجمعون الأوراق، ويشطبون كما يريدون خلف السـتار.

    ثم بدأ الفرز تحت مراقبة المرشحين، وكان صاعد يقرأ :

    ـ الثمانية الأولى.... الثمانية فقط... من واحد وحتى ثمانية...

    ونجح الثمانية واجتمع مجلس المحافظة المكون من خمسة وثلاثين طالباً وخمس طالبات. ولأول مرة في عمـر هؤلاء المراهقين والمراهقات يجتمعون في مبنى الاتحاد الوطني لطلبة سوريا، من أجل انتخاب المكتب الإداري للمحافظة، المؤلف من سبعة أعضاء، ينتخبون بالتصويت السري من مجلس المحافظة. ويشرف على الانتخاب طالب جامعي كان يدخن على الملأ في نهار رمضان. وبدأت المداولات، وبدأ الترشيح بنفس الطريقة واللعبة، ونحج ( صاعد ) رئيساً للمكتب الإداري في المحافظة، ونجح ( عمار ) عضواً في المكتب الإداري، ونجحت ( جهينة ) أمينة للسـر.

    وقام صاعد فشكر الحاضرين على ثقتهم بـه، ثم ارتجل كلمة شكر فيها أعضاء مجلس المحافظة، ووعد أن يكون عند حسن ظنهم، ثم انصرف المجلس ليبدأ أول اجتماع للمكتب الإداري..

    ـ باسم حزبنا العظيم أفتتح اجتماعنا الأول، للاتحاد الوطني لطلبة سوريا، في حماة، أيها الرفاق ( ويسرق نظرة إلى عمار ) لقد اختارنا الحزب، ومهد لنا الوصول إلى هنا، فليكن هذا واضحاً، ومن عبقرية الحزب أن يختار معنا الزميل ( عمار ) وهو زميل قروي غير بعثي، ليظهر الحزب للناس أن الاتحاد الوطني لطلبة سوريا ليس مؤسسة حزبية، إذ من أعضاء المكتب الإداري عضو ( غير بعثي )، هذا أمام الجماهير، أما الحقيقة فأنتم تعلمونها جيداً، لقد عدلتم في أوراق الناخبين، وهندستم الانتخاب لينجح الثمانية الأول كما تعلمون.

    نظر عمار إلى سـاعته، وعصر قلبه ألم الحرمان من درس الشيخ هذا اليوم، وسماع هذا الهـراء الفارغ، ومازالت ( جهينة ) معهم في الاجتماع والساعة زادت على التاسعة ليلاً، أهكذا تكون الطالبات التقدميات !!

    تابع صاعد حديثـه :

    ستكون لنا مساعدات خاصة للنجاح ودخول الجامعة والكليات العسكرية، فلاتشغلكم الدراسة عن النضال من أجل الجماهير، وسيزود كل منكم ببطاقة طلابية تمكنه من الخروج أو الدخول إلى المدرسة متى شـاء.

    ثم نظم جدول المناوبة في مقر الاتحاد بالمحافظـة، بواقع يوم لكل عضو في الأسبوع، ماعدا الرئيس وأمينة السر حيث يداومان ساعتين كل يوم من السادسة وحتى الثامنة مساء.

    وصل عمار إلى مقر الاتحاد ليناوب في يومـه المحدد منذ الثانية ظهراً، وحتى التاسعة مساء، فوجد عدداً من الطلاب والطالبات ينتظرونه لعلاج مشكلاتهم.

    دخلت الطالبة الأولى : ـ مرحباً يارفيق، أنعمت مساءً، وأسرعت تمـد يـدها لتصافحـه، ولكنه بقي في مكانه، ورد عليها السلام بدون مصافحة : أهلاً بالزميلة، ماذا عندك ؟

    ـ تغير وجهها، وصمتت فترة وهي تعيد مخطط أفكارها ثم تكلمت :

    تغيبت عدة أيام، لذلك فصلتني المديرة من المدرسـة.

    ـ هل قدمت تبريراً للغياب ؟

    ـ جئت كي تعطوني هذا التبرير.

    ـ لكن تبرير الغياب من الوحدة الصحية، وليس من عندنا !! فنحن لانملك صلاحية تبرير الغياب.

    ـ أنا في الواقع لم أكن مريضة، وإنما كنت في مهمـة حزبيـة، وقدمت بطاقة صغيرة كتب فيها : الرفيق صاعد...ساعدوا الرفيقة...في تبرير غيابها، حيث كانت مشغولة عندنا طوال غيابها. التوقيع : أمين فرع الحزب.

    ـ أرجو أن تعودي الساعة السادسة والربع كي تقابلي الزميل صاعد، ودفع إليها البطاقة.

    ودخلت الطالبة الثانية :

    قدمت نفسها : أنا رئيسة اللجنة الإدارية في ثانوية السيدة عائشة، عندنا مدرس التربية الإسلامية رجعي كبير، يسمم عقول الطالبات، وبدأ الحجاب ينتشر بين الطالبات، وخاصة أن شقيقات المدرس طالبات معنا، وبدأن بارتداء هذا الحجاب الذي انتشر بين الطالبات بسرعة.

    ـ وأين الخطر أو الضرر في انتشار الحجاب بين الطالبات يازميلة !!؟

    ـ كيف أين هذا الخطر، يارفيق !!؟ الحزب يناضل من أجل القضاء على هذه التقاليد البالية الرجعية، وهذا المدرس ينشرها ويدعو لها، الحزب يدعو إلى تحرر المرأة العربية من هذه القيود العفنة، وهذا المدرس يخرب نشاط الحزب ودعوتـه.

    كاد أن ينفجر عمار لولا أنه ضبط أعصابـه ونظر إلى محدثتـه فابتسمت ابتسامة عريضة وقالت :

    ـ هل يسـرك لو أنني محجبـة الآن مثلاً... وقهقهت بضحكة مزقت كبد عمار قـرفاً وألمـاً.

    ـ وماذا نفعل !!؟

    ـ أقترح نقـله إلى مناطق متحررة مثل شـطحة مثلاً، وهناك تغسل الرفيقات مخـه ويتحرر من هذه الخرافات.

    كتب عمار بعض الكلمات في كراسته، وقال : سنقترح ذلك.

    ودخلت الطالبة الثالثة : طويلة القامة، عريضة المنكبين، غلبت عليها الذكورة فطال شعر وجهها، وخشن صوتها.

    ـ مساء الخير يارفيق، أنا أمينة سر اللجنة الإدارية في ثانوية شطحة المختلطة، جئت أرفع لكم مقترحات الرفيقات هناك :

    1ـ يدعونكم لزيارة الثانوية وبحث الأمور على الطبيعة، الطبيعة الخلابة هناك !!

    2 ـ تطلب الرفيقات السماح لهن بالتقدم إلى الكليات العسكرية، أُسـوةَ بالرفاق، وبالتالي مشاركتهن في الخدمة الوطنية، والخدمة في الشـرطة كذلك.

    ـ هل يرغبن في التقدم إلى الكلية الجوية أيضاً؟

    وضحك عمار.

    ـ نعم... وأنا أولهن.

    أجاب عمار نفسـه بصمت :

    ـ أنت أولهن وآخرهن، فأنت رجل في ثياب امرأة.

    ـ ألا تخافين من قيادة الطائرة ؟

    ـ هل تخاف أنت ؟

    ـ نحن رجـال..

    ـ غريب، مازلت أسمعها، حتى من الرفاق التقدميين، ما الفرق بين النساء والرجال، متى ننتهي من أخلاق البرجوازية، وتسود عندنا أخلاق (الاشتراكية العلمية).

    ضحك عمار، وكتب بعض الكلمات في كراسته، ثم صرفها ليدخل طالب قروي.

    ـ السلام عليكم ياعمار.

    ـ وعليكم السلام...

    ـ كيف حال الدراسـة؟ بَشِّـرْ، إن شاء الله على مايـرام.

    ـ كما تـرى، هذا يوم في الأسبوع، ماعدا الاجتماعات الطارئة والدروس التي تضيع علينا.

    ـ لاعليك ياعم... النجاح مؤمن لكم، ودخول الكلية العسكرية في جيبكم منذ الآن، ويكفي الحوار والمناقشـة مع ( الرفيقـات ) وضحك.

    ـ المهم، كيف حال دراستكم ؟

    ـ أنت تعرف، أنا لست اتحادياً، ولاحزبياً، نريد أن نتأكد أن الاتحاد للطلاب جميعاً وليس للبعثيين فقط.

    ـ الاتحاد لجميع الطلاب.

    ـ نريد المساواة أمام الطلاب في دخول الكليات العسكرية، لماذا ويقبل ( 80 ) بالمائة من فئة معينة (....) تعرفها أنت، ويُحرَمُ الآخرون !!؟

    ـ عفواً يازميل، الطرح الطائفي مرفوض تماماً.

    ضحك الطالب الضيف وقال :

    ـ يبدو أنهم استعمروا عقلك بسرعة، أو بالأصح استعمرن عقلك بهذه السرعة.

    ـ أرجوك، أَجِّلْ هذا الحديث، سنتابعه في القرية معاً.

    -3-


    اعتادت إذاعة دمشق أن تذيع إعلاناً كل يوم طيلة أشهر الصيف، من وزارة الدفاع، يطلب من الشباب التطوع في الكليات العسكرية، كما يقدم التلفزيون عروضاً دعائية يُرغِّب الشباب في هذه الكليات، عروض تظهر فيها الطائرات المقاتلة والدبابات، وتدعو الشباب إلى المجـد والسيادة.

    وكان عمار ومصعب ينتظران يوم (24/Cool المحدد لهما للفحص الطبي في نادي الضباط بحمص، والآمال العريضة تداعب خيالهما في القرية، اللباس العسكري والسيادة العسكرية، ثم السلاح، الميغ والدبابة، وكان مصعب يعاني من حلم يتكرر معه ثم تحقق في الواقع، يرى نفسـه قائداً للميغ (17) يحوم بها فوق القريـة، وشباب القرية وبناتها يتفرجون على مهارته وبراعته، بينما يسـرع أخوه الكبير إلى إطلاق الرصاص فرحاً وابتهاجاً بذلك. كما يتحدث الناس عن الطيارين الحمويين بما يشبه الأساطير.

    ودخل عمار ومصعب نادي الضباط في حمص يوم (24/Cool والتفت عمار إلى مصعب ضاحكاً : نحن ضباط منذ اليوم يامصعب.

    وبدأت المعاينات على يد أطباء مهرة من تخصص العينية، والعصبية، والداخلية، والعظمية، والسنية،.... وأكمل مصعب وعمار الفحص الطبي بنجاح، فعادا في المسـاء للفحص الثقافي ( المقابلة الشخصية ).

    ـ اسمك...، بلدك ؟

    ـ عمار.... من قرية... محافظة حماة.

    ـ أين تقع هذه القرية ؟

    ـ ذكر عمار اسماً لقرية معروفة عند الضابط ( قرب قرية.... ).

    ـ لماذا تريد الانتساب إلى الجيش ؟

    ـ كي أساهم في تحرير فلسطين وغيرها من الأجزاء العربية المغتصبة..

    ـ وماذا أيضاً..

    ـ وكي أدافع عن وطني ضـد الامبريالية والرجعية والعملاء والطابور الخامس...

    ـ عظيم، مع السلامة.

    ثم عاد عمار ومصعب إلى القرية، فطافوا على المختار، والحلقة الحزبية، وكل من يتوقعون وصول المخابرات العسكرية إليهم وأوصوهم :

    ـ لا تقولوا إننا نصلي، احذروا أن تقطعوا نصيبنا، قولوا شباب متحررون ومتفتحون، ومن بيئة كادحة، وإذا سألوكم عن الصلاة بالتحديد قولوا : لاندري.

    وسألت المخابرات العسكرية صاعداً عن عمار فقال : سوف ينتسب للحزب في الكلية العسكرية بسهولة، وقدمت القرية تقريراً جيداً عن مصعب.

    وجاءت مرحلة الانتظار...

    ثم جاءت البرقيات : عمار يلتحق بالكلية الحربية في حمص، ومصعب يلتحق بالكلية الجوية في حلب.
    * * *


    دخل عمار مبنى الكلية الحربية في حمص وكان يتأمل التماثيل المنحوتة لدى الباب الرئيسي عندا سمع صوتاً يصيح :

    ـ يامستجد... يامدني... يامستجد ياتعبان..

    لم يفهم عمار أنه المطلوب في هذا النداء، فتابع المشي والتأمل في التماثيل، وتذكر أصنام قوم إبراهيم عليه السلام، وكيف كسرها إبراهيم...

    ـ يامستجد...يامدني... يابني آدم..ياتعبان... يا....

    التفت عمار فرأى عسكرياً عرف فيما بعد أنه الطالب الضابط المتقدم.

    ـ هل تنادي عليّ ( قالها عمار بروح مدنية ) !!؟

    ـ نعم عليك.. ياتعبان.. يا أخوت..ألا تسمع ؟

    ـ مستجد...مدني... تعبان.... أخوت... لم أفهـم شيئاً !!

    ـ اخرس، ولاتنطق بكلمة واحدة، هيا ازحف من هنا وحتى هناك.. ابدأ.

    نظر عمار إلى الأرض التي نثر فيها الحصى والشوك عن عمد وقصد، وصعب عليه أن تبدأ حياته العسكرية بهذه العقوبة، لكنه حفظ من دروس الفتوة ( نَفِّذْ ثم اعترض ). لذلك انبطح على الأرض وبدأ الزحف حتى سالت الدماء من الركب والأذرع الغضـة. وزاد عدد الزاحفين حتى ضاق بهم المكان، وعرف عمار فيما بعد أن المستجد يبدأ بهذا الزحف حالما دخل مبنى الكلية العسكرية.

    ـ انتبـه، واقفـاً، كل واحد يحمل حقيبته على كتفـه، واصطفوا رتلاً ثنائياً أمامي، استرح، استعدْ، هل تشاهدون هذه الساحة ؟ هيا اركضوا على محيطها برتل أحادي حتى إشعار آخر.

    وبدأ الجري، والحقائب تنقر على الأكتاف، وبدأ النخـر في البطون، وسال العرق من الثياب، وعمار يحلل مامعنى ( حتى إشعار آخر )، يعني إلى أجل غير مسمى، ساعة، ساعتين، ثلاث،...يوم كامل...حتى نقع مصابين بالإغماء.. وعند ذلك يطردوننا من الكلية بحجـة أننا غير صالحين جسدياً.

    وبينما هم كذلك، مر طالب ضابط متقدم آخر، عنده نجمتين داخل المعين، لذلك صاح الطالب المتقدم :

    ـ انتبـه، استعد، استرح، استعد... ثم جرى باتجاه الطالب الضابط الآخر، ووقف أمامه باستعداد وهو يقدم التحية العسكرية وقال : ـ الطلاب الضباط المستجدون حضرة الطالب المتقدم.

    ـ رد عليه المتقدم بالتحية العسكرية وقال : تابـع. ثم مشى.

    فاتجـه الطالب الضابط إلى هؤلاء المستجدين وقال : تابع الجـري إلى إشعار آخر.

    حان وقت الغداء، فصف المستجدون رتلاً ثنائياً، وجروا رملاً إلى المطعم، وتركهم يجرون في المكان، ثم رجع إليهم وقال : سنبقى هكذا نراوح في المكان حتى يجهز الطعام.

    أكثر من طالب تمنى لو سقط على الأرض، في إغماءة تأتي سيارة الإسعاف تنقله إلى المستشفى، ومنها يطرد من الكلية... لولا أن العذاب مع المجموعة يهون، كما يقول علماء الاجتماع ويسمونه ( التيسير الاجتماعي).

    وأخيراً دخلوا المطعم، وقد عصرهم جوع لم يذوقوا مثله في حياتهم، ثم صاح الطالب المتقدم : سـكوت : فجمدت الأيدي في أماكنها. وتسمرت العيون على قطع اللحم والحلوى ثم تابع الطالب المتقدم :

    ـ خلال ثلاث دقائق فقط الجميع خارج المطعم، باشر الطعام.

    وهجم الجياع على الطعام يلتهمونه بشراهة، والطالب المتقدم ينظر في ساعته ويعد لهم : باقي دقيقتان... دقيقة ونصف... وهم يلتهمون، وفطن أحدهم إلى وضع الطعام في جيوبه فقلده الآخرون، ولما قال الطالب المتقدم : انتهى الوقت. خرج الجميع من المطعم.

    ومن المطعم ذهبوا إلى مستودع الثياب فاستلموا الثياب العسكرية، واستمر الجري، واستمر اليوم الأول حتى حان وقت النوم، فوقع الطلاب المستجدون على وجوههم على فرش لم يعرفوا عنها شيئاً وغطوا في النوم العميق بعد يوم من التعب لم يشهدوا مثله.

    وفي منتصف الليل، في أواخر الخريف السوري، حيث البرد القارس، انطلق الطالب المتقدم إلى مذياع الكلية :

    ـ انتبـه الطلاب المستجدون إلى ساحة العلم، بعد دقيقتين بلباس الرياضة.

    ـ أكرر : الطلاب المستجدون إلى ساحة العلم بلباس الرياضة.

    وبعد دقيقتين، دخلوا ساحة العلم شبه عرايا، ونسمات البرد الآتي من جبل عكار يلفح أجسادهم، وبعد دقيقتين أيضاً وصل الضابط المناوب : فصاح المتقدم :

    ـ استرح، استعد، الطلاب المستجدون سيدي الملازم أول.

    ـ وصلتم أيها المستجدون الجبناء، سأمسح بكم أرض الكلية كلها، لا أسمع واحداً يقول : حلال، حرام، الله، محمد،...كل هذه الكلمـات اتركوها خارج الكلية..أنتم بعثيون كلكم، بمجرد قبولكم في الكلية صرتم بعثيين. والبعثي الحقيقي يتحرر من قيود الماضي، ثم انصرف الضابط المناوب بعد أن تركهم تحت قيادة الطالب المتقدم.

    وبدأت سهرة الليلة الأولى : قاس الطلاب مساحة الساحة بعود الثقاب المربع، ودفعوا بأكتافهم تلك العمارة ليزيحوها شمالاً عشرة سنتمترات، وأحضروا كل ثيابهم وحتى الفراش إلى ساحة العلم، وركضوا وهم يحملونها، وبعد منتصف الليل عادوا إلى المهاجع فناموا نوماً عجيباً.
    * * *

    يتبع
    انتظروني
    هند الخوالدة

      الوقت/التاريخ الآن هو الثلاثاء نوفمبر 26, 2024 8:04 am