تأثير الأدب الإسلامي على هوية الغرب الثقافية تتجلى في دراسات الأدب المقارن التي تدرس مواطن التلاقي بين الآداب المختلفة ومدى التأثير والتأثر فيها من حيث الأصول والفروع الفنية والتقنية، وكذلك بواسطة دراسات المستشرقين، وهنا يجب توضيح معلومة هامة وهي أن الأدب الإسلامي تسمية مجازية للفنون والآداب التي ظهرت في الدول الشرقية الهند وفارس وتركيا والدول العربية، وكذلك كل الدول التي ازدهرت ونمت آدابها في ظل الحكم الإسلامي، كما كان الحال في الأندلس وحضاراتها الرائدة.
هذا.. وإن على الإنسان الواعي إدراك أن الأدب هو نتاج الفكر والإبداع الإنساني، وهو ليس حكراً على فئة معينة تملك حقوق استغلاله.
ومن ثم فإن إمكانيات النقل والتأثير والتأثر بين الآداب الخاصة بأي شعب من الشعوب متاحة، فهي لا تنكر أصالة الأدب القومي بل إمكانياته للتفاعل مع الآخر.
والآداب الشرقية والعربية لا تنكر التأثر بالأدب الغربي في أوجه عديدة كان له فيها الريادة والسبق مثال القصة القصيرة والرواية الحديثة والمسرح؛ فهذه جوانب لم يعرفها العرب إلا عن طريق الاتصال بالغرب.
لذا، فإن التأثر سواء الإيجابي أو السلبي بأي أدب من قبل أي شعب يتوقف على قدراته على التفاعل الناضج للحفاظ على الأصالة القومية، وليس هذا مدعاة للانكسار بل الإنصاف بحق كل شعب في الاعتراف بفضله وريادته في أي مجال.
وللتأكد على وجهه النظر الإسلامية في دورها وأثرها على الأدب الغربي يلوح لنا طريقان:
كيفية الإنتقال
انتشر الإسلام في شبه الجزيرة العربية ومنه إلي العالم أجمع، ثم أصبح يحتل المساحة من المحيط الهندي إلى المحيط الأطلنطي جغرافيًا وتاريخيًا.
وكانت الحضارة الإسلامية قد تفاعلت وصارت فاعلة في هذا المحيط الإنساني الشاسع، فقد استمر حكم المسلمين منذ القرن العاشر الميلادي ولمدة تزيد عن ثمانية قرون بعد ذلك أثرت فيها الحياة الأندلسية والأوروبية في كافة فروع الحضارة الإنسانية حتى صارت الأندلس كعبة يحج إليها طلاب المعارف من كل أنحاء أوروبا ومن الأندلس وجنوب أسبانيا، انتقل هذا التفاعل الإنساني إلى بقية مجتمعات أوروبا، فقد استمر حكم المسلمين في صقلية مدة قرنين، وصارت دول مثل فرنسا وإيطاليا مجتمعاً متمدينا على غرار الحضارة والثقافة الإسلامية.
وفي الشرق الإسلامي انتقلت الحضارة منه إلى أوروبا عبر تركيا الإسلامية، ومن مصر والشام كانت للحملات الصليبية أكبر الأثر في جعل الحضارة الإسلامية رافداً رئيسياً مؤثراً في الحضارة الغربية بما حملوه معهم من فنون وآداب الشرق.
الأشكال الأدبية
إن مجرد التشابه أو التقارب بين نص أدبي عربي أو غربي لا يعتبر دليلا على التأثير والتأثر بينهما، ولكن الموازنة بين أوجه هذا التشابه على أساس تاريخي وتقني لعناصر أي جنس أدبي هو الذي يؤكد على وجهة النظر الإسلامية سواء لصالحها أو ضدها.
وسنقسم الظواهر الأدبية المتأثرة من حيث نوعية الجنس الأدبي إلى: النثر ومنها "الفابولا" أحد الأجناس الأدبية الأولى للقصة، وقد ظهرت في فرنسا منذ منتصف القرن الثاني عشر الميلادي وحتى أوائل القرن الرابع عشر، وهي أقصوصة شعرية تحمل روح ومعنى الهجاء الاجتماعي.
ويقول "جاستون بارى" أحد أعمدة الأدب المقارن الأوائل عن الفابولا: إنها استمدت عناصرها وروحها من كتاب "كليلة ودمنة" الفارسي الأصل، والذي ترجمه ابن المقفع، وكانت فكرته الأساسية هي الحكم والفلسفات التي تقال على ألسنة الحيوان، وتعتبر الترجمة العربية لـ"ابن المقفع" أساسا مباشرا أخذت عنه الفابولا.
ومن أمثلة الفابولا الغربية أقصوصة تسمى "اللص الذي اعتنق ضوء القمر" تحكي عن لص يخدعه أحد الأشخاص بأن للقمر سحرا خاصا في نقل الأشخاص دون صوت من مكان إلى آخر، ويصدق اللص الخدعة، ويقع في يد الشرطة، ونجد هذه الأقصوصة نفسها بالكيفية والفكرة والتفاصيل الدقيقة نفسها في كتاب "كليلة ودمنة" لابن المقفع.
وأكثر من برع في هذا الفن الشاعر "لافونيتن" الذي تأثر كثيرًا بترجمة "كليلة ودمنة" الترجمة الفارسية، وأخذ منها في كتاباته الفكرة والموضوع نفسه، وهو الحكمة على لسان الحيوان، كما يعترف "لافونتين" نفسه في مقدمة بعض كتبه.
ذلك ما نجدة أيضًا في أقصوصة أرسطو الذي ألفها "هنرى دانديلي" في النصف الأول من القرن الثالث عشر الميلادي؛ حيث نجدها بتفاصيلها الدقيقة نفسها في كتاب "المجلس والمساوئ" المترجم عن الفارسية.
ألوان التأثر
وفي العصور الوسطى كما يتضح الأثر العربي في قصص الفابولا نجده في قصص الفروسية والحب، الذي انتشر بشكل لم يكن معروفًا في الأدب الأوروبي في النصف الثاني من القرن الثاني عشر الميلادي، وقدم منه البطل الفارس في حب محبوبته يغني ويذوب ويقدم أشكال الوفاء والتضحية من أجل هذا الحب النبيل.
هذا الشكل كان منتشراً في الأدب العربي متمثلاً في أعمال مثل كتاب "الزهرة" للأصفهاني، و"طوق الحمامة" لابن حزم، وهما في ذات الوقت سابقان خصوصا الأخير بأكثر من قرن على كتاب "فن الحب العفيف" لـ "أندريه لوشابلان" في النصف الثاني من القرن الثاني عشر الميلادي، وظهرت في هذا الكتاب أشكال فنية وموضوعات ليست لها سابقة في الأدب الغربي، وهي ذلك الحب العفيف واحترام المرأة وتجميلها.
ومن ثم يتضح أن معظم قصص الفروسية والحب قد سبقت رقي المرأة اجتماعياً في ذلك العصر، وجاوزت التقاليد السائدة التي لم تصل فيها المرأة إلى تلك المكانة التي يشاد بها في القصة، تلك المكانة المعروفة في الأدب العربي بتأثير روح الإسلام الذي كان قد نشأ في الغرب إما عن طريق الحروب الصليبية أو عن طريق العرب في الأندلس، وقد استمر هذا التأثير في أدب الحب والفروسية طوال العصور الوسطى وفي عصر النهضة.
التأمل والمجتمعات
ومن أشهر القصص العربي التي تأثر بها الأدب الغربي هي قصة "حي بن يقظان" التي كتبها الفيلسوف "ابن طفيل" في القرن الثالث عشر الميلادي في أسلوب قصصي رمزي في شكل صوفي يدعو فيها إلى معرفة الله عن طريق العقل والتأمل الواعي، وهي قصة طفل ولد بلا أب أو أم في جزيرة منعزلة وربته أنثى الظبي، ولكنه استطاع أن يتوصل إلى حقائق الحياة ووجود الله بواسطة عالم متصوف يأتي إلى الجزيرة المنعزلة للتعبد.
وقد ترجمت حي بن يقظان إلى العبرية واللاتينية والإنجليزية في القرنين الرابع عشر والسابع عشر، وقد تأثر بهذه القصة الكاتب الأسباني "بلتاسار حراثيان" حتى إنه كتب قصتة "النقاد" على نفس خط حي بن يقظان لابن طفيل الأندلسي، وهذا التأثير يأتي طبيعياً في فترة حكم المسلمين للأندلس.
والبعض يعتبر أن قصة "روبنسون كروزو" لدانيال ديفو التي ظهرت في عام 1719 ترجع إلى نفس التأثر بقصة حي بن يقظان، ولكن الشبه ضئيل بينهما، وكذلك القصة قد كتبت بتأثير من رحلة حقيقية حدثت لأحد التجار.
وإذا تحدثنا عن جنس أدبي آخر وهو المقامات وهو جنس أشتهر كثيراً في الأدب العربي في القرن الثالث عشر الميلادي، وهو عبارة عن حكاية يسودها شبه حوار درامي ويقوم موضوعها على هجاء ونقد المجتمع، ونجد أن الأدلة التاريخية تشير إلى تشابه قوي بين قصص الشطار والرعاة التي انتشرت في أوروبا في القرنين السادس والسابع عشر، وهي ذات صيغة هجائية للمجتمع والتاريخ الأدبي يشير إلى أن أشهر المقامات التي عرفت في الأدب العربي، وهي مقامات الحريري (القاسم بن علي) ومقامات بديع الزمان الهمذاني عرفت في أسبانيا، وترجمت إلى عدة لغات، وسار الكتاب الأسبان على نمط مقامات الحريري خاصة في روايات الشطار.
وكان لكتاب ألف ليلة وليلة (المجهول المؤلف) والذي كان معروفا لدى المسلمين قبل منتصف القرن العاشر الميلادي ومترجم عن أصله الفارسي كما يقول "المسعودي" في "مروج الذهب "قد أثرى العديد من المسرحيات والقصص الأوروبي، وخاصة بعد ترجمتها إلى عدة لغات أوروبية وخاصة في أواخر القرن الثامن عشر وخاصة في فرنسا.
التراجم والملاحم
أما عن الشعر نجد العرب قد برعوا فيه وأبدعوا قصائد خلّدت شكل الأدب العربي القديم، ولم يكن للعرب إبداع في مجال الملاحم إلا في مرحلة متأخرة من تاريخ آدابهم، ولكنها وجدت بعد ذلك، وتعتبر الملحمة الإيطالية الكوميديا الإلهية "للشاعر "دانتي إليجيرى " التي كتبت في القرن الرابع عشر الميلادي والتي تندرج تحت قائمة الأدب الغربي المتأثر بالأدب العربي واضحة التأثر بالتيار الإسلامي المتأجج قبل فترة كتابتها، ويبدو فيها التأثر الشديد بقصة الإسراء والمعراج.
فالملحمة مقسمة إلى ثلاثة أجزاء هي الجحيم – والمطهر – والفردوس، وتتضمن قصة المعراج الإسلامي بحذافيرها، وهي وإن كانت ترى العالم الآخر بشكل ديني رمزي إلا أنها تحمل إسقاطات على العالم الغربي في نفس وقت كتابتها في العصور الوسطى.
والمستشرق الأسباني "ميجيل آسين بالاثيوس" في كتبه لشرح الكوميديا الإلهية يظهر مدى تأثر دانتي بحكاية الإسراء والمعراج، وكذلك اقتباسه موضوع قصة المعراج من كتاب "الفتوحات العربية" لابن عربي، والذي اطلع عليه دانتي في أيامه.
وكذلك تقضي أقوال المستشرق الإيطالي "تشيرولي" والأسباني "مونيوس سندينو" على الاعتراض القائل بأن دانتي لم يكن يعرف العربية عن طريق معرفة المصدر الرئيسي لدانتي في مؤلفه، وهو عبارة عن مخطوطتين مترجمتين تحكيان قصة المعراج أتيح لدانتي الاطلاع عليهما في إيطاليا.
وإن تشابهت كوميديا دانتي مع "رسالة الغفران" لأبي العلاء المعري والتي تحكي نفس قصة المعراج ولكن برؤيا درامية مختلفة، وتتشابه معها كذلك في نفس نوع الرحلة وأقسامها وكثير من مواقفها، ولكن ليس هناك دليل يؤكد اطّلاع دانتي على رسالة أبي العلاء إلا أن يكون النصان العربي والإيطالي قد تأثرا بقصة المعراج فحسب.
الحب والموشحات
وفي مجال آخر من مجالات الشعر عرف شعراء جنوب فرنسا باسم "التروبادور" في أواخر القرن الحادي عشر الميلادي، وأثروا الشعر الأوروبي حتى القرن الرابع عشر الميلادي بشعر لم يكن معروفاً في أوروبا قبل ذلك، وهو شعر الغزل والحب بشكل راق بعيد عن الابتذال.
ويبدو أن هؤلاء الشعراء قد تأثروا كثيرًا بالموشحات والأزجال التي نشأت في أدب الأندلس في أواخر القرن التاسع الميلادي في شكل شعبي لأغراض الغزل، وكان لهذه الموشحات نظام خاص؛ حيث إنها متحررة من القافية، كما أن بحورها ووزنها لم يكن معروفًا قبل ذلك في الشعر العربي.
وتتشابه أشعار التروبادور مع الموشحات والأزجال الأندلسية من حيث الوزن والتحرر من القوافي، وكذلك المضمون الذي يسمو بعلاقة المرأة بالرجل.
ويقول المستشرق "جوستاف فون جرنباوم": إن شعر" التروبادور" في أصوله يرجع إلى شعر العرب في الأندلس.
وهذه العلاقة أكدها العديد من المفكرين والمستشرقين المنصفين.
هذا.. وإن على الإنسان الواعي إدراك أن الأدب هو نتاج الفكر والإبداع الإنساني، وهو ليس حكراً على فئة معينة تملك حقوق استغلاله.
ومن ثم فإن إمكانيات النقل والتأثير والتأثر بين الآداب الخاصة بأي شعب من الشعوب متاحة، فهي لا تنكر أصالة الأدب القومي بل إمكانياته للتفاعل مع الآخر.
والآداب الشرقية والعربية لا تنكر التأثر بالأدب الغربي في أوجه عديدة كان له فيها الريادة والسبق مثال القصة القصيرة والرواية الحديثة والمسرح؛ فهذه جوانب لم يعرفها العرب إلا عن طريق الاتصال بالغرب.
لذا، فإن التأثر سواء الإيجابي أو السلبي بأي أدب من قبل أي شعب يتوقف على قدراته على التفاعل الناضج للحفاظ على الأصالة القومية، وليس هذا مدعاة للانكسار بل الإنصاف بحق كل شعب في الاعتراف بفضله وريادته في أي مجال.
وللتأكد على وجهه النظر الإسلامية في دورها وأثرها على الأدب الغربي يلوح لنا طريقان:
كيفية الإنتقال
انتشر الإسلام في شبه الجزيرة العربية ومنه إلي العالم أجمع، ثم أصبح يحتل المساحة من المحيط الهندي إلى المحيط الأطلنطي جغرافيًا وتاريخيًا.
وكانت الحضارة الإسلامية قد تفاعلت وصارت فاعلة في هذا المحيط الإنساني الشاسع، فقد استمر حكم المسلمين منذ القرن العاشر الميلادي ولمدة تزيد عن ثمانية قرون بعد ذلك أثرت فيها الحياة الأندلسية والأوروبية في كافة فروع الحضارة الإنسانية حتى صارت الأندلس كعبة يحج إليها طلاب المعارف من كل أنحاء أوروبا ومن الأندلس وجنوب أسبانيا، انتقل هذا التفاعل الإنساني إلى بقية مجتمعات أوروبا، فقد استمر حكم المسلمين في صقلية مدة قرنين، وصارت دول مثل فرنسا وإيطاليا مجتمعاً متمدينا على غرار الحضارة والثقافة الإسلامية.
وفي الشرق الإسلامي انتقلت الحضارة منه إلى أوروبا عبر تركيا الإسلامية، ومن مصر والشام كانت للحملات الصليبية أكبر الأثر في جعل الحضارة الإسلامية رافداً رئيسياً مؤثراً في الحضارة الغربية بما حملوه معهم من فنون وآداب الشرق.
الأشكال الأدبية
إن مجرد التشابه أو التقارب بين نص أدبي عربي أو غربي لا يعتبر دليلا على التأثير والتأثر بينهما، ولكن الموازنة بين أوجه هذا التشابه على أساس تاريخي وتقني لعناصر أي جنس أدبي هو الذي يؤكد على وجهة النظر الإسلامية سواء لصالحها أو ضدها.
وسنقسم الظواهر الأدبية المتأثرة من حيث نوعية الجنس الأدبي إلى: النثر ومنها "الفابولا" أحد الأجناس الأدبية الأولى للقصة، وقد ظهرت في فرنسا منذ منتصف القرن الثاني عشر الميلادي وحتى أوائل القرن الرابع عشر، وهي أقصوصة شعرية تحمل روح ومعنى الهجاء الاجتماعي.
ويقول "جاستون بارى" أحد أعمدة الأدب المقارن الأوائل عن الفابولا: إنها استمدت عناصرها وروحها من كتاب "كليلة ودمنة" الفارسي الأصل، والذي ترجمه ابن المقفع، وكانت فكرته الأساسية هي الحكم والفلسفات التي تقال على ألسنة الحيوان، وتعتبر الترجمة العربية لـ"ابن المقفع" أساسا مباشرا أخذت عنه الفابولا.
ومن أمثلة الفابولا الغربية أقصوصة تسمى "اللص الذي اعتنق ضوء القمر" تحكي عن لص يخدعه أحد الأشخاص بأن للقمر سحرا خاصا في نقل الأشخاص دون صوت من مكان إلى آخر، ويصدق اللص الخدعة، ويقع في يد الشرطة، ونجد هذه الأقصوصة نفسها بالكيفية والفكرة والتفاصيل الدقيقة نفسها في كتاب "كليلة ودمنة" لابن المقفع.
وأكثر من برع في هذا الفن الشاعر "لافونيتن" الذي تأثر كثيرًا بترجمة "كليلة ودمنة" الترجمة الفارسية، وأخذ منها في كتاباته الفكرة والموضوع نفسه، وهو الحكمة على لسان الحيوان، كما يعترف "لافونتين" نفسه في مقدمة بعض كتبه.
ذلك ما نجدة أيضًا في أقصوصة أرسطو الذي ألفها "هنرى دانديلي" في النصف الأول من القرن الثالث عشر الميلادي؛ حيث نجدها بتفاصيلها الدقيقة نفسها في كتاب "المجلس والمساوئ" المترجم عن الفارسية.
ألوان التأثر
وفي العصور الوسطى كما يتضح الأثر العربي في قصص الفابولا نجده في قصص الفروسية والحب، الذي انتشر بشكل لم يكن معروفًا في الأدب الأوروبي في النصف الثاني من القرن الثاني عشر الميلادي، وقدم منه البطل الفارس في حب محبوبته يغني ويذوب ويقدم أشكال الوفاء والتضحية من أجل هذا الحب النبيل.
هذا الشكل كان منتشراً في الأدب العربي متمثلاً في أعمال مثل كتاب "الزهرة" للأصفهاني، و"طوق الحمامة" لابن حزم، وهما في ذات الوقت سابقان خصوصا الأخير بأكثر من قرن على كتاب "فن الحب العفيف" لـ "أندريه لوشابلان" في النصف الثاني من القرن الثاني عشر الميلادي، وظهرت في هذا الكتاب أشكال فنية وموضوعات ليست لها سابقة في الأدب الغربي، وهي ذلك الحب العفيف واحترام المرأة وتجميلها.
ومن ثم يتضح أن معظم قصص الفروسية والحب قد سبقت رقي المرأة اجتماعياً في ذلك العصر، وجاوزت التقاليد السائدة التي لم تصل فيها المرأة إلى تلك المكانة التي يشاد بها في القصة، تلك المكانة المعروفة في الأدب العربي بتأثير روح الإسلام الذي كان قد نشأ في الغرب إما عن طريق الحروب الصليبية أو عن طريق العرب في الأندلس، وقد استمر هذا التأثير في أدب الحب والفروسية طوال العصور الوسطى وفي عصر النهضة.
التأمل والمجتمعات
ومن أشهر القصص العربي التي تأثر بها الأدب الغربي هي قصة "حي بن يقظان" التي كتبها الفيلسوف "ابن طفيل" في القرن الثالث عشر الميلادي في أسلوب قصصي رمزي في شكل صوفي يدعو فيها إلى معرفة الله عن طريق العقل والتأمل الواعي، وهي قصة طفل ولد بلا أب أو أم في جزيرة منعزلة وربته أنثى الظبي، ولكنه استطاع أن يتوصل إلى حقائق الحياة ووجود الله بواسطة عالم متصوف يأتي إلى الجزيرة المنعزلة للتعبد.
وقد ترجمت حي بن يقظان إلى العبرية واللاتينية والإنجليزية في القرنين الرابع عشر والسابع عشر، وقد تأثر بهذه القصة الكاتب الأسباني "بلتاسار حراثيان" حتى إنه كتب قصتة "النقاد" على نفس خط حي بن يقظان لابن طفيل الأندلسي، وهذا التأثير يأتي طبيعياً في فترة حكم المسلمين للأندلس.
والبعض يعتبر أن قصة "روبنسون كروزو" لدانيال ديفو التي ظهرت في عام 1719 ترجع إلى نفس التأثر بقصة حي بن يقظان، ولكن الشبه ضئيل بينهما، وكذلك القصة قد كتبت بتأثير من رحلة حقيقية حدثت لأحد التجار.
وإذا تحدثنا عن جنس أدبي آخر وهو المقامات وهو جنس أشتهر كثيراً في الأدب العربي في القرن الثالث عشر الميلادي، وهو عبارة عن حكاية يسودها شبه حوار درامي ويقوم موضوعها على هجاء ونقد المجتمع، ونجد أن الأدلة التاريخية تشير إلى تشابه قوي بين قصص الشطار والرعاة التي انتشرت في أوروبا في القرنين السادس والسابع عشر، وهي ذات صيغة هجائية للمجتمع والتاريخ الأدبي يشير إلى أن أشهر المقامات التي عرفت في الأدب العربي، وهي مقامات الحريري (القاسم بن علي) ومقامات بديع الزمان الهمذاني عرفت في أسبانيا، وترجمت إلى عدة لغات، وسار الكتاب الأسبان على نمط مقامات الحريري خاصة في روايات الشطار.
وكان لكتاب ألف ليلة وليلة (المجهول المؤلف) والذي كان معروفا لدى المسلمين قبل منتصف القرن العاشر الميلادي ومترجم عن أصله الفارسي كما يقول "المسعودي" في "مروج الذهب "قد أثرى العديد من المسرحيات والقصص الأوروبي، وخاصة بعد ترجمتها إلى عدة لغات أوروبية وخاصة في أواخر القرن الثامن عشر وخاصة في فرنسا.
التراجم والملاحم
أما عن الشعر نجد العرب قد برعوا فيه وأبدعوا قصائد خلّدت شكل الأدب العربي القديم، ولم يكن للعرب إبداع في مجال الملاحم إلا في مرحلة متأخرة من تاريخ آدابهم، ولكنها وجدت بعد ذلك، وتعتبر الملحمة الإيطالية الكوميديا الإلهية "للشاعر "دانتي إليجيرى " التي كتبت في القرن الرابع عشر الميلادي والتي تندرج تحت قائمة الأدب الغربي المتأثر بالأدب العربي واضحة التأثر بالتيار الإسلامي المتأجج قبل فترة كتابتها، ويبدو فيها التأثر الشديد بقصة الإسراء والمعراج.
فالملحمة مقسمة إلى ثلاثة أجزاء هي الجحيم – والمطهر – والفردوس، وتتضمن قصة المعراج الإسلامي بحذافيرها، وهي وإن كانت ترى العالم الآخر بشكل ديني رمزي إلا أنها تحمل إسقاطات على العالم الغربي في نفس وقت كتابتها في العصور الوسطى.
والمستشرق الأسباني "ميجيل آسين بالاثيوس" في كتبه لشرح الكوميديا الإلهية يظهر مدى تأثر دانتي بحكاية الإسراء والمعراج، وكذلك اقتباسه موضوع قصة المعراج من كتاب "الفتوحات العربية" لابن عربي، والذي اطلع عليه دانتي في أيامه.
وكذلك تقضي أقوال المستشرق الإيطالي "تشيرولي" والأسباني "مونيوس سندينو" على الاعتراض القائل بأن دانتي لم يكن يعرف العربية عن طريق معرفة المصدر الرئيسي لدانتي في مؤلفه، وهو عبارة عن مخطوطتين مترجمتين تحكيان قصة المعراج أتيح لدانتي الاطلاع عليهما في إيطاليا.
وإن تشابهت كوميديا دانتي مع "رسالة الغفران" لأبي العلاء المعري والتي تحكي نفس قصة المعراج ولكن برؤيا درامية مختلفة، وتتشابه معها كذلك في نفس نوع الرحلة وأقسامها وكثير من مواقفها، ولكن ليس هناك دليل يؤكد اطّلاع دانتي على رسالة أبي العلاء إلا أن يكون النصان العربي والإيطالي قد تأثرا بقصة المعراج فحسب.
الحب والموشحات
وفي مجال آخر من مجالات الشعر عرف شعراء جنوب فرنسا باسم "التروبادور" في أواخر القرن الحادي عشر الميلادي، وأثروا الشعر الأوروبي حتى القرن الرابع عشر الميلادي بشعر لم يكن معروفاً في أوروبا قبل ذلك، وهو شعر الغزل والحب بشكل راق بعيد عن الابتذال.
ويبدو أن هؤلاء الشعراء قد تأثروا كثيرًا بالموشحات والأزجال التي نشأت في أدب الأندلس في أواخر القرن التاسع الميلادي في شكل شعبي لأغراض الغزل، وكان لهذه الموشحات نظام خاص؛ حيث إنها متحررة من القافية، كما أن بحورها ووزنها لم يكن معروفًا قبل ذلك في الشعر العربي.
وتتشابه أشعار التروبادور مع الموشحات والأزجال الأندلسية من حيث الوزن والتحرر من القوافي، وكذلك المضمون الذي يسمو بعلاقة المرأة بالرجل.
ويقول المستشرق "جوستاف فون جرنباوم": إن شعر" التروبادور" في أصوله يرجع إلى شعر العرب في الأندلس.
وهذه العلاقة أكدها العديد من المفكرين والمستشرقين المنصفين.
الجمعة يونيو 28, 2019 8:55 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» د. ليلى عريقات نائب الرئيس ورئيسة تكريم الشهادات الفخرية والرئيسة الفخرية للمجلس
الإثنين ديسمبر 03, 2018 12:25 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» اهداء ارتجالي الى عميدة الشعر المعاصر الاستاذة د. ليلى عريقات / د. لطفي الياسيني
السبت ديسمبر 01, 2018 9:05 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» خذ ومن عمري لعمرك .. مهداة لشيخ الشعراء المجاهدين لطفي الياسيني للشاعر حسين حرفوش
السبت ديسمبر 01, 2018 2:18 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» وما غير الطبيعة من سِفر
الخميس يوليو 11, 2013 6:22 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» حمى الناس ..إهداء إلى أهالي الحولة
الخميس يوليو 11, 2013 6:13 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» قصيدة معايدة الرؤساء العرب .. للشيخ عائض القرني
الخميس يوليو 11, 2013 6:12 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» طال ابتهال المصطفى
الخميس يوليو 11, 2013 6:11 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» من وحي السيول والفيضانات التي اجتاحت بيوتنا / د. لطفي الياسيني
الأربعاء يناير 09, 2013 4:02 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني