[table width="100%"][tr][td vAlign=top]
[size=12][color=#000000][b][color=#000000][b"]عاد إلى مدينته! لا، عاد إلى إحدى المدن التي عاش فيها! مدينته مطمورة تحت التراب. ولاتقع في جزء الخريطة الذي قد يفاوض عليه! استخرج فيها من رماد القرون مسرح من الزمن الروماني، وفسيفساء، ونقود أموية. لكن عقد بيته والشرفة التي تفرج فيها على غزالة الراجعة من العين، والفونوغراف الذي سمع به أغنيات أسمهان لن تستخرج من أنقاضها.
[size=12][color=#000000][b][color=#000000][b"]هل كان من قرب ومن بعد يحوم حولها متنقلا بين بلاد الشام واوربا لاجئا من اليأس أو الشوق؟ لو بقيت لخرج منها كالشباب الذين يقصدون المدن الكبيرة، يتبع عطشه إلى الدنيا. لقصد المدن التي قصدها أبوه دون أن يتاجر بالغنم مثله، باحثا عن النساء محاولا أن يمسك بجوهر الحياة، يتصور أنه يزيد عمره وهو ينفقه. ولاستمتع بكل عودة إلى بلدته الصغيرة، حاملا حقيبته على حضنه في سيارة تنط وتترنح على الطريق الترابي، وإذ ينزل منها بين أشجار الزيتون تكون النساء قد لمحنه وهن يبعدن الشمس بأكفهن عن عيونهن، ويكن أرسلن صبيّة تركض لاهثة لتعلن لأهله ولكل من تصادفه: رجع! رجع! فتنطلق الزغاريد ويخجل قيس بها، ثم يستسلم لأفراح لها طريقتها في التعبير عن فورانها. لن يصبر! سيخرج إلى البيادر والبساتين متفقدا طريق العين، باحثا عن الصبايا اللواتي لمسهن أو قبلهن أو نظر من بعد إليهن. سيأتي حشد منهن في ذلك المساء. وسيقرأ طموح الأمهات: لو يطلب بناتهن! لن يسألن عن النساء اللواتي عرفهن في غربته، فأي رجل لايفعل ذلك! سيكتفين بما ترسمه أمه وكأنه كان بطلا وحيدا في البلاد البعيدة، ناجحا ومحترما ومعشوقا، حتى أن تلك البلاد نفسها لم تتركه يفلت منها إلا بعد إصراره على العودة إلى بلدته العزيزة! سيصدقن كل ماترويه وهن يحاولن أن يرسمن بصورهن الخاصة البلاد التي كبر فيها وتجول في طولها وعرضها. وسيستقبلنها في احتفال وهي تبحث له عن عروسه التي وصف لها تفاصيلها المرغوبة !
[size=12][color=#000000][b][color=#000000][b"]لكن ذلك لم يكن مصير قيس! وصل إلى مطار رأى فيه موظفين جديين، ولم يسمع الزغاريد. كان المعسكر الاشتراكي قد ألغي فلم يعد قيس مشبوها بل أصبح مواطنا في بلاد صارت كلها ضحية. وصل في الزمن الذي كان اليساريون فيه لايزالون يفسرون الانقلاب العالمي كأنه إصلاحات ضرورية، ويشعر القوميون والمؤسسات الرسمية فيه بأن كارثة نزلت بالدنيا، أفقدتهم سندا يتكئون عليه ولو لم يحبوا طرازه. غرب ثلث الأرض وبدأت العتمة! فشعر حتى "رجل الشارع" بأن الكون يترنح. وصل قيس وقتذاك فأصبح استجوابه جلسات يفسر فيها ماحدث لمستمعين يريدون أن يعرفوا التفاصيل علّهم يستنتجون مصير بلادهم الصغيرة. ألا يبدو أنها عاشت بالتوازن بين اليمين واليسار وبين الغرب والشرق لأنها ليست بعد "معسكرا" قوياً !
[size=12][color=#000000][b][color=#000000][b"]مرض قيس منذ أول أيامه في الدنيا. كي ينجو، نصح الشيخ أباه بأن يبدل اسمه فيتغير نجمه، فسماه قيسا! كان أبوه كأهل بلاده مسحورا بهوى قيس الذي رددته ألف سنة مديدة. مفتونا كالرجال بهوى ليلى التي يحبها الرجال لكنهم يتزوجون أخرى، يعشقونها وهم يعرفون أنها لايمكن أن تكون زوجة. قال لابنه وكان بعد صبيا: ياقيس، النساء زينة الدنيا. لكل امرأة مذاقها. اسرح بينهن لكن تزوج امرأة صغيرة لم يقبّل فمها غير أمها، ولتكن لك منها أسرة. لاتبخل على زوجتك بحقها فيك! ولكن لاتقصّر على نفسك في حقوقك! ولتكن غنيا فدون مال لن تأتي النساء إليك ولن تستطيع أن تدللهن!
[size=12][color=#000000][b][color=#000000][b"]نفذ قيس وصية أبيه؟ روحه دعته إلى ذلك! هام قيس القديم في الصحراء، لكن المنفى فتح لقيس الجديد مدى واسعا كي يهيم. عرف فيه اللوعة وهو سعيد بالنساء. لذلك كان معهن رقيقا وفظا. ولو عاد أبوه الآن لقال له قيس: يابا، كثرة النساء لم ترو العطش إلى الحبيبة!
[size=12][color=#000000][b][color=#000000][b"]هل أراد قيس أن يودع ثلاثة عقود من عمره في مقهى ماريا؟ أحب ذلك المقهى المزين بصور الفنانين والكتاب الذين جلسوا فيه، وجمع المرايا والثريات في الطابق العلوي، إلى المقاعد الخشب في الطابق الأول. كان يجلس فيه كل يوم ولو قليلا. ومنه التقط المرأة التي فرط لها تسعا وتسعين وردة حمراء. كم مرة التقى هنا بطوران روبرت زميله في قسم الفلسفة! كان في الصف عشرون طالبا من اليهود وطالب واحد غير يهودي. كانوا يستعينون بقيس في الدروس. فقال قيس لطوران روبرت مرة: تدّعون أنكم الشعب المختار مع أنكم لستم أكثر ذكاء منا. هاأنت مثل زملائك تستعين بي! غاب طوران سنتين. أدى الخدمة العسكرية في إسرائيل. فسأله قيس:
[size=12][color=#000000][b][color=#000000][b"]- أنت ابن هذا البلد أم من إسرائيل؟
[size=12][color=#000000][b][color=#000000][b"]- لاتعرف ياقيس أن إسرائيل نفسها لنا؟ في هذا البلد ولد هرتزل ونوردو. ومن هنا أكثر قياديي إسرائيل! اسمع ياقيس! لك أنت قرية في فلسطين. لكن لي جبل كامل هو جبل طرعان!
[size=12][color=#000000][b][color=#000000][b"]- مع ذلك لم تبق على الجبل! لماذا عدت إذن؟
[size=12][color=#000000][b][color=#000000][b"]- عدت في مهمة ثقافية.
[size=12][color=#000000][b][color=#000000][b"]- مهمة ثقافية أم تجسسية؟
[size=12][color=#000000][b][color=#000000][b"]- ثقافية ياقيس. ثقافية! مهمتي أن أجمع كل كلمة تكتب عن الشرق الأوسط. وسأرصد كل رصاصة يمكن أن ترسل إلى بلد عربي!
[size=12][color=#000000][b][color=#000000][b"]كان طوران يقصده كلما رآه في مقهى نرسيس قرب الجامعة. رأى حذاءه مرة ملوثا بالوحل فسأله: أين غطست؟ فسر له قيس أنه يعبر منطقة موحلة من بيته البعيد. بيتك بعيد؟ هل تريد بيتا في وسط البلد؟ أستطيع أن أؤمنه لك في أسبوع! تأمله قيس. له مثل تلك السلطة؟! كم الخرق متسع إذن! أبعد قيس نظرته عنه إلى فتاة جميلة مرت. فسأله طوران: تريدها؟ تكرر ذلك في مقهى ماريا أيضا. نادى طوران الفتاة التي نظر إليها قيس: تعالي، يريدك قيس! جفل قيس: ياسيدتي، نتحدث حديثا خاصا سنكمله أولا! عادت الفتاة إلى طاولتها. وسأل قيس طوران: هل أنت موساد، مهمتك أن تقدم البنات اليهوديات لمن يريدهن؟ ياطوران أعرف أن راكوشي اليهودي الذي عاد بعد الانتصار على النازية صفى قيادة الداخل، قتل رايك ووضع اليهود في المراكز القيادية "لأنهم الوحيدون الموثوقون". لكني أتساءل هل ستلعبون الدور نفسه الآن؟ ضحك طوران:
[size=12][color=#000000][b][color=#000000][b"]- لك نظرة استراتيجية ياقيس! أنا معجب بك! تعال معي لنلتقي بشينغري ايرفين! صار صاحب دار نشر!
[size=12][color=#000000][b][color=#000000][b"]- كما أصبحت أنت مخرجا مسرحيا في أشهر مسارح البلد؟! لاأريد أن أراه!
[size=12][color=#000000][b][color=#000000][b"]- لم تنس أنه حارب العرب في سلمة قرب يافا؟ لكنك لم تقصر فيه. قلت له لاتهاجم النظام الاشتراكي لأنكم أنتم تحكمون فيه.
[size=12][color=#000000][b][color=#000000][b"]- لو كان هناك نظام اشتراكي حقيقي لاعتقلك!
[size=12][color=#000000][b][color=#000000][b"]- نحن لسنا أكثرية هنا، ياقيس!
[size=12][color=#000000][b][color=#000000][b"]- صحيح! النور أكثر منكم عددا. قوتكم كيفية وليست كمية. تحكمون المال والفكر والسياسة!
[size=12][color=#000000][b][color=#000000][b"]مر بالمقهى فيكتور الذي انحاز ضد تيتو ذات يوم وهرب من يوغوسلافيا. وكان مختصا في الشؤون العربية. ويسر له قيس السفر إلى لبنان والأرض المحتلة مرات. زار إسرائيل وكتب عن العرب. وضع فيكتور الرسائل التي وصلته على الطاولة الصغيرة أمام قيس: اقرأ: "أتى اليوم الذي ستعلق فيه على المشنقة أيها الفاشي عدو الساميين"! يهددونني أيضا بالهاتف! اشترى اليهودي ميكسا روبرت، يعني روبرت ماكسويل، الجريدة الناطقة باسم الحكومة. وضع رئيسا لها يوسف كوفاتش وطردني منها في اليوم نفسه. لم يجلس فيكتور وقتا طويلا. لايستطيع أن يبقى في مكان واحد! هل سنلتقي ياقيس مرة أخرى؟ ربما، ربما!
[size=12][color=#000000][b][color=#000000][b"]مر بالمقهى بعده غابور ناج الذي يحب العرب. كان رئيس قسم العلاقات الخارجية في اللجنة المركزية. أخذ مكانه اليهودي يوسف كوفاتش. وطار هو إلى أعلى فصار نائب وزير الخارجية، ثم أبعد سفيرا ثم طرد. ماهو مصيري؟ أبحث عن عمل! ربما نلتقي ياقيس مرة أخرى!
[size=12][color=#000000][b][color=#000000][b"]أتى صديق قيس المحبوب، جورج ماكاّي. يهددونك أيضا؟ اسمع ياجورج. يصر الصهيونيون على تبرئة اليهود من دم المسيح، مع أن بطرس بين في إنجيله بصراحة أنهم سلموا السيد المسيح. فإما أن الإنجيل الذي تدرّسه الكنيسة كاذب، وبطرس كذاب، ويجب أن يلغى حتى اسم كنيسة القديس بطرس مركز البابا في روما. أو أن الكنيسة مخترقة بالصهيونية. قال ماكاّي: صحيح! لكني لاأجرؤ أن أكتب عن ذلك. لو كتبته هل أجد من يشنره؟! ربما نلتقي ياقيس ذات يوم! ربما! كان جورج ماكاّي مستشارا للشؤون العربية في اللجنة المركزية كان!
[size=12][color=#000000][b][color=#000000][b"]لمح طوران وهو يدخل إلى المقهى جورج ماكاّي فلم يقترب من قيس إلا عندما ابتعد ماكاّي. سأل قيسا وهو يجلس إليه: استمعت إلى خائن الشعب اليهودي؟! فليجد الآن من ينشر كتبه! وهل كانت تنشر كتبه حقا ياطوران؟! كان كتابه ينزل إلى السوق فتجمعونه في اليوم نفسه! وهكذا تفعلون حيثما تستطيعون ذلك. لكنكم تصرخون إذا مسّ النسيم قبر يهودي. فيالحرصكم على الحرية! كتب جورج ماكاّي عن آنا سينتش بطلتكم! نسيت ذلك ياطوران؟ يذكّره قيس بتآمر المنظمة الصهيونية على اليهود! كانت آنا سنتش من القلة التي رحّلت بالاتفاق بين ايخمن النازي وكستنر الصهيوني، شرط أن تمنع المنظمة اليهود الباقين من مقاومة النازية. وصلت آنا سنتش إلى فلسطين، ونظمت في الكتيبة اليهودية، ثم أنزلها البريطانيون بالمظلة في منطقة الريف الجديد، ووصلت إلى كستنر في بودابست فسلمها للنازيين الذين عذبوها حتى الموت! مع ذلك انتخب كستنر نائبا في إسرائيل. لكنه اغتيل خلال محاكمة ايخمن كيلا يكون ممن يمكن أن يعترف ايخمن بتعاونهم معه. فهم طوران مايقصده قيس! لكنه معجب بمتابعة قيس تلك الدقائق. ياقيس، لاتضيع وقتك في الحقد! أحبك، لذلك أقول لك ارحل اليوم قبل الغد! صارت هذه البلاد لنا! انتفض قيس. قيلت هذه الكلمات نفسها لأبيه وقيس مايزال في المدرسة ومايزال يسكن في بيته وبلدته! قالها لأبيه في فلسطين صاحبه اليهودي يوسف. ياطوران، يبدو أنكم لن تتركوا لنا إلا خطا أرقّ من حدّ السيف!
[size=12][color=#000000][b][color=#000000][b"]هكذا ودع قيس أصحابه وأعداءه. فماذا يستبقيه؟!
[size=12][color=#000000][b][color=#000000][b"]هل فهم قيس حدس الأنبياء وبصيرة المنجمين يوم قال: مابدأ به الثوار نسيه السياسيون فكان هذا الخراب؟ أم توحّد كالصوفيين بما يفكر فيه ويحبه فشعر بوهنه! قال لأبناء بلده في المقهى: أمّنت الاشتراكية للإنسان العلم والمسكن والصحة والراحة والثقافة. إنجازها الأمان! امشوا في الشوارع حتى الصباح! لكن كل ذلك الآن في خطر. في هذا البلد الاشتراكي متحف هرتزل ومتحف نوردو الصهيونيين العنصريين! تتدفأ الصهيونية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية بأن اليهود ضحايا النازية. تملك الإعلام والسياسة وربما اللجنة المركزية! يوم ينهار الاتحاد السوفييتي سيسبقه هذا البلد في الانهيار. قال له رئيس الوفد الزائر: كلامك خطر، وقد يرميك في السجن! رد: ليتني مخطئ وليكن مصيري السجن! فالبلاد العربية والفلسطينيون سيخسرون سندهم العالمي إذا سقط المعسكر الاشتراكي!
[size=12][color=#000000][b][color=#000000][b"]انتبه عبد الله قبل عقود من السنوات إلى قدرة قيس على قراءة الزمن. قال: تتجاوز نظرته الشاملة التفاصيل إلى الجوهر، وتلخص في دقة المسار الممكن. كان قيس وقتذاك في السادسة والعشرين، يحتاج أن يرعى موهبته، وأن يحميها فيه الآخرون. لكن عبد الله قتل، وتشرد قيس. فبقيت تلك الموهبة له حدسا يستمتع به أصحابه. يوم حلمت ياقيس بأن أبا محمد اغتيل في رأسه برصاصة الموساد، فنهضت من فراشك لاهثا وقلت في ثقة: لابد أن الاغتيال حدث، كان الاغتيال حقا قد حدث. لكن الكارثة التي تتنبأ بها الآن لاتصدق! رد قيس: بل صدّقوا! لم ينجح تدمير المعسكر الإشتراكي من الأطراف، من برلين وبودابست وبراغ. لذلك سيدمر من المركز. ليس مسار التاريخ مؤامرات. لكن المؤامرة جزء مهم من التاريخ. في عصرنا تخطط الأحداث تخطيطا. وسنكون شهود كارثة آخر عقد من القرن!
[size=12][color=#000000][b][color=#000000][b"]لم يتنبأ قيس بخراب المعسكر الاشتراكي فقط، بل بخراب بيته الشخصي. يوم شعر بأنه عاجز عن تأسيس وطن، وعاجز عن تأسيس منظمة أو ناد أو تجمع، تصور أنه يستطيع أن يؤسس أسرة على هواه. نفذ وصية أبيه! فتزوج شابة من أسرة كاثوليكية محافظة. فاته أنه لايستطيع أن يحبس في سجن السعادة الصغير، وأن الأسر دون جدران في الرياح العاصفة! عندما لعب لعبته القديمة فخاطب زوجته بينه وبين نفسه ولم تستشف حواره، كان ذلك متأخرا. قال لنفسه: سأعدّ حتى العشرة كي تحزري ماأريد! عدّ حتى الخمسين. احتجبت روحها عنه! فلم تعد تقرأه ويقرأها! سترت سنة كاملة أن ابنه لايداوم في المعهد الذي سجله فيه، واستقبلته في الأعياد كأنه يعود في عطلة. اكتشف قيس مجموعة متضامنة تسوّره، أسرته وأسرة زوجته. هو الغريب! افترقا فراقا عاصفا. لم يعترف لنفسه بأن علاقته بها مرت في غروب طويل لابد أن ينتهي. وأن ذلك لم يكن فقط علاقة بين شخصين، بل بين عالمين كانا منذ البداية مختلفين. أوهمه الشباب بأنه يستطيع أن يخترع أسرة ووطنا في مجتمع غريب! فإذا به يكتشف بعد عمر أنه بين مجموعة يصلّي كهولها للأمس وشبابها للخلاص من الاشتراكية!
[size=12][color=#000000][b][color=#000000][b"]تجول غرباتشوف يومذاك في الغرب يطلب مساعدات. مساعدات للاتحاد السوفييتي الذي يستدين منه خمسون بلدا؟ قال قيس: يشهّر بوطنه، ويفعل مايعفّ عنه بلد من بلاد العالم الثالث! واستمع إلى ندوة تغنى فيها فالين، مسؤول العلاقات العامة في الحزب الشيوعي السوفييتي، "بالتخلف الاقتصادي". وإلى لقاء بمخرج سوفييتي في مهرجان اوربي قال فيه: كل حرب قذرة حتى حرب التحرير! وعرض فيلمه عن اليهود. تابع قيس في التلفزيون السوفييتي الانبهار بالمخازن اليابانية التي تبقى مفتوحة طول الليل. والأبحاث التي تدعو إلى "اقتصاد السوق". ورحلات غرباتشوف. وصل غرباتشوف إلى برلين الشرقية فتجمع عشرون شابا صرخوا متحمسين: غوربي، غوربي! وطلبوا جوازات سفر إلى الغرب. قال غرباتشوف لهونيكر لاتعتمد على الجنود السوفييت لحماية ألمانيا الديمقراطية! فهل رد هونيكر كما رد عليه سياسي عربي عندما قال إن المساعدات لحركات التحرر ترهقه: يكفينا أن تلجم عنا القطب الآخر! وصل غرباتشوف إلى بكين فتظاهر الطلاب وصرخوا: غوربي، غوربي! وكانت الكاميرات التلفزيونية الغربية تنتظر غرباتشوف هناك. قال قيس لنفسه: حتى التفاصيل محبوكة في مهارة! سيفرض غرباتشوف سقوط البلاد الاشتراكية! سيقتل شاوشيسكو وسيسجن هونيكر، لكنهم لن يطالوا كاسترو الذي انسحب من المؤتمر وقت أعلن غرباتشوف "إعادة البناء" !
[size=12][color=#000000][b][color=#000000][b"]في ذلك اليوم كانت زوجة بوخارين مدعوة إلى اجتماع كبير في مسرح، حضره ابن قيس. قرأت المرأة العجوز وصية قالت إن زوجها تلاها عليها حتى حفظتها، وظلت تحفظها منذ موته، ولم تسجلها على الورق خوفا من الإرهاب! وتكلم الرجل الذي قدمها في تفصيل مؤثر عن الجرائم القديمة، والخسائر الإنسانية، واحتفى بزمن جديد للحرية والديمقراطية. وكأنما هب إعصار قوي على القاعة لم يعرف منذ زمن الثورات الكبرى، وانفجر الحقد الذي ملأها بنشيد هادر. وجد ابن قيس أباه، عندما رجع إلى البيت، جالسا يتفرج على محطات التلفزيون التي تبث زيارة غرباتشوف إلى الصين. فجلس بعيدا عنه. رأى الطلاب يتظاهرون في الساحة ويصرخون: غوربي، غوربي! ثم وقفت الكاميرا على الدبابات. ياللفظاعة! ياللوحشية! نهض عندئذ ابن قيس وهو يصرخ كالطلاب: فاشيون، إرهابيون! هذه هي الاشتراكية! قلب الطاولة نحو أبيه وقال له: أنت مثلهم، تستطيع أن تفعل مايفعلونه هناك! أنت حتى في البيت ديكتاتور فاشي!
[size=12][color=#000000][b][color=#000000][b"]امتدت بين قيس وابنه مسافات أبعد مما بينهما وبين الصين. ماأعمق الغربة بينهما! لايشعر ابنه بما عاشه ولايعرف العالم الحزين خارج مدينته الهادئة، خارج البيت الذي ينعم فيه بما يريد. هل قصر عليه قيس يوما بما يرغب؟! غمره بما لم ينعم به قيس في طفولته وشبابه. يقول لقيس وهو خارج ليسهر، أريد قرشا فيقول له قيس خذ قرشين. يقول له سأعود في الثانية عشرة فيقترح عليه قيس بل عد في الساعة الواحدة. لكن ابنه لم يحترم أبدا موعدا، ولم يقدّر أن أباه يريد أن يعلمه الدقة. في مثل عمره كان قيس يشعر بأنه مسؤول عن بلاد ومستقبل! فهل لابنه مشروع جدي؟ شاب لايشغله غير التمرد الأحمق، والتسلية وشتم الاشتراكية! لايقدر الجهد الذي يوفر له الراحة في البيت والأمان في المدينة !
[size=12][color=#000000][b][color=#000000][b"]تناول قيس منفضة السيجارات ورمى ابنه بها: أيها الأحمق لاتعرف مايرتب للعالم! لاتقدّر النعمة التي عشت فيها، ولن تعرفها إلا عندما تسلب منك! هل يتمنى أب لابنه الجوع؟! في تلك البرهة تمناه قيس لابنه كي يصحو ويفهم الحقيقة! وفي تلك البرهة شعر بأنه وحيد وغريب في بيته نفسه، وأنه خسر ماأنفق عليه عمره!
[size=12][color=#000000][b][color=#000000][b"]غشت ابتسامة غرباتشوف اليساريين الذين رافقهم قيس في تلك الأيام فقالوا له في حفاوة: "نحتاج بريسترويكا عربية". ولم يصدقها الرسميون العرب. فهمس لنفسه: اليمين التقليدي وحركات التحرر هي التي تشعر بالكارثة لأنها تفهم ماتفقد! واستمع إلى حديث هيث عن خطر كسر التوازن الدولي!
[size=12][color=#000000][b][color=#000000][b"]يتفرج قيس كثيرا على التلفزيون؟ نعم! لأنهم يحاربون به! لكنه أطفأ التلفزيون نصف ساعة ليقرأ مرة أخرى مقابلة مع موري، سكرتير الحزب الشيوعي النمساوي، نشرتها جريدة يمينية نمساوية. سئل: كيف تفسر مايجري في الإتحاد السوفييتي؟ رد: أفسره بندرة الشيوعيين هناك. سئل: لكن الشيوعيين هناك يعدون 16 مليونا. رد: لم أقصد عدد الأعضاء. سئل: وكم عدد الشيوعيين هناك في رأيك؟ رد: لايتجاوز أصابع اليد. تقصد أصابع اليدين؟ رد: بل أقصد أصابع اليد الواحدة.
[size=12][color=#000000][b][color=#000000][b"]قال قيس: والآن ستبدأ التصفيات! لكن التصفيات كانت أنيقة! في زاوية مهملة من الجريدة خبر صغير. "ظهر أن الجثة التي وجدت طافية في الدانوب منذ أيام هي جثة..." تأوه قيس! هذا وزير الدفاع الذي يحب العرب! يالهذه الديمقراطية التي تحاسب على الماضي وتنتقم منه! استعاد قيس أسماء القتلى والمنتحرين في ذلك الشهر. نخبة كاملة! عشية رأس السنة الماضي انتقى قيس زجاجات فاخرة من النبيذ والشمبانيا والكونياك والليكور، صفها في صندوق، وحملها إلى مكتب وزير الدفاع. تعرف السكرتيرة قيسا. قالت له: غير موجود، لكنه سيعود. تفضل انتظره. قال لها: أرسلي من يحمل بعض الأشياء له. قالت: سأنزل بنفسي. ضحك: لا، أرسلي من يستطيع أن يحملها. في ذلك اليوم خابره وزير الدفاع وقال له: هديتك كبيرة. أرجو أن تقبل هديتي التي تناسب دخلي وهو أقل من دخلك. رمز صداقتنا وتقديري المقاومة العربية! هديته هذا الغطاء المطرز المفروش على هذه الطاولة! كيف قتل هذا الإنسان المثقف الذواقة؟ لاتبالي هذه الديمقراطية بثروة وطنية ولاتعتد إلا بالولاء! مع ذلك لم يتصور قيس وقتذاك أن ثروات وبنى ثقافية ومؤسسات ستقتسم وتوزع وتدمر. ستتناثر حتى المجموعات الموسيقية والعلمية والرياضية في أنحاء الأرض! سينتحر جزء من أرض البشر!
[size=12][color=#000000][b][color=#000000][b"]في زاوية صغيرة من الجريدة خبر آخر صغير: "ظهر أن جثة المنتحر التي وجدت في الغابة هي جثة.." هذا صديقه العزيز! قال له قيس مرة: عندما كنت أدخل مع الوفود العربية إلى بناء الجبهة الوطنية التي تستضيفهم كنت أقرأ "هنا كان يسكن المستشرق المجري إرمين فان بيري". عرفت أنه أول رسول من هرتزل إلى السلطان عبد الحميد كي يبيعه فلسطين! يهودي كان يجيد العربية والفارسية والتركية وغيرها! فهل تغرس الصهيونية ذاكرتها حتى هنا لديكم؟ ماكس نوردو الذي كرستم له متحفا هو الصهيوني شيمون شوتفيلد، ابن حاخام بودابست. تغرس الصهيونية ذاكرة هنا أيضا! رد: ربما، ربما! لكن أليست دعوة الوفود العربية إلينا الشاهد على أننا نقاوم الصهيونية؟ ياقيس، اسمع! لاتمش على طرف الرصيف! نعم، توجد هنا صهيونية! ونصحه: لاتحمل أنت رسالة كارلوس إلينا. قل له سنقبلها، لكن ليرسلها مع شخص آخر!
[size=12][color=#000000][b][b"]رمى قيس الجريدة. كم يشعر بأنه وحيد وغريب وحزين! كل مالديه راح مع عالم طوي. في هذا العالم الجديد لاشيء له، لاأحد له، ولامكان له، وقد يكون ذات يوم هو الجثة الطافية في الدانوب. نعم، بلاده هي الآمنة في هذا العالم المضطرب! اكتمل الحصار! اجتمعت الهزيمة الخاصة والعامة. اكتملت أيضا الحقيقة. أنه ليس من هنا، ومايزال مريضا بهواه!
[size=12][b][b"]قيس وحده في البيت الذي استقبل فيه سفراء، وقادة سياسيين، ولاجئين سياسيين، ومنفيين، وأصدقاء منهم كارلوس وزوجته ليلي وصديقه ستيف. رتب ثيابه في حقيبة. على الرفوف الكتب التي انتقاها، حوله الكراسي والطاولة الخيزران الخضراء التي يحبها، "الفازات" التي اختارها من مخازن المعروضات القديمة، في الخزانة الكؤوس الكريستال المحفورة التي كان يستمتع بالشراب بها! أشياء تجسد العمر الطائر في مادة تلمس وترى! يتركها! يجب أن يرحل!
[size=12][b][b"]رافقه إلى المطار بعض أصدقائه. رحل دون أن يلتفت. لم يتنبأ مودعوه بعد بأنهم يجب أن يرحلوا. سيفهمون فيما بعد أن العالم القديم انتهى!
[size=12][b][b"]في ذلك الغروب، شعر وهو يحط في مطار فيينا بأنه آمن وحر. جلس في مقهى صغير في المطار. أمامه حول طاولة صغيرة مستديرة شاب وفتاة كأنها ليلى. في عنقها حلية في شكل عشتار. ذهل. ماذا أتى بعشتار إلى هنا؟! قال في يقين: تلك بشارة! سأجد ليلى! فهل يخيب حدسه الذي ماخاب حتى اليوم؟ طلب فنجانا آخر من القهوة. فنجانا ثالثا. انصرف الشابان فنهض. تجول أمام واجهات المخازن في المطار. ياللذوق والألوان! فجأة، رأى أمامه في الواجهة حلية في شكل عشتار. دخل وطلبها. وأكد ذلك له بأنه سيلقى ليلى. في حقيبته الهدايا التي جمعها لها خلال أربعين سنة. مسافر ألف ليلة وليلة الذي اغترب باحثا عن الكنز، تكسرت سفنه وظنوه فقد. عاد بصندوق صغير، يبحث عن الكنز في بلده! فهل يجده؟
[size=12][b][b"]عبرت امرأة غجرية صالة المطار إلى البوابة التي ينتظر قيس قربها طائرته. فتوهجت الصالة بألوان ملابسها، ورددت هسهسة حليها. لم ينظر قيس فقط إليها، نظر إليها آخرون أيضا! تلفتت واختارت مقعدا قرب قيس. تسافر إذن معه على الطائرة نفسها! مصادفة أخرى؟ لكنه خمن أنها ستنزل في محطة بعده. سألها: إلى بيروت؟ ابتسمت: كيف عرفت؟ ابتسم: أقرأ الكف دون أن أفحص خطوطه! رفعت حاجبين مرسومين في أناقة: وخمنت أيضا أني من أصل غجري؟ هز رأسه. ينحني قيس لهذا الزمن الذي فتّح جمال الغجر فأطلق شعرهم الكثيف، ووضح عيونهم السوداء، وعرض أقمشتهم المجنونة! وجعل أغنياتهم من أغنيات الملاهي الفخمة. فهل يستطيع أن يمد كفه لهذه الغجرية ويرجوها: اقرئي، ليملي عليها مايتمناه؟!
[size=12][b][b"]يوم جلس في الليدو على شاطئ طبرية، في طريقه من صفد إلى صفورية سنة 1947، تنبأت له غجرية بحظ كبير عند النساء! فزها بذلك. بعد عشر سنوات، قال له رجل فحص كفه في مطعم الريّس في دمشق: أنت محظوظ بالنساء. فأطربه ذلك! لكنه كان يريد واحدة منهن، واحدة مشغولة بالدنيا كأنها لاتراه! بعد عشر سنوات أخرى استهوته في فيينّا شاعرة أكبر منه بعشرين سنة. نظرت في ضوء الفجر إلى يديه وقلّبتهما. لم تتأمل خطوط كفه، رأت خفقاتها. سمع القصيدة التي بدأت تصوغها. وضمها إليه وهو يتصور أنه يضم ليلى في الخمسين من العمر. لمس ليلى وتفقد شعرها وقامتها، ثم ابتعد إلى طرف الغرفة ونظر إلى قوامها الذي تكور على السرير. أهكذا ستكون ليلى يوم يلتقي بها؟ ليته يلتقي الآن بغجرية موشومة الجبين والذقن تهز بيدها الودع ليجلس على الأرض أمامها ويرجوها: ابحثي عنها! أين هي الآن؟ لن يسخر من نفسه لأنه يستمع إليها! سيتطلع إليها ليصدق ماستقوله وهي تنبش بأصابعها حياته. سيصغي إليها وهي تقول له: علم الله، لاهي طويلة ولاهي قصيرة، لاهي سمينة ولاهي نحيفة. قلبك هناك لكن بينك وبينها سبعة بحور وسبعة جبال. فكرك عندها، لكنك لن تلتقي بها إلا بعد سبع إشارات قد تكون سبع أيام أو سبع سنين أو سبعة عقود. قل إن شاء الله! سيجفل: لا! فتسأله: عندك شيء من أثرها؟ يتناول من جيبه صورتها ويتفرج على الغجرية وهي تتأمل ليلى، ثم تقول: بينك وبينها سؤال. عينها عليك وهي تدير لك ظهرها. لكنك ستلتقي بها بعد أربع إشارات، قل إن شاء الله! سيفرغ قيس كل مافي جيبيه على كف الغجرية، ليغريها بأن تقلل عدد إشاراتها!.
[size=12][b][b"]حكى للمرأة ذات الأصل الغجري حكاية غجرية طبرية. أخرج صورة ليلى من جيبه فقلبتها بين كفيها. وهسهست أقراطها مع حركة رأسها. أمها مغنية مشهورة، لكنها لاتذكر أبدا أن أحدا من أقربائها يقرأ الكف أو يهز الودع! أعاد قيس صورة ليلى إلى جيب صدره، أغمض عينيه وعاد إلى أزمنته.
[size=12][b][b"]عاد قيس من غربته الطويلة ليعيش في بلدة صباه. على مسافة خمسين كيلومترا من بلدة طفولته. خمسين كيلومترا أطول من خمسة ملايين سنة. لكنه كالمتحضرين الذين ينصبون خيامهم في الصيف، وكالبدو الذين كانت خيامهم حول مدينة صباه وكان يسهر عندهم شاعره المحبوب عرار، زيّن بيته ورتبه، فرشه بالسجاد وزرع حوله الورد، وجمع فيه أصحابه القدماء وأصحابه الجدد واستعاد بهم ديوان أبيه المطمور تحت التراب. فحص معهم الأمل والتعاسة، صرخ معهم وبكى في الليل على آخر سنوات القرن الذي عاش فيه. ورش على مرارة الهزائم هوى ليلى. يجب أن تبقى ليلاه من شهب القرن معلقة في السماء كيلا يعتم النهار! دفن القرن عدله وجماله، وأمسك قيس بليلاه كشمس لاحق لها في الغروب!.
[size=12][b][b"]وهاهو قيس العصر، أمير فاتن دون محظيات. شاعر دون منبر. سياسي دون حزب. رائد غاضب على الحاضر. مهاجر من بلاد قلبت وجهها إلى بلاد تصوغ وجوهها. مدى تحبسه المدن. ملك غاضب لأن الحاضر لايسترد انتصارات الأمس. ماض عملاق أمام حاضر قزم. صحو يشتهي الغيبوبة لينسى الحزن. رجل يقف على عتبة الألف الثالثة، كأسه في يده، وعلى رأسه المكلل بالزهر الأبيض تتوهج مدن ونساء وغابات بقيت في الألف الثانية. طوى أصحابها صورهم وابتعدوا على مساراتهم، لكن النسخة الاولى بقيت في يديه مع دويّها الرائع. هل سيجد مجد غرناطة على عتبة الألف الثالثة، تردد له نغمات أعوادها، وهو يتنقل بين فنادق الدرجة الاولى وغاباتها ليبذّر هداياه على النساء فاتنا ومفتونا؟ لماذا يحزن؟ كان في القمة في مملكة جمهورها منتقى، ليلها منشور لخطواته العلنية والسرية! لكن تلك الجمهورية انتهت! والزمن الذي صفّ فيه أعشاشه المجنونة والمزوّقة غير ألوانه ونصّب ملوكا آخرين!
[size=12][b][b"]يقف صاحيا، في لياقة، وكأسه في منتصف الطريق إلىالنخب. لو عادت جميع محباته ومحبوباته لتوسدن مرة أخرى فراشه المتجدد، ولكان ماهرا مرات أخرى في ابتكار ليال تظل على ذرى الأشواق حتى يصل النهار واهنا مرة أخرى. لو عدن لرواهن بشهده، ولسحرهن بانتباهه إلى كل خفقة في بشرتهن وفي أعماقها. لكن القرن مضى. جمع صناديقه، طوى فيها العاشقات والمعشوقات وصفّها على بوابته الكبرى. والجديدات اللواتي تسللن تحت نوافذه وقرعن أجراسهن منتظرات أن يفتح الباب لن يجدن قاعات ينتظرنه فيها، ولن يجدن كراس ينتظرنه عليها. رحّلتها الألف الثانية، والألف الثالثة لم تصفّ كراسيها بعد!
[size=12][b][b"]يقف قيس مدثرا بكنوزه، مرصعا بأوسمته، مزركشا بجروحه. ملكا متوجا أمام ممالكه الراحلة، والهالكة، والمبعدة، المنتصرة والمهزومة. محبوبا مرة أخرى بأمجاده المكبوتة وبأمجاده المنجزة، بجروحه الملتئمة وجروحه المفتوحة، بأناشيده الخابية وأغانيه المتوهجة. وينسج ذلك له عروشا في فراغ بين قرنين تهاوت فيه العروش القديمة ولايوجد فيه مؤمنون بعروش جديدة. يقف إلها فريدا، خالقا متألما، بطلا دامعا. لايندم على عمره المديد حيث تستلقي في غاباته معشوقاته الدائمات والعابرات، وتومض مقاهيه التي يعبق فيها سحره، ومدن الصيف ومدن الشتاء التي مشى فيها أربع عقود ناثرا أكياس الخلفاء المعقودة على الذهب. ليس نادما على السحر الذي عطر به الفتيات السعيدات! ليس نادما على الفتنة التي بهر بها النساء وأثار بها أحقاد الرجال، واستصفى بها فقط الفريد من الأصدقاء! ليس نادما! لكنه يحلم بأن يجمع قطرات عسله المنثورة على زهور الحدائق ويحبكها واحدة إلى جانب الأخرى ليصوغ بحيرة صافية لمحبوبته المفقودة! تحلم؟ كيف ستنسل خيوطا من نسيجك الذي نشرته في كبرياء أمير عربي ويظل ذلك النسيج سليما، مستلقيا على سجادك الأحمر المفروش هناك، وهناك، وهناك؟ في تلك المروج الشاسعة لم تكن ليلاك موجودة! على جميع السلالم التي صعدتها، في الفنادق التي سهرت فيها، في الدلال الذي غمرت به محبوباتك الشرعيات وغير الشرعيات، لم تكن موجودة! ولن يكون لها مهما سقيتها من عسل الملكة، ومهما قدمت لها من تفاح الجنة، مانثرته عليهن! تبحث عنها، يتلامح سرابها، وفي تلك اللحظة تهس العقود التي زينت بها نساءك، وتهف عطورهن، تحف معاطفهن، وتسقط مع الندى دموعهن وترن في قمر الشرق ضحكاتهن. رغم حبك العظيم لم يبق لليلى الأسطورية من القصور التي احتشدت فيها مملوكاتك الملونات والبيضاوات سوى السنوات المعتمة الأخيرة في ذيل قرن أقفل صناديقه وأطفأ ثرياته واستدار. ماأعجب ذلك! امتدت جميع حدائق قيس وجميع سنواته الذهبية للعابرات، ولم تبق لليلى المقدسة إلا أطراف مروجه..
[size=12][b][b"]ولد قيس في قرية تبعد عن الناصرة سبعة كيلومترات، اسمها صفورية. كانت مكللة بالتاريخ الذي يكلل قرى بلاد الشام. فكانت في أيام الرومان صفوريس، عاصمة الجليل كله. وكانت طوال الأربعة القرون الاولى من المسيحية عاصمة مقاطعة واسعة. وكانت قاعدة للفرنجة ضد صلاح الدين الأيوبي في سنة 1183، بنوا فيها قلعة، وأخذها صلاح الدين منهم بعد حطين. وبنى الشيخ ضاهر العمر سنة 1745 قلعة على تلّتها. وبنيت كنيسة القديسة حنة فيها على أنقاض كاتدرائية من القرن السادس. وذكر ياقوت الحموي في معجمه أنها قرب طبرية.
[size=12][b][b"]يوم ولد قيس كانت القرية قسمين. قديم وحديث، بينهما البيادر وحولهما بساتين الزيتون. تطل عليها القلعة. في مدخلها خزان ماء كبير. هنا سكّ الاسكندر المكدوني نقودا. وسكّ عبد الملك بن مروان نقودا عليها أحرف عربية إلى جانب الأحرف اليونانية. وجد قيس بعضها وقت حفر أبوه تحت العقد في بيته ليستخرج الكنز. اكتشف في صفورية فيما بعد، تحت القلعة مباشرة، مدرج روماني لخمسة آلاف متفرج، واكتشف شارع الأعمدة، وفسيفساء الحارة الشرقية، وفسيفساء قصر عذراء صفورية: سجادة فيها مليون ونصف قطعة.
[size=12][b][b"]في العشرينيات من القرن العشرين، قبل عقد من مولد قيس، بني فيها دير راهبات صفورية على أرض وقف إسلامي، فيه عيادة طبية، ومركز يعلم الفتيات الخياطة. وقع الدير في الحرب العالمية الثانية في ضيق فقرر المجلس البلدي في جلسته في 26/10/1946 مساعدة الدير بخمسين جنيه فلسطيني. وكانت في الدير وقتذاك خمسون طالبة من قرى فلسطين. وكانت في صفورية وقتذاك مدرسة ذكور تنتهي بالصف السادس الابتدائي درس فيها قيس. ومدرسة إناث.
[size=12][b][b"]يوم ولد قيس كان أخوه قد مات طفلا، ودفن في مقبرة الكركي، مقبرة الأطفال التي لعب فيها قيس فيما بعد وامتطى فيها ضريح سيدي اللويسي. كانت للقرية مقبرة أخرى عامة تمتد على 15 دونما دمّر المستوطنون اليهود جزءا منها بعد الاحتلال. ومقبرة الأشراف عند سور القلعة الشرقي، التي حمتها في التسعينيات جمعية تراث صفورية. ومقبرة السعدية في منطقة باب المطلّة حيث دخلت المصفحات الإسرائيلية على الطريق المعبدة واحتلت البلد.
[size=12][b][b"]كانت القرية وقت ولد قيس تشرب من نبع يسمى القسطل. على طول مجراه طواحين تديرها المياه، كان بعضها مايزال يعمل في أول القرن. مشى قيس قربها آخر مرة كأنه من "قطافي الزيتون" يوم تسلل إلى صفورية. وفي سنة 1948 قبيل التهجير، عرف قيس في صفورية عشر معاصر للزيتون، تدير حجارتها البغال أو الخيول. كان الزيتون يعصر أيضا في البيوت بحجر مخروطي يدار باليد على حجر مستدير، ثم ينقع الدريس بالماء الساخن فيطفو الزيت ويجمع من وجه الماء ويسميه أهل صفورية "زيت الطفاح".
[size=12][b][b"]ركب قيس باصات شركة الناصرة التي أسستها في السنوات العشرين مجموعة من شباب صفورية، وسارت بين حيفا وطبرية والناصرة وإربد. وباص العفيفي الذي يملك ألف رأس غنم، صديق أبيه، وأبي غريمه فيما بعد. ورأى الشاحنات التي تنقل المحصول إلى حيفا وإربد وبغداد والناصرة وبيروت. يوم نزل قيس مع أبيه إلى دمشق وهو في الثامنة من العمر سحرته السيارة التي عبرت به الطرقات، وأمسك بها المدى. لكنه أحب الخيل، وأدهشته الجمال. أدهشته لأن لدى أبي صبحية العرّابة الطفلة التي كانت تقطف من حاكورته الصبار، ستة جمال؟!
[size=12][b][b"]لا، لاشيء يعلو على الخيل! كأنه وعى مكانة الخيل الأصيلة في صفورية، التي يتناقل هويتها الإبن عن أبيه. تفرج قيس على أناقتها محبوس النفس. استمتع بالفرجة عليها ورأى في الخيل قمة المهارة في الحب والتعبير الرشيق عنه. هل كان يحلم بأن يركب فرس أبيه المعنّقة يوم يصبح شابا، ويتجول بها في القرية أمام الفتيات؟
[size=12][b][b"]كان أبو قيس تاجر أغنام، يستوردها من الشام ومن تركيا. تبقى في حظيرته برعاية الرعيان حتى تباع. يملك دونمين من الأراضي الزراعية في جهة، وفي الجهة الأخرى ثلاثة دونمات. وفرسا أصيلة اسمها المعنّقة. يسّر له السفر بين الشام وتركيا سعة في الحياة، فلم يقصّر في الاستمتاع بها. كان راضيا على حياته؟ أقلقه فقط أن ابنه الأول مات. وأن ابنه الثاني كان في الأشهر الاولى من حياته ضعيفا، يوحي بأنه ميت، فتوجه أمه فراشه إلى القبلة مستسلمة للقدر. هل يستسلم هو له؟ نادى الشيخ. فحص الشيخ الطفل النحيل وقال لأبيه: غيّر اسمه، ليكون تحت نجم آخر! أي إسم أكثر شقاء من إسم قيس؟ فليكن سميّ الذي هام في الصحراء عاشقا معذبا، ومات من الوجد! ليكن مالم يستطع أبوه أن يكنه رغم غرامياته المتناثرة في دمشق وفلسطين! يوم قرر أن يسمي ابنه قيسا كانت تنزل في بيته امرأة من حيفا، تغيب في غرفته ساعات، فتخرج زوجته من البيت صامتة لاتعبر عن غضب أو رضا. إذن فليسمّه قيسا!
[size=12][b][b"]تعافى قيس، كأنه مشتاق للحياة التي سيعيشها فيما بعد! وأصبح الأكبر بين إخوته. لاحظ أبوه شوقه المسرع إلى الحياة، فأرسله إلى كتّاب الشيخ. وأكرم الشيخ، فكأنما كان الدرس لقيس فقط. فختم القرآن مسرعا، وتعلم القراءة والكتابة مسرعا. غير أبوه سنة ميلاده كي تقبله مدرسة صفورية في الصف الثاني وهو بعد في السادسة من العمر. التهم قيس صفوف المدرسة القليلة. وملأ الفراغات فيها بحكايا أبي زيد الهلالي وعنترة والظاهر بيبرس وبالشعراء..
[size=12][b][b"]خلال ذلك كان يلعب في مقبرة صفورية متحديا الليل والعفاريت. ويتفرج على التشباية وقت يخيم النّور في ظاهر صفورية. ويخرج إلى البيادر حيث يكوّم البرتقال ويباع كوم البرتقال بقرش. ويلعب بالبرتقال مع أصحابه كأنه كرة. ستظل نكهة برتقال فلسطين في فمه، وعبقه على كفه طوال السنوات التي عاشها فيما بعد. بعد نصف قرن من خروجه من صفورية حلم بأنه سيمسك ببرتقالة يافاوية كأنه يمسك بحجر ثمين، وأنه سيقول لليلى: "لامثيل لبرتقال فلسطين"، كأنه بائع البرتقال اليافاوي الذي كان ينادي قبل نصف قرن في حارات دمشق.
[size=12][b][b"]أحب قيس في بلده شجرة الخروب. عبرت شجرة الخروب الفلسطينية الوارفة الحكايا التي سمعها. تحتها يختبئ الغول، ويلتقي العفاريت. في أغصانها الكثيفة الانتصار والهزائم والحب والخوف. جرب الخروج إليها في المساء، وامتحن نفسه بظلمتها في الليل. وفي النهار استلقى تحتها مع أصحابه فلم يشعر بالشمس في عز الظهر. تلمّظ مستمتعا بدبس الخروب. وأكل قرون الخروب الخضراء المسحوقة، "أم قيق".
[size=12][b][b"]في طفولته تفرج على أمه وهي تنتقي السليم من الرمان، وتنتقي البطيخ، وحمله إلى "السدّة" فوضعه وسط الحنطة ليحفظ للشتاء. أتى أبوه بالعنب الحلواني، ذوّب الرمل الأصفر، ووضع فيه العناقيد ثم علقها. في الشتاء غسل عنها الطين الأصفر فإذا هي طازجة وسليمة، عنب في عز البرد!.
[size=12][b][b"]طفولة قيس سهر تحت النجوم، ركض في البيادر، فرجة على الحياة في القرية، وحب مبكر يلوّع ويمتع. رغبة في القبض على الحياة بالكفين، وزهو فرح بالنفس. يعرضه أبوه أمام أصحابه ليتلو أمامهم الشعر والحكايا والقرآن! ويطلبه أهل القرية من أبيه كي يغني في الأعراس بصوته الدافئ الرخيم. صوت كأنه خزن عمرا من الوجد والحب. غنى في العرس، واستمتع بالدلال. في الصباح عرف أن العريس أعاد المرأة التي تزوجها إلى أهلها لأنها لم تعجبه. قال لنفسه: لكنها حلوة! قال أبوه للعريس: علّمها! وسمعهما يسمّيان أعضاء الجسم بأسمائها. وفي ذلك المساء سمع النساء المجتمعات على المصطبة يتحدثن عما جرى بين العروسين حديثا مقطعا بضحك ونكات وحكايا. فاستمع في انتباه وبدأ يصوغ الصور كأنه يرتب المعلومات في دفتر.
[size=12][b][b"]في ذلك النهار مرت قرب القسطل امرأة من القرية، جميلة كالقمر. أبناؤها مثلها، جمال وحلاوة، بعضهم شقر. زوجها بشع، قصير. سمع قيس أهل الضيعة: دخلها الجن! رد آخرون: لا، البطن بستان!.
[size=12][b][b"]عاد قيس من وسط القرية. بين صفورية القديمة وصفورية الجديدة يخيم النّور أحيانا. يقصدهم من يريد الشراب والفرجة على الرقص والغناء! قصد قيس المرور قرب خيامهم! ليلمح من بعد رقصهم. تفرج مع الأولاد على التشباية عند النّور. وستبقى في ذاكرة قيس المقدمات الطويلة التي يتقرب فيها الحصان من الفرس. مرت وقتذاك امرأة راجعة من العين، رأت التشباية فانقلبت جرة الماء من رأسها وانكسرت. ضحك قيس بملء قلبه، وضحك الأولاد فاحمرت المرأة: كان يجب أن يحزمكم أهلكم بالحبال ويحبسوكم في البيوت! نبقى في البيوت ياخالتي؟ من يتفرج إذن على التشباية؟! يجب أن يعلقكم آباؤكم من آذانكم! لماذا ياخالتي؟ لاسرّ في القرية! حقا، يخبأ فيها فقط من يبحث عنه الإنكليز، فيقفز من سطح إلى سطح حتى يصبح في آخر القرية ويهرب من العسكر! تخبأ الأسلحة التي يحكم الإنكليز بالإعدام على من يحملها ومن يخفيها! مع أن اليهود يبنون تحت الأرض في مستعمراتهم معامل للأسلحة! لكن هل يعرف قيس أن في حظيرة بيته مسدس في حفرة فوقها حجارة؟
[size=12][b][b"]عرض قيس أمام أصدقاء أبيه مايحفظه من الشعر. لكن عينيه على الأولاد الذين ينادونه بالإشارة من بعد. ترك أباه مستمتعا باعتداده بابنه، ولحق الأولاد مع أنه يدرك أنه أذكى وأهم منهم. حكت النساء أمس وهن جالسات على المصطبة، وحكى الرجال في المضافة، وهم يضحكون، عن المجنون الذي مشى نصف عار. فمرت به امرأة راجعة من النبع، ونظرت إليه. من يخشى من الإعجاب بمجنون وسيم! قالت: هذا هو السعد! فغضب المجنون: من سمح لك بأن تتحدثي عني. سأشتكي عليك! سمع قيس النساء يفخرن بأزواجهن أو يندبن حظهن. هل التقط يومذاك أن النساء لايبقين في السر تفصيلا حميما، لذلك كان مع كل امرأة كأنه أمام جميع النساء؟!
[size=12][b][b"]فيما بعد قال لنفسه: القرية هي الصراحة، والمدينة هي التحفظ. كل شيء في القرية طبيعي وبسيط، ولذلك لاداعي للخجل منه. كأن الانسان في الزمن الذي عاش فيه دون التعقيد الذي غمر علاقات الرجال والنساء فيما بعد بالمكر والكذب وبالخجل والذنوب!
[size=12][b][b"]في ذلك المساء في صفورية، سمع قيس أول مرة الأغنية التي سمعها في إربد فيما بعد: شامية وجايه من الشام! كانت الشام حلمهم، عاصمتهم. ردد: شامية؟ وتفرج جالسا بين أصحاب أبيه على رجل تزوج من شامية. كان وسط الرجال كالمحظوظ، ورآهم في صمت يغبطونه. أغمض قيس عينيه ليتصور الشام التي يحكي عنها أبوه. المدينة الجميلة ذات الورد والريحان، ذات المياه، مدينة الحضارة الرخية التي يتطلع إليها البدوي والريفي كما يتطلع المؤمن إلى الجنة. تساءل فيما بعد: لماذا يتمنى الرجل في بلده أن يتزوج شامية؟ هل المرأة هي الصورة الأخرى من المدينة المرغوبة، عاصمة بلاد الشام التي يحنون إليها؟ العاصمة المفقودة؟ عرف أمرا آخر فيما بعد: تصبح اللغة نفسها رقيقة وسحرية، مناورة ومغرية عند الشاميات. وكأنه لمس وقتذاك آثار آلاف السنوات التي شيدت حضارة في مدينة وفي ذوق وطباع.
[size=12][b][b"]عاش قيس في صفورية حتى السنة التي سماها العرب "سنة النكبة". في ليلة 15 تموز 1948 قصفتها ثلاث طائرات إسرائيلية. ووصلت في الليلة نفسها إلى محيطها فرقة شيفا وفصيلا مدفعية تسللت خمسة عشر كيلومترا في أرض عربية. عند الفجر احتلت صفورية كمقدمة للهجوم على الناصرة في "عملية ديكل". هاجر بعض سكانها إلى سوريا. وطرد من بقي فيها في أيلول 1948. ووضع في كانون الثاني 1949 من عاد إليها متسللا في سيارات وأجلي إلى الرينة وكفر كنا. أعلنت منطقة عسكرية مغلقة، ونسفت. رأى قيس بيته ركاما عندما رجع متسللا. لماذا نسفت صفورية؟ لماذا؟ خمن قيس السبب فيما بعد.
[size=12][b][b"]سمية من المعجبات بأبي قيس. جارة، خارجة داخلة إلى بيته كل يوم. يجب أن يبتكر وضعا يغطي ترددها على بيته. لذلك ألبس قيسا ملابس جديدة، وأعلن: قيس لبنت سمية! أصبحت سمية حرة.. حقها أن تطمئن على "عريس" بنتها المقبل!
[rig
الجمعة يونيو 28, 2019 8:55 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» د. ليلى عريقات نائب الرئيس ورئيسة تكريم الشهادات الفخرية والرئيسة الفخرية للمجلس
الإثنين ديسمبر 03, 2018 12:25 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» اهداء ارتجالي الى عميدة الشعر المعاصر الاستاذة د. ليلى عريقات / د. لطفي الياسيني
السبت ديسمبر 01, 2018 9:05 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» خذ ومن عمري لعمرك .. مهداة لشيخ الشعراء المجاهدين لطفي الياسيني للشاعر حسين حرفوش
السبت ديسمبر 01, 2018 2:18 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» وما غير الطبيعة من سِفر
الخميس يوليو 11, 2013 6:22 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» حمى الناس ..إهداء إلى أهالي الحولة
الخميس يوليو 11, 2013 6:13 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» قصيدة معايدة الرؤساء العرب .. للشيخ عائض القرني
الخميس يوليو 11, 2013 6:12 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» طال ابتهال المصطفى
الخميس يوليو 11, 2013 6:11 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» من وحي السيول والفيضانات التي اجتاحت بيوتنا / د. لطفي الياسيني
الأربعاء يناير 09, 2013 4:02 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني