من طرف أسعد قصاب الأحد أبريل 10, 2011 8:22 am
رحل الرجل الأبيض من بلاد العرب تاركاً خلفه أمواجا من البشر تتخبط في ظلام الجهل وأوحال التخلف الاجتماعي، ولم يمر زمن طويل على ما ترك خلفه من ممالك صنعت من القش والطين، حتى جاء دور العسكر الذين أطاحوا بتلك الممالك الهشة وحلوا محلها بِتَعِلّة ريادة النهضة وتحرير فلسطين، فهل أنجز أولئك العسكر شيئاً مما وعدوا به شعوبهم حين أطاحوا بالملوك؟ أم أنهم عادوا بالمنطقة كلها إلى زمن السلاطين والبدايات الأولى لخروج الكائن البشري من الكهوف ومرحلة استئناس الحيوان؟
الثابت لكل ذي بصيرة أن النهضة تسير متعثرة وببطء شديد، بسبب تفشي داء الفساد وغياب الكفاءات وهجرة العقول الباحثة عن حياة كريمة بعيداً عن العسف والمَنّ، وأن فلسطين تكاد تكون اختفت تماماً من الخرائط الدولية، وربما جاز لنا اعتبار المنطقة من أكثر مناطق العالم تخلفاً، لولا بعض من ريع النفط والقليل من عوائد السياحة هنا أو هناك.
والأمر لا يختلف كثيراً في ما تبقى من ممالك، فالمواطن العربي عاش ذليلاً مهاناً في كل البلاد العربية، غصت به السجون والمنافي وقبور الليل المعلوم منها والمجهول، وضاقت الأرض بما رحبت على النخب وأصحاب الرأي حتى تمنى البعض عودة الانتداب الدولي للمنطقة في مواجهة الاستبداد الوطني الذي حكم الأجيال العربية المتعاقبة باسـم (التاريخ) مضـخماً من دوريه التأسيسـي الممالكي، ودوره التحرري في ما بعد 23 يوليو 52 من القرن الماضي.
لم يتسع أفق أولئك الحكام لغير عسكرة الحكم والسياسة، بوحيٍ من نظرية التفويض الإلهي وتَمَثّل ظل الله في الأرض، ليدفع بهم جنون العظمة في نهاية المطاف إلى استباحة أوطانهم والاستفراد فيها مدى الحياة بالسلطة والمال، وعلى طريقة كليب وائل الذي حكم أجيال ربيعة اللاحقة بمِنّة تحرير رقاب آبائهم من قبضة ملوك اليمن يوم خزاز، وتحت مبدأ الحاضر يحكم الغائب.
إن اعتماد أنظمة الحكم العربي على قواعد بدائية شديدة التخلف في إدارة مجتمعاتها من قبيل: تصفية النخب، والاعتماد شبه الكامل على الحلول الأمنية، والركون لمبادئ عديمة النفع الاجتماعي، كمبدأ الولاء قبل الكفاءة، وتعمد تقسيم المجتمع إلى موالاة، ومعاداة على أسس قبلية وعائلية وجهوية وطائفية وأثنية، وتغليب فئة على أخرى، وإحاطة الرجل الأول في النظام بطوق محكم من جيله (الفريد) وسيطرة ذلك الجيل بانتهازية على كل أو جل المؤسسات الحيوية في البلاد، في ثبات مقيت للوجوه يقطع دورة الإحلال الطبيعي بين أجيال المجتمع، وكذلك ضَعضعة التعليم، وخلخلة الثقافة، والاعتماد على الشعر الشعبي والغنائي في تلميع وتأليه رأس النظام، حيث تتمركز جل السلطات، والتخوين المطلق للنقد، والنقد البناء، ثم دخول رجال أعمال فاسدين على خط إدارة الخطط التنموية تمكنوا من استخدام نفوذهم في الإتْيان بعناصر أقل كفاءة للجهاز التنفيذي لاستخدامها في إنجاز صفقات الفساد، وما أدت إليه من اتساع الهوة بين الفقراء والأغنياء في المجتمعات العربية من دون استثناء، ثم الاستخفاف بمشاعر ومستوى فهم المواطن في الأداء السياسي والاقتصادي الداخلي والخارجي للدولة، وتغليب الشّخصَنَة على المصالح الإستراتيجية للبلاد، كل ذلك يدخل في إطار الأمِّيَّةْ السياسية التي أدت إلى اتساع الهوة بين الحاكم والمحكوم.
حقاً، إن بطش ربك لشديد، وإنه هو يبدي ويعيد، وأن دعوات الأمهات الثكالى والأطفال اليتامى تصل أبواب العرش منقولةً على السحاب؛ فيأمر الله الجموع بالخروج مُنزِلاً عليها الملائكة بالصبر والسكينة، وملقياً الرعب في قلوب أنصار الطغاة، من قوى الأمن والمخابرات وشـباب الحـركات والأحزاب الحاكمة في الداخل وحلفائهم في البيت الأبيض والـ(10 داونينغ ســتريت) و(الكرملين) و(الإليزيه) ولتعجز مؤسسات عتيدة من قبيل الـ(CIA ) والـ(الموساد) عن أي حراك عاجل، من هول المفاجأة والسرعة التي ينفذ بها مكرُ الله في منطقة الأذان، وقبور الصحابة من المحيط إلى الخليج، وأدواته في ذلك صدور الفقراء العارية، ورائحة شواء أجسادهم، وأحذيتهم التي أبلاها الوقوف الطويل في طوابير المخابز، ومكاتب الباحثين عن العمل، والجري المُضني وراء السلف الاجتماعية الحقيرة بداية، كل عام دراسي وقبيل كل رمضان.
أما اليوم وبعد أن تجاوزت تقنية المعلومات جُدران الحُجُب، والعَتَمَاتْ وأضَرَّت قواعد الجهل متبعيها، حين دفعت تلك القواعد بالشعوب الجائعة إلى الشارع تطلب الموت الرحيم برصاص القناصة، وهراوات الشرطة، وسكاكين (بلطجية) الأحزاب والحركات الحاكمة بدلاً عن الموت جوعاً، وبؤساً، وغرقاً في أعالي البحار؛ ليس أمام الحاكم العربي وأدواته البائسة غير الرحيل والرحيل المر غير مأسوف عليه؛ فالمواطن الكادح البسيط - وبعد أن زلزلت (عربة خضاره) عُـــــرُوشاً ما كانت لتسِقــطَها جُيُوشِ الأرض مجتمعة - لن يكتفي بفتاتِ الخبز والزيت الرخيص عن الحرية والكرامة، وما تناثر من شرر النار التي اشتعلت في جسد (اَلبوعزِيزي) سيكون كافيا لحرق كل العواصم العربية، ليس فقط لأَنها نَار مباركة؛ ولكن أيضاً لأن الاستبداد في مواجهة الجُمُوع لَم يَكن يَوماً إلا هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاح.
مع فائق احترامي
أسعد قصاب
الجمعة يونيو 28, 2019 8:55 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» د. ليلى عريقات نائب الرئيس ورئيسة تكريم الشهادات الفخرية والرئيسة الفخرية للمجلس
الإثنين ديسمبر 03, 2018 12:25 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» اهداء ارتجالي الى عميدة الشعر المعاصر الاستاذة د. ليلى عريقات / د. لطفي الياسيني
السبت ديسمبر 01, 2018 9:05 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» خذ ومن عمري لعمرك .. مهداة لشيخ الشعراء المجاهدين لطفي الياسيني للشاعر حسين حرفوش
السبت ديسمبر 01, 2018 2:18 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» وما غير الطبيعة من سِفر
الخميس يوليو 11, 2013 6:22 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» حمى الناس ..إهداء إلى أهالي الحولة
الخميس يوليو 11, 2013 6:13 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» قصيدة معايدة الرؤساء العرب .. للشيخ عائض القرني
الخميس يوليو 11, 2013 6:12 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» طال ابتهال المصطفى
الخميس يوليو 11, 2013 6:11 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» من وحي السيول والفيضانات التي اجتاحت بيوتنا / د. لطفي الياسيني
الأربعاء يناير 09, 2013 4:02 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني