الشاعر والفقيه
مازن مهدي الشماسي

لقد شد انتباهي وأنا أتحدث مع احد الأصدقاء حول الشعر مسألة، وهي هل يحق للفقيه أن يتدخل في الموضوعات الأخرى، بحيث يتداخل الحكم الشرعي في موضوع من الموضوعات العلمية والأدبية كالشعر، فكان جوابه أن امتهان الشعر أمر مكروه، أخذت أتأمل كثيرا في جوابه كيف يكون امتهان الشعر أمر مكروها، والسؤال هل يحق للفقيه أن يدخل الموضوعات الفكرية والعلمية والأدبية في مسائل الكراهة والاستحباب والحرام والواجب، هذا من الأمور الغريبة، المشكلة أن هذا التداخل يؤدي إلى التصادم بين الفقه وبقية العلوم، فيما لو سمح ذلك، وتكون النتيجة حينها التأخر والتخلف للمجتمعات الإسلامية والعربية، كما يحدث للأسف في بعض الدول حينما حرمت بعض المناهج الهامة المساعدة في عملية التطور الإنساني مما ساهم وبشكل فاعل في تخلف فكري عام خاصة عند الطبقة الأهم من الشباب، وكذا الحال حينما تتداخل المواضيع ويصبح الخلط سمة بين ما يجوز وما لا يجوز وبين المستحب والمكروه والواجب والحرام، إن الشعر بما يملك من قدرة هائلة على النفوس تجعل منهم أي الشعراء سلاطين بغير ملك لأنهم أي الشعراء هم سلاطين الكلام والجمال والقلوب، ولهذا نحن نلاحظ أن الكبار منهم يملكون من المكانة من النفوس والقلوب ما تجعلهم أهم جانب من أي مجتمع بل ويقاس هذا المجتمع برقيه وسموه وكماله إذا توفر لديه النوعية الأفضل من الشعراء، وإلا ما الذي يميز الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري مثلا حتى يتفح له الملوك والحكام أبوابهم ومجالسهم، ويتداول اسمه الصغير والكبير، بل حتى الدول التي لا تتحدث اللغة العربية نراهم يعاملونه كتراث إنساني عالمي، نعم يتحول الشاعر إلى قيمة إنسانية وبناء على هذا تتعامل معه الأمم والثقافات على هذا الأساس، إن هذا التدخل وهذا الإقحام من قبل الفقيه في كراهية الشعر يعتبر نوعا من التراجع عن الحضارات الأخرى، وهنا نتطرح سؤال هل يحق للفقيه أن يتدخل في المواضيع الأخرى الفكرية والعلمية ليحرم هذا ويمنع ذاك، في الحقيقة يعتمد هذا النوع من التدخل ونوعية الإجابة على وعي وثقافة الفقيه، وهنا تكمل المشكلة فالجانب الفقهي الاجتهادي يتداخل فيه البعد البشري وهذا أمر مفروغ منه، وإن حاول الفقهاء أن يبعدوا هذا البعد البشري كما هو واضح في علم الأصول، وهذا مسألة عامة فالمسفر للقرآن أيضا يدخل جزء من بعده الأيدلوجي البشري بما تمثل من آراء في عملية التفسير للقرآن، كذلك بقية الأمور، بل لا بد من أن يتداخل البعد البشري بين قوسين (اللا مقدس والمقدس ) في عملية الاجتهاد، وهنا بيت القصيد كما يقال، فعندما يحمل الفقيه بعدا متشددا في الجوانب الفقهية والعقدية فإن ذلك ينعكس على عملية االحكم الشرعي، بل تتحول الفتوى إلى سلاح ماض ضد الخصوم والمنافسين وهكذا.
وإلا كيف يتحول هذا الجانب المشرق للفكر والعاطفة من الحضارة العربية إلى مجرد مكروه ومستحب، وحينها كيف سنتمكن من نشر ثقافتنا العربية والإسلامية إذا خلطنا في فكر الناشئة بأن الشعر مكروه، للأسف الشديد في الحضارات لأخرى نرى الاهتمام المتزايد بالشعر والشعراء، ليس لأن الشعر سينتج مصعنا أو قنبلة ذرية، بل لأن الشعر يمثل الجانب المشرق دوما من الوجود الإنساني، وبما يمثله الشاعر من نظرة كونية عامة فهو وعلى الدوام يمثل من حوله وهو قادر على التعبير عن كمائن النفوس، ولكن بإسلوب جميل وقدرة رائقة تجذب من خلالها النفوس والعقول وهكذ هو الشعر على مر التاريخ، وإن كان يمر في بعض الإحيان بخمول وكبت.
إذا الشعر قوته وضعفه يعكس واقع المحيط الذي ينتمي إليه، وهذا الرؤية واقعية فإذا ما رأينا اهتماما متزايد للأدب والشعر نعلم أن هذه الأمة عندها توجه نحو الجانب اللإنساني الأرقى من الوجود البشري الذي دوما يتسم بالعنف والجهل.
واخيرا إلى متى يتم هذا التداخل بين الجانب الفقهي والعلوم الأخرى حتى يتم تحريم هذا وكراهية ذاك.