من طرف أريج الريحاوي الأحد مارس 20, 2011 9:38 am
الفن التشكيلي المغربي وعبر شجرات معرفية، اختُزِنت في ذاكرتي المتواضعة، أو من خلال معلومات تعرفت عليها من وزارة الثقافة المغربية.. ومجلة التشكيل.. وغيرها من المواقع المهتمة بالتشكيل.. تكتمل لي زاوية من زوايا الرؤية الفنية التشكيلية.. بأنه فن تأثر بالغرب لكن جذره يتشبّع مغربيا عربيا.. حدّ إثبات الذات…
كوني فنانة تشكيلية عصامية، تحب الغوص في بحر الأصالة المغربية، من خلال نموذج المعمار والزخرفة.. والتي أستمد منها الإلهام لروحي الفنية.. فمن الطبيعي.. أن أقوم بعمل بحث شامل.. والسفر إلى الأماكن التي تشمل الوتر الحساس في ميولي نحو كل ما هو تقليدي مغربي معماري الخ.. ( وأذكر أن التواصل مهم مع الآخر)… وهو ما يبرز بالتالي وجليا كشكل من أشكال لوحاتي التجريدية الهندسية الوجدانية.. و من الطبيعي كوني فنانة تشكيلة مهتمة بتاريخ الفن التشكيلي المغربي خاصة والعربي و الغربي عامة.. أن أشير بداية إلى أن الفن التشكيلي في بلدي، ارتبط منذ القدم وكما هو معروف، بفن العمارة والزخرفة: نقش الحناء.. الزليج.. الخزف.. الحلي و الأواني.. الوشم على الوجه والجسد..النقش على الخشب.. الحجر.. الرخام..الجلد.. الزرابي.. صناعة الفخار.. تزيين زخرفة المساجد.. المنازل الفخمة.. القصور.. الأسوار التاريخية المغربية.. و غير ذلك، من الفنون النفعية الجمالية العامة، التي ميزت المغرب ولا تزال.. و كل الذي ذكرناه..إنما هو الفن الخارج عن إطار اللوحة، أما داخله.. فقد تعرفنا عليه واقتحمنا غماره خصوصا منذ دخول المستعمر( الغرب) إلى بلادنا (المغرب).
عندما تغلغل المحتل الأجنبي، في بلادنا (فرنسا.. اسبانيا-البرتغال) استغل الفن.. كوسيلة إلى جانب بقية الوسائل التي اعتمدها المستعمر، لترويج معتقداته الغربية.. قصد التأثير على فنوننا الشعبية المغربية و الأمازيغية القديمة قدم التاريخ.. و الإسلامية العربية.. حيث شكلت فنا جماليا نفعيا.. بدءا وعلى أوجه التقريب وليس الحصر من الأدارسة… و انتهاء بالعلويين..
الفئة البرجوازية المغربية، عانقت بشغف اللوحة الغربية.. تأثرا بهذا المستعمر الذكي؟، الذي جلب معه فنانين مشكوك في نواياهم الفنية.. خاصة أن أغلبهم.. كان ضمن وفد الحماية الفرنسية أو الاسبانية.. وقد زينت هذه الفئة داخل بيوتها، بلوحات تشكيلية غربية، كشكل من أشكال التباهي، متناسية أن هذا من شأنه أن يؤثر على أسلوب فنيتنا كمغاربة أولا و كعرب ثانيا.. ليتطور الأمر بعد ذلك إلى التأثر بقفص الإطار الذهبي؟؟؟..
ومن رواد الفن التشكيلي المغربي الذين لا أنكر أنهم تأثروا بالغرب.. و رغم ذلك أثبتوا تشبثهم بالموروث الإسلامي المغربي.. بحيث تركوا بصمة تاريخية وفنية تشكيلية في ساحة إبداعه.. لينتقل صداهم إلى الساحة الأوربية على حد سواء.. وبصمتهم تلك هي خطاب تشكيلي، يسلط الضوء على جوانب مهمة من الشخصية المغربية، الشامخة في الدفاع عن الأرض و الوطن و المقدسات، و عن هويتنا المغربية وانتماءنا العربي الإسلامي والإنساني العالمي.. و هؤلاء على رأسهم، الفنان التشكيلي العصامي: محمد بن علي الرباطي، رحمه الله.. و هو الرائد الأول للفنانين التشكيليين المغاربة.. و ربما لأنه فنان عصامي ومن نفس المنطقة التي ترعرت بها.. أو بسبب حبه للناس ومعايشة ظروفهم الحياتية في كل المجالات في مدينة طنجة.. جعلني هذا أحب تجربتي الفنية العصامية أكثر، وأتعطش .. لكل ما هو فني..
حقيقة لم أتكون أكاديميا لكنني أحاول أن أقرأ.. كل ما يخص الفن التشكيلي وغيره في بلدي المغرب أو الغوص في تجربة الدول العربية في الفن التشكيلي.. خاصة مصر، التي أحببت الفن الفرعوني بها.. وهي تعتبر البذرة الأولى في التشكيل العربي القديم.. و المعاصر، منذ بداية القرن الثامن عشر.. ذلك أن الفن المصري القديم هو روح يعيش حدّ الخلود.. يتميز بتركيبه الهندسي و رموزه الأسطورية.. و صوره الواقعية الكونية.. التي امتدت إلى حدود الفن الإسلامي و العربي.. رغم الصعوبات التي تخلق الفجوة في التسلسل والتواصل التاريخي بين العرب.. كما لا أنسى أصول الفن الأشوري و البابلي و الكلداني وغيرها.. لأنها حضارات فنية باذخة بالتاريخ الكوني..
كفنانة تؤمن بتنوع وجمالية فن بلادها.. و تحب الناس و إحياء الموروث المغربي من زخرفة و نقوش جميلة.. يجعلني هذا أراقص ريشتي.. لجعلها تبارز الفراغ الأبيض، ولتصنع منه فراغا مبدعا من وحي إبداعي وخيالي المغربي الوجداني الغير الساذج.. لكنه بالمقابل متشبع بفن تزخر به مدينتي و مقر ولادتي " سلا ".. و الرباط المدينة التي كوني " سلاوية" تشبعت من ثقافتها وترعرت على حبها، واشتغلت بها.. و كذا للرابط القوي بين سلا والرباط تاريخيا..حيث لا يفصلهما غير وادي أبي رقراق..
وأذكر أهم ما أثر بي.. هو مركب الفخار والخزف بالولجة سلا .. وفنية و جمالية الاوداية التاريخية بالرباط.. و سحر وادي أبي رقراق بين سلا و الرباط و معه البحر.. ثم روعة الأشكال المزخرفة الموجودة في الزربية الرباطية.. و الحنبل الذي يعتبر من أقدم صناعة النسيج في مدينة سلا.. وصناعة الفسيفساء في سلا والحديد البلدي والنقش على الخشب وغيرها من الحرف التقليدية الأصيلة و من ما تزخر به مدينتي العتيقة سلا و الرباط أختها التوأم..
الفنان القدير رحمه الله محمد بن علي الرباطي.. عصامي متميز.. قام بأول معرض لفنان مغربي ولم لا عربي.. وذلك في لندن 1916 وبعدها في مرسيليا 1918.. وهو أول مغربي كذلك أقام رواقا فنيا.. ليصبح البذرة الطيبة لما تلاه من أروقة فنية تشكيلية أخرى..
تنوعت أعمال محمد بن علي الرباطي (1861-1939) بين الفن الإسلامي التقليدي والفن الأوروبي الذي تأثر به عبر (دولاكروى) و (ماتيس) اللذان زارا المغرب بحثا عن النور الشمسي.. لتصبح زيارتهما للمغرب حدثا كبيرا أثرى من الناحية الفنية الساحة التشكيلية المغربية. لكن رغم ذلك تميزت أعماله عنهما برسم واقع المغاربة بشكل أدق.. عبر معايشته العميقة لسكان المدينة العتيقة في طنجة.. وهذا ما جعل للوحاته لمسة فنية مغربية أصيلة..
و من الرواد أذكر الفنان التشكيلي الذي ساهم في تطور الشكل التجريدي الانفعالي في المغرب عبر معايير فنية مدروسة وهو: الجيلالي الغرباوي (1930-1971).. و الفنان القدير المتميز أحمد الشرقاوي(1934- 1967).. الذي تميزت أعماله بالتجريدية الهندسية المهتمة بالرموز وغيرها..( وهو الشكل الذي تتجه فيه أعمالي التشكيلية..) و الفنانة مريم أمزيان 1930 م التي نالت أستاذة الرسم و التلوين 1959 م ، في مدريد.. و الفنانة الفطرية الشعيبية طلال، التي قربت الفن التشكيلي المغربي إلى نبض الشارع المغربي وحصلت على جوائز تكريمية تقديرا لها كظاهرة عصامية نسائية.. ومحمد شبعة و فريد بلكاهية وغيرهم من الفنانين الكبار..
كما لا أنسى أن اذكر أن الحركة النقدية التشكيلية المغربية لم ترقى إلى المستوى المرغوب فيه بموازاة مع الحركة التشكيلية المغربية.. لكن رغم ذلك يبقى مجهود أفراد مهتمون بساحة التشكيل المغربي.. ومساعد بشكل كبير للتعرف على هذا الفن ولو على شكل قراءة عامة أو دراسة مستفيضة أحيانا.. ومن هنا يجب أن الفت انتباهكم الى بعض الكتب والأبحاث التي أفادتني كفنانة وقارئة تشكيلية..
كتاب: «قراءة في التشكيل المغربي الحديث»، الذي أصدره الفنان التشكيلي المبدع ، شفيق الزكاري، خريج المدرسة الوطنية للفنون الجميلة/ فرنسا / ديجون ، الصادر عن منشورات غرب ميديا 2005. والمهتم بالتشكيل المغربي وعلاقته بالسينما والشعر .. وكذلك كتاب محمد شبعة : *الوعي البصري بالمغرب*.. والذي خلق لنا فيه الفنان التشكيلي و الأكاديمي القدير محمد شبعة قبسا من نور بصري تشكيلي متطور الفكر والصورة..
إضافة إلى كتاب فريد الزاهي * العين والمرآة * - الصورة و الحداثة البصرية.. وهو كتاب مهم يبرز العلاقة بين الشعر والتشكيل- الحوار المتعدد .. ويتحدث عن ــــ ابن عربي : الصورة والآخر.. ــــــ الجيلالي الغرباوي – الفن ومفارقات الوجود.. الخ .. من العناوين المهمة التي يضمها الكتاب.. كما أنوه بالبحوث التي يقوم بها الباحث الفلسفي والصحفي القدير عبد اللطيف بوجملة.. بخصوص الفن التشكيلي .. وتسليطه الضوء على فناين تشكيلين مغاربة معاصرين مثال .. المنصوري.. وغيره..الذين شكلوا نقطة تحول في مسار التشكيل في بلادنا في اتجاه التصور التشكيلي في أوربا و المشرق والمغرب..
..بالنسبة الى الدراسة الأكاديمية التشكيلية بالمغرب عرفت النور بداية عبر:
- مدرسة الفنون الجميلة بتطوان: التي كلفت الحماية الاسبانية سنة 1947م.. بتأسيسها والسهر عليها: ماريانو برتوطشي(1884-1955م) Mariano Bertuchi.. وهي من المدارس المشهورة وطنيا و دوليا.. حيث ترك ماريانو بها بصمته السحرية التي امتدت في منطقة الشمال… و كما لا ننسى تأسيسه لمدرسة الفنون الإسلامية أيضا، التي ساهمت في إحياء الفنون الوطنية، عبر تشجيع فن الحفر الخشبي و ما شابه من فن الحفريات الخزفية المعدنية وغيرها.. و من متخرجي هذه المدرسة والذين بسبب مساعدتها الأكاديمية.. أكملوا تعليمهم في اسبانيا بالخصوص ..نذكر أهمهم محمد شبعة، وأحمد بن يسف، والمكي مغارة، ومحمد إدريسي، وغيرهم..
و إضافة إلى ذلك و بدعم من الحماية الفرنسية تم تشجيع الرسام العالمي جاك ماجوريل في الجنوب تحديدا مدينة مراكش.. والذي حل بها سنة 1919… بالقيام بدور فعال ان لم نقل في إنشاء مدرسة فنية تشكيلية ..لتزكية الحركة التشكيلية المغربية.. ولا ننسى حديقته العجيبة و المرسم داخلها..* حديقة ماجوريل * التي أصبحت قبلة للسياح الأجانب وذاكرة مراكش الجمالية..
و مدرسة الفنون الجميلة بالدار البيضاء.. و الذي أدارها عام 1974 فريد بلكاهية بكل شفافية وعرفت تطورا ملموسا على يديه.. وكانت لها دور فعال في تطوير الحركة التشكيلية في الدار البيضاء خاصة وفي المغرب عامة.. ثم دار الفنون في الرباط.. و غير ذلك من المدارس التي جاءت بعد ذلك..
و بالتالي أخلص، إلى كون رحلتي هذه.. لا تعد سوى شكل من أشكال التذكير، و تسليط الضوء، على مراحل مهمة في التشكيل المغربي، لأنادي من خلالها إلى دعوة النقاد و المهتمين بهذا الفن التشكيلي إلى تكثيف الجهود من أجل شمل هذه الحقبة بدراسات نقدية، وقراءات تدعم الحركة التشكيلية بالمغرب خصوصا والعربية عموما، ومن أجل خلق فضاء واسع للتثقيف الفني ولمساعدة الأجيال الحالية، و القادمة، من أجل رؤية صحيحة، لواقع التشكيل المغربي و العربي في منظومة الدائرة العالمية.
وإلى اللقاء
أريج الريحاوي
الجمعة يونيو 28, 2019 8:55 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» د. ليلى عريقات نائب الرئيس ورئيسة تكريم الشهادات الفخرية والرئيسة الفخرية للمجلس
الإثنين ديسمبر 03, 2018 12:25 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» اهداء ارتجالي الى عميدة الشعر المعاصر الاستاذة د. ليلى عريقات / د. لطفي الياسيني
السبت ديسمبر 01, 2018 9:05 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» خذ ومن عمري لعمرك .. مهداة لشيخ الشعراء المجاهدين لطفي الياسيني للشاعر حسين حرفوش
السبت ديسمبر 01, 2018 2:18 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» وما غير الطبيعة من سِفر
الخميس يوليو 11, 2013 6:22 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» حمى الناس ..إهداء إلى أهالي الحولة
الخميس يوليو 11, 2013 6:13 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» قصيدة معايدة الرؤساء العرب .. للشيخ عائض القرني
الخميس يوليو 11, 2013 6:12 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» طال ابتهال المصطفى
الخميس يوليو 11, 2013 6:11 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» من وحي السيول والفيضانات التي اجتاحت بيوتنا / د. لطفي الياسيني
الأربعاء يناير 09, 2013 4:02 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني