من طرف خيالة الشمس الخميس نوفمبر 04, 2010 10:54 am
يتأسس البناء اللغوي في الأجناس الأدبية على المفردة، التي تعدّ أيضا نقطة البدء في أي تحليل لغوي، لهذا النصّ أو ذاك. وللمفردة كما هو معلوم منزلة، إما أن تجعلها من الفصحى، أو من العامية، ولكل من المنزلتين دواع للاستخدام، ترتبط قبل أيّ سبب آخر، بالشخصية وأبعادها الفكرية والاجتماعية.
لسنا هنا بصدد تقديم اقتراحات محددة، ذلك لأنه ليس من شأن الأديب إذا ما استقرت منزلته وارتفعت درجته، أن يتلقى النصائح من أحد، حتى لو كان الناقد ممن يمتلكون الحجة المنطقية الكبيرة.ومعنى هذا حسبنا التنبيه إلى أهمية البناء اللغوي في الأدب، وضرورة الانتباه إلى هذا البناء عند إجراء أية عملية نقدية لهذا النص أو ذاك دون أن ننسى بتاتا أنّ أيّ تحليل لغوي للنص- أي نص، ينبغي أن يكون كما يقول الدكتور طارق شلبي تاليا لتواصل عميق بين الناقد من ناحية، والنصّ من ناحية أخرى، بحيث يفضي هذا النصّ أخيرا إلى قارئه بملامح بنائه، ومعالم أحداثه، وأبرز سمات شخوصه، وكلها مكونات جوهرية لخلفية أساسية يهيب بها الناقد في مواجهة لغة النصّ.
ما سبق يجعلنا نميل إلى اعتبار البناء اللغوي أساسا هاما من الأسس الجمالية والفكرية التي يقوم عليها الجنس الأدبي، نثرا كان أم شعرا. وغني عن القول الإشارة إلى أنّ النسيج اللغوي، هو الأسلوب بصيغة أو بأخرى، وأنه الذي بدونه لا تكتمل صنعة الأدب. وإلى هذا يرى الناقد الإنجليزي غراهام هاف أنّ العمل الأدبي بناء لفظي، بل إنه يرى كذلك أنّ الناقد المهتم أساسا بتاريخ الأفكار، أو التضمينات الاجتماعية للأدب، قلما يستطيع أن يتخطى العموميات بدون الانتباه إلى الطريقة التي تستعمل فيها الكلمات.
على سبيل المثال ، فإنه يمكن للناقد الأدبي بعد أن يكون قد حدّد التباين بين المفردات، والمنزلة التي تقع كل منها فيها، أن يكتشف كذلك التباين الموازي في طبيعة الشخصيات التي يقدمها هذا النصّ أو ذاك، وهذا مما يضاعف قدرته على التواصل الحميم وحتى الإيجابي مع النصّ من جهة، ومع الشخصيات من جهة أخرى، بحيث يصبح هذا الناقد قادرا على فهم مسار النصّ، واكتشاف أبعاده، التي قد تكون مستترة وراء الأقنعة والرموز. ومن الأشياء الجميلة التي نتذكرها هنا قول غوته: إنّ المؤلف الذي تحتاج قراءته إلى معجم لا يساوي شيئا. قد يعارض البعض غوته، ولكن من المؤكد أنّ القراء في غالبيتهم يفضّلون اللغة المفهومة، التي تتنازل عن غموضها بالتدريج إن كانت غامضة في بداية عملية التلقي. على أنه ينبغي أن لا يفهم من كلامنا الدعوة لاستخدام لغة ركيكة أو مبتذلة. ذلك لأنّ اللغة الحية لا يمكن أن تصبح كذلك بدون انتظامها في تشكيل أو سياق جمالي معين، عليها أن تختلف بسببه عن غيرها من التشكيلات اللغوية المبتذلة أو الركيكة.
ونحن نتحدث حول الأدب والبناء اللغوي، لا ننسى أنّ اللغة سوف تبرهن لنا في نهاية المطاف أنها واحدة من أبرز المرجعيات ليس إلى النصّ وحده، وإنما إلى الواقع الذي يتناوله النصّ مرّة من خلال معاني الكلمات: المعجمية والمجازية، وأخرى من خلال طاقتها الدلالية التي ينبغي تفسيرها تفسيرا خلاقا، ذلك لأنّ تخيّل لغة ما، يعني تخيّل صيغة من الحياة كما يقول فتكنشتاين.
لقد عدّت الكلمات في نظر بعض علماء الدلالة والمعنى، معيارا للحكم على قدرة هذا الأديب أو ذاك، على إيجاد معادل جمالي للتعبير عن الواقع، وهي قطعا اعتبرت كذلك معيارا للكشف عن قوة إدراك هذا الأديب الحسيّ والمعنوي لما حوله. أو بتعبير آخر، فإنّ البناء اللغوي يعدّ واحدا من أبرز المقاربات التي يقصدها الأديب نحو الإبداع والخلق الفني. وبما يلقي الأضواء على هذا ، لا بأس من الانتباه إلى ما يقوله أبو هلال العسكري: إذا أردت أن تصنع كلاما، فأحضر معانيه ببالك، وتنوّق به كرائم اللفظ، واجعلها على ذكر منك ليقرب عليك تناولها، ولا يتعبك تطلبها.عندما نتحدث عن البناء اللغوي في النصّ الأدبي ، تقف أمامنا عشرات العنوانات لكتب اشتهرت في تناولها هذا الجانب من جوانب صنعة الأدب. ويمر أمامنا قول سويفت: الكلمات المناسبة في المواضع المناسبة هي التعريف الحقيقي للأسلوب . على أنه يجب أن لا يفهم من هذا كله، أننا نطالب الأديب بأن يوافق على أن يكون أحد سجناء اللغة، ذلك لأنّ الكمال في الأدب، لا يتحقق باللغة وحدها، وإنما هناك عناصر أخرى ينبغي الانتباه إليها، ربما بالدرجة ذاتها التي يتم فيها الاهتمام باللغة، الناقل الرئيسي للأفكار وللجمال، عبر الأجناس الأدبية المقروءة.
طاب نهاركم
خيالة الشمس
الجمعة يونيو 28, 2019 8:55 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» د. ليلى عريقات نائب الرئيس ورئيسة تكريم الشهادات الفخرية والرئيسة الفخرية للمجلس
الإثنين ديسمبر 03, 2018 12:25 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» اهداء ارتجالي الى عميدة الشعر المعاصر الاستاذة د. ليلى عريقات / د. لطفي الياسيني
السبت ديسمبر 01, 2018 9:05 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» خذ ومن عمري لعمرك .. مهداة لشيخ الشعراء المجاهدين لطفي الياسيني للشاعر حسين حرفوش
السبت ديسمبر 01, 2018 2:18 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» وما غير الطبيعة من سِفر
الخميس يوليو 11, 2013 6:22 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» حمى الناس ..إهداء إلى أهالي الحولة
الخميس يوليو 11, 2013 6:13 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» قصيدة معايدة الرؤساء العرب .. للشيخ عائض القرني
الخميس يوليو 11, 2013 6:12 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» طال ابتهال المصطفى
الخميس يوليو 11, 2013 6:11 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» من وحي السيول والفيضانات التي اجتاحت بيوتنا / د. لطفي الياسيني
الأربعاء يناير 09, 2013 4:02 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني