الحسين بن منصور الحلاج.
244 - 309 هـ / 858 - 922 م
فيلسوف، عدّه البعض في كبار المتعبدين والزهاد وأعده آخرون في زمرة الزنادقة والملحدين.
أصله من بيضاء فارس، ونشأ بواسط العراق، وظهر أمره سنة 299 فاتبع بعض الناس طريقته في التوحيد والإيمان.
كثرت الوشايات به إلى المقتدر العباسي فأمر بالقبض عليه فسجن وعذب وضرب وقطعت أطرافه الأربعة
ثم قتل وحزّ رأسه وأحرقت جثته وألقي رمادها في نهر دجلة ونصب رأسه على جسر بغداد.
أورد ابن النديم له أسماء ستة وأربعين كتاباً غريبة الأسماء والأوضاع منها:
(الكبريت الأحمر)، (قرآن القرآن والفرقان)، (هو هو)، (اليقين).
يا نسيمَ الريحِ قولي للرَّشَـا * لم يَزِدْني الوِرْدُ إلا عَطَشَـا
لي حَبيبٌ حُبُّهُ وَسطَ الحَشا إِن يَشَأ يَمشي عَلى خَدّي مَشى
روحُه روحي وروحي روحُه * إنْ يشَا شئتُ وإنْ شئتُ يشَا
جُبِلَتْ روحُك في روحي كما * يُجبَل العنبرُ بالمِسْـكِ الفَتِقْ
فإذا مسَّـكَ شـيءٌ مسَّـني * وإذا أنـتَ أنـا لا نفتـرقْ
مُزِجَتْ روحُك في روحي كما * تُمزَجُ الخمرةُ بالمـاءِ الزُّلال
فإذا مسَّـكَ شـيءٌ مسَّـني * وإذا أنـتَ أنا في كـلِّ حـال
قد تحقَّقتُكَ في سرِّي فناجاكَ لساني
فاجتمعنا لِمَعَـانٍ وافترقـنا لِمَعـانِ
إن يكنْ غيَّبَكَ التعظيمُ عن لَحْظِ العِيانِ
فلقد صيَّركَ الوَجْدُ من الأحشَـاء دانِ
أريدُكَ لا أريدُكَ للثَّـوابِ * ولكـنِّي أريـدُك للعقــابِ
وكلُّ مآربي قد نلتَ منها * سوى ملذوذ وَجْدي بالعَذابِ
قال الحلاج: "إنهم ينكرون عليَّ، ويشهدون بكفري، وسيسعون إلى قتلي، وهم في ذلك معذورون، وبكلِّ ما يفعلون مأجورون."
أمَرَ الخليفة المقتدر بتسليمه إلى حامد بن العباس، وأمَرَه أن يكشفه بحضرة القضاة والعلماء ويجمع بينه وبين أصحابه. فجرى في ذلك خطوبٌ طوال. وبدا طوق النجاة أمامه في وجه واحد، وهو أن يرجع عن موقفه الفكري، وأن يبصم على اختيار السلطان. ولكنه اختار طوق نجاة آخر، يعتصم فيه بصدقه مع نفسه ويرحل به إلى مجد الخلود. واستيقن السلطان أمره ووقف على ما ذُكِرَ عنه. وثبت ذلك على يد القضاة وأفتى به العلماء، فأمر بقتله وإحراقه بالنار.
واختاروا منطقًا شرسًا للموت، يقمعون به مَن تُسوِّل له نفسُه أن يمارس حقَّه في الفكر والاختيار. فضُرِبَ بالسياط نحوًا من ألف سوط، ثم قُطِعَتْ يداه ورجلاه، ثم ضُرِبَتْ عنقُه، وأُحْرِقَتْ جثتُه بالنار، ونُصِبَ رأسُه للناس على سور الجسر الجديد، وعُلِّقَتْ يداه ورجلاه!
عندما تقرأ الكلمات الأخيرة التي قالها الحلاج ما بين خشبة صلبه وارتقاء روحه، تدرك أنه كان يرسم للأحرار من بعده دربَ الموت في سبيل كلمة الحقيقة.
قال السلمي: "سمعت أبا العباس الرازي يقول: كان أخي خادمًا للحلاج. فلما كانت الليلة التي يُقتَل فيها من الغد قلت: أوْصِني، يا سيدي. فقال: عليك بنفسك، إن لم تشغلْها شغلتْك. فلما أُخرِجَ كان يتبختر في قيده ويقول:
نديمي غيرُ منسـوبٍ * إلى شيءٍ من الحَيْفِ
سقاني مثل ما يشربُ * فعل الضَّيف بالضَّيفِ
فلمـا دارتِ الكـأسُ * دعـا بالنَّطعِ والسَّيفِ
كذا مَن يشربِ الكأسَ * مع التنِّينِ في الصَّيفِ
ثم قال: "يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق."
وعندما قُرِّبَ من خشبة الصلب كان يقول: "إلهي، نحن شواهدك، نلوذ بسنا عزَّتك لتُبدي ما شئت من مشيئتك. أنت الذي في السماء إله وفي الأرض إله. يا مدهر الدهور ومدبِّر العصور. يا مَن ذلَّتْ له الجواهرُ، وسجدتْ له الأعراض، وانعقدتْ بأمره الأجسام، وتصوَّرتْ عنده الأحكامُ. مَن تجلَّى لما شاء، كما شاء، كيف شاء."
وكانت آخر كلمة تكلَّم بها عند قتله: "حَسْبُ الواحد إفراد الواحد."
وكان أكثر قوله عند صَلْبِه: "إلهي! أصبحت في دار الرغائب، أنظر إلى العجائب. إلهي، إنك تتودَّد إلى مَن يؤذيك؛ فكيف لا تتودَّد إلى مَن يؤذى فيك!"
ومع أنه عوقب بتهمة الردَّة والزندقة، فقد قال ابن أبي النصر: "إن كان بعد النبيين والصدِّيقين موحِّد فهو الحلاج!" أما الشبلي فكان يقول: "كنت أنا والحسين بن منصور شيئًا واحدًا؛ إلا أنه أظْهَرَ وكتمت."
وعندما خُتِمَ قَدَرُ الحلاج، وأصبح شاهد التاريخ على معاناة الأحرار وكيد الاستبداد، أقبل الشبلي، شريك مشاهدته وخليل مناجاته، وتقدَّم تحت الجذع وقال: "أوَلمْ نَنْهَكَ عن العالمين؟"
تحياتي للجميع
ابتسام شعبان
244 - 309 هـ / 858 - 922 م
فيلسوف، عدّه البعض في كبار المتعبدين والزهاد وأعده آخرون في زمرة الزنادقة والملحدين.
أصله من بيضاء فارس، ونشأ بواسط العراق، وظهر أمره سنة 299 فاتبع بعض الناس طريقته في التوحيد والإيمان.
كثرت الوشايات به إلى المقتدر العباسي فأمر بالقبض عليه فسجن وعذب وضرب وقطعت أطرافه الأربعة
ثم قتل وحزّ رأسه وأحرقت جثته وألقي رمادها في نهر دجلة ونصب رأسه على جسر بغداد.
أورد ابن النديم له أسماء ستة وأربعين كتاباً غريبة الأسماء والأوضاع منها:
(الكبريت الأحمر)، (قرآن القرآن والفرقان)، (هو هو)، (اليقين).
يا نسيمَ الريحِ قولي للرَّشَـا * لم يَزِدْني الوِرْدُ إلا عَطَشَـا
لي حَبيبٌ حُبُّهُ وَسطَ الحَشا إِن يَشَأ يَمشي عَلى خَدّي مَشى
روحُه روحي وروحي روحُه * إنْ يشَا شئتُ وإنْ شئتُ يشَا
جُبِلَتْ روحُك في روحي كما * يُجبَل العنبرُ بالمِسْـكِ الفَتِقْ
فإذا مسَّـكَ شـيءٌ مسَّـني * وإذا أنـتَ أنـا لا نفتـرقْ
مُزِجَتْ روحُك في روحي كما * تُمزَجُ الخمرةُ بالمـاءِ الزُّلال
فإذا مسَّـكَ شـيءٌ مسَّـني * وإذا أنـتَ أنا في كـلِّ حـال
قد تحقَّقتُكَ في سرِّي فناجاكَ لساني
فاجتمعنا لِمَعَـانٍ وافترقـنا لِمَعـانِ
إن يكنْ غيَّبَكَ التعظيمُ عن لَحْظِ العِيانِ
فلقد صيَّركَ الوَجْدُ من الأحشَـاء دانِ
أريدُكَ لا أريدُكَ للثَّـوابِ * ولكـنِّي أريـدُك للعقــابِ
وكلُّ مآربي قد نلتَ منها * سوى ملذوذ وَجْدي بالعَذابِ
قال الحلاج: "إنهم ينكرون عليَّ، ويشهدون بكفري، وسيسعون إلى قتلي، وهم في ذلك معذورون، وبكلِّ ما يفعلون مأجورون."
أمَرَ الخليفة المقتدر بتسليمه إلى حامد بن العباس، وأمَرَه أن يكشفه بحضرة القضاة والعلماء ويجمع بينه وبين أصحابه. فجرى في ذلك خطوبٌ طوال. وبدا طوق النجاة أمامه في وجه واحد، وهو أن يرجع عن موقفه الفكري، وأن يبصم على اختيار السلطان. ولكنه اختار طوق نجاة آخر، يعتصم فيه بصدقه مع نفسه ويرحل به إلى مجد الخلود. واستيقن السلطان أمره ووقف على ما ذُكِرَ عنه. وثبت ذلك على يد القضاة وأفتى به العلماء، فأمر بقتله وإحراقه بالنار.
واختاروا منطقًا شرسًا للموت، يقمعون به مَن تُسوِّل له نفسُه أن يمارس حقَّه في الفكر والاختيار. فضُرِبَ بالسياط نحوًا من ألف سوط، ثم قُطِعَتْ يداه ورجلاه، ثم ضُرِبَتْ عنقُه، وأُحْرِقَتْ جثتُه بالنار، ونُصِبَ رأسُه للناس على سور الجسر الجديد، وعُلِّقَتْ يداه ورجلاه!
عندما تقرأ الكلمات الأخيرة التي قالها الحلاج ما بين خشبة صلبه وارتقاء روحه، تدرك أنه كان يرسم للأحرار من بعده دربَ الموت في سبيل كلمة الحقيقة.
قال السلمي: "سمعت أبا العباس الرازي يقول: كان أخي خادمًا للحلاج. فلما كانت الليلة التي يُقتَل فيها من الغد قلت: أوْصِني، يا سيدي. فقال: عليك بنفسك، إن لم تشغلْها شغلتْك. فلما أُخرِجَ كان يتبختر في قيده ويقول:
نديمي غيرُ منسـوبٍ * إلى شيءٍ من الحَيْفِ
سقاني مثل ما يشربُ * فعل الضَّيف بالضَّيفِ
فلمـا دارتِ الكـأسُ * دعـا بالنَّطعِ والسَّيفِ
كذا مَن يشربِ الكأسَ * مع التنِّينِ في الصَّيفِ
ثم قال: "يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق."
وعندما قُرِّبَ من خشبة الصلب كان يقول: "إلهي، نحن شواهدك، نلوذ بسنا عزَّتك لتُبدي ما شئت من مشيئتك. أنت الذي في السماء إله وفي الأرض إله. يا مدهر الدهور ومدبِّر العصور. يا مَن ذلَّتْ له الجواهرُ، وسجدتْ له الأعراض، وانعقدتْ بأمره الأجسام، وتصوَّرتْ عنده الأحكامُ. مَن تجلَّى لما شاء، كما شاء، كيف شاء."
وكانت آخر كلمة تكلَّم بها عند قتله: "حَسْبُ الواحد إفراد الواحد."
وكان أكثر قوله عند صَلْبِه: "إلهي! أصبحت في دار الرغائب، أنظر إلى العجائب. إلهي، إنك تتودَّد إلى مَن يؤذيك؛ فكيف لا تتودَّد إلى مَن يؤذى فيك!"
ومع أنه عوقب بتهمة الردَّة والزندقة، فقد قال ابن أبي النصر: "إن كان بعد النبيين والصدِّيقين موحِّد فهو الحلاج!" أما الشبلي فكان يقول: "كنت أنا والحسين بن منصور شيئًا واحدًا؛ إلا أنه أظْهَرَ وكتمت."
وعندما خُتِمَ قَدَرُ الحلاج، وأصبح شاهد التاريخ على معاناة الأحرار وكيد الاستبداد، أقبل الشبلي، شريك مشاهدته وخليل مناجاته، وتقدَّم تحت الجذع وقال: "أوَلمْ نَنْهَكَ عن العالمين؟"
تحياتي للجميع
ابتسام شعبان
الجمعة يونيو 28, 2019 8:55 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» د. ليلى عريقات نائب الرئيس ورئيسة تكريم الشهادات الفخرية والرئيسة الفخرية للمجلس
الإثنين ديسمبر 03, 2018 12:25 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» اهداء ارتجالي الى عميدة الشعر المعاصر الاستاذة د. ليلى عريقات / د. لطفي الياسيني
السبت ديسمبر 01, 2018 9:05 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» خذ ومن عمري لعمرك .. مهداة لشيخ الشعراء المجاهدين لطفي الياسيني للشاعر حسين حرفوش
السبت ديسمبر 01, 2018 2:18 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» وما غير الطبيعة من سِفر
الخميس يوليو 11, 2013 6:22 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» حمى الناس ..إهداء إلى أهالي الحولة
الخميس يوليو 11, 2013 6:13 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» قصيدة معايدة الرؤساء العرب .. للشيخ عائض القرني
الخميس يوليو 11, 2013 6:12 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» طال ابتهال المصطفى
الخميس يوليو 11, 2013 6:11 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» من وحي السيول والفيضانات التي اجتاحت بيوتنا / د. لطفي الياسيني
الأربعاء يناير 09, 2013 4:02 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني