من طرف رغد الصمادي الإثنين أكتوبر 18, 2010 8:34 am
الرثاء و الهجاء في الشعر الجاهلي
الرثاء :
يلتقي الرثاء والمديح في أنهما كليهما إشادة بالمرء وإعلاء شأنه، لكن الأول إشادة بالميت وخصاله، والثاني إشادة بالحي وتمديد لمآثره وسجاياه. ويمتاز الرثاء أيضاً بأنه فن شعري ثابت المعاني والهدف، لأنه يعبر في معظم أحواله عن انفعال وجداني، وشعور عميق بالحزن والألم، حين تفقد الأسرة أو القبيلة، عزيزاً فيغمرهم الحزن وتتحرك الشاعرية لتعبر عن الأسى المشترك، والخسارة الفادحة والمجد الذي انه د ركنه، والشمائل التي حكم بها الموت للقبر والتراب. وقد يصحب تعداد شمائل الميت، والبكاء عليه، أخذ بأسباب العزاء فيه، ودعوة إلى الصبر على حدثان الدهر، والتأ سي بمن طوتهم المنون من قبل، لأن الدنيا دار فراق وزوال، لا دار خلود وبقاء، وليس أمام الإنسان سوى الاستسلام للأقدار، والقبول بالقضاء.
هذه المعاني والأفكار، ف ي جملتها تتردد في أشعار الرثاء عند الجاهليين، وقد يطغى جانب منها في القصيدة على آ خر، أو تتفرع عنها معان جرئية، ولكن تظل المناحي الأساسية بارزة في تلك الأشعار.
وإذا كان المرثي ذا منزلة رفيعة لجأ الشاعر إلى المبالغة وتهويل الخطب وإشراك الطبيعة في استعظام المصاب.
وقد اشتهر عدد من الشعراء أجادوا الرثاء في العصر الجاهلي، منهم: المهلهل بن ربيعة، ودريد بن الصمة، وأعشى باهلة، ولبيد، وطفيل الغنوي، وأوس بن حجر، وأبو دو ا د الإيادي. كما عرف كثير من النساء بإجادة هذا الفن الشعري والنبوغ فيه، كالخنساء، وجليلة زوجة كليب، وسعدى بنت الشمردل.
والرثاء عند هؤلاء الشعراء والشواعر، منه ما يكون في الأقرباء الأدنين: كما في رثاء المهلهل لأخيه كليب، والخنساء لأخويها صخر ومعاوية، ولبيد لأخيه أربد. ومنه ما يكون في أناس آخرين، من ذوي المكانة والشأن في قبيلة الشاعر، أو في غيرها من القبائل، ممن تقربهم إلى الشاعر صلات وثيقة. ومن ذلك قصيدة أوس بن حجر، التي رثى فيها فضالة الأسدي، وتعد من عيون المراثي في العصر الجاهلي: ومطلعها:
أيتهــا النفــــس أ جملــي جـــزعاً إن الـــذي تحـــذرين قــد وقعــا
وقصيدة أبي دواد الإيادي، التي رثى فيها من طواهم الردى من شباب قبيلته وكهولها، وذكر ما لهم من صفات ومفاخر ومجد، وأشاد بما كان لهم من بأس وسخاء في أوقات الشدة والجدب، وما تحلوا به من عقو ل راجحة وآراء سديدة. وأول هذه القصيدة :
منـــع النـــوم، مـــاوي، التهمام وجـــدير بالهـــم مـن لا ينــــام
والرثاء عند الجاهليين يكثر فيه ترداد ألفاظ معينة، كالجملة الدعائية: «لا تبعد» أو «لا تبعدن» كما يكثر الدعاء بالسقيا لقبر الميت: «سقيا لقبرك» «سقاك الغيث» وذلك ليبقى ما حول القبر خصباً ممرعاً.
الهجاء :
حظ هذا الفن في الشعر الجاهلي قليل؛ إذا قيس إلى الفخر أو الغزل مثلاً؛ ولكن أثره كبير في النفوس، ووقعه أليم في الأفئدة، لأنه يقوم على إذلال المهجو، وتجريده من الفضائل والمثل التي يفتخر بها القوم، أو التي بها يمدحون. ومن ثم الفخر، والمدح، والهجاء، تجمع ثلاثتها جملة من الفضائل وأضدادها، فالكرم، مثلاً، فضيلة لديهم، وفي مقابله تكون نقيصة البخل والشح، والشجاعة ضدّها الجُبن. وهكذا.
وعلى هذا، فإن الهجاء في الشعر الجاهلي هو انتقاص للخصم، وتعيير له بجملة من المخازي والمساوئ التي يستهجنها مجتمع ه ، فمنها ما هو في مجال الحروب والغزوات التي حفلت بها حياتهم: كالجبن، والفرار عند اللقاء، والوقوع في الأسر، ودفع الفدية، ومنها ما هو في حيز العلاقات الاجتماعية، والنقائص النفسية: كالبخل، والاعتداء على الجار، واللؤم، والغدر، والقعود عن المكارم، وما يتفرع عن ذلك كله من المعايب والسقطات التي يعدها ال عربي عاراً يبرأ منه، أو يحذر الوقوع فيه، لئلا يصيب منه الشاعر مقتلاً. فضلاً عما تحرص عليه القبيلة في أفرادها كافة من كرم الأحساب، ونقاء الأنساب، لئلا تتحطم سمعتهم، أو ينهار بناء أحسابهم وأنسابهم، فيكونوا نصباً للهجاء.
والهجاء عندهم على ضربين: هجاء فردي، وآخر جماعي يتجه إلى القبيلة نفسها وقد يجمع الشاعر بينهما.
وهجاء الجاهليين عامة يسلك مسلك الجد. ولا يدخله الإفحاش ولا الشتيمة الصريحة، ولكن ربما داخله شيء من السخرية والتعريض والتلميح الموجع، بدلاً من الهجاء المباشر.
إلى اللقاء القادم بمشيئة الله
رغد الضمادي
الجمعة يونيو 28, 2019 8:55 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» د. ليلى عريقات نائب الرئيس ورئيسة تكريم الشهادات الفخرية والرئيسة الفخرية للمجلس
الإثنين ديسمبر 03, 2018 12:25 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» اهداء ارتجالي الى عميدة الشعر المعاصر الاستاذة د. ليلى عريقات / د. لطفي الياسيني
السبت ديسمبر 01, 2018 9:05 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» خذ ومن عمري لعمرك .. مهداة لشيخ الشعراء المجاهدين لطفي الياسيني للشاعر حسين حرفوش
السبت ديسمبر 01, 2018 2:18 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» وما غير الطبيعة من سِفر
الخميس يوليو 11, 2013 6:22 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» حمى الناس ..إهداء إلى أهالي الحولة
الخميس يوليو 11, 2013 6:13 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» قصيدة معايدة الرؤساء العرب .. للشيخ عائض القرني
الخميس يوليو 11, 2013 6:12 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» طال ابتهال المصطفى
الخميس يوليو 11, 2013 6:11 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» من وحي السيول والفيضانات التي اجتاحت بيوتنا / د. لطفي الياسيني
الأربعاء يناير 09, 2013 4:02 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني