شاسع من خراسان وأذربيجان شرقا إلى طرابلس غربا. وكانت الحملات الاستطلاعية
الأولى التي قامت بها الجيوش الإسلامية باتجاه بلاد المغرب منذ سنة 27 هـ تهدف
إلى اختبار الجيش البيزنطي الذي تراجع نحو المناطق الشمالية لإفريقية، غير أن
فتح بلاد المغرب استغرق فترة زمنية طويلة نسبيا تعددت خلالها الحملات إلى حين
وصولها إلى المغرب الأقصى والأندلس. ومهّد هذا الفتح إلى تلاقح الثقافتين
الإسلامية والإفريقية مما أفرز تحولات حضارية جذرية شملت جميع المجالات
الثقافية والعلمية والاجتماعية والعمرانية أدخلت بلاد المغرب كطرف فاعل في
الحضارة الإنسانية.
يهدف هذا المقال إلى تحديد أهم مراحل فتح بلاد المغرب وانعكاساته الحضارية.
* I – مراحل انتشار الإسلام ببلاد المغرب (27 – 82 هـ)*
لم تكن عملية فتح بلاد المغرب يسيرة حيث تعددت الحملات العسكرية وتخللتها عدة
صعوبات أفضت في النهاية إلى انتشار الإسلام في كامل شمال إفريقيا والأندلس.
* 1 – المرحلة الأولى لفتح بلاد المغرب (27 – 64 هـ)*
منذ عهد الخليفة عمر بن الخطاب فكر عمرو بن العاص في فتح إفريقية سنة 22 هـ
وذلك بعد أن فتح ليبيا الحالية، ولكن الخليفة عمر بن الخطاب لم يوافق على ذلك
وقد يكون سبب هذا الرفض أن الحدود الشرقية لإفريقية كانت منيعة حيث كتب عمر بن
الخطاب "لا إنها ليست بإفريقية ولكنها المفرقة غادرة مغدور بها لا يغزوها أحد
ما بقيت" (بن عبد الحكم، فتوح إفريقية والأندلس، ص33).
- * حملة عبد الله بن سعد بن أبي سرح: * لما عينه الخليفة عثمان بن
عفان عاملا على مصر قام بأول حملة عسكرية باتجاه إفريقية سنة 27 هـ/647 م فتمكن
من التقدم والتقى بالجيش البيزنطي عند مشارف سبيطلة وانتصر الجيش الإسلامي وقتل
القائد البيزنطي جرجير. واكتفت هذه الحملة بتحقيق أول انتصار على البيزنطيين في
بلاد المغرب وجمعت الغنائم وحصل اتفاق بين عبد الله بن سعد وزعماء القبائل على
أن يأخذ منهم مالا ويخرج من بلادهم فلم يول عليهم أحدا. وكانت هذه الحملة
الأولى مجرد اختبار لمدى قوة دفاعات البيزنطيين والتعرف على طبيعة المنطقة
واستكشافها تمهيدا للحملات الموالية.
* - حملات معاوية بن حُديج: * قام بثلاث حملات لفتح بلاد المغرب كانت
الأولى مع جيش عبد الملك بن مروان سنة 34 هـ حيث اتجه من الفسطاط إلى بلاد
قمونية (موضع مدينة القيروان) ثم قاد حملة ثانية سنة 40 هـ وثالثة سنة 46 هـ
واستقر في جبل القرن شمال القيروان وأرسل الجيوش لفتح المناطق القريبة ففتح عبد
الله بن الزبير سوسة وعبد الملك بن مروان جلولاء.
* - حملة عقبة بن نافع الفهري:* اتجه إلى إفريقية سنة 50 هـ 670 م
قادما إليها من الصحراء ومعه عشرة آلاف فارس فاتخذ القيروان معسكرا واختار
موضعها على سهل فيضي تتوفر فيه المراعي وغابات الزياتين وهي بعيدة عن البحر
لتفادي الغزوات البيزنطية وجعلها قاعدة للجيش الإسلامي وعاصمة لكامل بلاد
المغرب. وواصل عقبة تقدمه باتجاه الغرب متفاديا الصدام مع البيزنطيين
المتواجدين على السواحل الشمالية الشرقية لإفريقية. وفي سنة 55 هـ تم تعيين أبي
المهاجر دينار واليا على القيروان فسلك سياسة مرنة مع البربر أدت إلى تراجع
الغنائم والجباية فقرر الأمويون إعادة تنصيب عقبة بن نافع واليا على إفريقية
والمغرب سنة 62 هـ فواصل حملته على القبائل البربرية مثل لواتة وهوارة وزناتة
ومكناسة ووصل إلى طنجة ووليلى وبلاد السوس وبلغ المحيط الأطلسي. وكانت القبائل
البربرية قد أعدت نفسها للانتقام والثأر من عقبة واستعانت في ذلك بالجيش
البيزنطي واستغلت بقاء عقبة في عدد قليل من الجنود لتباغته في بسكرة جنوب جبال
أوراس بجيش يضم 50000 جندي يقودهم كسيلة البربري فقتل عقبة سنة 64 هـ 684 م
ومثلت هذه المعركة نهاية لمرحلة الانتصارات الإسلامية الأولى ببلاد المغرب
وبداية لفترة صعوبات واجهت الانتشار الإسلامي.
* 2 – مرحلة الصعوبات ومواصلة الفتح باتجاه الغرب*
كان لمقتل عقبة بن نافع الأثر الإيجابي القوي على القبائل البربرية الرافضة
لانتشار الإسلام وللبيزنطيين الذين يحكمون سواحل إفريقية. فتبنت هذه الأطراف
حركة مسلحة تهدف إلى صدّ الحملات القادمة من الشرق.
* أ – حركة كسيلة: * استقر القائد البربري كسيلة بالقيروان بعد أن هجرها عدد
كبير من المسلمين باتجاه مصر بعد مقتل عقبة بن نافع، وهكذا أصبحت السلطة في
إفريقية مقسمة بين كسيلة بالقيروان والبيزنطيين بقرطاج. وانتهت هذه المرحلة سنة
69 هـ عندما أرسل الخليفة عبد الملك بن مروان زهير بن قيس البلوي في جيش
لاستعادة إفريقية. ووقعت المعركة في ممس غرب القيروان قتل فيها كسيلة واستعاد
فيها المسلمون سيطرتهم على كامل بلاد المغرب إلى حدود نهر ملوية. واضطر زهير
إلى الرجوع إلى المشرق على إثر اندلاع حركة عبد الله بن الزبير، وفي طريق
العودة هاجمه أسطول بيزنطي في برقة بليبيا وقتل سنة 71 هـ. وتواصل تأثير
الأحداث السياسية بالمشرق الإسلامي في فتح بلاد المغرب حيث تعطلت الحملات إلى
حين القضاء على الحركة الزبيرية فأرسل الخليفة الأموي حسان بن النعمان على رأس
جيش يعد 40000 مقاتل سنة 76 هـ وتمكن حسان من إخضاع القيروان وانتصر على
البيزنطيين والبربر ودخل قرطاج وطرد الروم البيزنطيين منها.
* ب – حركة الكاهنة: * برزت حركة مقاومة بربرية أخرى قادتها القبائل الزناتية
البدوية بجبال أوراس بالمغرب الأوسط (الجزائر) وتزعمتها امرأة وهي داهيا بنت
ماتية بن تيفان أطلق عليها لقب الكاهنة وجهزت جيشا لمنع تقدم المسلمين فاتجه
إليها حسان ودارت بينهما معركة في جبال أوراس انتهت بانتصار الكاهنة وتراجع
الجيش الإسلامي إلى الجريد ثم إلى قابس وفي النهاية استقر في برقة. وهكذا تمكنت
الكاهنة من بسط نفوذها على كامل بلاد المغرب من جديد وأعادت بناء مملكة كسيلة
في حين انحسر الوجود العربي في منطقة برقة.
واعتمدت الكاهنة سياسة الأرض المحروقة فخربت العمران وأحرقت الزرع واقتلعت
الأشجار وخربت البلاد حتى لا يطمع فيها المسلمون. إلا أن هذه السياسة تسببت في
نقمة عدد كبير من البربر والأفارقة والروم على الكاهنة ففروا باتجاه الجيوش
الإسلامية. وفي سنة 82 هـ دارت معركة بوسط إفريقية انتهت بانتصار حسان بن
النعمان ومقتل الكاهنة واسترجع المسلمون نفوذهم على كامل بلاد المغرب من جديد
وساهم هذا الانتصار في نشر الإسلام واللغة العربية في صفوف القبائل البربرية
التي لم تكن ترفض الدين الجديد وإنما انساقت في معظمها وراء الطامعين في إنشاء
إمارة بربرية.
له تتمة
د. نعيم الغالي
الجمعة يونيو 28, 2019 8:55 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» د. ليلى عريقات نائب الرئيس ورئيسة تكريم الشهادات الفخرية والرئيسة الفخرية للمجلس
الإثنين ديسمبر 03, 2018 12:25 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» اهداء ارتجالي الى عميدة الشعر المعاصر الاستاذة د. ليلى عريقات / د. لطفي الياسيني
السبت ديسمبر 01, 2018 9:05 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» خذ ومن عمري لعمرك .. مهداة لشيخ الشعراء المجاهدين لطفي الياسيني للشاعر حسين حرفوش
السبت ديسمبر 01, 2018 2:18 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» وما غير الطبيعة من سِفر
الخميس يوليو 11, 2013 6:22 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» حمى الناس ..إهداء إلى أهالي الحولة
الخميس يوليو 11, 2013 6:13 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» قصيدة معايدة الرؤساء العرب .. للشيخ عائض القرني
الخميس يوليو 11, 2013 6:12 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» طال ابتهال المصطفى
الخميس يوليو 11, 2013 6:11 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» من وحي السيول والفيضانات التي اجتاحت بيوتنا / د. لطفي الياسيني
الأربعاء يناير 09, 2013 4:02 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني