بلغ الضعف مداه .. يا ويلنا

بلغ الضعف مداه...يا ويلنا

بقلم:أسعد العزوني
الأنظمة الرسمية العربية ومنذ زمن بعيد،رفعت الرايات البيضاء ،بل وسهلت مهمة اغتصاب فلسطين ،وبعضها باع أراضيه ومرتفاته ومصادر مياهه لاسرائيل .
هذه ظاهرة لم نستطع حتى يومنا هذا التغلب عليها لأسباب عديدة منها : فساد وافساد هذه الأنظمة ،وارتمائها في أحضان الغرب نظير أن يسرح ويمرح في المنطقة ،ولذلك نرى فضاءاتنا الشاسعة والواسعة ليست لنا ، ولا نتواجد فيها لأنها أصلا محجوزة ومشغولة.
الأمر الذي يدمي القلب ،هو أن منظمات المجتمع المدني أو ما يطلق عليها بلغة الممولين"NGOES"،الذي يطبل لها الغرب ويزمر ويدفع المبالغ الطائلة ،تجاوزت كل الحدود ،وارتبطت مع الغرب ماليا وحتى استراتيجيا على نحو يفوق ارتباط الأنظمة الرسمية ،
وها هي هذه المنظمات تدعو الى اللاعنف مع المحتلين والمعتدين وقال بعضهم على مسمع مني في ندوة بعمان أن تحرير فلسطين لن يتم الا باللاعنف؟!!.
غاب المنطق ،وغاب الوعي عن الجميع ،وأصبح اليورو والدولار قبلتهم وحتى مبدأهم ..كل ذلك بسبب طمع وجشع الأنظمة والمنظمات على حد سواء .
ماذا تعني الدعوة للتسامح ونحن المضطهدون ؟والمسلوبة أراضينا وحقوقنا وحتى ارادتنا.ألا يعني أن المهزوم والضعيف المتسامح مع قاتله ومغتصب حقه، يصنف في خانة الذليل والنذل الذي لا يستحق الحياة؟لأن الحياة والطبيعة والناموس يرفضون الضعف اذ لا وجود الا للقوي.
هذا الحديث يجرنا الى تسليط الأضواء على المثقف العربي الذي أصبح سهل السقوط ،لأنه خالف الناموس وأصبح قابعا امام بيت المال والسياسي وهنا مكمن ضعفه ،فبدلا من ان يكون الرأسمالي والسياسي وصاحب السلطة يسعون لطلب رضاه ،قلب الآية وصغر نفسه امامهم فكانت النتيجة أن حشروه في زاوية الذل والحاجة.
كان يجب ان ينتظروا هم على بابه للاستزادة من علمه والاستفادة من خبرته والاستئناس برؤيته للأمور ،وأنا هنا اتحدث عن المثقف الأصيل لا عن الرويبضة الذي أصبح منظرا بين يوم وليلة دون أن يقرأ كتابا واحدا.
أتحدث عن عالم الدين الفقيه لا المدعي وعن المثقف المسيس جدا لا الذي لا يفهم ألف باء السياسة ولكنه ظهر علينا فجأة لأنه تجند في صفوف السلطان ليكون بوقا له ويتحدث بلسانه ووسيلة للانقضاض على الملتزمين ضمن نهج الاغتيال السياسي الذي تنتهجه الأنظمة الرسمية والدارج في الوطن العربي.
لن ادخل في فلسفة كلمة العنف واللاعنف وما يشتق منها بحكم مطاطية اللغة العربية،وسهولة استخدامها في المديح والذم والرثاء ،بل سأقصر الموضوع على الحل الثوري المقاوم والحل السلمي الاستسلامي وكلا الحلين جرى استخدامهما في المنطقة ولكن البعض آثر العيش في ظل عمى الألوان السياسي.
الشهيد التونسي الشاب محمد البوعزيزي الذي فجر ثورة الياسمين في تونس قبل عام ،أقدم على حرق نفسه ،أي أنه لجأ الى النار الحارقة وما أصعب الحرق بالنار ،بمعنى انه حرق نفسه ،وما أغلى النفس ،وهذا يعني انه دخل المجد من أوسع أبوابه ، من خلال التضحية بالنفس الأغلى من المال ،بحرقها بالنار رغم الألم،ولا أريد الدخول في الحكم الشرعي للانتحار.
كان يمكن للشهيد البوعزيزي أن يحكم عقله ، ويعود الى مخفر الشرطة الذي تعمل فيه الشرطية التي صفعته ويقدم شكوى ،فربما حاولوا ارضاءه وطلب صمته وسكوته ،بتلبية طلبه وتعيينه موظفا في البلدية كما يفعل البعض الذي يقبل النيل من كرامته مقابل أعطية هي في الأساس من حقه.ويكون بذلك قد ضمن رغيف الخبز والسيجارة ان كان يدخن،وتنتهي الأمور عند هذا الحد.
لكن البوعزيزي لم ينظر الى الأمور بهذا المنظار ،اذ ان له رؤيته الخاصة ،وهي أن الخصم لن يكون هو الحكم يوما.وأثبت أن ما قام به لم يكن ثورة رغيف خبز كما يحلو لبعض المتفلسفين تصويره،بل ثار من أجل كرامته ،وعمل بفعل اقدامه وجسارته على اضاءة الطريق امام شعبه الذي تخلص من عميل اسرائيل الهارب بزي منقبة بن علي .لكنه ولكي أكون منصفا لم يكن يعلم أن هناك من سيختطف ثورة الياسمين من بعده.
الحرية ثمنها غال ،ولا أقول مالا ،بل دم أحمر طاهر يراق على أعتابه ،وتكون كمية الدم المراق هي جواز السفر للدخول الى عرين الحرية والتربع على عرشها على طريقة امنح دمك وارتق الى العلياء.
هذا رد واضح على منظمات المجتمع المدني العربية التي تنادي باللاعنف وتنظم له ندوات تستضيف فيها مفكرين من الخارج ليثبتوا ذلك رسميا ويقولوه علانية على مسمع ومرأى البشر.
من لا يضحي بنفسه وماله وما تسمى مكتسباته الآنية لا يستحق الحياة،ومن لا يستحق الحياة لا قيمة له ولا يمكن حتى تدويره كما يفعل بالقمامة هذه الأيام.فانفس البشرية الخائفة نجسة لا فائدة منها حية أو ميتة.
"اللهم اني قد بلغت ،اللهم فاشهد."



والله من وراء القصد

ربيع الكسواني