منتدى الشاعر حسن محمد نجيب صهيوني

نرحب بجميع زوار هذا المنتدى ونأمل أن يطيب لكم البقاء ويحدونا الفخر بانضمامكم لأسرتنا


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدى الشاعر حسن محمد نجيب صهيوني

نرحب بجميع زوار هذا المنتدى ونأمل أن يطيب لكم البقاء ويحدونا الفخر بانضمامكم لأسرتنا

منتدى الشاعر حسن محمد نجيب صهيوني

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى الشاعر حسن محمد نجيب صهيوني

ملتقى أدبي يهتم بفنون الأدب العربي من شعر قديم ومعاصر ويحوي عدداً من التراجم والسير الأدبية والمقالات والقصص والروايات

بعد التحية على الزوار الراغبين بالإنضمام لهذا المنتدى التسجيل بأسمائهم الحقيقية أو ألقابهم أو أي اسم أدبي يليق بالمنتدى بعيداً عن أي أسماء تخل بسمعة المنتدى وتسيء إليه، وسوف تقوم إدارة المنتدى بالرقابة على الأسماء غير اللائقة أدبياً ثم حجبها ..... إدارة المنتدى

المواضيع الأخيرة

» ملحمة شعرية مهداة الى الشاعرة عائشة الفزاري / د. لطفي الياسيني
سفر العاشق إلى وطن / رحلة أديب مصري إلى المغرب  Emptyالجمعة يونيو 28, 2019 8:55 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني

» د. ليلى عريقات نائب الرئيس ورئيسة تكريم الشهادات الفخرية والرئيسة الفخرية للمجلس
سفر العاشق إلى وطن / رحلة أديب مصري إلى المغرب  Emptyالإثنين ديسمبر 03, 2018 12:25 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني

» اهداء ارتجالي الى عميدة الشعر المعاصر الاستاذة د. ليلى عريقات / د. لطفي الياسيني
سفر العاشق إلى وطن / رحلة أديب مصري إلى المغرب  Emptyالسبت ديسمبر 01, 2018 9:05 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني

» خذ ومن عمري لعمرك .. مهداة لشيخ الشعراء المجاهدين لطفي الياسيني للشاعر حسين حرفوش
سفر العاشق إلى وطن / رحلة أديب مصري إلى المغرب  Emptyالسبت ديسمبر 01, 2018 2:18 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني

» وما غير الطبيعة من سِفر
سفر العاشق إلى وطن / رحلة أديب مصري إلى المغرب  Emptyالخميس يوليو 11, 2013 6:22 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني

» حمى الناس ..إهداء إلى أهالي الحولة
سفر العاشق إلى وطن / رحلة أديب مصري إلى المغرب  Emptyالخميس يوليو 11, 2013 6:13 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني

» قصيدة معايدة الرؤساء العرب .. للشيخ عائض القرني
سفر العاشق إلى وطن / رحلة أديب مصري إلى المغرب  Emptyالخميس يوليو 11, 2013 6:12 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني

» طال ابتهال المصطفى
سفر العاشق إلى وطن / رحلة أديب مصري إلى المغرب  Emptyالخميس يوليو 11, 2013 6:11 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني

» من وحي السيول والفيضانات التي اجتاحت بيوتنا / د. لطفي الياسيني
سفر العاشق إلى وطن / رحلة أديب مصري إلى المغرب  Emptyالأربعاء يناير 09, 2013 4:02 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني

التبادل الاعلاني


2 مشترك

    سفر العاشق إلى وطن / رحلة أديب مصري إلى المغرب

    avatar
    كريم أبو العسل


    عدد المساهمات : 101
    نقاط : 25608
    السٌّمعَة : 0
    تاريخ التسجيل : 22/06/2010

    سفر العاشق إلى وطن / رحلة أديب مصري إلى المغرب  Empty رد: سفر العاشق إلى وطن / رحلة أديب مصري إلى المغرب

    مُساهمة من طرف كريم أبو العسل الأحد فبراير 05, 2012 11:03 am

    سلمت يمناك يا آية

    كريم أبو العسل
    آية صابر
    آية صابر


    عدد المساهمات : 90
    نقاط : 23697
    السٌّمعَة : 5
    تاريخ التسجيل : 05/07/2011
    العمر : 40

    سفر العاشق إلى وطن / رحلة أديب مصري إلى المغرب  Empty سفر العاشق إلى وطن / رحلة أديب مصري إلى المغرب

    مُساهمة من طرف آية صابر الأربعاء يناير 18, 2012 3:08 pm

    السفر، فكرة ينتشي لها العقل المرهق من كثرة البحث عن لحظة سلام ضائع دون
    جدوى، وفي السفر لذة يهتز لها الجسد ويطرب، وبها تسعد الروح وترق وتصفو


    السفر، كلمة سحرية تنفتح لها خزائن المعرفة والدهشة والأخبار والأسرار، وتتكسر
    عند قدميها قيود وأغلال تحول دون العقل وما يريد والقلب وما يهوى


    السفر، قصة عاطفية تبحث عن مسافر عاطفي روحه عطشى لمعانقة كل ما تصادفه من
    جديد في طبائع البشر وغرائب البلدان وجمال المنظر الطبيعي


    السفر، قصة حب، مكانها مخيلة المسافر، وزمانها حر طليق، وأبطالها الطبيعة
    والبلدان والإنسان
    لقد تمكن حب السفر والترحال من قلب المغربى "ابن بطوطة" إمام الرحالة العرب
    والمسلمين، وسرى فى كيانه مسرى الدم فى العروق، حتى إن رحلته الأولى استغرقت
    أكثر من أربع وعشرين سنة، بدأها وهو فى شرخ الشباب فى الثانية والعشرين من
    عمره، وأنهاها عائداً إلى مسقط رأسه وهو على أبواب الشيخوخة وقد قارب الخمسين
    من عمره


    فهل تمكن حب السفر والترحال منى أنا أيضاً وسرى فى كيانى مسرى الدم فى العروق
    أكاد أجزم أن حب السفر والترحال قد تمكن من قلبي وعقلي وروحي، وإلا ما كنت
    أترك ابنى الصغير "عمر" إلي رحلة سفر بعد أخرى، وأرجئ عمل أي شيء إلى ما بعد
    العودة من الرحلة والسفر


    *دعوة إلى بلد المحبوب *


    ربما لم يكن الكاتب الصحفي الأستاذ "صلاح عطية" أمين عام اتحاد الكتاب
    الصحفيين العرب على علم بقدر الشوق الذي أحمله في قلبي إلى رؤية دولة المغرب
    العربية الشقيقة وإلى زيارتها، عندما حادثني هاتفياً ليبلغني دعوته لحضور
    مؤتمر اتحادات الكتاب السياحيين العرب والمتوسطي والعالمي في مدينة مراكش
    المغربية فهل خاننى صوتى وكشفت نبراته ما بداخلي برغم محاولتي ضبط مشاعر الفرح
    التي داهمتني وأنا أشكر له دعوته مؤكداً على قبولها


    المغرب أحببته في شخص فتاة مرحة مغربية اسمها "ثريا" دخلت "ثريا" قلبى من
    اللحظة التى وقعت فيها عيناي على وجهها الصبوح الضاحك داخل قاعة تسجيل أسماء
    الطلبة والطالبات الجدد في اليوم الأول لدراسة الدبلوم في الترجمة بمعهد
    البوليتيكنيك التابع لجامعة لندن في نهار خريفي من عام 1979
    لا أعرف كيف أمكننى التغلب على خجلي وحذري، أنا القادم من صعيد مصر، الذي
    حذرنا دائماً من بنات القاهرة الجميلات اللاتى يتحدثن اللهجة القاهرية الناعمة
    ولدهشتى كانت "ثريا" المغربية تحدثني باللهجة القاهرية الناعمة ذاتها وقد
    اكتسبتها من مشاهدة الأفلام السينمائية المصرية في دور السينما بالدار البيضاء
    كانت "ثريا" تضحك ضحكة طفولية عذبة تضيء بها سماء لندن ذات الغيوم، وتغنى لي
    أغنيات "أم كلثوم" فيذهب عنى برد المدينة الكبيرة ويشيع في جوانحي الدفء


    يقترب موعد إقلاع طائرة الخطوط الملكية المغربية التي ستحلق بنا في اتجاه
    المغرب العربي، لكن الوقت يمضى دون أن يدق جرس هاتف المنزل أو يصدر هاتفي
    المحمول نغمة فأضغط على مفتاح استقبال المكالمة التي تطمئنني على حصولي على
    تأشيرة الدخول إلى دولة المغرب الشقيقة وعلى مقعد قد تأكد حجزه على الطائرة


    *مماطلة جواز سفر *


    بعد ظهر اليوم السابق لليوم المحدد للسفر، يأتينى صوت الزميل الصحفى "محمد
    صلاح عطية" عبر هاتفي المحمول بطلب محدد وقاطع مفاده أن أسارع بالذهاب إلى
    منزلي لكي أحضر جواز سفري وأتوجه به على الفور إلى القنصل المغربي الذي
    ينتظرني بمكتبه لكي يمنحني تأشيرة دخول المملكة المغربية


    شعرت بالحيرة وسألت: كيف وجواز سفري في حوزتك أنت قال موضحاً: جواز السفر الذي
    معي ليس جواز سفرك وإنما هو جواز سفر زوجتك أدركت خطأي، فبدلاً من أن أسلمهم
    جواز سفري اختلط على الأمر وسلمتهم جواز سفر زوجتي


    الجو ممطر والسيارات قابعة في مكانها في شوارع القاهرة والجيزة الزلقة ولا
    تكاد تتحرك إلا ببطء شديد، وأنا داخل سيارة التاكسي أتلقى مكالمات على هاتفي
    المحمول من "محمد صلاح عطية" يستعجلني فيها من أجل ألا أتأخر على القنصل الذي
    ينتظرني بمكتبه برغم انتهاء فترة عمله بالقنصلية


    مع مضى الوقت المهدور، ومع غروب شمس النهار المطير وتكاثف الغيوم الرمادية في
    سماء القاهرة والجيزة واقتراب حلول الظلام، يداهمني شعور وأنا بداخل سيارة
    التاكسي بأن قوة غامضة خفية تحاول منعي من السفر وأنا أحاول التغلب عليها، لكن
    سيارة التاكسي لا تكاد تتحرك والمسافة بين المهندسين والهرم تزداد بعداً بفعل
    تعطلت حركة المرور، ولا يمكنني عمل شيء


    وصلت إلى المنزل الساعة السابعة مساء، وسارعت إلى إخراج جواز سفري من داخل
    حقيبة الأوراق والمستندات، لكن صوتاً مثبطاً للهمة ظل يتردد في داخلي: لن
    ينتظرني القنصل حتى هذا الوقت المتأخر، ولن أحصل على التأشيرة، وستقلع الطائرة
    في الصباح بدوني، ولن يكون هناك سفر أو رحلة


    أسكت الصوت المثبط للهمة، وسارعت رغم حلول المساء بإيقاف سيارة تاكسي لتقلني
    إلى مقر القنصلية بحي الزمالك وهناك وجدت أبواب السفارة موصدة ونوافذها غير
    مضاءة طلبت رقم الهاتف المحمول الخاص بالسيد القنصل وعرفته بنفسي فأجابني
    باقتضاب أنه قادم من منزله خلال دقائق


    وقفت أنتظر على مسافة بعيدة من باب القنصلية الموصد، ولم يمض وقت طويل حتى
    تبينت وجود السيد القنصل عند المدخل، فتوجهت إليه وأنا أقدم له اعتذاري
    الشديد، فحدثني غاضباً من تأخري، إلا أنني بذلت ما وسعني الجهد لكي أطيب خاطره
    وأنا أرافقه إلي مكتبه


    وخلال الدقائق التي استغرقتها كتابة طلب استخراج تأشيرة الدخول، كان غضب السيد
    القنصل "محمد الأشهب" قد ذهب، وحل محله خلق حسن وابتسامة كريمة مرحبة بي في
    بلده المغرب، شكرته وألقيت عليه السلام مودعاً، وخرجت من باب القنصلية غير
    مصدق أنني حصلت على التأشيرة قبل ساعات قليلة فقط من موعد إقلاع الطائرة
    *وبدا المغرب مشرقًا في حقائب السفر *


    في عجلة من أمري بدأت أرتب حقيبة السفر وبعض أوراقي وأنا أستشعر ذات الفرح
    الذي بداخلي عند كل مرة أكون فيها على سفر، لكن شيئاً رائعاً مشرقاً في صدري
    أقرب إلي الحنين الحزين يبلل قلبي ويرطبه ويجعله أكثر وداعة ورقة


    أنظر إلي الصغير "عمر" الذي يمازحني بأنني مسافر إلى "العصر" وليس إلى
    "المغرب"، وأسأل السؤال نفسه الذى طرحه "سقراط" منذ زمن بعيد: هل الفعل الذي
    يتم لك به أن تكون محبوباً يسبق حالة كونك محبوباً وبناء على ذلك يكون العزيز
    لدى الآخرين عزيزاً لأنهم أحبوه أولاً


    أكاد أتبين فى وجه زوجتى شيئاً أقل من الاتهام وأكثر قليلاً من العتاب، وهو
    أننى نشأت وكبرت فى كنف أم البلاد مصر، فلماذا أنا إذن أبدو وكأن أم البلاد لا
    توافقنى فأسافر إلى حيث أشاء وأحب من أرض الله الواسعة
    أتوقف عن ترتيب حاجياتى محاولاً إخفاء دمعة لم أنجح في كتمانها، وأنا أتذكر
    كلمات الشاعر الراحل "كمال عبدالحليم" بعد صدور كتابين لى عن رحلتى إلى أمريكا
    والسويد: سافر إلى الداخل، إلى أم البلاد مصر، واكتب عن ناسها ومدنها، عندئذ
    ستحبها كثيراً جداً كما أحبها "حسن فؤاد"، و"فؤاد حداد"، و"نجيب محفوظ"


    *قراءات في الثغر الغربي*


    إلي المغرب العربى فى الشمال الأفريقى أسافر من مصر، مسافر أنا إلى الشمال
    الأفريقى الذى عروبته تضرب فى أعماق التاريخ بخصوصية واضحة وتميز معروف فى
    الدقائق السابقة على إقلاعى من منزلى متوجهاً إلى مطار القاهرة الدولى، أقرأ
    للكاتب القومى الدكتور مصطفى الفقى، الذي يقول إن الشخصية الإسلامية العربية
    لدول المغرب أثرت تأثيراً فاعلاً فى طبيعة الوجود العروبى، وإن دولة المغرب
    تعتبر خط الدفاع الأول عن العروبة والإسلام أمام أوروبا، فضلاً عن الذكريات
    الدفينة لسقوط الدول الإسلامية فى الأندلس وخروج العرب منها، ولولا صمود دولة
    المغرب لانتكست عروبة تلك المنطقة وربما غاب الإسلام عنها أيضاً


    أتابع قراءة الكاتب القومى الدكتور مصطفى الفقى: إن عناية الحكم فى الرباط
    بالثقافة العربية والتراث الإسلامى وعلوم الدين الحنيف كان لها أثرها فى تأكيد
    الهوية العربية الإسلامية لتلك الدولة التى تقع فى أقصى بقعة من المغرب
    العربى، والتى لا تبتعد عن حدود أوروبا بأكثر من بضعة كيلو مترات قليلة، وهو
    أمر يحمد للأسرة العلوية الحاكمة هناك، بل إن ذلك نهج تاريخى مغربى حرص عليه
    المرابطون والأدارسة والموحدون وغيرهم ممن حكموا فى تاريخ السلطة المغربية


    وهنا لا بد من أن نشير إلى أن الإسلام فى شمال أفريقيا لا يبدو ديناً فقط
    ولكنه يتحول إلى قومية أيضاً ولعل ذلك هو الذى منع الخلاف بين العرب والبربر
    عبر مراحل التاريخ المختلفة فى هذه المنطقة التى تجعل من الإسلام ديناً
    وقومية، تمثل لهما الحضارة العربية الخلفية الأساسية عبر كل العصور


    فى الطريق إلى المطار، وأنا فى سيارة التاكسى التى يقودها الجار الصديق "أحمد
    حسن"، أفكر فيما ينتظرنى من جديد ومثير ومدهش، ومن معرفة بالآخر تكشف عن أشياء
    لم نتعرف عليها من قبل فى أنفسنا، ومن بهجة ارتياد الآفاق المجهولة ومصادفة
    الاكتشاف


    فى صالة السفر، أتبادل التحية مع الخبير السياحى محمود عبد الوهاب وزوجته
    وابنتهما الرقيقة منى، والزملاء الصحفيين باهى حمزة، وعبد الناصر أحمد، وشريف
    صلاح الدين وفى قاعة المغادرة التى لا يفصلها عن الطائرة التى ستحملنا إلى
    المغرب سوى حاجز زجاجى، أتطلع إلى الوجوه المسافرة معنا على نفس الطائرة، خاصة
    وجوه مواطنى ومواطنات المغرب أكاد أرى وجه "ثريا" فتاة الدار البيضاء المرحة
    الضاحكة أبداً فى وجه فتاة مغربية جميلة وحيدة ترتدى نظارة سوداء


    *إلى بلد المحبوب الدار البيضاء *


    المدينة الجغرافية تدخل التاريخ وتخرج منه لتتسكع لبعض الوقت على هامشه متفرجة
    على مدينة أخرى تصنع لنفسها تاريخاً


    المدينة امرأة تعشق النظر طويلاً إلى جسدها في مرآة التاريخ، وترنو إلى واقعها
    وتحلم، محفزة المسافرين إليها على الحلم يليق الحلم بالمدينة الأنثى وبعشاقها
    الكثيرين الذين يرتحلون إليها يحدوهم الشوق إلى لقائها


    إلي مدينة "الدار البيضاء" مسافر أنا، فهل تقبل بي أنا المحب الذي لا يبتغي من
    المحبوب غير أن يقبل بي محباً مسافر إلى بلد المحبوب، فهل يدلني أحد على دار
    "ثريا" في مدينة الدار البيضاء


    الحاجز الزجاجي ينفتح عن باب صغير لا يعبره إلا من يمتلك بطاقة الصعود إلى
    الطائر الحديدي السابح فى الفضاء تقلنا حافلة إلى أسفل بطن الطائر الذي
    يبتلعنا فى جوفه ليطير بنا في الأعالي


    أنظر عبر زجاج النافذة بجسم الطائر الخرافي إلى نجمة الصباح التى تصحبني دوماً
    وأصحبها، وأتحدث إليها وتتحدث إلي، محذرة من الأشياء المشتهاة التى تجلب
    الارتباك إلى القلوب الموسيقية .
    *
    *
    *على أجنحة الطائر الخرافي *


    أنظر بعين طائر صغير لا حول له ولا قوة، مقيد إلى مقعد ببطن طائر خرافي يحلق
    عالياً، فأستشعر انسجاماً بين الأرض التي غادرناها وبين السماوات التي تحملنا
    على أكفها الحانية أكاد أحس أن العالم قد ساده السلام والاطمئنان، وأستمع إلى
    صوت قلبى، فأدهش للحن المرح الصافي يسمو فوق نشاز الرغبة والهوى والضلال


    كل هذا النظام الرائع الذي يسير حركة الكون والكائنات، أكاد أحسه نغمة فاضلة
    تسبح في فضاء فاضل، يتردد فيه اللحن المرح الصافي المتعدد النغمات هذه روحي قد
    أصابها قبس من نور خالص، وهذا قلبي أراه قد أوشك أن يفيض بالموسيقى


    الطائر الخرافي يتابع طيرانه فى اتجاه الغرب الذي تسافر إليه الشمس فى رحلة
    يومية بديعة، تضفي على الدنيا والناس بهجة الضياء وفرح الألوان يحملنا الطائر
    الخرافي ويسافر بنا إلى الغرب، وفق قانون وضعي لبني البشر، لكن سفر الشمس ذات
    الإشراق والضياء والوهج، فى رحلة كل يوم، لهو أمر يستعصي فهمه على عقلنا
    القاصر المحدود، وإن تقبلته أرواحنا فى سرور


    *مع السابحين في شمس المغرب*


    شمس المغرب اجتذبت إليها العديد من الرسامين والمصورين العالميين الذين
    سافروا إليها، مثل ديلاكروا، ماتيس، بول كلي، كاندينسكي، وآخرين، وكان
    ديلاكروا أول فنان أوروبي يقتحم محراب فنون الشرق العربي والإسلامي، ويرتشف من
    صيغه الروحية واللونية رحلة ديلاكروا الشهيرة إلى المغرب فى عام 1832م تعد
    رمزاً للتفاعل الأوروبى مع الثقافة التشكيلية العربية الإسلامية وللاستلهام
    منها، وهى الرحلة المغربية التى اعتبرها "أندريه مالرو" فيما بعد نقطة انعطاف
    فى التصوير الفرنسى، وبداية التحول من الرومانسية الاستشراقية إلى بدايات
    الانطباعية
    وفى عامى 1912م و1913م، قام الفنان الفرنسى "ماتيس" برحلتين إلى المغرب التى
    رسمها فى لوحات، تبدو للناظر إليها وكأن شمس المغرب تشرق من وهج ألوانها وظلت
    المغرب وشمسها لا تغادر "ماتيس" حتى بعد سفره إلى باريس، التى عكف فيها على
    تطوير التخطيطات التى كان قد أنجزها تحت سماء المغرب وشمسها


    الطائر الخرافى يحلق بنا فوق البحر الأبيض المتوسط مخترقاً طبقات السحاب
    الكثيف هل الاقتراب الجغرافى بين الشمال الإفريقى والجنوب الأوروبى، خصوصاً
    بالنسبة إلى دول مثل فرنسا وإسبانيا وإيطاليا قد خلف نوعاً من المزاج البحر
    متوسطى لدى العرب المغاربة
    *من العروبة إلى العروبة*


    فى البطاقة التى سلمتها مضيفة الطائرة إلىّ لكى أملأ بياناتها وأحتفظ بها
    لأسلمها مع جواز سفرى إلى ضابط الجوازات فى الدار البيضاء، أكتب: قادم أنا من
    مصر قلب الجسد العروبى الواحد قادم من مصر التى تمثل حضارة ملتقى تمتزج فيها
    العروبة بالإسلام بالإفريقية بالمتوسطية فى سبيكة واحدة قادم من مصر التي فتحت
    ذراعيها لاستقبال المجاهد المغربي "عبد الكريم الخطابي" زعيم ثورة الريف،
    واحتضن ترابها رفاته


    أكتب في البطاقة التي سأسلمها لضابط الجوازات في الدار البيضاء: مسافر أنا إلى
    المغرب العربي الذي سافرت إليه قبائل من قريش وجهينة وقيس ولخم والأزد وحمير،
    ثم قبائل بني سليم وبني هلال، مسافر إلى اللغة الأمازيغية التي هي لغة السكان
    في بعض الواحات في الصحراء الغربية المصرية، وإلى الأمازيغيين (البربر)
    الإضافة الإيجابية للحضارة الإسلامية في الشمال الأفريقي
    تمر المضيفة أمامي هادئة مزهوة بجمالها الذي تلتقي فيه الطفولة بالأنوثة،
    وتسألني: قهوة أجيبها بهزة موافقة من رأسي أتذكر "ثريا" فتاة الدار البيضاء
    المرحة صاحبة القلب الموسيقى في قاعة الطعام بمعهد البوليتيكنيك في لندن كانت
    "ثريا" تعرف ما أريد وأحب، وكنت أعرف ما تحبه وتريده سوياً شاهدنا حفلات عروض
    الباليه التي قدمتها فرقة الباليه الملكية على مسرح دار الأوبرا الملكية في حي
    "كونت جاردن" فى لندن بمناسبة مرور خمسين عاماً على إنشاء الفرقة أكثر من مرة
    لمحت في ظلام قاعة المسرح بدار الأوبرا دمعة تتسلل من عيني "ثريا" ساءلت نفسي
    وقتها: هل القلب المضيء يقطر موسيقى ودموعا


    *استباق الطائرة بالصحافة*


    أتصفح جريدتي "العلم" و"الصباح" المغربيتين: محاربة المغرب وإسبانيا للهجرة
    السرية الضغوط العنصرية تتصاعد ضد المسلمين في ألمانيا الحكومة مدعوة إلى
    تكثيف البحث العلمي في قطاع الزيتون لمواجهة تحديات العولمة انطلاق القناة
    التليفزيونية الفضائية "المغربية" الأمريكيون يكتشفون المغرب فى فيلم
    "الإسكندر الأكبر" الذي صورت أغلب مشاهده فى مدينتى مراكش وورزازات التوأمة
    بين هوليوود وورزازات زواج سينمائى مغربى أمريكى المراكز الثقافية الأجنبية
    بالمغرب تلعب دوراً محركاً للنشاط الثقافى والفنى المطربة كريمة الصقلي تطير
    إلى باريس بعد غنائها فى القاهرة عبد الوهاب التازي عضو أكاديمية المملكة
    المغربية يعين عضواً في المعهد الإيطالى لإفريقيا والشرق "الملائكة لا تحلق
    فوق الدار البيضاء" للعرض بعد أيام فى قاعة سينما »داوليز« بمدينة الدار
    البيضاء
    الطائرة خفضت من ارتفاعها وتركت طبقات السحاب لتطير بنا فوق مياه المحيط
    الأطلسي، قائد الطائرة يعلمنا أننا بعد دقائق سنحلق فوق الدار البيضاء أنظر
    إلى أسفل، إلى البحر الذي أحبه وأرهبه البحر مرآة أتأمل نفسي وروحي فيه ذلك
    البحر موغل في العمق مثل إنسان يصعب سبر أغوار نفسه الظلمة في أعماق البحر وفى
    أعماق النفس
    "الملائكة لا تحلق فوق الدار البيضاء" لماذا اختاره المخرج المغربى "محمد
    عسلى" عنواناً لفيلمه الذي يلقى القبول والجوائز في مهرجانات السينما هل يعزف
    فيلم "محمد عسلى" على الوتر نفسه الذى عزف عليه زميله المخرج "نبيل عيوش" في
    فيلمه "على زاوا" الذى جعل الكثيرين يكتشفون الحياة الصعبة لأطفال الشوارع
    المشردين الذين يعيشون داخل فندق "لىنكولن" المهجور فى مدينة الدار البيضاء
    إلى جوار سكان شارع محمد الخامس
    المغرب عبر زجاج نافذة
    طائرنا الخرافى الذى حملنا فى جوفه وانطلق بنا فى اتجاه الغرب وفاز فى سباقه
    مع الشمس، ها هو الآن يحلق فوق الدار البيضاء التى تستلقى مسترخية على ساعد
    المحيط الأطلسي وها هي شمس الساعة الثامنة صباحاً التي تركناها في بدايات
    البزوغ في سماء القاهرة، أمامها ساعة كاملة حتى تتعامد أشعتها على سطح مياه
    المحيط الأطلسي وعلى رؤوس الأشهاد في المدينة الكبيرة البيضاء
    هذا مسجد الحسن الثاني يربض في خيلاء فوق مياه المحيط، وهذه مئذنته التى ترتفع
    عالياً في السماء أشعة الشمس تنعكس على الرخام الذى يغطى جدرانه الخارجية
    ألوان قزح مشهد مسجد الحسن الثاني من أعلى عبر زجاج نافذة الطائرة يوحى للناظر
    إليه برهبة وجلال


    مسجد الحسن الثانى فى الدار البيضاء الذي أراده العاهل المغربي جامعة لقمة
    الفنون الإسلامية عبر العصور، افتتح في ذكرى المولد النبوى الشريف في عام 1414
    ه - 1993م


    وذكر في ذلك الوقت أنه قد تم استلهام عمارة مسجد الحسن الثاني من جامع الكتبية
    في مراكش، والقرويين فى فاس، ومن الخيرالدا فى أشبيلية، ما يعكس تداخلاً
    حضارياً يفى بالتعبير عن موقع الدار البيضاء على تقاطع الطرق بين إفريقيا
    وأوروبا، وما يشهد على براعة الحرفيين المغاربة


    حطت طائرة الخطوط الملكية المغربية على أرض مطار "محمد الخامس«" بمدينة الدار
    البيضاء، لكن موعد لقائي الحميم مع بلد المحبوب سيكون بعد الانتهاء من أعمال
    مؤتمر اتحادات الكتاب السياحيين العرب والمتوسطي والعالمي الذي يعقد في مدينة
    مراكش، التي تقلنا إليها طائرة تابعة للخطوط الداخلية المغربية بعد ساعة واحدة
    نمضيها في مطار محمد الخامس الدولي


    *
    الركض وراء شمس مراكش *


    تسطع الشمس في سماء الدار البيضاء، مخلفة ذلك اللون الحر النقي، الذي يتعفف عن
    مخالطة ألوان أخرى، والذي يتحرك وحيداً وقوياً وغير منقسم على ذاته، كما قلب
    عاشق محب لم يتغير ولم يتبدل يتجول اللون الحر النقي في فضاء المكان في حركة
    مستقيمة أو متكسرة أو مقوسة، مكونة ذلك التشكيل الهندسي والزخرفي، الذي يعانق
    البصر منذ اللحظة الأولى التي ينظر فيها المسافر إلى حرم عمارة مطار محمد
    الخامس الدولي


    يمتلئ القلب بمشاعر ود تجاه الأشياء والأحياء من حوله، ويفيض حزناً جميلاً،
    على شكل قطرة دمع تعرف طريقها جيداً إلى الغائر من خطوط الزمن المرتسم على
    صفحة الوجه الحزين، الشاهد على خيانة اللون الحر النقي وعلى تبدله وعدم ثباته
    مع كل تبدل في الضوء والمناخ
    بعد دقائق من تعامد الشمس على الدار البيضاء المغربية، التي لم تفتح لنا
    أبوابها بعد، تحملنا طائرة الخطوط الجوية الداخلية إلى سماء "مراكش" التي تبعد
    عن سماء "الدار البيضاء" بحسب سرعة الطائرة بنحو نصف الساعة


    من خلال زجاج النافذة أرى لون مياه المحيط الأطلسي تحت ضوء شمس الخريف أقل
    سطوعاً وعنفاً من لون مياه بحر الإسكندرية الأبيض المتوسط تحت ضوء شمس شهر
    أغسطس الحار الرطب


    تهبط بنا الطائرة فى مطار مراكش الأحمر الوردى هو اللون المميز للمدينة التى
    تبدى كل الترحيب بالسائح الأجنبى وأنا القادم من مصر، محطة المغاربة فى طريقهم
    إلى الحج، فاتحاً قلبى وذراعى إليك، بماذا تغدقين علىّ يا مراكش


    *مراكش الصورة واللون واللحن *


    وحدى فى المقعد المجاور للنافذة الزجاجية بالحافلة التى تقلنا من مطار مراكش
    بزخارفه الحمراء والأرجوانية فى اتجاه فندق الميريديان، أعانق بناظرى الأخضر
    الداكن الجهير فى الشجر، والوردى الصادح فى عمارة البيوت يتسلل إلى سمعى صوت
    آلة الربابة الأمازيغية شقيقة آلة الربابة الصعيدية أنغام موسيقى الدقة
    المراكشية بايقاعاتها العربية الأفريقية


    طائر أبيض ينطلق من فوق شجرة برتقال فى اتجاه الشمس التى تميل ناحية جبل اصطبغ
    بلون خد عاشق ارتبك قلبه الموسيقى أمام من يحب ويهوى، بيوت ترتفع قليلاً تنخفض
    بعض الشىء كأنها بنيت فوق درجات سلم موسيقى، ونساء من مراكش يرتدين العباءات
    المطرزة التقليدية ويقدن دراجاتهن البخارية فى طريق عودتهن إلى بيوتهن من
    أماكن عملهن


    منذ اللحظة الأولى تتسلل مدينة مراكش إلى داخل قلبى كلحن عاطفى لم أفك شفرة
    إيقاعه بعد شىء فى صدرى يومئ لى بأن علىّ أن أتخفف من أثقال روحى أولاً حتى
    يمكننى التعرف على إيقاع نغمة مراكش التى تعرف طريقها جيداً إلى أصحاب القلوب
    الموسيقية


    أكاد أستشعر فى داخلى شذرات لحنًا خافتًا يبدأ فى التخلق، لعله افتتاحية
    اللقاء بين قلبى الموسيقى وبين قلب مراكش الموسيقى لعل شذرات اللحن الخافت
    تشير إلى بداية قصة حب تربطني بمراكش المكان والزمان والبشر والجغرافيا
    والتاريخ


    أخرج إلى فضاء المدينة الملون، إنها الدهشة المشتهاة تتلبسنى وتفتح عينى على
    آخر اتساعها حتى لا يفوتنى جزء من المشهد، إنها الدهشة المبتغاة تتملكنى،
    فتتسع لها خطوات ركضي خلف شمس مراكش، وتشتد لها أوتار قلبى وتنضبط على نغمة
    مراكش الصادحة


    اعزفي لي يا مراكش فقلبي متعطش إلى الألحان، اعزفي لي لحنك الأمازيغى على
    ربابتك الأمازيغية شقيقة الربابة الصعيدية فى جنو ب مصر يعزف عليها شعراء
    الصعيد السيرة الهلالية وتحدثى إلىّ يا مراكش بالعربية والأندلسية وإن أردت
    بالأمازيغية التى يتحدث بها أهلي وناسي في واحة سيوة المصرية


    ساعدينى يا مراكش على أن أتخفف من أثقال روحي حتى أستمع إلى ندائك العذب لا
    يسمعه إلا من صفت أرواحهم وسكنت الموسيقى قلوبهم ساعديني يا مراكش على أن
    أتخلص من ذنوبي التي اقترفتها في المدن الكبيرة ذات الوجه المكشوف والظالمة
    أهلها والتي لا تحلق الملائكة فوق سمائها.


    أركض أنا خلف شمس مراكش الغاربة. لا أعلم من أنا، ولا من أتى بي إلى هنا، ولا
    أعلم إلى أي اتجاه أقصد. أركض خلفك يا شمس مراكش وأنت فى عز ازدهارك تنهين
    رحلتك البديعة التي لا تملين من القيام بها فى كل يوم، رحلة الشروق والغروب.
    أية قصة حب حقيقية مباركة هذه التي تجعلك تسافرين يا شمس مراكش كل يوم من أجل
    ذلك اللقاء الأبدي الخالد الجميل هذا الذي تهفو إليه روحي ونفسي.
    أية قصة حب حقيقية مباركة هذه التي هي أقرب إلى التسبيح باسم الله العلى
    المتعالي فى الأعالي.
    مراكش أعارت اسمها للمغرب وعلى وقع صياح الديك تتجلى لي المدينة القديمة
    بمدارسها ومقاهيها وزنقاتها
    إنه سفر إلى الحبيب المتعالي . تسافر الشمس إلى الحبيب ومن خلفها تسير مواكب
    الألوان والأضواء
    والعطور والطيور والقمر، والراكضين مثلي على وقع موسيقى كونية، تستمع إلى
    نغماتها وتستعذبه الأرواح ذات القلوب الموسيقية ، وتطرب إلى إيقاعها النفوس
    الطاهرة السامية والملائكة.
    لمن الغلبة، للضوء أم للون فى مراكش أكاد أتصور أن لون مراكش قد حصل على
    استقلاله من هيمنة ضوء شمسها، وأن المرئيات الملونة فى مراكش يمكن أن ترى من
    غير ضوء. لكن تصوري هذا قد يصطدم بأبحاث »ابن الهيثم« فى علم البصريات التي
    تجزم بأن اللون يرافق الضوء ويلازمه وتميزه به وينتشر معه.
    أرى لون مراكش يتغير ويصبح مختلفاً مع كل تغير وتحول فى ضوء شمسها أثناء
    رحلتها البديعية إلى الغرب. أرى مراكش امرأة جميلة عيناها يتغير لونهما بتغير
    لون كل ثوب جديد ترتديه يأتيها به عاشقها.
    من فرط جمال اللحظة العبقرية التي تخشع الكائنات أمام بديع ألوانها، لم يملك
    الأبيض الناصع النقي الذي بات ليلته ساهراً على قمم جبال الأطلسى، إلا أن يذوب
    عشقاً وهو يتأمل لقاء الشمس بالجبل واختفائها وراء الحجب والأستار.


    مراكش وقد ارتدت حلة بلون زهر البنفسج، رأيتها وهى تخفى وجهها حتى لا يرى
    محبوبها بعض آلامها. رأيت مراكش وهى تخلع حلة الألوان والضياء التي ارتدتها
    طوال رحلة شمسها من شرق المدينة إلى غربها لترتدي أخرى مزينة بمصابيح كهربائية
    تحجب أكثر مما يمكنها كشفه.
    مراكش المدينة القديمة الجغرافية التاريخية الشامخة كجبال أطلس، والتى أعارت
    اسمها للمغرب لفترة فى التاريخ، وتنازع عليها ملوك، وتعاقبت عليها سلالات
    حاكمة، وتحدث عنها رحالة وشعراء وروائيون فى كتبهم، ها هى مراكش القديمة تستعد
    للنوم مبكراً لكى تستيقظ مبكرا. لكن فى مراكش الحديثة يطول الليل والسهر،
    ويتناثر فى فضائها الداكن، إلا من مأذنة مسجد الكتبية السامقة المنيرة، دخان
    وضحكات لاهية وبعض أسى وحزن غامض.
    شوارع ليل مراكش التي تخلو من راكبي الدراجات الهوائية والبخارية من الرجال
    والنساء المرتدين العباءات، بها متسع للسيارات السوداء الفارهة التي تشق
    طريقها بحرية قاصدة فندق »المامونية« الشهير، قبلة أثرياء العالم من الغرب
    والشرق، الذين لا يترددون فى دفع آلاف الدولارات الأمريكية، نظير شغل غرفة
    لليلة واحدة، أو فى دفع آلاف الدولارات الأمريكية، لقاء دقائق من المرح تجلبها
    له مائدة قمار. فى ليل مراكش سكون مريب لا يأبه كثيراً بأصحاب القلوب
    الموسيقية الفقراء من أمثالي، الذين يركضون خلف شمس المدن فى رحلاتها اليومية
    البديعية ، ولا يأبه بصوت إيقاع الدفة المراكشية التي يرقص عليها عربي فى ليلة
    زفافه على امرأة أمازيغية جميلة، ولا يأبه بشجن صادر من آلة ربابة أمازيغية
    صعيدية.
    صورة تذكارية للجميلة النائمة


    *الأندلس ابنة المغرب وموقعة الزلافة علامة بارزة في تاريخ الفنون العربية


    *أطفئ لون الكهرباء فى غرفتي بالدور الثاني بالفندق، مكتفيا بنثار ضوء تخلل
    شجرة برتقال تمد أغصانها إلىّ وأنا واقف فى الشرفة. أنظر فى السماء وأرسم على
    مسطح لوحتها الداكن، إلا من وميض هلال ونجوم، رسومات بالأبيض الناصع لملائكة
    بوجوه أطفال تحلق فوق مراكش. وأنا أشم عبير البرتقال فى هواء الشرفة، يردد
    قلبي فى خفوت لحن مراكش المتعددة النغمات، ويخفق لنغمة جواب فى أعلى السلم
    الموسيقى آتية من وتر ربابة قديمة بثها لواعج قلبه الموسيقى صعيدى أسند ظهره
    إلى جدار ذى نقوش بمعبد الأقصر.
    الحيرة تتملكني ، فأنا لم أحدد لون مراكش بعد، ولم تتضح لي معالم لحنها الصادح
    والجهير. تقع عيناى داخل الحديقة أسفل الشرفة على وردة جاءت مع قوافل عربية
    انطلقت من الشام ومصر وجزيرة العرب منذ قرون فى اتجاه واحة بمنطقة »ورزازات«
    القريبة، ظلال الزخارف الهندسية والنباتية والأقواس والخطوط فى العمارة من
    حولي، تتسلق أغصان شجر البرتقال، وتحط على النجيل الأخضر وتعانق بريق
    الفسيفساء والرخام فى نافورة تعكس مياهها الساكنة نور الهلال.
    صوت جرس الهاتف يوقظني أشكر موظف الاستقبال بالفندق، وأنظر إلى ساعتي فأجدها
    تشير إلى الخامسة صباحاً، أخرج إلى الشرفة لأشم نسيم الصباح الممزوج بعبير
    البرتقال، لكنني أعود متعجلاً ارتداء ملابسي والذهاب لأكون فى استقبال قافلة
    النور.
    وحيد أنا أمام جلال المشهد فى غموضه المثير من حولي، أنصت إلى الصمت وأنظر فى
    السماء العالية، فأستشعر كأن حزمة ضوء ونغم أشرقت فى قلبي، إحساس جميل عذب
    تصفو له نفسي وتستعذبه روحي، وأنا أقف وحدي أمام جلال المشهد المثير فى غموضه
    من حولي.
    أسير فى فضاء الجمال النائم للمدينة على غير هدى، مأذنة مسجد الكتبية العالية
    المنيرة تنادى علىّ فألبى النداء. أسير فى الشارع الطويل الممتد المحفوف
    بالأشجار والزهور، ومقاعد رخامية خالية ، وأضواء القناديل، ووميض غامض نازل من
    هلال ونجوم فى الأعالي. قارب صوت المؤذن بمسجد الكتبية على الانتهاء من الآذان
    لصلاة الفجر، فأسرع من خطواتي فى اتجاه المأذنة. أقرأ السلام على عجوز يسير
    على مهل مرتديا عباءته التي تنتهي بغطاء يغطى رأسه، فيقرأني السلام وعيناه
    تستغربان من خطواتي المتعجلة وأنفاسي اللاهثة فى لحظات ربما لا يليق بها
    الاستعجال واللهاث.
    إلى يميني فندق المامونية الباذخ تحوطه هالة من الأسرار، وإلى اليسار حديقة
    الأميرة »للاحسناء« باسقة وجميلة. وعند كل زاوية ومنعطف تنتصب وحيدة ماكينات
    الهواتف الآلية التي تعمل بالبطاقات الممغنطة وقد صمتت عن الكلام، أنهى صوت
    المؤذن الآذان لصلاة الفجر فى اللحظة التي تبدت لي فيها جدران مسجد الكتبية.
    أسرع من خطواتي وأنا أعرج إلى ناحية اليسار مع سور حديقة الأميرة »للاحسناء«.
    فى ارتياب ينظر فى اتجاهي عجوز يمسك بيده اليمنى مفتاحا يدخله فى بوابة
    الحديقة ويغلقها من خلفه. أدور حول مسجد الكتبية باحثاً عن باب يدخلني إلى
    الصحن الذي تقام فيه الصلاة، أخلع نعلى وأدخل من باب موارب لأقف فى الصف وأصلى
    لله صلاة الفجر.
    أخرج من باب المسجد وقلبي الموسيقى يصدر ابتهالات وأناشيد تشيع فى روحي غبطة
    وفرحاً أنظر فى السماء باحثاً عن بصيص ضوء يدلني على الاتجاه الذي تأتى منه
    الشمس فى رحلتها اليومية البديعة من الشرق إلى الغرب، شئ فى صدري أشبه ببوصلة
    تنير لي الطريق الموصل إلى مكان اللقاء الذي أتعجله وأتوق إليه.


    على وقع صياح الديك فى وقت السحر، تتجلى لي مراكش القديمة بمدارسها ومقاهيها
    وزنقاتها. مدرسة يوسف بن تاشفين ، مدرسة ابن البناء المراكشى، مدرسة ابن طفيل،
    زنقة الموحدين، زنقة ابن خلدون، مقاهى تفتح أبوابها وتنشر مقاعدها وطاولاتها
    وتشعل النار فى قدور الماء ومواقد الفحم، أتوقف للحظات أمام المشهد الطالع من
    صفحات تاريخ المدن العربية القديمة، ربما لأضبط عدسة الكاميرا فى ذاكرتي
    وألتقط صورة فوتوغرافية لمدينة مراكش القديمة البهية.
    قط صغير أبيض جميل يسير فى حذر وبطء إلى جانب الرصيف يتطلع إلىّ فى تساؤل
    واستغراب، كلب ضال وحيد يتعثر فى ضعفه ووحدته وحزنه، عامل نظافة رث الثياب
    يمسك بمكنسته التي تترك من قمامة الأرض أكثر مما تزيل، دراجات هوائية تحمل
    عمال بناء واسطوات ورش نجارة وحدادة وأثاث وبقالين ومكوجية وعمال مطاعم إلى
    مواقع عملهم، عربات نقل صغيرة تحمل الخضر والفاكهة لتقوم بتوزيعها على
    الدكاكين، عربات كارو تحمل أجولة القمامة، مدرسون وموظفون صغار يقفون أمام
    محطة الحافلات التي توصلهم إلى أعمالهم فى ضواحي وقرى مراكش المتاخمة لجبال
    أطلس، دراجات بخارية تقودها سيدات مراكشيات فى طريقهن إلى وظائفهن، شاحنات
    صغيرة تحمل زهور الجبل وورود الواحة والوادي إلى محال بيع الورد لتوزعها على
    الفنادق والقصور واليللات.
    هؤلاء هم فقراء مراكش وشرفاؤها فى خروجهم المبارك مع الخيوط الأولى للفجر،
    يشعلون الحركة والنشاط فى دولاب العمل اليومي، ويبذلون الجهد والعرق لكي تستمر
    دورة الحياة. إنهم أفراد الشعب الطيب البسيط مصدر كل السلطات فى كل زمان
    ومكان.
    أنظر فى السماء وأوجه خطواتي الراكضة فى الاتجاه الأقل عتمة والأكثر ضياء،
    تحجب البيوت والبنايات عنى السماء الشاسعة وجبال أطلس الممتدة فى شموخ، فأخذ
    السير والركض فى الشوارع الفسيحة التي لا تعوقني عن النظر إلى السماء والتعرف
    على مكان اللقاء الذي يجمعني مع الشمس فى لحظات الطلوع والبزوغ الأولى.
    *
    *
    *القبارى، والشاطبى، والبوصيرى مغاربة أقاموا فى الإسكندرية، وماتوا فيها*
    *
    *أمضيت وقتاً فى محاولات الخروج من أسر الشوارع الضيقة والبيوت المتلاحقة التي
    تحجب عنى السماء التي بدأت أستار العتمة ترتفع عنها شيئا فشيئا، فهل أرجأت
    الشمس لحظة طلوعها المبارك من أجلى حتى أكون فى استقبالها
    قافلة الشمس براياتها الحمراء البرتقالية وأعلامها الزرقاء والأرجوانية
    والرمادية، تطل من فوق الأبيض النقي الذي يستأذن الرحيل من فوق قمم جبال أطلس
    البعيدة الشاهقة هناك، المشهد من حولي مفعم بالألوان والضياء والأناشيد، جبال
    أطلس الرمادية البيضاء تضئ بالنور الساطع وترتدي حللاً زاهية ملونة بهيجة
    تتغير ألوانها مع حركة طلوع الشمس ومع مهرجان الضياء، نسائم الصباح الوليد
    معطرة بعبير البرتقال ورائحة ورود »ورزازات« وأغصان الشجر وسيقان النبات تستحم
    بالندى والألوان، كتلة الوهج الحمراء القانية تشرق شيئاً فشيئاً وتسفر عن
    وجهها المضئ المنير، فتنشرح لها صدور الكائنات وتستقبله بالابتهالات والأناشيد
    .
    وحدي أنا أمام جلال المشهد، تطفر الدموع من عيني، فلا أملك إلا أن أخرج من
    جيبي ورقة بيضاء وقلماً أخط به رسماً تخطيطياً للمنظر الطبيعي الفاتن، لعلني
    أصوره بفرشاة الألوان على لوحة بيضاء مثبتة فى حامل خشبي فى غرفة مكتبي بمنزلي
    فى منطقة أهرامات الجيزة فى مصر.
    أنظر خلفي فأجد صف بنايات نوافذها الخالية من البشر تفتح على مشهد بداية رحلة
    الشمس اليومية البديعة، فأغبط قاطنيها وأدعو لهم بأن يفتح الله بصائرهم
    وقلوبهم للتمتع بالمنظر الطبيعي البهيج، وقلبي مفعم بالموسيقى والأناشيد، أرقب
    قرص الشمس يتابع رحلته فى دقة ونظام، فأجدني أرفع يدي مودعاً لأعود وأدخل نفسي
    فى سياق برنامج رحلتي إلى المغرب.
    أقرأ فى صحف المغرب المجهولة لنا فى ربوع المشرق العربي عن سيرة رجل كرمته
    مراكش قبل قدومي إلى المغرب بأيام قليلة، هو المقاوم »الهاشمى الطود« الرجل
    الذي قاد حلمه الثوري إلى القاهرة فى رحلة سيراً على الأقدام استمرت ثلاثة
    أشهر، والذي حاز على ثقة عبد الكريم الخطابي زعيم ثورة الريف أثناء وجوده
    بالقاهرة، والذي قاتل بفلسطين عام 1948 قبل وصول الجيوش العربية، ودرب الآلاف
    من المتطوعين المغاربة، وأشرف على تأسيس القيادة الموحدة لجيش تحرير المغرب
    العربي، حتى أن مقاومين تونسيين فكروا فى منحه رئاسة تونس بعد الاستقلال.
    »إعلان مراكش« ــ حديث الصحافة المغربية ــ أطلق على البيان الختامى للندوة
    العربية الأفريقية لمتابعة القمة العالمية حول مجتمع الإعلام المزمع إقامتها
    فى تونس، الذي اعتبر المشاركون فيه أن حرية التعبير والصحافة يتعين أن تشكل
    حجر الزاوية فى بناء مجتمع الإعلام بأفريقيا وفى المنطقة العربية وباقي أنحاء
    العالم، جدد إعلان مراكش التأكيد على مبادئ إعلان ويندهوك »1991« وصنعاء
    »1996« حول النهوض بوسائل الإعلام المستقلة ومتعددة الاتجاهات فى أفريقيا
    والدول العربية، كما شدد إعلان مراكش على ضرورة تحول وسائل الإعلام السمعية
    والبصرية التي توجد تحت مراقبة الدولة إلى إذاعات وتليفزيونات تتمتع
    بالاستقلالية وتمنح الصحفيين الاستقلالية المهنية، وأشار إعلان مراكش إلى أن
    النزاعات المرتبطة بمؤسسات الإعلام والعاملين بها أثناء ممارستهم لمهامهم يجب
    أن تعرض أمام قضاء مستقل.
    أشارت صحف مغربية إلى الترتيبات الإدارية والسياسية التى بدأت بين المغرب ومصر
    لنقل رفات زعيم ثورة الريف عبد الكريم الخطابي من القاهرة إلى أغادير مسقط
    رأسه، وتندرج الإجراءات حسب نشطاء فى حقوق الإنسان فى نطاق طي نهائي للملف،
    كما ألمحت الصحف المغربية أيضا إلى أن هيئة الإنصاف والمصالحة التى يرأسها
    المعتقل السابق »إدريس بن ذكرى« شرعت فى الاستماع إلى إفادات زعماء سياسيين
    حول انتهاكات حقوق الإنسان فى المغرب خلال الفترة منذ استقلال البلاد فى عام
    1956 وحتى عام 1999


    *الأندلس ابنة المغرب
    *
    أخرج إلي شمس النهار في مراكش، التي تأخذ بعض ملامحها من جبال أطلس، وبساتين
    أكدال، وحدائق النخيل، ونساء قادمات من الأطلس الكبير لبيع السلال، ومأذنة
    جامع الكتبية، ارتعاشة مراكش في وقت السحر تحولت إلي ارتعاشة عاشق تفضحه
    التماعات وبريق في العين وحمرة في الوجه، أصيخ السمع إلي صوت إيقاع غامض مثير
    لا يتوقف أينما أولي وجهي، أكاد أتعرف علي النغمة المصاحبة لمراكش الرغبات
    العارمة والمخاوف المختبئة خلف حوائط البيوت.
    بوابة كبيرة موصدة فى قلب المدينة تنفتح لنا نحن وفد اتحادات الكتاب السياحيين
    العرب والمتوسطي والعالمي، يتقدمنا مصطفى العلوي الأمين المساعد لاتحاد الكتاب
    السياحيين العرب، في دعوة على الغداء من قبل أحمد الزغارى، نائب رئيس الاتحاد
    وهو ثرى كبير من أثرياء مراكش لا وقت لديه ليكون فى استقبالنا.
    مساحات شاسعة من أشجار البرتقال والنخيل والزهور والنباتات المتعددة الألوان
    والأشكال والروائح تتوسطها يللات وقصور الغداء فى الهواء الطلق وتحت أشعة قرص
    الشمس.
    المسافة من نقطة تعامده على مراكش وإلى أن يتسربل بحمرة الشفق خلف النخيل
    ويغيب شجر البرتقال تدنو غصونه المحملة بالثمر من الجالسين إلى موائد الطعام
    مطلقة عبيرها فيهم.
    جو احتفالي مشبع بألوان من فنون المطبخ المغربي، طبق الكسكسى نجم حفل الغداء
    الذي غاب عنه المضيف، ونجم المائدة المغربية العامرة بأصناف وألوان الطعام،
    الكسكسى الوجبة المنوعة المألوفة فى كل بيت مغربي، والتي تتجاوز أنواعها
    العشرين نوعاً، منها ما يحضر بالحنطة واللحم والدجاج والسمك، أطباق الوليمة
    الكبيرة فى الهواء الطلق، ووسط أشجار البرتقال والنخيل والزهور، وتحت شمس
    مراكش، تتشكل من السلاطة المغربية، وطواجن لحم البقر والغنم والسمك، ومشويات
    اللحوم والأسماك والسردين، وحلويات المحنشة وكعب الغزال والفقاس والغريبة،
    وعجائن بغرير والرغايف والحرشة والأملو.
    زهرة برية تبتسم لي من بعيد فأبادلها التحية، أغادر المائدة الغنية بأطايب
    الطعام المفتقرة إلى مودة وترحاب المضيف، متجهاً إلى الزهرة البرية، ابنة جبال
    أطلس والصخر الصلد والريح والطبيعة القاسية، تتحدث إلىَّ الزهرة البرية عن
    استيقاظ الفتيات والأمهات فى الصباح الباكر فى أوائل شهر مايو من كل عام، يجبن
    الحقول ليقطفن أجمل الزهور وليصنعن منها تيجاناً يضعنها على رؤوسهن، تحدثني
    الزهرة البرية عن جموع الناس فى موسم الورود، الذين يأتون إلى السوق من مراكش
    وفاس ومكناس، يشترون ويبيعون ويتبادلون التحيات، وعن اصطفاف رجال سمر فى ثياب
    بيضاء لأداء رقصة السيف وسط أناشيد النسوة القادمات من الحقول يحملن سلال
    الورد ويرتدين أبهى الثياب المزركشة والحلي الملونة، ويلتحقن بحلقة الرقص
    يرمين الورود على الرجال الذين يدوسون فى غمرة النشوة على الورود الحمراء
    المتساقطة تحت أقدامهم العارية.
    طبق الكسكسى نجم حفل الغداء الذي غاب عنه المضيف
    أتجول وحيداً فى الفضاء المتسع الملون من حولي وتحت سماء زرقاء محملة بنثار
    الغيم الذي ترسمه الريح وقرص الشمس والمصادفة أشكالاً تتغير مع مرور الوقت،
    قاعات فتحت أبوابها للضيوف بإذن مسبق من المضيف الثرى إلى المستخدمين الكثيرين
    الذين يبذلون كل ما فى وسعهم لإسعاد الزائرين، الأبواب مزيج جمالي من الخط
    المستقيم والمنحنى والمثلث والمربع والمخمس والدائرة ونصف الدائرة، جمالية
    الأبواب المغربية، هل القصد منها أن نتهيأ للدخول إلى جماليات العمارة
    المغربية
    جدران القاعات من الزليج المغربى (الموزاييك) الفن الإسلامي الذي يعود تاريخه
    إلى أكثر من سبعمائة عام، نماذج حديثة من الزليج باللونين الأحمر والوردى،
    وأخرى بالأزرق والأخضر والأبيض والأسود والأصفر، تتخذ شكل رموز هندسية
    ونباتية. وأينما أولى وجهي أرى أباريق الشاي والقدور المعدنية وشمعدانات
    ومزهريات وفوانيس وأواني فخار بربرية وأغطية وزرابى زرقاء وصفراء لامعة ذات
    رسوم هندسية.
    كل هذا الجمال الأخاذ فى عمارة اليللات والقصور المتناثرة كحبات مسبحة وسط
    الحدائق والمتنزهات فى المساحات الشاسعة من أرض وفضاء مراكش يملكها مضيفنا
    الثرى.. كل هذا الجمال الباذخ الأخاذ، الذي أنجزه بناءون وحرفيون مغاربة
    فقراء، لماذا استشعر البرودة تسرى فيه.. ربما لأن كل هذا الجمال يفتقر إلى دفء
    الإنسان الذي يسكنه ويشغل فضاءاته
    نغادر الوليمة التي أعدت لنا من قبل المضيف الثرى الغائب، دون أن تمتد لنا يد
    تشد على أيدينا متمنية لنا الصحة والعافية ونشد عليها شاكرين، عند الباب
    الحديدي الخارجي للضيعة أو العزبة الباذخة، يقع بصري على رجل ممن يستخدمهم
    المضيف الثرى، يرتدى ثياباً بالية، وثقبان كبيران فى حذائه البالي يظهران
    أصابع قدميه الداكنة بلون أديم الأرض، وعلى وجهه علامات وجل وخوف غامضين وهو
    يسارع بإغلاق الباب الحديدي الكبير، تاركاً باباً صغيراً مفتوحاً إلي جانبه
    ليخرج منه بقية الضيوف المأخوذين بما اطلعوا عليه من جمال وبذخ وثراء.
    هل المغرب بنت الأندلس، أم العكس هو الصحيح يختلف الدكتور عثمان إسماعيل أستاذ
    الحضارة والفن الإسلامي مع المستشرقين ومن نحا نحوهم من العرب فى تسمية أحد
    طرز العمارة والفنون الإسلامية فى المغرب بالطراز الأندلسى المغربي، وفى القول
    بأن المغرب بنت الأندلس، ويرى أن العبارة معكوسة، فى رأى الدكتور عثمان
    إسماعيل أن طرز العمارة والفنون الإسلامية فى المغرب أربعة طرز: الطراز
    المغربي القديم (طراز البربر)، والطراز المغربي الإسلامي المبكر (امتد منذ
    نشأة الإسلام إلى بداية عصر المرابطين)، والطراز المغربي الأندلسى (امتد بطول
    تاريخ المرابطين والموحدين والمرينيين)، وطراز الأشراف السعديين والعلويين.


    دخل الطراز المغربي فى العمارة والفنون الإسلامية إلى الأندلس عندما ضم
    المرابطون الأندلس لدولتهم فى سنة 974 هجرية إثر انتصارهم فى موقعة »الزلافة«
    بالأندلس، واستمر هذا الطراز والفن المعماري طوال أربعة قرون فى الأندلس.
    وكانت موقعة »الزلافة« علامة بارزة فى تاريخ الفنون المغربية تشير إلى نهاية
    عصر الطراز المغربي وبداية عصر آخر فى تاريخ الفن يسمى بعصر الطراز المغربي
    الأندلسى الذي امتد إلى سقوط غرناطة، وأنه خلال هذه الفترة تم تزاوج فني
    معماري بين المغرب والأندلس..
    عبثاً يدعى المستشرقون - يقول الدكتور عثمان إسماعيل - إن إنجازات العمارة
    المغربية كانت بفضل الأندلسيين، بل الثابت تاريخياً أن هناك عناصر معمارية فى
    تاريخ العمارة فى الأندلس مشتركة مع المغرب بحكم أن الدولة أصبحت واحدة، وأن
    مسجد أشبيلية كان أغلب مهندسيه وعماله مغاربة قاموا بتصميم صومعة »الخيرالدا«
    التي هي أخت لصومعة جامع الكتبية فى مراكش، حيث صممتا على نفس الطراز
    والمواصفات، وكذلك صومعة »حسان« فى الرباط التي شيدت فى القرن السادس الهجري.
    ها هي مراكش المدينة العاطفية تعلمني أنها ليست من المدن ذات الوجه الواحد
    واللون الواحد، تعلمني مراكش ألا أتوقف أمام متجر يبيع البطاقات البريدية التي
    تحمل صورتها الثابتة التي لا تكشف حقيقتها المتغيرة وحقيقة قلبها المتقلب كما
    قلب عاشق، لكن هل تبدى مراكش لي شيئاً من حقيقتها وبعضاً من رغباتها ومخاوفها
    فى المدينة القديمة بمراكش وجدتني وجهاً لوجه أمام »السوهاجى« زميل الجامعة
    بأسيوط، أسرعت إليه غير مصدق ما أرى لأمد له يدي مسلماً، لكن التعبير الجامد
    على وجهه أوقف بادرته بالسؤال: أنت السوهاجى زميل جامعة أسيوط أجابني بلغة
    عربية واضحة: آسف لست أنا اعتذرت له عن خطأي وأسرعت بالابتعاد متعثراً فى
    خجلي.
    أعرف أن وجهاء من المغاربة الهوارة استقروا كراماً فى »أخميم« بمحافظة سوهاج
    التي وصفها إمام الرحالة العرب والمسلمين المغربي »ابن بطوطة« فى إحدى رحلاته
    وصفاً دقيقاً، لكن هل يمكن لوجه مغربي من مراكش أن يشبه وجه زميلي المصري من
    سوهاج إلى هذا الحد هل هو الدم المغربي الذي امتزج بالدم المصري عبر علاقات
    مصاهرة تمت بين أسر مغربية تعيش بمصر وتتردد عليها وبين أسر مصرية منذ إنشاء
    رواق المغاربة فى الجامع الأزهر بالقاهرة فى أواسط القرن الثامن الهجري أيام
    الملك الناصر بن قلاوون
    هل هي العلاقة العاطفية التي تربط بين المغرب العربي وبين مدينة الإسكندرية
    التي كانت تعتبر باب المغرب الذي انطلقت منه الجيوش الإسلامية لفتح المغرب
    العربي والأندلس، وهمزة الوصل بين البلاد المفتوحة والعواصم الإسلامية فى عهد
    الخلافة الأموية والعباسية، والمحطة الرئيسية لأهل المغرب الذين يقصدون الحج
    إلى بيت الله الحرام، والمستقر للعديد من أبناء المغرب العربي من التجار
    والعلماء وطلاب العلم
    عبد الهادى التازى: ظل اسم مصر وسيظل منقوشاً فى قلب كل مغربي
    علماء جاءوا من المغرب والأندلس وأقاموا فى الإسكندرية، وماتوا فيها، وتحولوا
    إلى أعلام ارتبطت أسماؤهم بالإسكندرية أكثر من ارتباطهم ببلادهم الأصلية مثل
    الشيخ الزاهد »القبارى«، والشيخ الزاهد »الشاطبى«، والعالم »البوصيرى« الذي
    ينتمي إلى قبيلة صنهاجة المغربية والمولود فى »أبوصير« بالقرب من مدينة »بنى
    سويف« المصرية.
    أماكن بمدينة الإسكندرية تحمل أسماء ذات أصل مغربي مثل سوق المغاربة، وزنقة
    الستات، وعائلات بالإسكندرية من أصول مغاربية مثل الم

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين مايو 20, 2024 7:05 am