قراءة نقدية في نص (جينيريك الغياب) للشاعر المغربي عزيز الوالي

سيمفونية الإصرار في التضحية حين تكون لها مبرراتها
أن الدخول إلى نصوص الشاعر عزيز يلزمك قدرة كبيرة على فك رموز الروحية المشبعة بالعاطفة الواعية لأن نصوص هذا الشاعر تأخذ من أنساق روحة الشيء الكثير حيث نراها كأنها الحلم في مساراته العاطفية والباحثة عن معنى (الأنا ) في عالم زاخر بالمجهول ..والنص عند الشاعر هو مساحة واسعة من التساؤل حول هذا العالم والأنا .. وحين نتوغل إلى هذه النصوص ندرك أن لدى الشاعر القدرة على طرح الأسئلة على هذا العالم من خلال الأنا و الإجابة عليها أي أن قدرة الشاعر تبرز هنا بعدم انتظار العالم بالإجابة على أسئلته الوجودية بقدر ما هي أسئلة يريد بها أن يعرف أزمة الذات الإنسانية في هذا العالم ...وبالطبع هذا كله يحتاج إلى قدرة عالية من السيطرة الفكرية على طرح هذه الأسئلة كي لا تصبح هذه الأسئلة بدون معنى أو أسئلة خارج الحضور الإنساني وكما عبر عنه أرون كوبلاند في كتابه ( الموسيقى والخيال ) قائلا : أن السبب الذي يدفع الإبداع إلى التجدد باستمرار هو ، كما يبدو لي أن كل عمل جديد يحمل معه عنصرا لاكتشاف الذات ...أي هو السؤال ..علي أن أبدع لكي أعرف ذاتي ...ولكن مادامت معرفة الذات بحثا لا ينتهي فأن كل عمل جديد ليس إلا جزءا من الجواب من أنا) بهذا نستطيع أن نحصر أزمة القصيدة لدى هذا الشاعر من خلال مشروعية الأسئلة الوجودية وأزمتها في الواقع الإنساني .. وقد تبتدئ هذه الأزمة من الأسئلة بنوع من التردد الحكيم فهو قبل أن يثقب السماء ويمعن في شقوق الورد التي هي لحظة أفول الأشياء يستجيب إلى أزمة الذات ويبرأها من لحظات هذا الأفول فهذه الأماكن لا وجود لدمه بسبب أن هذه الأماكن موبوءة بالغياب والأفول والتراجع أي أن الشاعر هنا لا يريد أن يزج نفسه في أماكن هي لا تمثله في بحثه عن روحية العالم الذي يريد أن يبنيه لأنها سائرة إلى التلاشي والغياب ..أذن كيف يضحي بدمه من أجل هذه الأماكن ، وكما قلت سابقا أن أبداع الشاعر ندركه من خلال قدرته على طرح الأسئلة من خلال قدرته الفكرية على طرح هذه الأسئلة ... فهو هنا يتجاوز كل الأماكن التي تؤدي به إلى الغياب والأفول و يعبرها إلى الصباح والغسق ويمسك به من خيوطه مع إن هذا تتطلب منه التضحية والقربان ولكنه يستمر بهذا لأنها الأمل الذي ينشد وهو يعرف أن هذه التضحية قد تؤدي به إلى الموت مع ذلك هو يضحي بكل وعي وإصرار على هذه التضحية لأنها مهرجان الفرح... هو أستطاع بهذا أن يحقق أو يطرح حقيقة أن كثير من الفرح المنشود لا يأتي جزافا ألا أذا قدمت له القرابين والتضحية... حيث أن كفه الذي يمسك به خيوط الغسق (الأمل و والصباح السعيد) يدميه أي يقدم له القرابين ... والشاعر هنا أستطاع أن يثبت الحقيقة الوجودية عن متى وأين نقدم القرابين والتضحية كي لا تصبح هذه القرابين والتضحية دون جدوى أو دون هدف وكما قال الناقد الإنكليزي جون دريدان ( أول نجاح لخيال الشاعر هو الابتكار أو العثور على الفكرة)




أقبل ثقب السماء
وأمعن في شقوق الورد ...
لا ذكرى لدمي في هذه الأمكنة الموبوءة بالغياب...
الكف الذي أمسك به خيوطالغسق أدميه ..........
ومن دمي اصنع للموت مهرجان الفرح




وبعد هذا الإصرار على التضحية من أجل الوصول إلى مهرجان الفرح..ينقلب إلى وجه أخر من التأني والسؤال من أجل أن يعرف حقيقة وعمق إصراره على التضحية وكما قال فرويد ( أن القاسم المشترك بين الحالم والفنان هو : الهروب من الواقع إلى العالم الخيالي مع فرق واحد أن الحالم يعود إلى الواقع حين يستيقظ ، وأن الفنان يعود إلى الواقع بالإبداع) وبهذا بعد أن ندفع الشاعر في نصه هذا على التضحية بأخر شروطها إلى حد الموت من أجل الوصول إلى مهرجان الفرح ...يعود بهدوء وعلى غفلة من السوسن يدنو من محراب السفر أي أن الشاعر هنا يريد أن يؤكد أن تضحيته لا تسبب التضحية بالأشياء الجميلة التي هو يحبها وألا لماذا يدنو من محراب السفر بغفلة من السوسن ... والغفلة هنا أستخدمها الشاعر لكي يؤكد أن تضحيته من أجل الآخرين ولكن يريد هو أن لا يعرفوا بهذه التضحية لأن هذه التضحية قد تتطلب منه دعس سواك التراب ويلون كفه بدم الخطيئة ويقطف نبضه من عيون الليل .. وهذا السفر في طرق التضحية قد يفهمها الآخرون عكس ما هو علية من حقيقة هذه التضحية أو هو يريد أن لا يدركوا تضحيته كي لا يسبب لهم ألم حيث أن الشاعر يبرر هذا من خلال التساؤل ( أفلا يكفي الورد كل هذا النوح) هو هنا يخلق حقيقتين هما الأولى هي ألا يكفي هذا النوح من الاستمرار بالتضحية والثانية هي مشروعية تضحيته ... ويعود الشاعر إلى المسبب إلى هذا النوح لكي يؤكد مبرر آخر يضاف إلى أسباب تضحيته ويطرح الحقيقة المبررة التي جعلته يضحي به ( هو ثلجك أيها الوشم الفارق في حزني/ يدلف على سواعد ضوضائي/ وعلى رابية القدير يتكئ دمع الطين)... وهو بهذا يريد أن يؤكد أن تضحيته كان فعل حقيقي وليس طائش وهو هنا حين يؤكد على هذا كي لا يفقد ذاته المضحية حيث على رابية القدر يتكئ دمع الطين
وعلى غفلة منالسوسن
أدنو من محراب السفر ...
أدعس سواك التراب ...
ألون كفي بدمالخطيئة ...
أقطف نبضي من عيون الليل
افلا يكفي الورد كل هذا النواح ؟
هو ثلجك ايها الوشم الغارق في حزني
يدلف على سواعد ضوضائي ...
وعلىرابية القدر يتكئ دمع الطين

هنا أراد الشاعر أن يستمر في تبين قدرته على الإصرار بتحدي هذا القدر حيث في بداية هذا المقطع ندرك أن الشاعر طرح أسئلة على هذا القدر ( فمتى تجئ أيها المشط المسجع بأوراق الروح/ متى يهجرني هذا الدم المالح / أيها المبتور من أصابع الليل ) وقد طرح هذه الأسئلة كي يحدث الانفكاك والابتعاد عنه ولكن بصيغة عدم التهاون معه حيث هو لن يسرق ساعة المطر من فم الزمهرير ..أي أن الشاعر لن يتنازل له عن علياه ويسرق من أجل أن يهادنه بل مستعد إلى التضحية وكما أنه لن يصرح للغياب بكل حكايا سالفا دور أي أن الشاعر لا يريد أن يوغل بطرق الغياب في سريالية ضبابية بعيدة المنال بل هو يريد الحقيقة أن يعيشها لذلك هو سيبقي الدم البارد شاهدا على الغياب وحتى لو تتطلب هذا منه أن يبقي الغروب بدمه
أنها رائعة هذه السيمفونية في التضحية التي لا تشترط حدودها
فمتى تجيء ايها المشط المسجع باوراق الروح ...؟
متي يهجرني هذا الدم المالح ؟
أيها المبتور من اصابع الليل ...
لناسرق ساعة المطر من فم الزمهرير
لن اصرح للغياب بكل حكايا سالفادور دالي
سابقيك ايها الدم البارد شاهدا على الغياب
واعنون لكنة الغروب بدمي ...




نستطيع أن نقسم النص إلى ثلاثة محاور المحور الأول: هو التضحية الثاني :هو التبرير لهذه التضحية الثالث :هو التبرير إلى القدر الذي بموجبه تطلب منه هذه التضحية.
حقا رائعة هذه السيمفونية في المنازلة والإصرار على التضحية إلى آخر نفس من أجل أن نؤشر عمق الهوة في حياتنا ومجهوليتها في عالم غارق بالقدرية ... نرجع إلى المقطع الأخير من هذا النص الرائع ، يدخل هنا رمز الماء كتعبير عن الطهارة و الشاعر هنا أراد أن يحدث مفارقة في إصراره على الاحتفاظ بالطهارة بالرغم أن الماء لا يشتهيه أي أن الاحتفاظ بالطهارة قد تسبب كثير من الألم بسبب الواقع الذي حولنا ومغرياته
ولكنه يصر عليها إلى حد تصبح هي نبضه.. حيث يؤكد الشاعر هنا حقيقة هذا الألم فكل أسمائه مقتطفة من الصراخ وفلك شطط الموت .. وهنا أستطاع الشاعر بقدرة عالية من حرفة التحكم بالنص واستخراج أنساق الرؤيا من خلال التحكم بهدف هذا النص الذي هو بقدر ما هو تحدي على التضحية والاستمرار بها إلى أخر أشواطها بقدر ما هو الإصرار بالاحتفاظ بالطهارة وهنا ينفرج النص من أعماقه من خلال اللغة التعبيرية من أجل أن يؤكد أن أسباب التضحية هي من أجل الاحتفاظ بالطهارة ...حيث تبقى عيون السامرين على شرفة السكون ويعبر نهر الوجع ممتطيا مجداف العشق ... وهنا وصل الشاعر بهذا النص بعد كل هذا المخاض إلى بر الأمان والانتصار باحتفاظه بطهارته... ألا هو العشق ... والعشق أكبر طهارة في هذا الكون
مت ...و...مت أيها
القدر على أرصفة الدخان

مع خالص محبتي وتقديري إلى الشاعر المبدع عزيز والي.
وحده الماء لا يشتهيني ...
اليه اهدي نبضي ...
وكل اسمائي المقتطفةمن الصراخ .....
فلك شطط الموت ...
وعيون السامرين على شرفة السكون ...
فاعبر نهر الوجيعة ...ممتطيا مجاديف العشق ...
ومت ...مت .......لكن علىارصفة دخاني





كتبها: عباس المالكي

ولكم أرق التحيات

دعاء حمزة الدباغ