يواجه الكتاب خطر العزوف عنه فحسب، إنما يواجه خطراً آخر يتمثل في جعله صِنْو الوجبات السريعة، أو إنتاجاً يوازي «الفيديو كليب»، لذلك صارت رفوف المكتبات تثير الشفقة نظراً لتكدس الكتب عليها، وتحميلها ما لا طاقة لها به.
يُخيّل لي أن المؤلف كان يقرأ مئة كتاب كي يؤلف كتاباً، وفي كتابه لا يستنسخ أفكاراً عاشرتها صفحات الكتب التي قرأها، فكان يأتي بالجديد، أو المتجدد، أو ما هو حديث ومستحدَث على صعيد أية فكرة، وكان يعزز فكرته بحججه حتى لو خالفها آخرون كحال الغزالي وابن رشد, مثلاً.
وحتى الكتب التي تسرد وقائع تاريخية وسياسية هامة، وكتب السِّير الذاتية، في بطونهن قوة السبك، ومتانة اللغة، والعبق الأدبي الذي يزيد القراءة تشويقاً، وتنبىء عن الثقافة الهائلة التي يتمتع بها أحد مؤلفي مثل تلك الكتب.
إلا أن حال الكتاب، اليوم، كحال المُنَكّل بهم جسدياً بأذرع الأجهزة الأمنية، فأسوأ حال قد يؤول إليها الكتاب هي عندما تُسلخ عنه هالته وهيبته فلا يعود سوى ورقٍ مُعَنْون غلافه, ومزركش لحافه. يمكن للمرء أن يتخيل شخصاً آذاه المنكِلون جسدياً، ثم ألبسوه بذلة جميلة، فكذا الكتاب اليوم.
لا ريب في أن العصر الذي نحياه يتسم بالسرعة، والتسارع عند الأمم المتقدمة، وأختصر الزمان مثلما اختصر مسافات المكان، وجمع مصادر المعرفة والاطلاع في بوتقة عنكبوتية، الأمر الذي يعني، حتماً، أنه وفر الكثير من الجهد والمشقات على أي مؤلف، فبدلاً من أن يأخذ تأليف الكتاب سنوات كما في الرَّدَح الزماني الماضي، صار الوقت أقل نظراً لوجود كل العناصر العصرية التي تساعد الكاتب على نشر ثقافته وفكره.
هذه النعمة التكنولوجية المتوفرة بين أيادينا، اغتنمها "المسْتثقِف" قبل المثقف، كي يطل على الناس بهيئة المؤلف غزير الإنتاج، فلا تكاد تمضي ثلاثة أشهر على كتابه، حتى يفاجىء الرهط بكتاب آخر، فيما كتابه الأول لم تبرح نسخه مكانها من على الرفوف، وما إن تنقضي السنة حتى يكون قد أصدر أربعة كتب، أو خمسة، يُلْبسها أقوى العناوين، فيوحي للقارىء أنه سيغوص في أعماق بحار الفكر والمعرفة، وإذ به ما انفك على الشاطىء حال وصوله إلى الصفحة الأخيرة.
يبدو أن المعادلة اليوم انقلبت، في عصر الانقلابات، فصارت قراءة كتاب واحد كافية لتأليف خمسة كتب في سنة لدى "المُسْتثْقِفين"، وبقيت قراءة خمسة كتب غير كافية لتأليف كتاب في سنتين لدى المثقفين. "فأما الزبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض".
كتبها : محمد أبو عبيد
يُخيّل لي أن المؤلف كان يقرأ مئة كتاب كي يؤلف كتاباً، وفي كتابه لا يستنسخ أفكاراً عاشرتها صفحات الكتب التي قرأها، فكان يأتي بالجديد، أو المتجدد، أو ما هو حديث ومستحدَث على صعيد أية فكرة، وكان يعزز فكرته بحججه حتى لو خالفها آخرون كحال الغزالي وابن رشد, مثلاً.
وحتى الكتب التي تسرد وقائع تاريخية وسياسية هامة، وكتب السِّير الذاتية، في بطونهن قوة السبك، ومتانة اللغة، والعبق الأدبي الذي يزيد القراءة تشويقاً، وتنبىء عن الثقافة الهائلة التي يتمتع بها أحد مؤلفي مثل تلك الكتب.
إلا أن حال الكتاب، اليوم، كحال المُنَكّل بهم جسدياً بأذرع الأجهزة الأمنية، فأسوأ حال قد يؤول إليها الكتاب هي عندما تُسلخ عنه هالته وهيبته فلا يعود سوى ورقٍ مُعَنْون غلافه, ومزركش لحافه. يمكن للمرء أن يتخيل شخصاً آذاه المنكِلون جسدياً، ثم ألبسوه بذلة جميلة، فكذا الكتاب اليوم.
لا ريب في أن العصر الذي نحياه يتسم بالسرعة، والتسارع عند الأمم المتقدمة، وأختصر الزمان مثلما اختصر مسافات المكان، وجمع مصادر المعرفة والاطلاع في بوتقة عنكبوتية، الأمر الذي يعني، حتماً، أنه وفر الكثير من الجهد والمشقات على أي مؤلف، فبدلاً من أن يأخذ تأليف الكتاب سنوات كما في الرَّدَح الزماني الماضي، صار الوقت أقل نظراً لوجود كل العناصر العصرية التي تساعد الكاتب على نشر ثقافته وفكره.
هذه النعمة التكنولوجية المتوفرة بين أيادينا، اغتنمها "المسْتثقِف" قبل المثقف، كي يطل على الناس بهيئة المؤلف غزير الإنتاج، فلا تكاد تمضي ثلاثة أشهر على كتابه، حتى يفاجىء الرهط بكتاب آخر، فيما كتابه الأول لم تبرح نسخه مكانها من على الرفوف، وما إن تنقضي السنة حتى يكون قد أصدر أربعة كتب، أو خمسة، يُلْبسها أقوى العناوين، فيوحي للقارىء أنه سيغوص في أعماق بحار الفكر والمعرفة، وإذ به ما انفك على الشاطىء حال وصوله إلى الصفحة الأخيرة.
يبدو أن المعادلة اليوم انقلبت، في عصر الانقلابات، فصارت قراءة كتاب واحد كافية لتأليف خمسة كتب في سنة لدى "المُسْتثْقِفين"، وبقيت قراءة خمسة كتب غير كافية لتأليف كتاب في سنتين لدى المثقفين. "فأما الزبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض".
كتبها : محمد أبو عبيد
الجمعة يونيو 28, 2019 8:55 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» د. ليلى عريقات نائب الرئيس ورئيسة تكريم الشهادات الفخرية والرئيسة الفخرية للمجلس
الإثنين ديسمبر 03, 2018 12:25 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» اهداء ارتجالي الى عميدة الشعر المعاصر الاستاذة د. ليلى عريقات / د. لطفي الياسيني
السبت ديسمبر 01, 2018 9:05 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» خذ ومن عمري لعمرك .. مهداة لشيخ الشعراء المجاهدين لطفي الياسيني للشاعر حسين حرفوش
السبت ديسمبر 01, 2018 2:18 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» وما غير الطبيعة من سِفر
الخميس يوليو 11, 2013 6:22 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» حمى الناس ..إهداء إلى أهالي الحولة
الخميس يوليو 11, 2013 6:13 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» قصيدة معايدة الرؤساء العرب .. للشيخ عائض القرني
الخميس يوليو 11, 2013 6:12 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» طال ابتهال المصطفى
الخميس يوليو 11, 2013 6:11 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» من وحي السيول والفيضانات التي اجتاحت بيوتنا / د. لطفي الياسيني
الأربعاء يناير 09, 2013 4:02 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني