مناهجنا المدرسية ومآسي الطلبة
لا أظن أن هناك مناهج في العالم أسوأ من مناهجنا المدرسية، وأستغرب الآلية التي يتم فيها إقرار بعض تلك الكتب التي تحول واقع أبنائنا الطلبة إلى مأساة حقيقية، من خلال ذلك الكم الهائل من المعلومات التي يتم حقنها في أدمغة الطلبة، والتي ربما تعجز عنها حتى أكثر أنواع الذاكرة الحاسوبية سعة. والمشكلة أنك لو سألت مسؤولاً في وزارة النربية عن مزايا بعض كتبنا المدرسية المعاصرة، فإنه سيقول لك بأن المناهج القديمة كانت تعتمد على الحفظ وحشو المعلومات، بينما مناهجنا الحالية تعتمد على تحفيز ملكة النفكير لدى الطالب، وتطوير قدرته على التفكير الإبداعي. ولا أدري عن أية مناهج يتحدث هؤلاء المسؤولون. فهم والله أعلم يتحدثون عن مناهج كوريا الشمالية وليس عن المناهج الأردنية، وأستغرب ما دور ما يسمى بالفريق الوطني للإشراف على التأليف الذي كما يبدو مشرف بلا إشراف . وأتناول على سبيل المثال لا الحصر، كتاب "القواعد والتطبيقات اللغوية" للصف التاسع الأساسي الذي ترتعد فرائصي كلما تصفحته، خوفاً على مستقبل اللغة العربية التي وبكل أسف تشهد هبوطاً حاداً في مستوى الطلبة التحصيلي. ولا يستطيع أحد أن يلوم الطلبة، لأنهم في واقع الحال هم ضحايا وليسوا سبباً في ما آلت إليه أوضاعنا التعليمية. إن المعلومات الموغلة في الجزئية والتفاصيل الدقيقة التي تم إدراجها في الكتاب المذكور تعجز عن استيعابها كل حواسيب العالم. حيث يحتوي الكتاب على معلومات هائلة كلها ينبغي حفظها. ومعظمها، إن تم حفظه، لا يقدم ولا يؤخر في تحسين الأداء اللغوي في اللغة العربية للطلبة. إضافة إلى ذلك، فإن المؤلفين، بارك الله في جهودهم، حين يضعون قاعدة ويأتون بأمثلة لتطبيق القاعدة عليها، يختارون نصوصاً معظمها من الأدب القديم، الذي يعجز ربما المؤلفون أنفسهم عن فهم بعض مفرداتها، بحيث تصبح معاناة الطالب مضاعفة، لاضطراره لحفظ القاعدة، التي سيطبقها على نصوص هي إلى الطلاسم أقرب منها إلى النصوص الصالحة للتطبيق. وكمثال على ذلك أستشهد ببيت شعر للشاعر بشر الأسدي ورد كسؤال للتفريق بين الفعل اللازم والمتعدي. يقول البيت:
هم جدعوا الأنوف فأوعبوها وهم تركوا بني سعد يبابا
والسؤال الذي من حقنا أن نسأله: ألم يجد المؤلفون أيسر من هذا البيت كشاهد يتمثلونه للتفريق بين الفعل اللازم والمتعدي؟ وأتساءل متى عرف المؤلفون أنفسهم معنى كلمة: أوعبوها؟ ثم ألم يكن هناك بيت أكثر يسراً وسلاسة للاستشهاد به من هذا البيت الذي يظنه القاريء للوهلة الأولى مكتوباً باللغة الفارسية؟
قرأت ذات مرة سؤالاً للصف الخامس الأساسي عن مفرد كلمة "زرابي" وحين رجعت لقائمة المؤلفين وجدت من بينهم زميلاً لي في جامعة كنت أدرس فيها. وذهبت إليه في مكتبه في الجامعة، وقلت له: أستحلفك بالله متى عرفت مفرد زرابي؟ فقال لي: بكل أمانة عرفتها بعد أن أنهيت دراستي الجامعية وحصلت على درجة البكالوريوس في اللغة العربية. فقلت له بما أنك من بين الذين اقترفوا تأليف كتاب اللغة العربية للصف الخامس، كيف بالله عليك تضعون سؤالاً لهذا المستوى من الطلبة، إذا كنت أنت نفسك وبالتأكيد زملاؤك أيضا كذلك، عرفت إجابته بعد حصولك على بكالوريوس اللغة العربية؟ فقال لي: لقد استوقفتنا هذه الكلمة بالفعل حين اخترناها، ثم قلنا قطعاً سيكون هناك أحد الطلبة أبوه أو أمه مدرساً او مدرسة للغة العربية ويعرف مفرد زرابي. فقلت له وهل أنتم تضعون المنهاج للطلبة أم للأم والأب؟
وقد يكون من المفيد أن أشير إلى أن خير من يضع الكتب المدرسية هم المدرسون والمدرسات من ذوي الخبرة الميدانية الطويلة والكفاءة العالية، وينبغي أن ينأى أساتذة الجامعات بأنفسهم عن تأليف كتب الصغار، فيكفي منهم أن يقوموا بواجبهم على مستوى عملهم الجامعي، وأن يكتفوا بأعمال استشارية فقط إذا طلبت منهم. فلا أظن أن الأستاذ الجامعي هو الشخص المناسب لوضع كتاب لأطفال لا يمكنه النزول إلى مستواهم تحت أي ظرف كان.
إن وزارة التربية والتعليم (إن وجد)، مطالبة بأن تتقي الله في أبناء الوطن، وأن يكون تأليف الكتب قائماً على أدق الضوابط الممكنة، وأن لا يكون التأليف مجرد عملية تنفيع لهذا أو ذاك، أو تشكيل لفريق قائم على التوزيع الجغرافي كالدوائر الانتخابية، فالجيل القديم نسبياً منا الذي درس كتاب "القراءة الابتدائية" لخليل السكاكيني والذي كان يعرف شعبياً بكتاب "راس روس" ما زالوا يذكرون الجزء الأكبر من ذلك الكتاب ويحفظونه عن ظهر قلب، لكثرة عوامل التشويق فيه، وكان خليل السكاكيني المؤلف الوحيد للكتاب، ولم يكن هناك يومها لا فريق مؤلفين ولا فريقاً وطنياً للإشراف على التأليف، إنما كان هناك مسؤولون ومؤلفون يتقون الله في مصلحة الوطن العليا والمواطن. والله الموفق
بقلم: سليمان العباسي
الجمعة يونيو 28, 2019 8:55 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» د. ليلى عريقات نائب الرئيس ورئيسة تكريم الشهادات الفخرية والرئيسة الفخرية للمجلس
الإثنين ديسمبر 03, 2018 12:25 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» اهداء ارتجالي الى عميدة الشعر المعاصر الاستاذة د. ليلى عريقات / د. لطفي الياسيني
السبت ديسمبر 01, 2018 9:05 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» خذ ومن عمري لعمرك .. مهداة لشيخ الشعراء المجاهدين لطفي الياسيني للشاعر حسين حرفوش
السبت ديسمبر 01, 2018 2:18 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» وما غير الطبيعة من سِفر
الخميس يوليو 11, 2013 6:22 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» حمى الناس ..إهداء إلى أهالي الحولة
الخميس يوليو 11, 2013 6:13 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» قصيدة معايدة الرؤساء العرب .. للشيخ عائض القرني
الخميس يوليو 11, 2013 6:12 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» طال ابتهال المصطفى
الخميس يوليو 11, 2013 6:11 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» من وحي السيول والفيضانات التي اجتاحت بيوتنا / د. لطفي الياسيني
الأربعاء يناير 09, 2013 4:02 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني