تختلف التصورات حول موضوعة الموت من مجال معرفي إلى آخر، ومن فرد إلى فرد، ومن زمن إلى زمن، لكنها في النهاية قدرنا المحتوم. وإذا تصفحنا دواوين الشعر العربي القديمة منها والحديثة، فلا نجد ديوانا يخلومن هذه التيمة، إما لوعي الشاعر العربي بزوال الحياة وعرضيتها أولأنها الخلاص من حياة سوداء. فكيف ينظر الشاعر المغربي عبد السلام دخان إلى الموت؟ وكيف وظفها في ديوانه الصادر حديثا عن مطبعة الخليج العربي بتطوان(أغسطس2011) في68 صفحة.
إن اختيار اللون الأسود للغلاف، إلى جانب اللون الأحمر، لم يكن اعتباطا بل هوانعكاس لروح الديوان وصاحبه معا، فالأحمر لون الدم، والسواد لون الحزن، والدم دليل الموت، أما الحزن فنتيجة أوسبب لها. كما أن اختيار "فقدان المناعة"عنوانا للديوان له دلالته، إذ يشير إلى حالة مرضية تصيب الإنسان عن طريق العدوى وتؤدي إلى التقليل من فاعلية الجهاز المناعي بشكل تدريجي ليترك المصاب به عرضة للأمراض الانتهازية والأورام …وبالتالي الموت. وينقسم ديوان" فقدان المناعة" إلى مجموعتين وسم الأولى بصور مختلة هي صور جزئية لعوالم غير واضحة، وغموضها يتجلى في نكرة عناوينها، لكننا سنطرق ونعيد الطّرْق، وسنكشف أن نقطة بداية عالم دخان فلسفة وهي بداية مستمرة وكثيرة الإلحاح من خلال تصوره الخاص للعالم ولعناصر الطبيعة : 1- الهواء: فرش من هواء، دروب الهواء. 2- الماء: البحر، المطر، النهر. 3- النار: بروج نارية. 4- التراب: أرض الشمال. . .
إن هذه الصور المختلة وإن بدت متفرقة من خلال تعدد العناوين والاستقلالية الطباعية إلا أنها وحدة مترابطة. نلاحظ، مثلا، هذا الكشف الأفقي:
لا يستطيع الشاعر عبد السلام دخان التخلص من قصيدة لينشئ قصيدة أخرى جديدة، مستقلة في المعنى وفي المعجم لأن فكره تحكمه عناصر متعددة، وكذالك قصائده(في الديوان ككل) فهي قصيدة واحدة تحكمها العناصر التالية: الماء، الهواء، النار، التراب، الحلم، المرأة، الأسى والحزن(الموت)، الريح (السفر).
عناصر الطبيعة : وهنا حضور الفكر الفلسفي وتشبعه بمبادئ فلاسفة الطبيعة
(الأسطقساط: الماء، الهواء، النار، التراب.) والذين يعتبرون أن هذه العناصر هي أصل الكون
الحلم : فهوالذي يطل منه على اللاشعور(احترقت أرصفة الحلم، حلم السفن، . . .) يحقق به آماله ويخلق به عالمه الأفلاطوني.
المرأة : هي الوطن، وهي عروسة الشمال، هي العون والسند والرأفة، لها أوصاف حددها بالنقيض في قصيدة "نزوة".
الأسى: هوالدافع الأساس لكتابة قصائده، فقد فقدٙ مناعته وآماله في كل شيء والموت هوسبب أساه، موت الآمال، موت الأصل بكل تجلياته (الأب، القيم، المبادئ. . . ) لدرجة أنه نعت نفسه بدخان المساءات
الريح: لا تكاد تخلوكل قصيدة من كلمة "الريح": (خطوات الريح المتعبة، أحرس جفون الريح. . . . ) وهي الريح التي تحمل الدخان وتنتقل بها شمالا وجنوبا ؛ إما بحثا عن الكلمة أوبحثا عن دفئ العائلة.
وفي المجموعة الثانية من ديوان " فقدان المناعة" والمعنونة ب تفاصيل شائكة يمكن رهي تفاصيل عن الأنا وعن الآخر، وعن العالم. هذا الأنا يخشى المواجهة لا قدرة له على قول نعم أولا هوكائن رقمي يهوى التواصل الافتراضي والسينما، . . . هوالذي يريد أن يصرخ لكنه لا يصرخ إلا في صمت؛ ويصرخ بالبياض، ولا يجد نفسه إلا في : فال فلوري، ومغارة هرقل، وأوبيدوم نوفوم القصر الكبير واللكوس، وليكسوس العرائش، وباب البحر، وتمودة، وطنجيس. أما الآخر فهوكاذب (الممرضة)، متناقض (المثقف العضوي) ومع ذلك فهويبعث بالسلام إلى الرفاق المدججين بأحلام لنين، وهنا حضور الفكر اليساري للشاعر كما يبعث بهذا السلام الى المعطلين عن الحلم وإلى العشاق اليتامى، إلى "رواد الليل". والعالم بالنسبة له مقبرة إسمنت مسلح، عالم مظلم، مزيف، لكن نقطة الضوء الوحيدة التي تتسرب عبر مغارة هرقل هي التي تنتشله من هذا الظلام علاقته بأرض الشمال. لقد فقد الشاعر مناعته من كثرة الانكسارات وخيبات الأمل، فلم يعد قادرا على المواجهة، ولا "على قول نعم أولا "(ص: 29)، فبات صريع اليأس والحزن والفشل:
"دعوني أرقد فقد شبعت روحي من الأيام والليالي. اشعلوا الشموع وأوقدوا المباخر حول مضجعي وانثروا أوراق الورد والنرجس على جسدي وعفروا بالمسك المسحوق شعري وأرهقوا الأطياب على قدمي ثم انظروا واقرءوا ما تخطه يد الموت على جبهتي. خلوني غارفاُ بين ذراعي الكرى فقد تعبت أجفاني من هذه اليقظة. اضربوا على القيثارات ودعوا رنات أوتارها الفضية تتمايل في مسامعي. "
إلى جانب العديد من الشعراء الذين جعلوا من الموت بوابة الخلاص من حياة محدودة تسبب الألم.
إن عمق الجروح، وثقل الهموم، وكثرة التعب، وعتمة الحياة تجعل الشاعر يردد سوناتا حامل التابوت (ص: 43)، لأن قدر الشاعر أن يظل أسير أحزان الأرض لأن " الأسى أطول من الليل " (ص: 54). ومع ذلك فإصراره يستمر ويتخيل نفسه في حالة احتضار ويطلب من أمه أن تضع في فمه قطرة ماء، ليستعجل بأحلامه وتخيلاته الموت، وترافقه هذه الأحلام إلى حدود بعيدة، حدود ما بعد الموت :
في قصيدته الأخيرة، يحتضر الشاعر مرة أخرى لكنه يستحضر الصور التي تربطه بالحياة، إنها ذكرياته، نجملها في الكلمات التالية: أبيدوم نوفوم، البحر، الوطن، الكتب، العِلم، الشعر. . . . . ليطلب في الأخير الموت:
إنه يرى في الموت الحياة البديلة، وقد نضج لديه هذا التصور واكتمل عندما انتهت رحلة الشريف المصباحي دخان، رحمه الله، في الحياة. فكتب بنفسه ولنفسه "شهادة الوفاة".
إن اختيار اللون الأسود للغلاف، إلى جانب اللون الأحمر، لم يكن اعتباطا بل هوانعكاس لروح الديوان وصاحبه معا، فالأحمر لون الدم، والسواد لون الحزن، والدم دليل الموت، أما الحزن فنتيجة أوسبب لها. كما أن اختيار "فقدان المناعة"عنوانا للديوان له دلالته، إذ يشير إلى حالة مرضية تصيب الإنسان عن طريق العدوى وتؤدي إلى التقليل من فاعلية الجهاز المناعي بشكل تدريجي ليترك المصاب به عرضة للأمراض الانتهازية والأورام …وبالتالي الموت. وينقسم ديوان" فقدان المناعة" إلى مجموعتين وسم الأولى بصور مختلة هي صور جزئية لعوالم غير واضحة، وغموضها يتجلى في نكرة عناوينها، لكننا سنطرق ونعيد الطّرْق، وسنكشف أن نقطة بداية عالم دخان فلسفة وهي بداية مستمرة وكثيرة الإلحاح من خلال تصوره الخاص للعالم ولعناصر الطبيعة : 1- الهواء: فرش من هواء، دروب الهواء. 2- الماء: البحر، المطر، النهر. 3- النار: بروج نارية. 4- التراب: أرض الشمال. . .
إن هذه الصور المختلة وإن بدت متفرقة من خلال تعدد العناوين والاستقلالية الطباعية إلا أنها وحدة مترابطة. نلاحظ، مثلا، هذا الكشف الأفقي:
القصيدة | الكلمات المشتركة |
خريف | البحر، الريح |
متسول | الريح، الحلم |
شاعر | حلم، وضعت يدي فوق تجاعيد |
دعوة | ضع يدك في يد القمر، البحر |
هدية | البحر، الحلم |
نزوة | الحلم، لا امرأة تضئ |
شوق | شوق لامرأة، رؤى الأيام |
مرايا | الأحلام التي ترقد، تخوم الحنين |
كميليا | بياض الحنين، لم يبق غير وجه الله |
فراق | الموت، الوداع، لن أعود |
بورتريه | عاد الموت، المقبرة |
عناصر الطبيعة : وهنا حضور الفكر الفلسفي وتشبعه بمبادئ فلاسفة الطبيعة
(الأسطقساط: الماء، الهواء، النار، التراب.) والذين يعتبرون أن هذه العناصر هي أصل الكون
الحلم : فهوالذي يطل منه على اللاشعور(احترقت أرصفة الحلم، حلم السفن، . . .) يحقق به آماله ويخلق به عالمه الأفلاطوني.
المرأة : هي الوطن، وهي عروسة الشمال، هي العون والسند والرأفة، لها أوصاف حددها بالنقيض في قصيدة "نزوة".
الأسى: هوالدافع الأساس لكتابة قصائده، فقد فقدٙ مناعته وآماله في كل شيء والموت هوسبب أساه، موت الآمال، موت الأصل بكل تجلياته (الأب، القيم، المبادئ. . . ) لدرجة أنه نعت نفسه بدخان المساءات
الريح: لا تكاد تخلوكل قصيدة من كلمة "الريح": (خطوات الريح المتعبة، أحرس جفون الريح. . . . ) وهي الريح التي تحمل الدخان وتنتقل بها شمالا وجنوبا ؛ إما بحثا عن الكلمة أوبحثا عن دفئ العائلة.
وفي المجموعة الثانية من ديوان " فقدان المناعة" والمعنونة ب تفاصيل شائكة يمكن رهي تفاصيل عن الأنا وعن الآخر، وعن العالم. هذا الأنا يخشى المواجهة لا قدرة له على قول نعم أولا هوكائن رقمي يهوى التواصل الافتراضي والسينما، . . . هوالذي يريد أن يصرخ لكنه لا يصرخ إلا في صمت؛ ويصرخ بالبياض، ولا يجد نفسه إلا في : فال فلوري، ومغارة هرقل، وأوبيدوم نوفوم القصر الكبير واللكوس، وليكسوس العرائش، وباب البحر، وتمودة، وطنجيس. أما الآخر فهوكاذب (الممرضة)، متناقض (المثقف العضوي) ومع ذلك فهويبعث بالسلام إلى الرفاق المدججين بأحلام لنين، وهنا حضور الفكر اليساري للشاعر كما يبعث بهذا السلام الى المعطلين عن الحلم وإلى العشاق اليتامى، إلى "رواد الليل". والعالم بالنسبة له مقبرة إسمنت مسلح، عالم مظلم، مزيف، لكن نقطة الضوء الوحيدة التي تتسرب عبر مغارة هرقل هي التي تنتشله من هذا الظلام علاقته بأرض الشمال. لقد فقد الشاعر مناعته من كثرة الانكسارات وخيبات الأمل، فلم يعد قادرا على المواجهة، ولا "على قول نعم أولا "(ص: 29)، فبات صريع اليأس والحزن والفشل:
"المراهم تخفيلقد شحذ الأسى عبقرية الشاعر الإبداعية وعمق عزلته بالقلق المستديم والرعب (قصيدة: عزلة وارفة) لدرجة أنه صار "دخان الأسى"(ص: 15) و"دخان المساءات" (ص: 21) إنه يصر على النهاية لأنها خلاصه من هذا التيه والقلق والحزن:
تجاعيد الفشل
وجسدي العليل
لا يحتمل
وخز الإبر "(ص: 33)
"فأنا وإن اخضروإصراره يمتد إلى أن يقدم " بورتريها " للمقبرة (ص: 24)، وهنا تنقلب الموازين عند شاعرنا فنجد معجم الفرح يطفو: المقبرة فاتنة، الموت مبتسم، المقبرة مكن دافئ…. ويجد الشاعر في الموت خلاصه من اليأس ومن المعاناة ويؤيد بذلك قول المعري:
شاهدي
لن أعود
أبدا لن أعود…"(ص : 23)
مـــوتٌ يســيرٌ معــهُ رحمــةٌوقول جبران خليل جبران في قصيدته "جمال الموت":
خــيرٌ مـن اليسـرِ وطـولِ البقـاءْ
وقـــد بلَوْنـــــا العيش أطوارَهُ
فمــا وجدنــا فيـهِ غـيرَ الشـقاءْ
تقَـــدَّمَ النـــاس فيــا شــوقَنا
إلــى اتّبــاعِ الأَهــلِ والأَصدقـاءْ
مــا أطْيَــبَ المــوتَ لشُــرَّابهِ
إن صــحَّ للأَمـواتِ وَشْـكُ التقـاءْ
"دعوني أرقد فقد شبعت روحي من الأيام والليالي. اشعلوا الشموع وأوقدوا المباخر حول مضجعي وانثروا أوراق الورد والنرجس على جسدي وعفروا بالمسك المسحوق شعري وأرهقوا الأطياب على قدمي ثم انظروا واقرءوا ما تخطه يد الموت على جبهتي. خلوني غارفاُ بين ذراعي الكرى فقد تعبت أجفاني من هذه اليقظة. اضربوا على القيثارات ودعوا رنات أوتارها الفضية تتمايل في مسامعي. "
إلى جانب العديد من الشعراء الذين جعلوا من الموت بوابة الخلاص من حياة محدودة تسبب الألم.
إن عمق الجروح، وثقل الهموم، وكثرة التعب، وعتمة الحياة تجعل الشاعر يردد سوناتا حامل التابوت (ص: 43)، لأن قدر الشاعر أن يظل أسير أحزان الأرض لأن " الأسى أطول من الليل " (ص: 54). ومع ذلك فإصراره يستمر ويتخيل نفسه في حالة احتضار ويطلب من أمه أن تضع في فمه قطرة ماء، ليستعجل بأحلامه وتخيلاته الموت، وترافقه هذه الأحلام إلى حدود بعيدة، حدود ما بعد الموت :
" الجسد الذي صنعته نذوب الأمسلقد استطاع أن يتخلص من" زمن الانهيار " (ص: 62) ومن "رتابة الحياة"(ص: 64)، لكن رحلة الاشتهاء انتهت فجأة عندما عادت "سفينة ليكسوس مثقلة بالتعب تحمل حلما مكسرا"(ص: 65). وحلم الشاعر بالخلاص تكسر لأن لعنة اليأس/الحياة لم يجد حيلة للتخلص منها، فأودعته في "حقول الشوك" مرة أخرى، وفي "الجحيم"، وفي "حديقة طروادة"، وفي "فلسطين". فما عاد يتحمل لأنه يخضع لقوتين:
استطاع أن يغوي الموت
. . . . . .
يودع الجسد الأجوف
الجالسين في المقهى
. . . . . .
أنا الميت في الظل "(ص: 60 _61)
"السماء مطرقةفصار يختنق، هل هوالاختناق الذي يسبق الموت؟
والأرض سندان
أعيروني رئتكم
فما عادت تكفيني
رئتان" (ص: 74)
في قصيدته الأخيرة، يحتضر الشاعر مرة أخرى لكنه يستحضر الصور التي تربطه بالحياة، إنها ذكرياته، نجملها في الكلمات التالية: أبيدوم نوفوم، البحر، الوطن، الكتب، العِلم، الشعر. . . . . ليطلب في الأخير الموت:
"غطوا وجهي بثوب الفجرإن السؤال الذي يراودنا بعد هذا الكشف عن موضوعة الموت في الديوان هوسبب إصرار الشاعر عليها؟ لماذا دخان الأسى تحمل عبء هذه الرحلة الطويلة في البحث عن جزيرة الموت بسفينته المثقلة بالأحزان؟ لماذا لم يختر رحلة الحياة والحياة البديلة؟
وإنا لله وإنا إليه راجعونا"(ص: 80)
إنه يرى في الموت الحياة البديلة، وقد نضج لديه هذا التصور واكتمل عندما انتهت رحلة الشريف المصباحي دخان، رحمه الله، في الحياة. فكتب بنفسه ولنفسه "شهادة الوفاة".
الجمعة يونيو 28, 2019 8:55 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» د. ليلى عريقات نائب الرئيس ورئيسة تكريم الشهادات الفخرية والرئيسة الفخرية للمجلس
الإثنين ديسمبر 03, 2018 12:25 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» اهداء ارتجالي الى عميدة الشعر المعاصر الاستاذة د. ليلى عريقات / د. لطفي الياسيني
السبت ديسمبر 01, 2018 9:05 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» خذ ومن عمري لعمرك .. مهداة لشيخ الشعراء المجاهدين لطفي الياسيني للشاعر حسين حرفوش
السبت ديسمبر 01, 2018 2:18 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» وما غير الطبيعة من سِفر
الخميس يوليو 11, 2013 6:22 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» حمى الناس ..إهداء إلى أهالي الحولة
الخميس يوليو 11, 2013 6:13 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» قصيدة معايدة الرؤساء العرب .. للشيخ عائض القرني
الخميس يوليو 11, 2013 6:12 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» طال ابتهال المصطفى
الخميس يوليو 11, 2013 6:11 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» من وحي السيول والفيضانات التي اجتاحت بيوتنا / د. لطفي الياسيني
الأربعاء يناير 09, 2013 4:02 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني