من طرف شروق صباحين السبت نوفمبر 26, 2011 2:31 pm
الشيء المفقود
قصة بقلم: جمال بنورة
يا الهي.. كيف أمكن لكل ذلك أن يحدث؟! أأكون قد انتهيت؟.. هل يمكن أن يكون ذلك صحيحاً؟ هل يمكن أن تكون هي؟.. وإن كانت أو لم تكن.. لماذا أضع لوماً على غيري؟ لا يمكن تغيير اي شيء. ما قيمة اي شيء؟.. لا.. كيف أفكر بهذه الطريقة؟ كيف أقول أنا ذلك؟ لا يمكن ان يصل بي اليأس الى هذا الحد. أنا أعرف نفسي.. لقد عرفت نفسي دائما.. واخترت ان أكون ما أنا عليه.. وعلي ان أتحمل النتائج.
نظرة جانبية، يلقيها الى النائمة بجواره.لا ينام الى جانب المرأة سوى رجل.. فكيف أنام بجوارها؟ كيف يمكن ان أقول لها ذلك؟ كان يجب ان يكون لنا سريران منفصلان.. بالأحرى كان يجب ان أنام في غرفة ثانية..لن أستطيع النوم ما دمت معها في فراش واحد.. في غرفة واحدة..يا الله! كيف يمكن للنوم ان يكون أمنية بالنسبة للإنسان؟ ألم يكن هناك ما هو أحق بالتمني؟ وما فائدة تمني أي شيىء؟ كنت طوال عمري أؤمن بالعمل..بالكفاح.. بالنضال..لا يمكن ان يتحقق شيء دون ان نعمل من أجله.. حتى هي كانت أمنية بالنسبة لي..لم تتحقق بسهولة. كان علي ان أجتاز عقبات حتى أصل اليها.. لم تمانع هي.. قالوا لها:
- إنه يطمع في راتبك..لأنه إنسان يعيش بدون عمل.. عمله الوحيد دخول السجن والخروج منه.. وهو يكبرك سناً..
قالت لهم:- أنا أيضاً.. لست صغيرة..
- رغم ذلك..إنه يكبرك كثيراً.
- إنه في سن اكتمال الرجولة.
- سوف تشقين معه.. سوف تندمين..
- أنا مقتنعة به..
قلت لها:- لا أريدك ان تتزوجي دون اقتناع.
قالت:- قد أختلف معك في بعض الأمور.. ولكن هذا لا يمنعنا من التفاهم.
- هناك بعض الأفكار..
قاطعتني:- انت حر في ما تحمل من أفكار.
- هل ستفهمين؟
- أنا مثقفة أيضاً. مهنتي في التعليم تساعدني على فهم الناس.
ثم أضافت:- سأحاول ان افهمك.
- تعلمين انّ حياتي ليست سهلة.
- أنا لن أمنعك من عمل ما تؤمن به..
واعتقدت ان زواجي بها نعمة.. فلماذا يتحول الى شقاء.. لم تكن على قدر كبير من الجمال، رغم ذلك أحببتها.. اليوم أراها جميلة أكثر مما ينبغي..كيف لم يستطع غيري ان يرى ذلك؟ كيف استطاعت ان تبقى دون زواج، حتى أتيت انا..؟ لماذا أصبحت أجدها أكثر إغراء من السابق؟ هل لأنني كنت متعوداً عليها، واليوم أصبحت محروماً منها؟ لماذا أراها فائقة الجمال الى حدٍ لا يحتمل؟! الى حدٍ يسبب لي كل هذا الشقاء؟..أنا المناضل الذي لم تشقني سنوات السجن الطويلة ولم أيأس لحظة واحدة في حياتي.. أشعر الآن باليأس.. أنا الذي لم يتسرب الشك الى نفسي لحظة واحدة..تتحول حياتي الى جحيم من الشك والعذاب.. وأين ذلك؟ خارج السجن.. لم أكن بهذا الشقاء داخل السجن.. هل نجحوا في تحطيمي؟ لا يمكن ان يكون ذلك.. لم تكن الحياة مظلمة بالنسبة لي وأنا في الزنازين.. كانت تمتلىء أملاً بالمستقبل.. كنت دائماً متفائلاً لم يتسرب اليأس الى نفسي.. وكانت أيام الزيارة أسعد أيام حياتي.. كنت أكتفي بالنظر اليها، ولا أريد شيئاً آخر في العالم.. كنت أحس بالإكتفاء.. وكان مرآها يبعث فيّ الأمل والصمود.. حتى بدون حديث.. وجهها ينطق بكل شيء.. بكل ما أريد سماعه.. ينطق بالإخلاص.. بالحب.. بالثقة.. بالأمل..الآن لا يخامرني نفس الشعور..أحس شيئاً مفقوداً في ملامحها.. في علاقتي معها.. لا أدري لماذا.. في الواقع لم أعد أدري شيئاً.. في السجن لم يثنني شيء عن عزيمتي وصمودي.. كان الرفاق يسألون بعد الخروج من غرف التعذيب:
- كيف كان ذلك؟
كنت أخجل من إظهار آلامي.
- هذا لم يكن شيئاً..
أنا أعرف أنّ هناك من يتعذب أكثر مني.. لكل إنسان عذابه. لا يحق لنا ان نفخر بعذابنا.. ألم نختر ذلك؟ لم يكن العذاب بالشيء الذي لا يحتمل.. قد لا يصدق البعض.. ولكن ذلك ممكن إذا أراد الإنسان.
أنا أتساءل الآن.. هل يحق لمناضل ان يتساءل؟ أنا لم أعد أعرف نفسي. لا أدري إذا كنت نادماً على كل شيء أم لا؟ إذا كنت نادماً فقد ضاعت تضحيتي هباء. لم يكن ضرورياً ان أوجد! لا.. ذلك ليس صحيحاً.. لا يمكن ان أندم.. لا يحق لي.. لقد وضعت كل شيء في حسابي.. ليس هذا أسوأ من الموت، وإن كنت أظنه شبيهاً بالموت.. ان لا أستطيع القيام بواجباتي الزوجية.. ولكنني ما زلت أعمل.. ما زلت أناضل.. أنا لم أمت بعد.. حتى لو أماتوا جزءاً مني.. لا تزال أجزائي الباقية تعمل، ما زال هناك ما أستطيع عمله..هناك من هم بحاجة الي..
يجب ان أكفّ عن التفكير..إنني لن أستطيع النوم بهذه الطريقة..ويلتفت اليها ثانية..تبدو على وجهها خطوط حزن مستسلم تزيدها جمالاً..الحسرة تنهش قلبه..إنه يملك هذا الجمال، ولكنه لا يمتلكه، مذ بدأت قدرته تخونه صار يتوق أكثر لعناق هذا الجسد. الألم يعتصر فؤاده وهو ينظر الى تلك الساق العارية الملتفة حول اللحاف..لماذا بدأ يحس أنها لم تعد له.. كأنها تخص شخصاً آخر.. لا..هذا لا يمكن..وأحس ان رأسه يكاد ينفجر..إن هذه الأفكار ستورثه الجنون..ووضع رأسه بين كفيه كأنما ليمنعه من الإنفجار.
متى أكفّ عن هذه الأفكار؟ سأكتشف يوماً أنني كنت مخطئاً. كنت دائماً أقدر الأمور التقدير الصحيح..فماذا حدث لي؟ هل يعني ذلك أن المناضل لا يخطىء..كلنا نخطىء..سأكتشف يوماً ان شكوكي في غير محلها..لا يمكن ان تخونني..لا..هذا غير معقول..لقد عرضت ان أخلي سبيلها..قالت بحزم:
- لا شيء يعوضني عنك..انا لا أريد سواك.
هل كانت صادقة في ذلك؟..كانت تجلس أحياناً كاشفة عن ساقيها، فينهرها:
- لا تجلسي هكذا!
- أنت زوجي.
- ربما تنسين نفسك هكذا أمام الناس!..
- أنا لا أنسى نفسي الاّ معك.
تقترب منه..لا تبالي ان ينحسر الفستان عن ساقها أكثر..
يدير وجهه..
- أنتَ زعلت؟
حاولت ان تراضيه..قرصت خده..صفعها على خدها محنقاً..كأنما يداري عجزه بالتظاهر بالقوة والعنفوان..كان يحس بالرغبة فيها..ولكنه كان يخشى ان تحس بعجزه..إنه يؤجل اكتشافها للكارثة..لا يدري ماذا ستفعل بعد ذلك..هل سترضى ان تعيش معه؟ هل ستحتمل؟ وأحس أنه عاقبها على عجزه كأنما يعاقب نفسه..أحس بالحنق على نفسه فحنق عليها، كأنما هي السبب..لم يجلب لنفسه الراحة..ولكنه أنقذ نفسه من الإحساس بالذل وفقدان الرجولة.
ولكن ذلك لن يدوم طويلاً. قالت بحزن ودهشة:
- لماذا فعلت ذلك؟
- أنا متضايق..مهموم!
مسحت الدموع المنحدرة على خديها:
- لاحظت ذلك..فأردت ان أسري عنك.
- تستطيعين ذلك بالإبتعاد عني.
بكت في صمت وهي تبتعد..
في اليوم التالي أرادت ان تصالحه..أشاح وجهه عنها:
- هل تنفر مني؟
- لا..
- لنتصالح إذن.
وهي تحيطه بذراعيها وتضغط صدرها على جسده.
صرخ بها ضجراً:
- ألم أعد أكفيك؟
تراجعت الى الخلف وهي تنظر إليه في استغراب:
- لم أفكر في ذلك.
- بماذا تفكرين؟
- أفكر في إسعادك..
- لقد تخلت عني السعادة..
***
عندما قال المحقق:" سأحرمك معاشرة النساء" اعتبرت ذلك مزحة غير معقولة..ولكن بعد ما مررت به..صدقت.. بدأ شكي وأنا في السجن. شعرت انّ شيئاً ما غير طبيعي يحدث معي. قلت لنفسي لأنني بعيد عن النساء.. لأنني لا أرى زوجتي.. رغم ذلك كان شكي يتزايد كل يوم.. ولكنني كنت أنكر ذلك.. وفشلت محاولاته معها..ولم تعد تستجيب لمداعباته.
- أنت تعب.. لندع ذلك الى ليلة أخرى.
ولم يحس بالإذلال في حياته كما أحس أمامها.
كانت تحس بعجزه..ولكنها تتظاهر بأنها لا تعرف.. إنها لا تريد إيلامه.. كانت يده تمر على جسدها في اشتهاء..تثير مكامن الشهوة فيه..ولكن إحساسها متبلد..
- لا ضرورة لهذا الشيء..يمكن ان نعيش معاً..حتى بدون ذلك..
- لماذا تقولين هذا الكلام؟
لا ترد..هو يعرف..وهي تعرف..لقد اعتراها اليأس
ويتراجع مهزوماً..مغلوباً على أمره..وهو ما زال ينكر عجزه. ويرى أنّ ما به حالة طارئة ستزول.
قالت له مرة:- ذهبت اليوم الى الطبيب.
تساءل في توجس:- لماذا؟
قالت في حياء:- تأخرت العادة. اعتقدت ان ذلك حملاً..قلت في نفسي سيسرك ان تعلم بذلك..
بدأ شيء يثور في داخله.قال:
- ولكننا لم نجتمع معاً منذ مدة طويلة.
- حدث مرة قبل شهرين.
- لماذا ذهبت دون ان تقولي لي؟
كان يشتعل غضباً.
- لم أعتقد أنك ستعارض.
قال وسورة الغضب لم تفارقه:
- أنا لا أحتمل ان يضع أحد يده على جسدك..
قالت بلهجة متحدية:
- لا يمكن ان تدعي التقدمية وتكون رجعياً في نظرتك الى هذه الأمور..أنا كنت عند طبيب وليس عند عشيق.
قال في برود قاتل:
- لعله يلذ لك ان يتحسس جسدك. خصوصاً أنني لم أعد أفعل ذلك.
قالت بغضب:- هل جننت؟ كيف تقول هذا الكلام عني؟
ولم أتمالك نفسي من ضربها للمرة الثانية.. كنت أحس أنني بحاجة الى فعل ذلك..
وصرخت في وجهي:- هل أنت بحاجة الى ضربي لتثبت رجولتك؟
قلت في ندم:- أنت على حق..لا أعرف لماذا فعلت ذلك!
كنت أتقلب في الفراش وأنا أحس بمثل وخز الشوك في جسدي..أنظر الى جسدها المتفجر أنوثة، وهي تتظاهر بالنوم..هل يستطيع هذا الجسد الفائر صبراً؟ ألم تلمسه يد أخرى لتشبع جوعه..؟ كنت أخشى عليها من نظرات الناس..هذا الكنز الذي أملكه أخشى ان تمتد اليه أيدي الآخرين..
وهتفت به:- ألم تنم بعد؟
- لا ..وأنت؟
- لا أستطيع!
وأحس بطعنة حادة في صدره.
- لماذا؟
- لا أدري! ربما كنت أنت السبب.
- أنا..لماذا؟!
- أراك تتعذب، فلا يهنأ لي خاطر.
قال، وحلقه يغص بالبكاء:
- لا مفر من الاعتراف..أنا لم أعد رجلاً!
أنكرت ذلك. قالت:
- أنت رجل حتى من دون ذلك..ليس لي غيرك..رغم ذلك لا تيأس!
حاولت ان تأخذ بيدي.. راجعنا الأطباء. الحالة ليست ميؤوساً منها..يمكن ان يكون ذلك حالة مؤقتة..محاولات الأطباء لم تجد حتى الآن..
لم يكن يفكر في هذا الأمر، عندما كانوا يهددونه:" سوف تظل في السجن حتى تتعفن.."
والآن هل أستطيع ان أعيش بدون ذلك؟
لم يكن بالنسبة لي الشيء الأهم في الحياة..واستطعت ان أعيش بدون ذلك سنوات طويلة قضيتها في السجن.كان ذلك رغماً عني..ولكنني كنت أستطيع ان أحتمل..كنت أستطيع عدم التفكير في ذلك، بل كان بالإمكان ان أستطيع عدم التفكير الى ما لانهاية..لو لم أتزوج..كان هناك الأهم في حياتي..ما نذرت نفسي له..ليست المبادىء أثواب تلبس وتخلع متى نشاء..إنها شيء يعيش في أعماقنا..ينغرس في أعمق جزء منا..ليس من السهل اقتلاعها من تلك الأعماق التي تجذرت فيها..ليس لي ان أختار الآن..لقد تم الإختيار..لا تفكير في التراجع..رغم ذلك هناك من يتراجع عندما يصل حده..أنا لا أؤمن ان هناك حدوداً..رغم ذلك، هذا لا ينطبق على الجميع..بالنسبة لي، لا مجال لغير ذلك..وإلاّ لما حدث ما حدث..لما دخلت السجن..كنت تزوجت أصغر سناً..كان لي الآن أكثر من ابن.. كانت هذه رغبتي دائماً.
قالت:- ابن واحد يكفي.
قلت:- حتى لو ابنة لا يهم..على ان لا تكون الوحيدة..
قالت:- أنا أريده ولدا..لأجلك.
كان لها ما أرادت..عمره خمس سنوات.
الآن..ليس لي ان أطلب مزيداً من الأبناء..لم يعد بالإمكان.
هي تقول:- جميع الناس إخوتنا..جميع الأولاد أبناؤنا..لا فرق لدي..
" وأنا رجولتي مهدورة!..كيف يمكن تعويض ذلك؟"
قالت:- أنت لم تنقص شيئا..ستظل في نظري دائما الرجل الذي أحببت..لدي كل ما أتمناه..حياتي لا يعوزها شيء..
- كيف ذلك وأنا لاأستطيع ان أحس أنني رجل..؟
أتذكر قول المحقق:" سوف نمنعكم من التكاثر يا أبناء القحبة..حتى تكفوا عن إنجاب المخربين"
- ولكن محاولاتهم ستفشل..كانت زوجتي تقول..
- أنظر حولك لتر..إن شعبنا يتكاثر بسرعة رغم أنوفهم..لا يهم ان لا يكونوا من صلبنا..أبناء شعبنا هم أبناؤنا أيضاً..
إنهم يركزون على أعضاء التناسل..يغيظهم ان يظل شعبنا يتكاثر..أكثر ما يغيظهم عضونا التناسلي..يحاولون إذلالنا بتوجيه ضرباتهم اليه..حتى نكف عن الإخصاب. لا تزال مفاهيمنا عن الشرف والرجولة تنحصر بين الفخذين..هل يستطيع إنسان ان يتخيل نفسه رجلاً دون ان يملك القدرة على معاشرة النساء؟
- سوف أخصيك يا ابن الزانية.
لم اصدق! إنه لا يجرؤ أن يفعل ذلك.
كان بيده سترنج به سائل أزرق. غرز الإبرة في احدى الخصيتين. لم أعرف ما بها. كان شيئا حارقاً جعل جسدي كله ينتفض ألماً كأنما أوصلوه بسلك كهربائي.
أردف:- ليس هذا كل شيء..
أشار الى عصا طويلة قائلاً:- سأضع هذه في مؤخرتك.. وضعها وأغمي علي..لم أعرف ما حدث بعد ذلك..
في جلسة أخرى للتحقيق سألني:
- أنت متزوج؟
- نعم..
- هل تحب زوجتك؟
فكرت لماذا يسأل..لم أتعب نفسي في البحث عن جواب. أضاف وهو يبتسم ابتسامة غريبة.
- هل تحب معاشرة النساء؟
قلت بلا مبالاة:- هذا شيء يخصني..
- سوف أحرمك ذلك..إذا ظللت على عنادك.
ضحكت رغم عذابي.. نظرت إليه بسخرية واستهانة.
- لماذا تضحك مثل الشرموطة؟ هل تظنني أمزح؟
قلت بتحد:- لن تجرؤ.
- سوف أفعل..سترى.. أم تعترف أفضل؟
- لا أستغرب عنكم أي شيء..
- سأعطيك مهلة للتفكير..
- لا تتعب نفسك..إفعل ما تريده الآن..
نظر بهيئة غير إنسانية وبغيظ شديد كأنما يكاد يجن.
- بعد ذلك سوف نحضر زوجتك الى هنا..ونفعل بها أمامك.
نظرت اليه باستهزاء..مداريا مخاوفي..
- تخيل ذلك..قال لي..
حاولت ان أعمل فكري بسرعة..لا يمكن ان يكونوا جادين. حاولت ان أتخيل..هززت رأسي..طردت الفكرة من دماغي..على كل حال ..أي شيء يمكن ان يفعلوه لن يغير في موقفي..يجب ان أضع كل شيء في حسابي..
- والآن ماذا سيكون شعورك عندما ترى ذلك؟
قلت بإصرار:- سيزداد حبي لها..
- كن عاقلاً..هل فعلاً تقبل ان نفعل بزوجتك أمامك؟ إذا كنت قوادا ولا يهمك شيء..على الأقل راع شعور زوجتك.
ضحكت رغماً عني..إنه لطيف هذا المحقق رغم حماقته! وهو إنساني أيضا!..فهو يحس بمشاعر الناس، ويضع اللوم علي أنا!! ولم أستغرب إمكانية حدوث ذلك..ليس هناك ما لا يمكن ان يفعلوه..ولكنهم كانوا أكثر إنسانية من أفكاري..فلم يفعلوا ذلك..اكتفوا بما فعلوه بي..!
***
عاد ينظر الى زوجته التي تنام في سكون..رأى ساقها المكشوفة لا تزال فوق اللحاف..كأنما تُعيّره بعجزه..تذكره بواجبه..حاول ان يدير وجهه، لم يستطع..أخفى عينيه بيديه لفترة قصيرة..ثم عاد يطيل اليها النظر..انبعث في داخله حنين لا يقاوم..لا يستطيع ان يظل هكذا..مدّ يداً مرتعشة اليها..سحب اللحاف من تحتها دون ان يدع يده تلمس فخذها..وهو يغطيها أفاقت من النوم..قالت بصوت ناعس وهي تفتح عينيها بصعوبة كأنما تنتزع نفسها من النوم.
- ما بك؟
بحزن صامت:- لم أعد استطيع النوم.
مدّت اليه يدها تحاول ان تمسك به:- اقترب!
بعصبية:- لا تلمسيني! انا لم أعد شيئاً..لم تعد فائدة من وجودي.
هبّت من الفراش وهي تقول:- أنت مخطىء.
نهض واقفاً..وقفت الى جانبه.
- لا تغضب!..اجلس..دعنا نتحدث..
- ليس هناك ما نتحدث به..يجب ان ننفصل..
ضغطت على يده برفق وهي تجلسه بجانبها على الفراش.
- وإن كنت لا أريد ذلك؟
-لا أريد ان أظلمك.
- أنا راضية معك..
كاد يبكي وهو يقول كأنما يريد ان يقنعها:
- لا أستطيع ان أكون رجلاً..
قالت بغضب:- الرجل لا يكون في الفراش فقط.
- مذا تأملين من حياتك معي؟
- أنا لم أتزوجك فقط لأمارس الجنس معك..الحياة الزوجية أكثر من ذلك..طموحنا المشترك لكي نجعل من العالم مكاناً أفضل للعيش..هذا ما يحفزنا للحياة..وليس لقاء جسدي عابر بيننا..
- ولكن سيظل هناك شيء مفقود بيننا..
بعتاب:- كيف تقول ذلك؟ هل نسيت كل ما كان بيننا؟ تزوجتك لتكون لي حياةمعك.. هذه الحياة تحققت..لي بيت وابن وزوج أحبه..حياتي تتحقق من خلالك وخلال ابننا..ولي عملي أيضاً..أنا لديّ كل شيء..كل ما تحتاجه المرأة..هل تذكر..عندما سألتني قبل الزواج إذا كنت مقتنعة، ماذا يجعلك الآن تعتقد أنني لم أعد مقتنعة بالحياة معك؟ هل تعتقد انّ شيئاً يمكن ان يغيرني عنك؟
- أنت تحاولين تعزيتي..
- لا ..أنا لا أعزيك..أنت رجلي..ستظل دائماً كما كنت..لن يكون هناك رجل آخر يمكن ان يأخذ مكانك..
- لي طلب واحد..ان ننام في غرفتين منفصلتين..
- لا..لن أسمح..مكانك هنا الى جانبي..انت لا تزال زوجي..وستبقى كذلك..لا أحتمل بعدك عنّي..
- لا ضرورة لذلك! لا تعذبيني أكثر.
- لا تيأس!..هناك علاج لكل شيء.
- لا أستطيع ان أراك، وأحس بعجزي أمامك..
- سوف يزول مع الوقت.
- هل تعتقدين؟
- حتى بدون ذلك..قربك مني يغنيني عن كل شيء. أنا أكثر حظاً من امرأة أرملة.
- عندما تكون أرملة..يعني تستطيع ان تتزوج.
- ألم تسمع بنساء أرامل رفضن الزواج؟
قال وهو ينظر اليها في حب:
- سعيد الحظ من له زوجة مثلك.
- أنا لست الوحيدة..أنتم لا تعرفون النساء جيداً.
- أنا واحد من هؤلاء..
- تولون اهتمامكم لأشياء أخرى..تبقى المرأة بالنسبة لكم شيئا قليل الأهمية. تفكرون بها بقدر ما توفر لكم من متعة..لا تتعبون أنفسكم في محاولة فهمها.
- ولكن انا أهتم بما تفكرين وتشعرين..لذلك انا أتعذب..
- ولكنك لا تفهمني..ليس هناك مبرر لعذابك..
قال بعد فترة صمت:
- هل تعلمين..ان الشك بدأ يتسرب الى نفسي؟
- بماذا؟
- يجب ان أكون صادقاً معك..إنني أحس بالخجل من نفسي.
بدهشة:- أنا لا أصدق أنك يمكن ان تشك في..هل فقدت عقلك؟
قال متأنياً:- عندما نخرج في مشوار..أو عندما أراك في الصباح، وأنت تلبسين وتتزينين..أتساءل..لمن كل هذا؟
- ألا يجب ان أبدو في منظر حسن؟
- طبعاً. ولكنني أفكر..لا بد ان هناك من ينظر اليك..يشتهيك..ربما ان الرغبة تستحوذ عليك أيضاً..
قالت وهي تضع خديه بين كفيها وتنظر الى عينيه:
- عندما لا تكون انت.. فليس هناك رغبة أبداً..لن تكون لي رغبة في اي رجل آخر.
قال في تردد..كأنما يستنجد بها:
- لا أدري ماذا أفعل الآن!
- ستفعل ما كنت تفعله دائماً..ستعود لعملك ونضالك..لن تستسلم لليأس..هناك من هم بحاجة اليك..لا تستطيع ان تتوقف الآن..لا يحق لك ان تندم على طريق حياتك، الذي اخترته بنفسك..
- لا..لن أندم..رغم كل شيء..ما دمت تقفين الى جانبي..ستمنحينني الإحساس بالثقة والأمل..بدونك لا أستطيع الإستمرار..
- حتى بدوني يجب ان تستمر..ان لا تفقد الثقة بنفسك أبداً.
قبلته في جبينه وهي تقول:
- هل تستطيع ان تنام الآن؟ إذا كنت قلقاً..سأسهر معك حتى الصبح.
قال وهو يمس شفتيها برفق:
- سأحاول.
ضمته اليها مثل طفل..وظلت تحتفظ بنفسها صاحية حتى غفا أخيراً على صدرها..
***
تمت
شروق صباحين
الجمعة يونيو 28, 2019 8:55 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» د. ليلى عريقات نائب الرئيس ورئيسة تكريم الشهادات الفخرية والرئيسة الفخرية للمجلس
الإثنين ديسمبر 03, 2018 12:25 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» اهداء ارتجالي الى عميدة الشعر المعاصر الاستاذة د. ليلى عريقات / د. لطفي الياسيني
السبت ديسمبر 01, 2018 9:05 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» خذ ومن عمري لعمرك .. مهداة لشيخ الشعراء المجاهدين لطفي الياسيني للشاعر حسين حرفوش
السبت ديسمبر 01, 2018 2:18 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» وما غير الطبيعة من سِفر
الخميس يوليو 11, 2013 6:22 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» حمى الناس ..إهداء إلى أهالي الحولة
الخميس يوليو 11, 2013 6:13 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» قصيدة معايدة الرؤساء العرب .. للشيخ عائض القرني
الخميس يوليو 11, 2013 6:12 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» طال ابتهال المصطفى
الخميس يوليو 11, 2013 6:11 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» من وحي السيول والفيضانات التي اجتاحت بيوتنا / د. لطفي الياسيني
الأربعاء يناير 09, 2013 4:02 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني