لروحك يا طه ..

كل الشكر للشاعر القدير سعود الأسدي على ملامسته القلوب بهذه القصيدة



تحياتي له ولقلمه النابض بالجمال

بدوري أشكر الشاعر الأستاذ سعود على هذه القصيدة التي ملؤها الإخاء والمحبة



شكراً لم مرة أخرى

وشرفني المرور على القصيدة



تغريد السواعير

لروحِكَ يا طه !
للشاعر : سعود الأسدي

هي كلمات حزينة لرحيل الشاعر الفلسطينيّ الكبير الأديب الحبيب طه محمد علي ، خطّها قلم صديقه سعود الأسدي وفاءً منه لرفقة خمسين عاما كانت مثال الصداقة الوفيّة الأمينة الشريفة النقيّة ، فإلى روحك يا أبا نزار أقول :

لروحِكِ يا طـه أقولُ مقالتي
لأُعْـرِبَ عن حُبّي مَدَى سَنَواتي
لقد كنتَ خِلاَّ نصفَ قرنٍ وإنّه
مَضَى كمرورِ البَرْقِ في لَحَظاتِ
فمِنْ أينَ أبْدَا ؟ يا حبيبي ومُهجتي
وقد عَبَّرَتْ عـن حَسْرَتي عَبَراتي
سَهِرْنا معا صيفًا شتاءً وإنّنا
قرأنا معاً ما لَذّ من صَفَحاتِ
ونسمعُ موسيقى إلى الصبحِ عَلَّنا
نلاقي الذي قد ضاعَ من صَبَواتِ
ونقرأُ ما كنّا نخطُّ لعلَّنا
نقولُ صواباً بعدَ طُوْلِ أناةِ
وكانَ لنا الكِنديُّ خيرَ مُسامرٍ
حَفِظْنا له الآياتِ مُنْتَقَياتِ
وقالَ لنا والشعرُ ينطِقُ باسمِهِ :
وما الدهرُ إلاّ من رُوَاةِ رُواتي
" إذا قلتُ شعراً أصبحَ الدهرُ منشداً "
وتلك لعمري أصدقُ الكَلِماتِ
وكانَ المعريُّ الحبيسُ أنيسَنا
وباحَ لنا بالسّرِّ بوحَ ثِقاةِ
إذا كانَ فِعْلُ الشرِّ أقصِدُ فعلَهُ
فليس صِيامي نافعي وصَلاتي
وقالَ لنا : ما العيشُ الاّ مشقّةٌ
وإنَّ الليالي غيرُ ذاتِ ثَباتِ
ونحنُ خَيَالٌ كالسَّرابِ وحالُنا
بأحسنِ حالٍ مثلُ حالِ نَباتِ
"وما الناسُ إلا خالِفٌ بَعْدَ سالفٍ "
وتَنْبِذُنا الأيامُ نَبْذَ نَواةِ
" وما العيشُ إلاّ عِلَّةٌ بُرْؤُها الرَّدَى"
وما يومُ عيدي غير يومِ وفاتي
يؤمِّلُ كلٌّ أنْ يعيشَ وإنّما
نمارسُ أهوالاً من النَّكَباتِ
"إذا افترَقَتْ أجزاؤُنا حُطَّ ثِقْلُنا
ولسْنا نُعاني من أذَى العَثَراتِ
وسوفَ يُوارينا الترابُ ونغتدي
كمَنْ سبقونا في طويلِ سُباتِ
وليس يُفيدُ اللطمُ واللدمُ باكياً
ولا نوحُ باكٍ دائمِ الحَسَراتِ
فقُلْ لصديقِ الأمسِ أو لعَدُوِّهِ
سترحَلُ عنها بعدَ طولِ حياةِ
*****
لقد كنتَ يا طه بعيدًا عن الأذَى
وتلك لَعْمري أحسنُ الحسَناتِ
وكنتَ أمينًا صادقَ الوُدِّ حافظًا
لوُدِّ صديقٍ طاهرَ النَّظَراتِ
وإنّي على مَنْآك قد صِرْتُ مُفْرَدًا
لمنْ بعدُ أحكي عن مشاعرِ ذاتي ؟
وإنّي قُبيلَ النأيِ كنتُ بغُربةٍ
وبعدَكَ يا طه تطولُ شَكاتي
فيا ليتني طَلّقتُ عيشَ مدينتي
وعشتُ بأرضِ البَرِّ عيشَ رُعاةِ
كمثلِ ثيوقريطَ *القديمِ وإنني
أحنُّ إلى عيشي مع الغَنَماتِ
وأعزفُ مزماري كَما كنتُ في الصِّبا
وكيفَ تُلَبّي " ليتَني " رغَباتي ؟!
فقدتُكَ يا طه وفقدُكَ فاجعٌ
وبُعْدُكَ عنّي من أَشَدِّ عُدَاتي
وما جئتُ أرثي يا صديقي لأنّني
عَرَفْتُ ستبدو راثياً لرُثاةِ
ولكنّني قد جئتُ أطلبُ راجياً
سماحاً وعفواً منكَ عن هَفَواتي
عليك سلام اللهِ يا خيرَ صاحبٍ
رَحَلْتَ ويا رَبِّ اقبَلَنْ دَعَواتي
الأسيف : سعود الأسدي
ـــــــ
*ثيوقريطس : شاعر يوناني ولد في سرقوسة (صقلية) نحو 310 ق.م وهو مبدع الفن الأدبي المعروف بِـ "الإيديلا " Idyll أو غراميات الأرياف ، عاش في الأسكندرية مدة ، ثم رغب عن حياة المدينة وعاد إلى صقلية لينعم بالطمأنينة الريفيّة بين أحضان الطبيعة .