من طرف آية صابر السبت أكتوبر 08, 2011 7:43 am
نوبل الآداب هذا العام ممنوحة لشاعر، يفاجئ هذا الخبر بعد يأس من الشعر خلنا معه أن «نوبل لن تتكرّر لشاعر». توماس ترانسترومر الذي نال الجائزة شاعر سويدي صمت من 21 عاماً اثر جلطة دماغية شلته وحبست لسانه وهو من حينها نشر مجموعة «اللغز الكبير» التي لم ينشر بعدها سوى مراسلاته مع الشاعر الأميركي «روبرت بلاي» الذي كان من أوائل الذين قدموه للعالم، ترانسترومر الذي يتكرر اسمه منذ مدة في مداولات نوبل، ليس أشهر شاعر سويدي حي فحسب. بل هو معروف للعالم بحيث أن شاعراً كبرودسكي الروسي الذي سبقه إلى جائزة نوبل قال إنه سرق بعض صوره.
ترانسترومر الذي ولد 1931 درس علم النفس وعمل لفترة مستشاراً نفسياً قبل أن يُضطره المرض إلى التقاعد هو شاعر مختلف بكل معنى الكلمة فهو يبدأ قصائده من حيث لا نتوقع أن نجد الشعر. يبدأ من لحظة هاربة، من جذع مقطوع، وسنة نوم على مقعد خلفي أو توقف باخرة أو مرأى غابة. يبدأ من تجربة ملموسة، من حركة، من مشهد جزئي ومن لحظة نثرية إذا جاز القول لكن الكلام سرعان ما ينعقد في لحظة شعرية ويتفتح الشعر في وسط القصيدة.
تحمل إحدى مجموعات ترانسترومر اسم «بلطيقيات» وهذه المجموعة مملوءة بروح وبسحر البلطيق. اننا نجد أعشابه وحيواناته وجزره تلك التي عاشها ترانسترومر مع جده البحار في طفولته. إنه عالم يستقبل الشعر من شتى التجارب، من الأخبار والسرديات والبداهة والحكمة والمعرفة العلمية من أبناء الجزر وحيواناتها ونباتاتها، ذلك يعني أن الشعر يمس مختلف الأشياء والكلمات ويجتذبها إلى بؤرته. الشعر هنا ليس موضوعاً معيناً ولا خطاباً محدداً. إنه مسّ وقراءة وحساسية قادرة على أن تحوّل الأشياء والكلمات إليها.
يمكننا لهذا أن نجد في شعر ترانسترومر ما يشبه الرسم الصيني الذي ينعدم فيه الفارق بين الداخل والخارج ويمكننا أن نجد للخارج حضوراً شعرياً في موازاة الداخل. ثم أن هذا الشعر يعيد الصلة بين الشاعر والطبيعة، هنا نستحضر مجدداً الرسم الصيني الذي يستحضر العالم تحت غصن شجرة أو من خلال نقطة في الهواء، العالم عند ترانسترومر هو هذا التواتر الداخلي الخارجي. للأشياء في شعر ترانسترومر ذات الحضور الذي للإنسان ما يجعل قصيدته تتجه من حياد ما نحو ذرى دراماتيكية، ويجعلها تستحضر لغز الخلق والسر الكينوني في الأشياء العادية والمبذولة جميعها. ورغم هذا «الانحياز للأشياء» الذي نجده في شعر ترانسترومر إلا أن هذا الانحياز ليس من قبل تشييء العالم أو موضعته. عالم الأشياء لدى ترانسترومر يملك ذات الإلفة التي هي لعالم الإنسان. يملك شعر ترانسترومر قراءة ثانية للعالم وإعادة اكتشاف له. أكثر الأشياء تملك سرها واكتشافها أشبه بكشف أثري. ربما من هذا سعى نقاد ترانسترومر إلى البحث عن اثر العلم فيه والى القول انه أيضاً يُشعْرِنُ العلم، بل هو يعيد اكتشاف سر الأشياء وندرتها وخصوصياتها، أي أن ترانسترومر يعرضها لنوع من «الفحص» الشعري ويحول الشعر إلى مجهر لاقط، من هنا يبدو شعره أشبه بمختبر فيزياء لكنه أيضاً، وهذا هو الأهم، يجعل للشعر حضوراً شاملاً وفي وسع نبتة أو شجرة هنا أن تقول العالم.
لقد عرف القارىء العربي هذا الشاعر السويدي الكبير من خلال ترجمة لاعماله قام بها المترجم العراقي قاسم حمادي وراجعها الشاعر أدونيس الذي تربطه به علاقة شعرية وشخصية قوية.
واوضحت الاكاديمية السويدية ان ترانسترومر حاز الجائزة 'لأنه من خلال صور مركزة وواضحة، يعطينا منفذا جديدا على الواقع'.
وعلق الامين العام للاكاديمية بيتر انغلوند 'يتناول الموت والتاريخ والذاكرة التي تحدق بنا وتزيد من قيمتنا (..) لا يمكننا ابدا ان نشعر بالصغر بعد قراءة شعر ترناسترومر'.
واضافت الاكاديمية ان 'غالبية دواوين ترانسترومر الشعرية تتسم بالايجاز والوضوح والاستعارات المعبرة'.
واوضح انغلوند 'ليس شاعرا غزير الانتاج' الا ان بساطة قصائده المعبرة جدا سمحت بترجمة اعماله الى اكثر من ستين لغة.
انطلق في بداياته بقصائد تقليدية تمحورت حول الطبيعة الا ان اعماله اتخذت رويدا رويدا طابعا اكثر حميمية وحرية بحثا عن الارتقاء بالذات وفهم المجهول.
في دواوينه الاخيرة ولا سيما اخر عمل له صدر في 2004 وضم 45 قصيدة صغيرة جدا 'مال ترانسترومر الى اقتضاب اكبر والى درجة اكبر من التركيز' على ما قالت الاكاديمية.
وقال انغلوند 'لم يفز اي سويدي بالجائزة منذ اربعين عاما' واسم ترانسترومر مطروح في كل سنة منذ 1993'.
في 1974 منحت الاكاديمية السويدية الجائزة في قرار نادر جدا الى سويديين اثنين هما ايفيند جونسون وهاري مارتنسون.
ورغم ان اسمه مطروح منذ سنوات 'فوجئ' ترانسترمر بالنبأ عند تلقيه الاتصال الهاتفي لتبليغه بالفوز.
وروى انغلوند 'كان يستمع الى الموسيقى' مؤكدا بذلك عادة تحدثت عنها زوجة الشاعر مونيكا في مقابلة صحافية قالت فيها ان الموسيقى باتت في السنوات الاخيرة اهم لترانسترومر من الكتابة.
والى جانب استماعه للموسيقى كل صباح فهو يعزف البيانو يوميا بيده اليسرى فقط لأن اليمنى مشلولة منذ اصابته بسكتة دماغية في 1990.
منذ ذلك الحين يواجه صعوبة بالنطق ويترك لزوجته مونيكا مهمة التحدث باسمه.
وقالت مونيكا لوكالة الانباء السويدية بعد اعلان فوزه 'ما كان يظن انه سيشعر يوما بهكذا فرحة'.
ولد توماس ترانسترومر في ستوكهولم في 15 نيسان (ابريل) وتولت والدته تربيته بعد رحيل والده المبكر.
حصل على اجازة في علم النفس العام 1956 وعمل في المعهد النفسي التقني في جامعة ستوكهولم قبل ان يهتم في ستينات القرن الماضي بشباب جانحين في معهد متخصص.
بموازاة انجاز اعمال شعرية غنية، عمل مع معوقين وسجناء ومدمني مخدرات.
ويقيم الشاعر مع زوجته مونيكا في ستوكهولم ولهما ابنتان.
وهو يخلف الروائي الاسباني- البيروفي ماريو فارغاس يوسا وسيتسلم الجائزة في ستوكهولم في العاشر من كانون الاول (ديسمبر) مرفقة بمكافأة مالية قدرها عشرة ملايين كورونة سويدية (1,08 مليون دولار).
وهذه عودة الى الشعر تقوم بها الاكاديمية السويدية بعد ان سيطرت الرواية والروائيون على جوائزها في السنين الأخيرة. ويذكر ان الشاعر العربي أدونيس من المرشحين للجائزة وهو، للمفارقة، الذي اسهم في تقديم هذا الشاعر السويدي الى اللغة العربية من خلال مراجعته لترجمات اعماله التي نشرتها دار 'بدايات' في دمشق عام 2005 كما شارك في امسية شعرية معه في دمشق عند صدور الاعمال الشعرية.
هنا ترجمات لبعض قصائده حققها قاسم حمادي:
دخل القطار إلى المحطة . يصفُّ هنا عرباته واحدة بعد الأخرى ،
لكن لا يُفتَح أي باب ، ولا أحد يخرج أو يصعد .
أهناك بالفعل أبواب ؟ في الداخل ضجيج أناسٍ
محجوزين يتحركون ذهاباً وإياباً .
ينظرون إلى الخارج عبر النوافذ الثابتة .
في الخارج يمشي رجل بمحاذاة القطار حاملاً مطرقة .
يطرق على الإطارات ، صوت ضعيف . إلا هنا !
هنا يتضخم الصوت بشكل غير معقول : رعد ،
رنين أجراس كاتدرائية ، دويٌّ عابرٌ المحيط يرفع القطار كله
والحجارة المبللة في المنطقة .
كل شيءٍ يغنّي . سوف تتذكرونَ ذلك . تابعوا سفركم!
في هذه الأشهر الكئيبة لم تتوهج حياتي
إلا عندما مارست الحب معك .
كمثل اليراعة تشتعل وتنطفئ ، تشتعل وتنطفئ
بنظرات خاطفة يمكن رؤية طريقها
يمكننا أن نتبع طريقها بلمحةٍ في عتمة الليل بين أشجار الزيتون .
في هذه الأشهر الكئيبة ظلت روحي هابطة
لا حياة فيها
فيما كان الجسد يمضي مباشرةً إليك .
كانت السماء تجأر ليلاً .
خلسةً كنا نستدرُّ حليبَ الكون لكي نستمرَّ في البقاء .
أسلاك التوتر العالي
مشدودة في مملكة البرد
إلى شمال كل موسيقى .
الشمس البيضاء
تتدرّب راكضةً وحدها إلى
جبال الموت الزرقاء .
الشمس الآن منخفضة ؛
ظلالنا عملاقة .
قريباً يدخل كل شيءٍ في الظل .
حضورٌ لله ؛
في نفق أغنيات العصافير
يُفتَح بابٌ مغلق .
جدار اليأس ..
بلا أوجه
تأتي الحمائم وتذهب .
على رف في
مكتبة المجانين
كتاب العظات غير ملموس .
غابة مدهشة
يعيش فيها الله بلا مال .
الجدران مضاءة .
حدث شيءٌ ما ..
أضاء القمر الغرفة .
الله وحده يعلم ذلك .
أصغي إلى هطول المطر
أهمسُ سراً
لكي أصل إلى هناك .
ريح الله في ظهرنا .
طلقة نار تجيءُ بلا صوت
حلم طويل جداً .
نيسان والصمت
يستلقي الربيع مهجوراً
الخندق المخملي المظلم
يزحف بجانبي دون انعكاسات
وحدها الورود الصفراء مضاءة
أُحمل في ظلي
كمثل كمان
في صندوقه الأسود
ما أريد قوله
يتألق خارج متناول اليد
كمثل الفضة
عند الراهن.
ترجمة حميد كشكولي من السويدية
ترافيك ( المرور)
تخوض الشاحنة خلل الضباب،
ويجول ظل كبير ليرقة يعسوب في عَكَر قعر البحيرة—
تلتقي المصابيح الكشّافة في غابة قاطرة،
لا يرى المرء وجه الآخر.
نهر الضوء يتلاشى خلال إبر الصنوبر.
نأتي مركبات ِ ظلال من كل الجهات،
في الغروب، نهيم ُ وراء بعضنا ،
بجنب بعضنا،
ننساب إلى الأمام،
في جرس إنذار هامد.
خارجا،
في السهل الذي يحضن الصناعات ،
وتنخفض المباني بمقدار ملليمترين كل عام---
تبتلعهن الأرض بهدوء.
أيدي غير معرَّفة الهوية،
تترك آثارها على الناتج الأكثر بريقا،
ما نحلم به هنا.
والبذرة تسعى إلى الحياة في الإسفلت،
بيد أن أولا شجرات الكستناء ، كئيبات ، كأنهن يستعددن لتتفتق أزهارها عن قفازات حديد،
بدلا من اسطوانات بيضاء،
وخلفهن غرفة موظفي الشركة – أنبوب نيون معطل، يغمز ومضات ِ.
هنا ، ثمة باب سري. فافتحْ!
وانظر ْ في البريسكوب المقلوب إلى الأسفل،
باتجاه الفوهات،
نحو الماسورات العميقة،حيث الطحالب تنمو مثل لحى الموتى،
وتنسل المدن في ثيابها المفصلة من البلغم،
بأنفاس سباحة واهنة ،
في مسيرها للاختناق.
ولا أحد يدري كيف سيسير الأمر،
سوى أن السلسلة تنقطع ،
وتلتحم باستمرار.
منقولة مع جزيل الشكر
آية صابر
الجمعة يونيو 28, 2019 8:55 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» د. ليلى عريقات نائب الرئيس ورئيسة تكريم الشهادات الفخرية والرئيسة الفخرية للمجلس
الإثنين ديسمبر 03, 2018 12:25 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» اهداء ارتجالي الى عميدة الشعر المعاصر الاستاذة د. ليلى عريقات / د. لطفي الياسيني
السبت ديسمبر 01, 2018 9:05 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» خذ ومن عمري لعمرك .. مهداة لشيخ الشعراء المجاهدين لطفي الياسيني للشاعر حسين حرفوش
السبت ديسمبر 01, 2018 2:18 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» وما غير الطبيعة من سِفر
الخميس يوليو 11, 2013 6:22 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» حمى الناس ..إهداء إلى أهالي الحولة
الخميس يوليو 11, 2013 6:13 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» قصيدة معايدة الرؤساء العرب .. للشيخ عائض القرني
الخميس يوليو 11, 2013 6:12 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» طال ابتهال المصطفى
الخميس يوليو 11, 2013 6:11 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» من وحي السيول والفيضانات التي اجتاحت بيوتنا / د. لطفي الياسيني
الأربعاء يناير 09, 2013 4:02 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني