وصل الى تلك المدينة البعيدة ,هنا هو نكرة لا ينتبه احد لوجوده ,هنا لا مأوى وهنا عزلة ,كوم نفسه على جانب الرصيف يتفرس الوجوه الوجمة ,هبط الليل على المدينة ليستر ما فيها ويريحها من ضجيج قد اعياها ,كان خائر القوى وبدأ الجوع يتحرش بمعدته الخاوية من الطعام والمتخمة بشعور الخوف ,تنهال عيناه بوابل من النظرات الجائعة على (الفروج) الذي يتراقص فوق نار هادئة في المطعم المقابل ,يقول في نفسه يالاهي كم سأكون سعيدا لو حظيت بواحدة ,سأفتك بها تماما ولن اترك لها اي اثر ,,سال اللعاب من فمه ولعقه بطرف لسانه ,يمر بجواره احد المارة الورعين ويرمي اليه ببعض الفكة من النقود ,ويمشي على عجل ,يحاول ان يلحق به ليوبخه ويشرح له انه ليس بمتسول لولا ان وخزته معدته بقوة والزمته الجلوس بأرضه ,اسكتها ببعض اللقم ,توسد نعليه والتحف السماء وغط بنوم عميق ... لم تمض الا سويعات حتى ايقظه كابوس ونكىء له جراحه النازفة اصلا ,تذكر حيه الذي امتص له كرامته ونزع منه نفسه ,تذكر ذلك الزقاق والذي يصفه دائما بالمستنقع القذر المليء بالطفيليات ,حيث انه مكب لنفايات مدينة من بقايا بشر وحجر والكثير من وحل الانحطاط والقذارة ,ففيه النسوة مكتنزات ثرثارات لا يقوى عليهن احد ,فهن رغم الفقر والجوع ثريات بقوة الشكيمة والردح واكل لحم بعضهن ميتا ,يتمتعن بجلد على مناكفات الحياة بل يسعين اليها باستمرار ,
الاطفال منزوعي البراءة ومنزوعي الثياب بالكاد يقوى الفقر والمرض والكثير من الجهل عليهم , برد الشتاء القارص سرعان ما يتبدد حين يحاول قرص تلك الجلود الخشنه , نموذجهم الذي يحتذى اولائك الفتية الذين تسيدوا الشوارع ويعتاشون من فرض (الاتاوة ) على البعض هبوط الليل على الحي بمثابة اعلان حظر التجول والخروج تحت طائلة المسؤولية ,علب (التنر ) نديم محبب على قارعة الرصيف ,يتسامرون بنشوة تراشق الالفاظ البذيئة المخلة بالشرف ولكنها بمذاق الشرف الاصيل بالنسبة اليهم , حين يشتاق احدهم لرؤية الرفاق المغتربين في (عنبر ) السجن ,يتربص ومشرطه الصدىء بمن سيكون ذريعة وتأشيرة للسفر والاقامة للاستجمام مع الرفاق ,قصص الحي اكسير الحياة لبقاء الحي ,سعاد قد شوه وجهها بماء النار بعد ان تركت (معين ) يعاني وحدة الفراق ,العم (ابو راضي )لا يزال يسرق متجره رغم التزامه بدفع الاتاوة ,,لا يزال الحديث شهيا وشيقا في فم النسوة عن (محمود) الذي وجد مكوما على مدخل الحي بعد ان ذبح كالشاة وقدم قربانا لاحدهم ,, تذكر كيف انه كان يوصف من قبل الفتية بالأمعة لكونه مثقفا ,مظهره العنيد والرافض لحياة الحي ولحيته الكثه وملابسه الرثه كانت كفيلة بان يجزم اهل الحي بانه(شيوعي ) عدا عن انه يعمل بمطبعة للكتب والمجلات في المدينة ودائما ما يعود يحتضن الجرائد والكتب والاوراق ,فهو يحب العزلة بمقدار كرهه للحي ,ابتسم حين تذكر (حورية ) فهي المعشوقة والنرجسة التي نبتت بمحض الخطأ بين اشواك المستنقع وبالصدفة تسكن في الشقة المقابلة له ,يحتضن وجهها شعر ناعم اسود كقمر يحتضنه ليل حالك ,عيناها حدائق خضراء وربيع دائم لا يمل احد من النظر اليهما وتمني المبيت فيهما ,طرية كقطعة من (الكيك ) يود ذباب الحي لو يحظى بفرصة للغوص داخلها ليطفىء جوعه ,امتلات عيناه بالدموع وهو يتذكر كيف اتهمه اهل الحي بالخارج عن حدود الشرف حين لمحه احدهم يجلس معها بليلة قمرية على سطح الخرابة التي يقطنون فيها ,وسرعان ما تبدلت حورية عند اهل الحي من فتاة جميلة الى (مومس ) ودماؤها عند اخيها اصبحت محلولا لغسيل الشرف فموتها ضرورة ملحة لديمومة رجولته ..
اما الشيوعي فلن يغلب معه وسيترك امره لفتية الحي .. احس بان اخر قطرة للشرف في العالم قد اريقت عندما اريقت دماء حورية ,وانه قد اصبح بلا قلب فقلبه قد وري الثرى معها ,حزم امتعته ولملم شجاعته وهم بالرحيل ,نزل الى الشارع ودماؤه تغلي بجسد على وشك الانفجار ,اعترضه فتية الحي وانهالوا عليه ضربا ,لم يشعر بأي الم ,رغم انه تعرض لعدة طعنات في الخاصرة ,انتزع من احدهم مشرطه وقام بضربه بكل قوته ,لم يقوى احد على ايقافه فقد كان كالذي يسكنه عفريت ,حضرت الشرطة الى المكان وساقوهم جميعا الى السجن تم اسعافهم وتضميد جراحهم واقتيدوا للتحقيق ,وفي التحقيق معه عن سبب العركة اجابهم بانهم قد اعترضوا طريقه وانه قام بالدفاع عن نفسه فحسب ,ضحك المحقق وسأله أأنت شيوعي ؟
بادله بضحكة وبسؤال ما تظنني انت؟ ,اجابه المحقق نحن نظنك كذلك فالكتب التي معك ومظهرك يدلان على ذلك ,اوضح له بانه اذا اعترف عن نفسه وعن مجموعته فأن ذلك سيكون افضل له ولن يتعرض للتعذيب ,ضحك بصوت عال ولم يستطع السيطرة على قهقهاته الا ان احمر وجهه وكادت ان تتراقص اذناه من شدة الضحك ,امر المحقق بأخضاعه للتعذيب لنزع الاعترافات منه ,اقتيد معصوب العينين الى غرفة تفوح منها رائحة شواء اجساد بشرية , غرفة التعذيب بالكهرباء ,تم تجهيزه والشرح له بان كل ما هو مطلوب منه هو الاعتراف فقط وسيتم التخفيف عنه ولن يتم تعذيبه , انفجر بالضحك والقهقهة, جمع ما استطاع من لعاب داخل فمه واطلقه كالرصاصة نحوهم ,تم ربطه وتوصيل العديد من الاسلاك النحاسية في اطرافه وتم وصلها بالكهرباء,اهتز جسمه بقوة وشعر بصدمة شديدة كمن اعترض قطارا يسير بسرعة جنونية ,فقد وعيه وبالكاد يسمع صدى صوت المحققين وكأنهم يتحدون اليه من واد سحيق ,يخالهم وفتية الحي يسعون لحتفه فهو قد ادرك بانهم جميعا متشابهين حيث يتشاركون في الجهل والبلطجة ,يتراىء له احدهم وقد هم بقدح بعض الزيت والثوم ويسأل هل انتهيتم من نزع دماغه ؟,وفجأة يرى نفسه وقد اصبح قطا يدخل الى الحي في منتصف الليل ,يموء بشراسة صوب الفتية ونبرة التحدي جلية منه ,ينزعجون منه ويرشقونه ببعض العبارات النابيه فيموء لهم ثانية وبصوت اعلى من السابق ,تناول احدهم قضيبا معدنيا وحطم له قدميه فزحف نحوهم وماء اكثر,شوه بمشرطه معالم وجهه فماء اكثر واكثر ,انتزع منه رمز ذكورته لكنه اصر على المواء ,قام باحراقه ولم تخبت صيحاته بل ازداد مواءه الا ان ملأ الحي باكمله واصبح المواء متواصلا ليلا ونهارا رغم موت القط الى ان رحل الفتية عن الحي ... اقتيد الى زنزانته وتم حبسه فيها بعد ان لفقت اليه العديد من التهم ,قضى ايامه بالوحدة والعزلة بناء على طلبه فهو الابله والمجنون حسب رأي الجميع في داخل السجن,يرسم بالطبشور في كل يوم حورية على جدار الزنزانة, يرسمها بثوب زفاف ابيض , ويرسمها زوجة تنتظر بلهفة وتبرج زوجها, ويرسمها اما تلاعب صغارها,يرسمها وقد نبت لها جناحان تحمله وتسافر به الى البعيد ,يرسمها ذبيحة ودماؤها قد غدت انهارا في الشوارع ,يرسمها في ادق تفاصيل الحياة ويعيش كل يوم معها .. تفتح زنزانته وينادى عليه بان مأمور السجن يريده لمسألة ضرورية ,يدخل الى مكتب المأمور الذي يستقبله بحرارة قل نظيرها ,يبشره بأنه تم الافراج عنه وان حريته قد عادت اليه ,ينتظر المأمور ان يرى تعابير الفرح على وجهه وان يسمع كلمات الشكر والمديح تنهال عليه ,الا انه عقد حاجبيه وتجهم وبدأ بالبكاء كطفل يفتقد والديه ,توسل للمأمور ان يبقى فهو لا يريد الخروج بل لا يستطيع الخروج فمن سيرعى حوريه ؟ ,تعجب لأمره وهدأ من روعه واخبره بان هنالك الكثير في الحياة ما يستحق ان يعيش لأجله, فالعالم في الخارج قد تغير والناس اصبحت تعيش بلا خوف وتنعم بالحرية .. ذهب الى زنزانته ودع حورية التي على الجدار قبلها واشتم عطرها الذي برائحة الطبشور,حورية قد بدت هرمة مثله وتقوس ظهرها قد بدى واضحا للعيان ,حورية قد ابيض شعرها الاسود وتجعد خداها وبدأت معالم الشيخوخة تغشاها ,اخذ بعض حاجاته ,هم بالرحيل لولا ان استوقفته دقات قلبه المسجونه بين اضلاعه والتي تضرب كالطبول , تأمل حورية و تمتم اليها طويلا ,محى صورتها العجوز عن الجدار واعاد رسمها فتاة فاتنة مراهقة تهديه قبلة وداع على استحياء .. , ضجيج المدينة قد استيقظ هو الاخر ,استجمع العجوز قواه امتطى ظهر الشارع وهام على وجهه فقرر ان يعود الى حيه هناك لديه مأوى وهناك لا تزال رائحة حورية اقوى كرائحة الخبز الطازج فواحة وشهية , الحرية غدت اوسع ,العالم تغير فمأمور السجن قد أكد له ذلك , الفتية قد رحلوا فقد ارعبهم مواء ذلك القط الشجاع .. وصل بعد عناء الى اطراف المدينة, بحث عن معالم الحي وبصعوبة بالغة ميزه ,تجول بين الازقة والممرات يسمع بدهشة الناس ويرى ما يقومون به وكيف يعيشون ,لم ينتبه لوجوده احد ,انفجر بالضحك حين رأى الفتية وقد تضاعف عددهم وتسيدوا الشوارع ,لا يزال الحديث شيقا وشهيا في فم النسوة عن حورية المومس والتي لو انها لا تزال حية لكانت اعتى (قوادة) في المدينة ,الاتاوة لا تزال تفرض على الصغير والكبير,لا يزالون يكرهون كل مثقف وينعتونه بما يحلو لهم من القاب,لم يتغير البشر كما تغير شكل الحي ,تمنى لو يعود بطرفة عين الى زنزانته ويرسمه احدهم على الجدار صبيا من طبشور يحضن حورية الى الابد , هام على وجهه من جديد يجوب الازقة والطرقات يردد كلاماته باستمرار.. الحي اصبح مدينة والمدينة صارت وطن...
منقولة لكم
مع الشكر
تامر معاطي
الاطفال منزوعي البراءة ومنزوعي الثياب بالكاد يقوى الفقر والمرض والكثير من الجهل عليهم , برد الشتاء القارص سرعان ما يتبدد حين يحاول قرص تلك الجلود الخشنه , نموذجهم الذي يحتذى اولائك الفتية الذين تسيدوا الشوارع ويعتاشون من فرض (الاتاوة ) على البعض هبوط الليل على الحي بمثابة اعلان حظر التجول والخروج تحت طائلة المسؤولية ,علب (التنر ) نديم محبب على قارعة الرصيف ,يتسامرون بنشوة تراشق الالفاظ البذيئة المخلة بالشرف ولكنها بمذاق الشرف الاصيل بالنسبة اليهم , حين يشتاق احدهم لرؤية الرفاق المغتربين في (عنبر ) السجن ,يتربص ومشرطه الصدىء بمن سيكون ذريعة وتأشيرة للسفر والاقامة للاستجمام مع الرفاق ,قصص الحي اكسير الحياة لبقاء الحي ,سعاد قد شوه وجهها بماء النار بعد ان تركت (معين ) يعاني وحدة الفراق ,العم (ابو راضي )لا يزال يسرق متجره رغم التزامه بدفع الاتاوة ,,لا يزال الحديث شهيا وشيقا في فم النسوة عن (محمود) الذي وجد مكوما على مدخل الحي بعد ان ذبح كالشاة وقدم قربانا لاحدهم ,, تذكر كيف انه كان يوصف من قبل الفتية بالأمعة لكونه مثقفا ,مظهره العنيد والرافض لحياة الحي ولحيته الكثه وملابسه الرثه كانت كفيلة بان يجزم اهل الحي بانه(شيوعي ) عدا عن انه يعمل بمطبعة للكتب والمجلات في المدينة ودائما ما يعود يحتضن الجرائد والكتب والاوراق ,فهو يحب العزلة بمقدار كرهه للحي ,ابتسم حين تذكر (حورية ) فهي المعشوقة والنرجسة التي نبتت بمحض الخطأ بين اشواك المستنقع وبالصدفة تسكن في الشقة المقابلة له ,يحتضن وجهها شعر ناعم اسود كقمر يحتضنه ليل حالك ,عيناها حدائق خضراء وربيع دائم لا يمل احد من النظر اليهما وتمني المبيت فيهما ,طرية كقطعة من (الكيك ) يود ذباب الحي لو يحظى بفرصة للغوص داخلها ليطفىء جوعه ,امتلات عيناه بالدموع وهو يتذكر كيف اتهمه اهل الحي بالخارج عن حدود الشرف حين لمحه احدهم يجلس معها بليلة قمرية على سطح الخرابة التي يقطنون فيها ,وسرعان ما تبدلت حورية عند اهل الحي من فتاة جميلة الى (مومس ) ودماؤها عند اخيها اصبحت محلولا لغسيل الشرف فموتها ضرورة ملحة لديمومة رجولته ..
اما الشيوعي فلن يغلب معه وسيترك امره لفتية الحي .. احس بان اخر قطرة للشرف في العالم قد اريقت عندما اريقت دماء حورية ,وانه قد اصبح بلا قلب فقلبه قد وري الثرى معها ,حزم امتعته ولملم شجاعته وهم بالرحيل ,نزل الى الشارع ودماؤه تغلي بجسد على وشك الانفجار ,اعترضه فتية الحي وانهالوا عليه ضربا ,لم يشعر بأي الم ,رغم انه تعرض لعدة طعنات في الخاصرة ,انتزع من احدهم مشرطه وقام بضربه بكل قوته ,لم يقوى احد على ايقافه فقد كان كالذي يسكنه عفريت ,حضرت الشرطة الى المكان وساقوهم جميعا الى السجن تم اسعافهم وتضميد جراحهم واقتيدوا للتحقيق ,وفي التحقيق معه عن سبب العركة اجابهم بانهم قد اعترضوا طريقه وانه قام بالدفاع عن نفسه فحسب ,ضحك المحقق وسأله أأنت شيوعي ؟
بادله بضحكة وبسؤال ما تظنني انت؟ ,اجابه المحقق نحن نظنك كذلك فالكتب التي معك ومظهرك يدلان على ذلك ,اوضح له بانه اذا اعترف عن نفسه وعن مجموعته فأن ذلك سيكون افضل له ولن يتعرض للتعذيب ,ضحك بصوت عال ولم يستطع السيطرة على قهقهاته الا ان احمر وجهه وكادت ان تتراقص اذناه من شدة الضحك ,امر المحقق بأخضاعه للتعذيب لنزع الاعترافات منه ,اقتيد معصوب العينين الى غرفة تفوح منها رائحة شواء اجساد بشرية , غرفة التعذيب بالكهرباء ,تم تجهيزه والشرح له بان كل ما هو مطلوب منه هو الاعتراف فقط وسيتم التخفيف عنه ولن يتم تعذيبه , انفجر بالضحك والقهقهة, جمع ما استطاع من لعاب داخل فمه واطلقه كالرصاصة نحوهم ,تم ربطه وتوصيل العديد من الاسلاك النحاسية في اطرافه وتم وصلها بالكهرباء,اهتز جسمه بقوة وشعر بصدمة شديدة كمن اعترض قطارا يسير بسرعة جنونية ,فقد وعيه وبالكاد يسمع صدى صوت المحققين وكأنهم يتحدون اليه من واد سحيق ,يخالهم وفتية الحي يسعون لحتفه فهو قد ادرك بانهم جميعا متشابهين حيث يتشاركون في الجهل والبلطجة ,يتراىء له احدهم وقد هم بقدح بعض الزيت والثوم ويسأل هل انتهيتم من نزع دماغه ؟,وفجأة يرى نفسه وقد اصبح قطا يدخل الى الحي في منتصف الليل ,يموء بشراسة صوب الفتية ونبرة التحدي جلية منه ,ينزعجون منه ويرشقونه ببعض العبارات النابيه فيموء لهم ثانية وبصوت اعلى من السابق ,تناول احدهم قضيبا معدنيا وحطم له قدميه فزحف نحوهم وماء اكثر,شوه بمشرطه معالم وجهه فماء اكثر واكثر ,انتزع منه رمز ذكورته لكنه اصر على المواء ,قام باحراقه ولم تخبت صيحاته بل ازداد مواءه الا ان ملأ الحي باكمله واصبح المواء متواصلا ليلا ونهارا رغم موت القط الى ان رحل الفتية عن الحي ... اقتيد الى زنزانته وتم حبسه فيها بعد ان لفقت اليه العديد من التهم ,قضى ايامه بالوحدة والعزلة بناء على طلبه فهو الابله والمجنون حسب رأي الجميع في داخل السجن,يرسم بالطبشور في كل يوم حورية على جدار الزنزانة, يرسمها بثوب زفاف ابيض , ويرسمها زوجة تنتظر بلهفة وتبرج زوجها, ويرسمها اما تلاعب صغارها,يرسمها وقد نبت لها جناحان تحمله وتسافر به الى البعيد ,يرسمها ذبيحة ودماؤها قد غدت انهارا في الشوارع ,يرسمها في ادق تفاصيل الحياة ويعيش كل يوم معها .. تفتح زنزانته وينادى عليه بان مأمور السجن يريده لمسألة ضرورية ,يدخل الى مكتب المأمور الذي يستقبله بحرارة قل نظيرها ,يبشره بأنه تم الافراج عنه وان حريته قد عادت اليه ,ينتظر المأمور ان يرى تعابير الفرح على وجهه وان يسمع كلمات الشكر والمديح تنهال عليه ,الا انه عقد حاجبيه وتجهم وبدأ بالبكاء كطفل يفتقد والديه ,توسل للمأمور ان يبقى فهو لا يريد الخروج بل لا يستطيع الخروج فمن سيرعى حوريه ؟ ,تعجب لأمره وهدأ من روعه واخبره بان هنالك الكثير في الحياة ما يستحق ان يعيش لأجله, فالعالم في الخارج قد تغير والناس اصبحت تعيش بلا خوف وتنعم بالحرية .. ذهب الى زنزانته ودع حورية التي على الجدار قبلها واشتم عطرها الذي برائحة الطبشور,حورية قد بدت هرمة مثله وتقوس ظهرها قد بدى واضحا للعيان ,حورية قد ابيض شعرها الاسود وتجعد خداها وبدأت معالم الشيخوخة تغشاها ,اخذ بعض حاجاته ,هم بالرحيل لولا ان استوقفته دقات قلبه المسجونه بين اضلاعه والتي تضرب كالطبول , تأمل حورية و تمتم اليها طويلا ,محى صورتها العجوز عن الجدار واعاد رسمها فتاة فاتنة مراهقة تهديه قبلة وداع على استحياء .. , ضجيج المدينة قد استيقظ هو الاخر ,استجمع العجوز قواه امتطى ظهر الشارع وهام على وجهه فقرر ان يعود الى حيه هناك لديه مأوى وهناك لا تزال رائحة حورية اقوى كرائحة الخبز الطازج فواحة وشهية , الحرية غدت اوسع ,العالم تغير فمأمور السجن قد أكد له ذلك , الفتية قد رحلوا فقد ارعبهم مواء ذلك القط الشجاع .. وصل بعد عناء الى اطراف المدينة, بحث عن معالم الحي وبصعوبة بالغة ميزه ,تجول بين الازقة والممرات يسمع بدهشة الناس ويرى ما يقومون به وكيف يعيشون ,لم ينتبه لوجوده احد ,انفجر بالضحك حين رأى الفتية وقد تضاعف عددهم وتسيدوا الشوارع ,لا يزال الحديث شيقا وشهيا في فم النسوة عن حورية المومس والتي لو انها لا تزال حية لكانت اعتى (قوادة) في المدينة ,الاتاوة لا تزال تفرض على الصغير والكبير,لا يزالون يكرهون كل مثقف وينعتونه بما يحلو لهم من القاب,لم يتغير البشر كما تغير شكل الحي ,تمنى لو يعود بطرفة عين الى زنزانته ويرسمه احدهم على الجدار صبيا من طبشور يحضن حورية الى الابد , هام على وجهه من جديد يجوب الازقة والطرقات يردد كلاماته باستمرار.. الحي اصبح مدينة والمدينة صارت وطن...
منقولة لكم
مع الشكر
تامر معاطي
الجمعة يونيو 28, 2019 8:55 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» د. ليلى عريقات نائب الرئيس ورئيسة تكريم الشهادات الفخرية والرئيسة الفخرية للمجلس
الإثنين ديسمبر 03, 2018 12:25 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» اهداء ارتجالي الى عميدة الشعر المعاصر الاستاذة د. ليلى عريقات / د. لطفي الياسيني
السبت ديسمبر 01, 2018 9:05 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» خذ ومن عمري لعمرك .. مهداة لشيخ الشعراء المجاهدين لطفي الياسيني للشاعر حسين حرفوش
السبت ديسمبر 01, 2018 2:18 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» وما غير الطبيعة من سِفر
الخميس يوليو 11, 2013 6:22 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» حمى الناس ..إهداء إلى أهالي الحولة
الخميس يوليو 11, 2013 6:13 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» قصيدة معايدة الرؤساء العرب .. للشيخ عائض القرني
الخميس يوليو 11, 2013 6:12 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» طال ابتهال المصطفى
الخميس يوليو 11, 2013 6:11 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» من وحي السيول والفيضانات التي اجتاحت بيوتنا / د. لطفي الياسيني
الأربعاء يناير 09, 2013 4:02 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني