الملخص:المسرح هو الفن الذي شاع في العصر الحدیث. إنه فن أدبی وفد علی الشرق بتأثیر الفکر الغربي بعد الحملة الفرنسیة علی مصر، وکان أول من بدأ المسرحیات العربیة هو مارون النقاش. أهم الأفکارالأساسیة التی تدور علی المسرح هی: السیاسة، والتاریخ أو الأسطورة. أصبح الرمز والکنایة من عناصر المسرح الأساسیة خاصة عند محمد الماغوط، الأدیب السوري، بحیث آثار الرمز واضحة في أعماله الأدبیة کافة. فی الحقیقة إن أول رمز استخدمه الماغوط في مسرحیته هو عبارة «العصفور الأحدب» العصفورالذی لا یملک الحریة والاستقلال عند طیرانه في الشرق الأوسط. الکلمات الدلیلیة: الماغوط - المسرح – الرمز – الحبکة – الذروة.
المقدمة: مسرحیة «العصفور الأحدب» هی مسرحیة سیاسیة. یتضح من خلال المعنی المبطن وراء هذا الإسم إنه یرمز إلی الإنسان الذی کان حراً یوماً من الأیام ثم فقد ها. ینتبه القارئ من المضامین المستخدمة فی المسرحیة بأن الحریة مسلوبة من شعب الکاتب ومواطنیه. رغم أن المسرحیات التی کتبها محمد الماغوط قلیلة جداً لکنه استطاع أن یجد لنفسه مکانة أدبیة متمیزة بین الأدباء والشعراء في عصره، وهذه المکانة شیئاً فشیئاً أصبحت مستقرة بین أبناء الجیل القدیم. إنه کان صادقاً في الانتقادات التی طرحها لحل المشاکل السیاسیة ودفع السلبیات من مجتمعه. کان یعتقد أ نه لیس للإنسان في المجتمع بشیء أثمن من الحریة والأمن.
حیاة الماغوط وأدبه:« ولد محمد الماغوط عام 1934م. في مدینة تقع في شما ل سوریا اسمها «السلمیة» وهی تابعة لمحافظة حماة السوریة وما یتذکره منها هو الوحل والبرد والأبقار والریاح. إنه یقول: «والدتي کانت إمرأة قویة و صلبة علّمتها الحیاة أن تعتمد علی نفسها في تربیة أبنائها. وأما والدي فکان رجلاً مسالماً فقیراً قضی حیاته في الحصاد والعمل في أراضي الآخرین کأجیر.» [
1]. یقول الماغوط عن حیاته :« کان عمري 13 عاماً وکان هناک برد ومطر في «السلمیة» وکان هناک حزبان یتنافسان فيها، هما حزب البعث والحزب السوري القومي، وفي طریقي للانتساب إلی أحدهما اتضح لي أن أحدهما بعید عن الحارة ولا یوجد في مقره مدفأ ولأنني کنت متجمد الأطراف من البرد اخترت الثاني دون تردد، لأنه قریب من حارتنا وفي مقره مدفأ.
حینما انتهی البرد لم أحضر لهذا الحزب اجتماعاً ولم أبادر بأی نشاط لصالحه علی الإطلاق باستثناء مرة واحدة کلفونی بجمع التبرعات من إحدی القری التی کان أعمل في بساتینها ولکن سجنت بسبب هذا الانتماء مرتین. أثر السجن لم یغادرني یوماً. صحیح إنني لم أمکث في سجن «المزة» سنوات لکن الأشهر التی أمضیتها کانت کافیة لتغییر حیاتي کلها. في السجن انهارت کل الأشیاء الجمیلة أمامي. » [
2] کانت بدایة کتابة الماغوط الأدبیة الحقیقیة في السجن،لأنه من هذا المکان بدأ کتابته. إنه یقدم في قصائده ومسرحیاته وأفلامه نفسه عازفاً منفرداً وطائراً یحلق خارج السرب، لایستعیر لغته من أحد ولا یأبه إلا نفسه في انتمائه وعشقه وعلاقته بالناس والأمکنة. « في النهایة توفي بعدظهر الإثنین في سنة 2006م عن عمر یناهز 72 عاماً بعد صراع طویل مع المرض وقد نعت وزارتا الأعلام والثقافة واتحاد الکتاب العرب في سوریة الشاعروالأدیب الکبیر الذي نال قبیل رحیله جائزة سلطان العویس للشعر العربي. ثمرة حیاته بنتان " شام "و"سلافة "یقول الماغوط عنهما:« هما "شام و سلافة " جناحاي أمام العواصف » [
3]
تألیفاته: حزن في ضوء القمر، شعر، دار مجلة الشعر، بیروت، لبنان / 1959م.
البدوي الأحمر، نصوص شعریة، دار المدی، دمشق / 2002م.
العصفور الأحدب، مسرحیة، لم تمثل علی المسرح / 1960م طبعت عام 1998م.
حکایا اللیل، مسلسل تلفزیوني (سناریو)، إنتاج التلفزیون السوري.
سأخون وطني، مقالات نقدیة، دار ریاض الریس للنشر / لندن 1987م.
أسلوبه في الکتابة:إنه ابن الحداثة الشعریة اللبنانیة، وهو أحد أهم رواد قصیدة النثر العربیة. لم یهتم الماغوط بوزن ولا قافیة ولاآداب ولا شعائر سیاسیة في أشعاره. إنه من أبرز الثوار الذین حرروا الشعر من عمودیة الشکل. هو شاعر صریح اللحن و صادق القلب. إنه یکتب کما یرید ویحس ولیس له علاقة بالنقاد، لأن معظم النقاد برأیه شعراء فاشلون. وأما السخریة عند الماغوط فهو یقول فیها: «أنا أحب السخریة کثیراً وکل کاتب جاد یلزمه علاج نفسي لدیه إحساس عمیق بالسخریة وأکره السماجة کثیراً» [
4]
مسرحیة «العصفور الأحدب» :
إن عنوان مسرحیة «العصفور الأحدب» نفسه یؤکد علی مضمونها،لأن العنوان المختاریختلف تماماً عن عناوین المسرحیات الأخری. یتضح من المعنی المبطن وراء هذا الاسم إنه یرمز إلی الإنسان الحر الذي کان متحرراً ثم إنه فقد هذه الشرعیة بحیث یشیر إلیه الماغوط ویقول: «کما أمطرت الحریة في أی مکان في العالم یسارع کل نظام عربي إلی رفع المظلة فوق شعبه خوفاً علیه من الزکام». [
5] لا نواجه في هذه المسرحیة بطلاً واحداً فحسب بل الشخصیات الرئیسیة فیها أربعة: الکهل، القزم،صانع الأحذیة، والعازب،والشخصیات الفرعیة أوالثانویة هی: الطالب، الجدّ، الجدّة، مرافق الأمیر،و القاضي. هذه الشخصیات کلها قد حشدوا في السجن. وأما اللغة التی نشاهدها في المسرحیة فهی اللغة العربیة الفصحی التی استخدمها الماغوط في الحوارات، کما نری القزم،أحد شخصیات المسرحیة، یخاطب الکهل ویقول له:
« إنک بحاجة إلی حریة لتنفض کل شیء
غداًعندما تهرول في الساحة الرمادیة
هابطاً الدرج دون غبار خلف المقدمین
لأن الغبار راقد في الأطعمة والجراح
ممتلئاً کالعش بزرق النجوم ودمع الرفاق القدامی
رافعاً یدیک لجلادیک
مستمیحاً الأعذار. . . . . . . »
[
6] نری لغة الماغوط في هذه المسرحیة نثریة وشعریة في آن واحد. ربما دلیل استخدام الشعر خلال هذه المسرحیة هو تناول الکاتب الرموز الموجودة في المسرحیة. «لأن الشعر کان أصلح الأسالیب لموضوعات المآسی کهذه المسرحیة ولذلک فإن مجال الخیال والرمزوالشعر أوسع مدی وأکثر انتشاراً في المآسی» [
7].
وأما الحبکة فترتبط بالمسرحیة: فالفصل الأول حدث في السجن والفصل الثاني حدث في القریة مع شخصیاتها الجدیدة،والفصل الثالث حدث في مکان آخر مع شخصیات أخری في المحکمة. من المؤسف لم یقدم الفصول للقارئ دوافع جدیدة بسبب عدم وجود الترابط بین فصول المسرحیة لأن وجود الترابط بین الفصول فی أی عمل أدبی ضروري حتی یضطر القارئ إلی البحث عن الحبکة. وأما الذروة ففیها کثیرة کما نراها ما بین الجدّ والجدّة عند ما طلبت الجدّة من الجدّ أن یکون قویاً وشامخاً أمام المندوب الزراعي عند مجیئه، فأجاب الجدّ بالاستهزاء:
«الجد: سنقول له أشیاء کثیرة، کثیرة جداً بعدد النجوم. الجدّة(ساخرة): بل بعددما في فمک من أسنان » [
8] وقد اختتمت المسرحیة إلی ذروة کبری وهی إعدام الطفلین الصغیرین البریئین حیث یقوم القاضي الظالم بإنشاد الرأی قائلاً: «نظراً للإفادات والوقائع الدامعة في الجریمة النکراء،موضوع الدعوی،وبعد الاستماع إلی کافة الشهود والمحامین، تمحیص مختلف الضبارات والاستمارات وبناء علی اعترافات صریحة واضحة لا لبس فیها ولاإبهام قررت المحکمة إعدام المتهمین شنقاً تحت شجرة خریف جرداء فی لیلة عاصفة. » [
9] فهذه النهایة التعسة التی انتهت بها المسرحیة کانت ضربة قویة تؤکد لنا أن هذه الحالة ما زالت موجودة فی البلاد العربیة وهی حقیقة ملموسة حالیاً.
الرموز عند الماغوط في المسرحیة:إن أول رمز استخدمه الماغوط هو اسم «العصفور الأحدب» فی تسمیة هذه المسرحیة کما فعل الشعراء والکتاب الآخرون في استخدام أسماء متشابهة أخری فی آثارهم، مثل: العصفور، الحمامة الطیرو. . . .، للتعبیر عن الحریة والسلام. رغماً علی ذلک یستفید الماغوط من جملات وعبارات أخری رمزاً لبیان مقاصده کما یلي:
«السوط یقرع نوافذي کالمطر» [
10] بمعنی أن السوط ینزل علی جسدي بشدة و السوط هنا رمز للظلم الذي یرتکبه الحکام أمام الشعب. أو استخدام عبارة « السنابل الصفراء » [
11] یشیر الکاتب هنا إلی اللون الأصفر دلالة علی زوال الحیاة وسیطرة الموت والجوع علی أجواء المجتمع. أو« الساقیة الخرساء » [
12] بمعنی الساقیة التی لیست عادیة ولیست زاهیة جمیلة تسقی بالماء الصافي بل الجو المتشائم ینتشر في کل الأجواء. «الدموع تطیر» [
13] الدموع هنا الغضب الذی یتطایر من العیون کالشرارة والدموع هنا رمز للواقع المؤلم. وأما علی الشخصیات المثقفة الواعیة في البلد أن تصرخ صرخة قویة کذئب في القفار حتی ینهض من أجلها الراقدون في نوم عمیق الذین لایدرکون القضایا ولایفهمون المشاکل التی تجری حوالیهم من الفقروالجوع والمرض والألم. قال الطالب:«استیقظت أمي مذعورة وصفعتني بقوة ولکنها عندما وجدت صراخي قد تضاعف مئات المرات ضمتني إلی صدرها بحنان بالغ وقالت لي: ألا یمکنک الانتظار حتی الصباح،فصرخت وقلت لها: لا،لا أنا إنسان. » [
14] ربما کان قصد الماغوط هو تشبیه الأم بالأمة التی کانت نائمة ولاتحاول أو تخاف أن تقف أمام السلطة القاسیة ولما سمعت صرخة الطالب الواعي حاولت علی إسکاته و أن ینتظر الفرج الذی ربما سیأتي في یوم من الأیام. وحینما یکلم الطالب أباه یقول له: «أنا إنسان یا أبي . . . . »الأب هنا رمز للقوة والعظمة والتشائم وأیضاً کان رمزاً للبطولة. أوحینما یقول الکاتب: «سماء شاحبة وغیوم رمادیة،ساقیة موشکة علی الجفاف» [
15] نراه یشیر إلی الظلم الذی أحاط بکل المکان ولاالأشخاص المسجونین فحسب بل إنه یشمل کافة الشعب الذین یعیشون في المجتمع ولیسوا سجناء علی حسب الظاهر.
النتیجة:وصف الماغوط في هذه المسرحیة الحالات الإجتماعیة والسیاسیة السائدة علی المجتمع الذي یعیش فیه حیث لا قیم إنسانیة ولا حریة هناک أبداً. والنتیجة هی أن الثقافة والحیاة والإنسانیة تموت شیئاً فشیئا فی مجتمع یکثر فیه الفقر وتشیع فیه الأمراض. یشبه الکاتب المجتمع المظلوم بسجن کبیر یصاب الشعب فیه بالفقروالحرمان وعدم الرقي الفکري والسیاسي. یستخدم الکاتب الرمز لبیان مقاصده غیر مباشرة لأنه جرب السجن مرة فما کان یتمنی أن یکون مسجوناً مرة أخری،فاختار القلم سلاحاً أمام الحکام. نری في کثیر من آثاره صبغة سیاسیة واضحة کما إنه استخدم کثیراً من حواراته بشکل الرموز والحالات الموهومة التی تشبه بالکابوس والرؤیا والخیال. إنه عالج وقائع المجتمع وحوادثه معالجة واقعیة.
كتبها: يوسف هادي بور
الجمعة يونيو 28, 2019 8:55 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» د. ليلى عريقات نائب الرئيس ورئيسة تكريم الشهادات الفخرية والرئيسة الفخرية للمجلس
الإثنين ديسمبر 03, 2018 12:25 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» اهداء ارتجالي الى عميدة الشعر المعاصر الاستاذة د. ليلى عريقات / د. لطفي الياسيني
السبت ديسمبر 01, 2018 9:05 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» خذ ومن عمري لعمرك .. مهداة لشيخ الشعراء المجاهدين لطفي الياسيني للشاعر حسين حرفوش
السبت ديسمبر 01, 2018 2:18 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» وما غير الطبيعة من سِفر
الخميس يوليو 11, 2013 6:22 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» حمى الناس ..إهداء إلى أهالي الحولة
الخميس يوليو 11, 2013 6:13 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» قصيدة معايدة الرؤساء العرب .. للشيخ عائض القرني
الخميس يوليو 11, 2013 6:12 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» طال ابتهال المصطفى
الخميس يوليو 11, 2013 6:11 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» من وحي السيول والفيضانات التي اجتاحت بيوتنا / د. لطفي الياسيني
الأربعاء يناير 09, 2013 4:02 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني