من طرف وداد سمارة الأربعاء سبتمبر 21, 2011 12:43 pm
مسرحية في مشهد واحد
( يظهر فيه ثلاثة قبور على حافة الطريق ، أصوات مختلطة لحيوانات و آليات ، عدد من ذوي الرتب يمرون بها و هم منهكون من التعب ، يقفون قرب القبور ، يستعيدون نشاطهم )
الأول : (يتكلم بصعوبة ) لولا ذلك الحمار القميء ما وصلت إلى هنا .
الثاني : و أين سيارتك ؟
الأول : في الهزيمة لا تنفع الآلة ، و خير منها البهيمة .
الثاني : ( يلتفت إلى الثالث ) أين الرتب التي كانت على كتفيك ؟!!
الثالث : تخلصت منها .
الأول : كيف ؟! و هي التي تميزك ، و تجعل لك قدرا بين جنودك ؟!!
الثالث : أصبحت في وقت الانسحاب عبئا علي و قد خشيت أن تكون سببا لهلاكي !
الأول : أسألكما - وقد أعرف الجواب- لماذا انسحبتما ( ثم يهمس ) لماذا هربتما ؟!!
الثاني : ( و هو زائغ النظرات ، تتلعثم الكلمات بين شفتيه هامسا ) : أما سمعت البلاغ 66 ، بتوقيع وزير الدفاع ؟
الثالث : كنت أظنه تكتيكا ، فانتظرت ساعات و لكن لم أر أحدا من جنود العدو !
الأول : إذا ما الذي دفعك للهروب ؟!!
الثالث : الذي دفعك للهزيمة !
الثاني : لا فائدة من التلاوم ، أخشى أن يسمعكما أحد .
( يتجه الضوء إلى شاهدة القبر ، و قد كتب عليها : هذا قبر وزير الحربية السوري يوسف العظمة ولد ... و استشهد على أبواب ميسلون ...
الأول : ( يشير إلى القبر ) لو كان حيا لصفعنا ، بل لحاكمنا ، و أنزل بنا القصاص !
الثاني : بل هو حي ( يهمس ) و قد يسمعنا ( صوته يتقطع) أليس الشهداء أحياء عند ربهم ؟!
الثالث : ( بصوت منخفض وهو ينظر إلى القبر )
أقسم إني أحس أنه يتأهب للخروج إلينا و مساءلتنا ...
( يقومم الثلاثة ، و يمضون و هم ينظرون خلفهم بحذر )
[فترة صمت .... ]
[ صوت جهوري يهز المسرح ]
يا راقدا في روابي ميسلون أفـِق ْ جَلـَتْ فرنسا و ما في الدار هضـّام.
صوت آخر :
سأذكر ما حييت جدار قبر = بظاهر جلق ركب الرمالا
مقيم ما أقامت ميسلون = يذكر مصرع الأسد الشبالا
[ صمت ... إخفات للنور .. أصوات جلبة ... يسلط الضوء على خمسة جنود يمرون بالقبر ، يظهر عليهم التعب و الجوع يقعون من شدة الإعياء ]
صوت يردد أبياتا :
جبن القادة الكبار و فروا =
و بكى للفرار جيش جسور
هزم الحاكمون و الشعب في =
الأصفاد ، فالحكم و حده المكسور
هزم الحاكمون لم يحزن الشعب عليهم و لا انتخى الجمهور
الأول : كان القصف شديدا في البداية ، و مع ذلك تقدمنا مسافة كبيرة في الأرض المحتلة .
الثاني : ليتني كنت قضيت مع بقية زملائي ! فبأي وجه أقابل أبي ؟!
الثالث : ليس في يدنا حيلة ، إذا كان القادة قد هربوا ! فما نفعل نحن الجنود ؟!
الرابع : كان علينا أن نموت كما مات إخواننا !!
الخامس : و لكن بلاغ وزير الدفاع كان واضحا بسقوط القنيطرة !!
الثاني : كيف سقطت ؟! فلقد مررنا عليها قادمين من الجبهة ، و وجدنا علمنا يرفرف فوق مبانيها ؟
الثالث : إذا لم انسحبتم ؟!
الثاني : لأن الأوامر جاءتنا بالانسحاب الكيفي ..
الأول : ( يقف خطيبا و قد اشتد عليه الأمر قائلا ) يا رجال ! كيف كان الأمر ، و كيفما كانت الأوامر فعلينا أن نعود .
الجميع : موافقون .
الثالث : لعلي أعود بالسيارة التي كنت أقودها فهي صالحة للاستعمال ، فإن قريتنا بعيدة عن مستشفى المدينة ، و أهلها يموتون ، و لا يجدون وسيلة للنقل ؟!
الثاني : بندقيتي لم تزل صالحة للاستعما ل، فكيف تركتها ؟ كيف ؟ كيف ؟ !!
الأول : و أنا أستطيع أن أفجر مستودع الأسلحة إذا لم أستطع نقله إلى مكان آخر ، و لن أتركه للعدو
الر ابع : كانت فوضى كبيرة ، و أوامر الانسحاب الكيفي هزيمة مرة !! سأعود لإنقاذ بعض رفاقي الجرحى
الخامس : سأعود لأرفع العلم رمز الكرامة ، أو سأرجع به لتسليمه إلى مـَن ْ يستطيع رفعه إذا كنا نحن عجزنا عن ذلك !
[ يعودون بهمة و نشاط ... صمت ... الإضاءة تتركز على القبر ]
صوت يردد الآية القرآنية : ((إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون و ترجون من الله ما لا يرجون ))
* * * *
صوت جلبة من الجهة المقابلة ، و لم يظهر أحد
صوت شخص : قف هنا .. أعرف الطريق إلى بيروت هل أحضرتم كل الأموال ؟
صوت آخر : نعم سيدي ... و لم نحمل إلا الذهب و الدولار .
[ يطل من طرف المسرح الأيمن وزير الدفاع المهزوم بحذر ، و الإضاءة تلاحقه و هو يحمل كيسا ، يلتفت يمينا و يسارا ، فجأة ينطلق صوت قوي :
- قف من أنت ؟؟
[ يقف الشخص القادم ] : أ أ أ أ نا ( بتلعثم ) وزير الدفاع ..
صوت من خلف القبر : و ما هذا الذي معك ؟
و زير الدفاع : إنه بعض المال أضعه في مصارف بيروت فهي أكثر أمنا من دمشق ..
الصوت من خلف القبر ( يرتفع صاحبه إلى منتصف جسمه) : إن الذي لا يؤتمن على وطن ، لن يجد الأمان في كل الأرض .
وزير الدفاع : و لـَـ و لكن .. لكن من أنت ؟ و لماذا توقفني و تعترض طريقي ؟؟
الصوت ( بقوة و استنكار ) : من أنا ؟؟!! تسألني !!
أنا يوسف العظمة وزير الحربية السوري
وزير الدفاع : ( يتراجع خائفا ، قائلا بتلعثم ) و لكنك قـُـتلت و أنت َ في عداد الأموات ؟!!
وزير الحربية ( العظمة ) بل أنت من الأموات [ بصوت أشد ] قل لي : كيف أضعتم الجولان ؟
وزير الدفاع : لم تضع نهائيا ، و نحن سنحررها في جولة قادمة ، و ربما سيكون لي قبر إلى جوارك .
العظمة : كلا ( بشدة و غضب ) بل أمثالك يموتون على فراشهم ، و في مدنهم يدفنون .
وزير الدفاع : و لكن - يا سيدي - لم يستطع العدو احتلال العاصمة ، و لا إسقاط النظام !!
العظمة ( بقوة ) : عــبــث
وزير الدفاع : و سنعيد الكرة عليهم .
العظمة : ( بقوة أشد ) : كــذب
وزير الدفاع : و غدا سترى ماذا نفعل ؟
العظمة : ستحصدون نتائج ما زرعتم ، فتصبحون رؤساء و قادة ، لأن العدو يرضى بأمثالكم !
وزير الدفاع : هذا اتهام خطير ، لا نقبل به ، لقد ضحينا بالجولان على أن تبقى دمشق .. ألا تحب أن تبقى دمشق محررة ليس فيها محتل ؟!!
العظمة : بلى .... و لكن العدو حتى لو دخل العاصمة و وصل إلى تخومها فإن إرادة الرجال سترده كما فعلنا...
وزير الدفاع : و نحن كذلك سنفعل !
العظمة : ليس صحيحا ! فأنتم حريصون على الحياة ، و مثلكم يبحث عن المكاسب و المناصب .
وزير الدفاع [ ينظر بشغف إلى الكيس و يتحسسه ، و يجيب مستنكرا ] هل أنت تعلم الغيب ؟؟
العظمة : لا ... فالغيب في علم الله ، و لكن أعمالكم تدل عليكم .
وزير الدفاع : ( مستعطفا) ألا تعود لنستفيد من خبرتك!
العظمة : ( بقوة) المبادئ تبقى و الرجال يموتون
وزير الدفاع : إذا كنت ترفض أن تفيدنا بخبرتك فلماذا تقف في طريقي .
العظمة : لن أقف .. بل سأتركك تعبر إلى بيروت ... إلى طهران .... إلى باريس ... إلى حيث تريد و لكن احذرك أن تعبر من هنا مرة أخرى ، ( بقوة ) اعبر و لا ترني وجهك بعد اليوم .
وزير الدفاع ( يمضي ) و هو يقول : سأعبر ثم أعود من طريق آخر غير هذا الطريق .
العظمة : صدقت في هذه ( بسخرية ) لأن طريقنا غير طريقكم ، فلن تستطيعوا أن تفعلوا ما فعلنا. كـُن وزيرا للدفاع ، رئيسا للبلاد ، حاكما يورث أبناءه و لكن لعنة التاريخ و الشعب ستلاحقك إلى الأبد .
وزير الدفاع ( يتسلل و يمضي ) : الإنارة تضعف ، يختفي العظمة خلف القبر .
و صوته يردد :
كـُـتب القتل و القتال علينا و على الغانيات جرالذيولِ
ســـــــــــتــــــار
أعدها: يحيى بشير حاج يحيى
ولكم كل الشكر
الجمعة يونيو 28, 2019 8:55 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» د. ليلى عريقات نائب الرئيس ورئيسة تكريم الشهادات الفخرية والرئيسة الفخرية للمجلس
الإثنين ديسمبر 03, 2018 12:25 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» اهداء ارتجالي الى عميدة الشعر المعاصر الاستاذة د. ليلى عريقات / د. لطفي الياسيني
السبت ديسمبر 01, 2018 9:05 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» خذ ومن عمري لعمرك .. مهداة لشيخ الشعراء المجاهدين لطفي الياسيني للشاعر حسين حرفوش
السبت ديسمبر 01, 2018 2:18 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» وما غير الطبيعة من سِفر
الخميس يوليو 11, 2013 6:22 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» حمى الناس ..إهداء إلى أهالي الحولة
الخميس يوليو 11, 2013 6:13 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» قصيدة معايدة الرؤساء العرب .. للشيخ عائض القرني
الخميس يوليو 11, 2013 6:12 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» طال ابتهال المصطفى
الخميس يوليو 11, 2013 6:11 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» من وحي السيول والفيضانات التي اجتاحت بيوتنا / د. لطفي الياسيني
الأربعاء يناير 09, 2013 4:02 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني