منتدى الشاعر حسن محمد نجيب صهيوني

نرحب بجميع زوار هذا المنتدى ونأمل أن يطيب لكم البقاء ويحدونا الفخر بانضمامكم لأسرتنا


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدى الشاعر حسن محمد نجيب صهيوني

نرحب بجميع زوار هذا المنتدى ونأمل أن يطيب لكم البقاء ويحدونا الفخر بانضمامكم لأسرتنا

منتدى الشاعر حسن محمد نجيب صهيوني

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى الشاعر حسن محمد نجيب صهيوني

ملتقى أدبي يهتم بفنون الأدب العربي من شعر قديم ومعاصر ويحوي عدداً من التراجم والسير الأدبية والمقالات والقصص والروايات

بعد التحية على الزوار الراغبين بالإنضمام لهذا المنتدى التسجيل بأسمائهم الحقيقية أو ألقابهم أو أي اسم أدبي يليق بالمنتدى بعيداً عن أي أسماء تخل بسمعة المنتدى وتسيء إليه، وسوف تقوم إدارة المنتدى بالرقابة على الأسماء غير اللائقة أدبياً ثم حجبها ..... إدارة المنتدى

المواضيع الأخيرة

» ملحمة شعرية مهداة الى الشاعرة عائشة الفزاري / د. لطفي الياسيني
تراجيديات ..د. أفنان القاسم  Emptyالجمعة يونيو 28, 2019 8:55 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني

» د. ليلى عريقات نائب الرئيس ورئيسة تكريم الشهادات الفخرية والرئيسة الفخرية للمجلس
تراجيديات ..د. أفنان القاسم  Emptyالإثنين ديسمبر 03, 2018 12:25 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني

» اهداء ارتجالي الى عميدة الشعر المعاصر الاستاذة د. ليلى عريقات / د. لطفي الياسيني
تراجيديات ..د. أفنان القاسم  Emptyالسبت ديسمبر 01, 2018 9:05 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني

» خذ ومن عمري لعمرك .. مهداة لشيخ الشعراء المجاهدين لطفي الياسيني للشاعر حسين حرفوش
تراجيديات ..د. أفنان القاسم  Emptyالسبت ديسمبر 01, 2018 2:18 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني

» وما غير الطبيعة من سِفر
تراجيديات ..د. أفنان القاسم  Emptyالخميس يوليو 11, 2013 6:22 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني

» حمى الناس ..إهداء إلى أهالي الحولة
تراجيديات ..د. أفنان القاسم  Emptyالخميس يوليو 11, 2013 6:13 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني

» قصيدة معايدة الرؤساء العرب .. للشيخ عائض القرني
تراجيديات ..د. أفنان القاسم  Emptyالخميس يوليو 11, 2013 6:12 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني

» طال ابتهال المصطفى
تراجيديات ..د. أفنان القاسم  Emptyالخميس يوليو 11, 2013 6:11 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني

» من وحي السيول والفيضانات التي اجتاحت بيوتنا / د. لطفي الياسيني
تراجيديات ..د. أفنان القاسم  Emptyالأربعاء يناير 09, 2013 4:02 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني

التبادل الاعلاني


    تراجيديات ..د. أفنان القاسم

    avatar
    ابتسام شعبان


    عدد المساهمات : 64
    نقاط : 26226
    السٌّمعَة : 0
    تاريخ التسجيل : 09/08/2010

    تراجيديات ..د. أفنان القاسم  Empty تراجيديات ..د. أفنان القاسم

    مُساهمة من طرف ابتسام شعبان السبت سبتمبر 10, 2011 2:44 pm

    الأعمال الكاملة
    الروايات (5)
    تراجيديات
    رواية مع شروحات
    تحت عنوان رحلات آدم

    تراجيديات ..د. أفنان القاسم  Afnanqasem3311

    د. أفنان القاسم

    إلى ابنتي الرائعة غيداء ضوء الغد

    إلى ذكرى رولان بارت

    1

    راحلون إلى الغربة الأولى1...

    راحلون إلى الصورة الأولى2...

    التقينا في الفكرة الأخيرة3، وعزمنا على الرجوع إلى الجسد الأول4، والوطن الأول5، والخطوة الأولى6، وأردنا أن نعبث7 قليلاً في طريق العبث نحو تشكيل الجنون، أن نعبث بالعبث، ونقلب التشكيل، أن نبدأ بالعبث نحو تحقيق العقل الممكن، أن نقضم التفاحة الأولى8، ونهبط بين الشجر9، أن ننظر إلى الشجر، فنرى كيف تبرز الجذور من أحشاء الأرض، هذه المرأة الشيخة10 التي ولدنا منها.

    - هذه أم الشجر11.

    - شجر الموت والحياة12.

    - هذه ابنة السراب13.

    - سراب الصحراء والوهم الكبير14.

    - هذه غصن نطق15.

    - بلسان الإنسان الأول16.

    - هذه الجريمة مطرًا17.

    - مطر دم18 كل جرائم الإنسان الذي ينهل منه.

    - هذه الإلقاح عقابًا19.

    - الخلق المحتوم السرمدي للإنسان المجرم.

    - هذه أنا لك منك.

    - ابنة السر الخفي20 كما أنا له ابن والأم الولود كما أنت لها ابنة.

    وتحولت المرأة الشيخة إلى بحر، فحملنا حجرًا، وبه البحر رمينا، فرشقتنا موجة دم ثم موجة دم21، وكان الدم حلوًا، فشربت منه امرأتي، وقالت لي:

    - اشرب من دم أول جريمة لنا22.

    فشربتُ حتى ارتويت، ورميت بجسدي في غمرة الدم لأنعم عينا، ورمت امرأتي بجسدها على جسدي، وراحت تقهقه، وأنا أحس بجسدها البض بين يديّ منتفضا، فوددت أن آخذها في الدم الشهوانيّ إلى احتضان التوحش الآدميّ23، لكنها ظلت تقهقه، وهي تضرب في بحر الدم يديها، وترشقني بالدم، وترشق وعلاً 24 بالدم اقترب ليشرب منه، فشرب منه، ونطق:

    - أنت حواء التي حكت عنها الوردات الدميمة25؟

    فنفت.

    - أنت آدم الذي حكت عنه الديدان المرحة26؟

    فنفيت.

    احتار الوعل، وضرب رأسه بجذعِ سنديانةٍ27 خشنِ الملمس دون أن نأبه به حتى مات28.

    قلت لامرأتي:

    - لنأكله29.

    وأكلناه حتى شبعنا، ثم نظرنا إلى الدنيا من حولنا، وسمينا الليل ضوءًا أسود، والقمر وحشًا، والبحر دم الأخوين، وقلت لامرأتي سأسميك البدن، وقالت امرأتي لي سأسميك الدخول30، وجعلنا من عظام الوعل جنةً وجهنمَ31، وخلال ألف ليلة32، تابعنا رحلة الأفول.

    2

    امرأتي سيدتي وسيدة القمح والحنطة33، استعبدتني أنا والوعول، فكنا الطاعة، وعبرنا الزمن إلى ثورة الحجر المصقول34. كان التمدن قد رمى بأول حجر في فضاء الخراب، ومن بعد قامت أريحا مدينة الأسوار الأولى35، ثم جاءت الأناضول بازدهار الشفق الأول36. ومع بداية عصر الخزف في اليابان، نما الإسقاء في بلاد ما بين النهرين، واختُرع الدولاب، واخترعت مصر الشراع. مع الدولاب كانت ثورة المعذبين في الأرض، ومع الشراع شُيدت أهرامات الموت37. في معابد أوروك غدوت سيد امرأتي38، ولأغدو سيد نفسي كان عليّ أن أبحث عن سر العدم. كان صديقي الوحشيّ قد خان الوحشية في اللحظة التي غدا فيها صديقي39، كان يحرس الطريق الذاهبة إلى سر الموت، فتركني أمضي إلى تحقيق المهمة التي كانت مهمتي. ذهبت أسعى في ظل الخيانة الوفية إلى مخرج في الظلمات، فهل يوجِدُ العدمُ المبدعُ شكلاً آخر للوجود، في مكان آخر، مكان أخير لم تطأه قدم الإنسان40؟ وكان صديقي الوفي الخائن41 قد اغتسل في الماء المقدس لدجلة42، وعانق إحدى الحور فيه، وغدا إنسانًا كليًا. وفي اللحظة التي كنت أعتقد فيها أنني على وشك اكتشاف سر البقاء، وصلتني أنفاسه الشهوانية، فمن يجد حلاً لمسألة العدم يجد طريق الآلهة الخالدين. طغت تلك الأنفاس عليّ كما لو كنت عدوًا لصديقي، ولم يعد دجلة وسيلةً لربط الإنسان بالإله. لم تكن هناك قرابين لشكره على حسن كرمه تجاه الأرض، لم تكن هناك سوى تلك الزفرات الجنسية التي يصعّدها وحده الإنسان. ذلك الصديق الوحشيّ الذي كان لي، ذلك الإنسان الغيور القاسي، تخلص من غيرته وقسوته، تخلص من الشيء لذاته، في النهر القاسي والغيور، وغدا الشيء في ذاته ككل البشر بشرًا فانيًا. باءت محاولتي في تغيير طبيعة الإنسان بالفشل، ولم يعد يمكنني أن أكون خالدًا، فناديت عِشتار43، إلهة السماء والحب، إلهة الإمراع والخِصب، وأنا أظنها في البداية امرأتي، وبعد أن عرفتها، قلت لها:

    - تعالي عِشتار، تعالي إلى نجدتي، مع أني أرفضك مذ كنت عِشتار44.

    فجاءت عِشتار خلابة شهية تفاحة45، فقضمتها، وذقت المتعة المحرمة معها. عبثت بجسدي، واعتدت على عرشي، ثم ألقت بي بعد أن سلبتني كياني في أوروك قائدًا ذليلاً، وراحت تطلق قهقهة بريئة46، فسألتها:

    - كل هذا الظلم وتقهقهين؟

    فأجابتني:

    - ليأتي صاحب العين بالعين والسن بالسن ويسن شريعته47.

    - ضدك أنت الإلهة؟

    - ضدك أنت الملك.

    - سأجد سر العدم وأصبح إلهًا، ولن يعاقبني أحد.

    - جده أولاً، وبعد ذلك سنرى، ولكن من هنا إلى أن تجده سنُجري عليك من قوانين ما نُجري على كل كائن فان.

    - ملك أنا.

    - كائن فان أنت أولاً وقبل كل شيء.

    فجأة، سمعت صوت امرأتي، فسألت:

    - أهذه أنتِ؟

    فظهرت امرأتي ناحلة وناشفة كجرادة، وقالت:

    - هذه أنا، جرادة التهمت في طريقها كل شيء48. وأنت؟ أهذا أنت؟

    - هذا أنا، سر العدم!

    - كنت أعتقد أن للعدم وضعًا كالبقاء ولا أسرار هناك.

    - سر العدم أم سر البقاء، كل شيء يكمن في الإنسان.

    ثم سألتها عن صديقي الوحشيّ، فأشارت إليه، وهو يريد أن يجعل من كل حور دجلة نساءه، وقالت:

    - لم يعد وحشيًا.

    - أعرف أنه لم يعد وحشيًا. أهذا هو؟

    - هذا هو، سر البقاء!

    - البقاء... العدم...

    - ما هو جوهري الوضع الذي نوجد فيه. وهو صديقك.

    فقلت:

    - صديقي لم يعد صديقي مثلما عِشتار لم تعد إلهتي.

    - لأن كل واحد يلعب دورًا مختلفًا عن دورك.

    - لأن ما أريد هو أن ألعب دوري فقط، أنا الملك. هنا في أوروك والآن. فيما يخص الغد سأتركه لك، لنبوءتك.

    فهتفت امرأتي بصوت هياب:

    - في البدء، ستجف الصحراء، ثم ستنهدم بابل، ثم سيهجر اليهود مصر إلى أول الفاجعة الكبرى49، ثم ستنهدم كريت، وتُشن حرب طروادة في الوقت نفسه الذي تنطلق فيه ثورة أصحاب يهوه50 المغرقة في الدم.

    - توقفي عن التنبؤ بالنكبات.

    - أنا وليدة أم يهودية كما تدري.

    - لهذا السبب.

    - ستقف إلى جانبي.

    لكني كنت أفكر في صديقي الخائن الذي لم يعد صديقي، كان غياب الصداقة له أكبر النكبات.

    - ستقف إلى جانبي؟

    - سأقف إلى جانبك.

    - ستكون لي وفيًا، ولن تخونني.

    فقلت:

    - ومع ذلك، لقد خان صديقي الوحشيّ الوحشية ليغدو صديقي!

    - إنه لمن الشيء الحسن أن نخون الأسوأ فينا لنبدو أوفياء، ولكن أن نخون شخصًا...

    - أن يكون الإنسان الوحشيّ لي وفيًا كما أنا لك وفي! لا يمكنني أن أقبل ذلك!

    - أكمل دورك كإنسان، قم بواجبك كإنسان، واجعل منه الشخص الأقرب إليك، هكذا تكون جديرًا بمهنة الملك التي لك.

    - كأنك تطلبين مني أن أخون إنسانيتي!

    وعزمت على الذهاب عنه بعيدًا في درب غير دربه وطريق غير طريقه عابرًا الحروف الفنيقية51 إلى بطل يشبهني في الأوديسه52.

    3

    ومع ذلك لم أجد أقل درب مفتوح ولا أقل طريق ممكنة، كانت كل الدروب مغلقة، كل الطرق. أعطاني ذلك إحساسًا غريبًا بالتجوال دون حراك، توافدت آلاف الأحاسيس في رأسي، وأنا أتجول بينها دون أن أتوقف عن الكلام إلى امرأتي التي لم تكن معي53: انظري من أي شيء صنعت التراجيديا الإنسانية54! من شخصياتها المتصارعة ذاك السائر في دم فاحش يسقي آثارنا، وذاك السائر في وحل دناءة وفساد يرشق وجوهنا، وذاك السائر في الموت الذي من حولنا من أمامنا من ورائنا... وانظري من أي شيء صنع التفسخ الإنساني! من مصنوعيه المهذبين ذاك الحامل جثته ويسير، وذاك الحامل جثة غيره ويسير، وذاك الحامل غيرُهُ جثته ويسير... ذاك الحامل جثة أخيه ويسير، وذاك الحامل جثة أخته ويسير، وذاك الحامل جثة أمه وجثة أبيه55 ويسير... ذاك السائر في نعيم الجحيم56، وذاك السائر في الشوك57 وفي الخوف وفي اليأس الكبير: نعم، اتركوا كل أمل، أيها الداخلون58! وذاك الجامد في دافع الخوف وفي الورد القاصر وفي اليأس البالغ59، وذاك الراكض في جثة الوعل60 المحرض للورد الكاسر دون أن يكون المنقذ وقد تأخر الوقت، وذاك المنافس لسابقه في جمال الدمار وفي مخمل الضباب وفي حرير العقاب61، وذاك السائر في التدمير الفاضل62 وفي العنب الأسود63 وفي التفاح الخائن64... وانظري من أي شيء صنع التحجر الإنساني65! من أركان عصره الحديث تلك الجثث التي تحمل بعضها بعضًا ولا تسير، وتلك الجثث التي لا تحمل بعضها بعضًا ولا تسير، وتلك الجثث التي يسعى العالم من حولها، وهي تنظر في حركته إليه بغير دهشة، وهي تنظر إلى حركة العالم، وفي عيونها قد توقفت كل حركة. أتنفخُ أثينا إلهة الفكر والفنون في عيونها فكرة الحياة لتنهض فلا تحمل بعضها بعضًا وتسير أم تتركها ساكنة في مكان ساكن66 وزمان لا يسكن67 أبدًا لا يسكن؟ زمان يملكه الحيوان ومكان لا يملكه الإنسان وكلاهما لا يملكه غصن متوتر؟

    قال المكان للزمان68:

    - تعال أحمل جثتك قبل موتك69.

    وقال الزمان للمكان70:

    - تعال أحمل جثتك بعد موتك71.

    وقالت امرأتي لي في منامي72:

    - تعال أحمل جثتك قبل موتك.

    وقلت لامرأتي في منامي:

    - تعالي أحمل جثتك بعد موتك73.

    واختلطنا نحن الأربعة في جثة واحدة على عتبة المقبرة التي صارها العالم74، وكانت في المقبرة ذئاب رضيعة ظريفة جائعة75، فقدمت لها امرأتي ثدييها، فغَضِبْتُ غضبًا شديدًا، ورحت أبحث عن أمها حتى وجدت جثتها، وأخذت بفمي ثديها الميت البارد الذي أذهلني طعمه، وذكرني بامرأة رجل هام كنت أعرفها في القرن العشرين76، فقضمت حلمة الثدي بأسناني.

    4

    تعالي، يا امرأة77، نذهب إلى احتفال يتكرر منذ أن صعدت النجمة الأولى78 في المساء، وجعلت نفسها عاريةً على حين غرة في ضوء التوحش79. تعالي ننظر إلى المحتفلين80 الأنيقين منذ أن نبح الكلب الأول لآخر مرة في الصيف قبل أن يمزق ويلقى على رمل التمدن. هذا الشاب الأنيق هو كلب لا علاقة له بالأوفياء من الكلاب أمهُ إلهة الجمال لدى الإغريق81، وتلك الشابة الأنيقة هي كلبة من طينة الشاب الأنيق جدها المؤسس الأول لقرطاج82، قرطاج القوة الضائعة التي من نسلها الكلاب. هذا الكلب الأنيق هو شاب أمه إلهة الجمال لدى الحيوانات المتوحشة83، وتلك الكلبة الأنيقة هي شابة أبوها أجرأ مقاتل لذئاب الرومان84، فالكلب ليس ذئبًا ولا إنسانًا، ومن سوء الحظ أنّ مَنْ يريد أن يعمل الذئب يعمل الإنسان. هذا الطفل الجوهرة سيكون كلبًا حيًا يساوي أكثر بكثير من أبيه الليث الميت85، وهذه الطفلة اللؤلؤة ستكون كلبة وفية تساوي أكثر بكثير من أمها اللبؤة الخائنة86. هذا الليث الماكر87 كان طفلاً أبوه كلب وضيع، وهذه اللبؤة الماكرة88 كانت طفلة أمها كلبة وغدة. هذا الرجل الجميل الأنيق الرفيع الأصل أصله دبور خرع89 أو ملاك محتال90، وهذه المرأة السمراء الذهبية في معطف الفرو الثعلبي الدبي القطبي الذي بثمنه نطعم مدينة بلا أصل91 أصلها نحلة لصة أو بائعة92 لجسدها في سوق السلاح. هذا الرجل وتلك المرأة هما زوجان عاشقان في ثياب السهرة يحتفلان بحقد العذراوات الإحدى عشرة ألف93، ويقولان كلامًا فيه نغمة وحلاوة وطراوة وغنج وآهة، ويفكران بسعادة، في السعادة، ثم يعودان ويقولان كلامًا فيه نغمة وحلاوة وطراوة وغنج وآهة، ويفيض عنهما عطر فاحش، فتنبح الكلاب، وتهجم الكلاب، تهاجم الاحتفال، فيضربها المحتفلون بالبنادق والسياط، يضربها المحتفلون بمخالبهم وأنيابهم94، يضربونها بالمودة القاتلة والكره الودود95، ويفجرون دمها الذي سيتذوقونه بتلك الملذة العميقة التي يمدها النبيذ96 حتى الثمالة، ويمزقون لحمها الذي سيلتهمونه لأجل الوصول إلى مذبحة الحمل الصوفيّ97، الحمل الطريّ، الضحية دون دنس ولا عَجَل. لنعجل ولننعم بالوقت الزائل98! فيعجلون، وينعمون، ثم يخرجون في عراء الليل، وينظرون إلى الصيف الجميل الميت في الرمل، ويقهقهون، فتطل أثينا من مركب يمضي99، وتسألني:

    - ما هي هذه الحيوانات اللطيفة الشراسة؟

    فأجيب أثينا:

    - هذه هي ثمار الإنسان، يا أثينا العظيمة100.

    ومن جديد، تسألني الإلهة:

    - أتحب دم الكلاب إلى هذه الدرجة؟

    ومن جديد، أجيب أثينا101:

    - لأنه دم حلو ونادر، يا أثينا العظيمة.

    - أتحب لحم الكلاب إلى هذه الدرجة؟

    - لأنه لحم غريض ولذيذ، يا أثينا العظيمة102.

    - ولماذا لا تشاركها الوليمة وأنت معها؟

    - بل أشاركها، يا أثينا العظيمة... هذا دمي! هذا لحمي!

    - وهل تطيق أنيابها؟

    - لا أطيق... ولكني أكره لحمي! أبغض دمي103!

    عدت أرى لحظة الخراب الإنساني دون أن أكون راضيًا عن مدى رسالتي الأولية، لأن أحدًا لم يستمع إليّ.

    - بالعكس سيقال هذا الكلام.

    - ولكن على العكس من كلامي، سيستمع الناس إليه.

    - أيعذبك هذا إلى هذا الحد؟

    - إلى حد الضياع.

    - تعال معي، إذن، أنقذك من حقدك على لحمك ودمك.

    وتذهب أثينا بي بعيدًا، ثم تفلت مني ذائبة مثل رُجم، وتتركني وحيدًا قرب قبرٍ ملكيّ وكيسٍ ذهبيّ104.

    5

    اللعنة عليك، يا أثينا المُلامة105، أثينا المتفسخة106، أثينا الجريمة المرادة107! غضب البحار عليك108 ولعنة الجبال109 وحِرم الشجر الشرس في الغابة المستباحة110! اللعنة عليك، يا أثينا القهر، أثينا القاهرة111! لماذا رميتني قرب قبري ولم تميتيني112؟ لماذا تركتني قرب كيس الذهب لا قرب كيس العواصف113؟ لماذا أنقذتني من حقدي الذي يحميني من لحمي ودمي114 وحرمتني من حمى الأنياب الشرسة الملتذة بتقطيعي؟ لكنك لن تنقذيني من حقدي عليك115 ولا من كره الملوك الذي أغذيه ضدك. سيطاردك حقدي كسيف البرق116 وسيقع عليك كرهي كعاصفة الآلهة الوثنية الصاعقة117. كنت هناك في الفعل الدامي118، في الوليمة الجهنمية119، كنت هناك أصب كرهي كي أملأ البحار، كنت هناك أعبث بالنظر إلى النجوم120، وكنت هناك بطلاً دون أن يعرفني أحد، كنت القدر المجهول، الكلمة الفقيدة، الطعم المر اللذيذ حين يموّه السكر طعم الدم، الملح الذائب في النهد، الباعث على الرذيلة121، المحفز على الجريمة، الشاهد على الجريمة، القالب لموازين الرفض122، الثالب لقوى التوازن123، الموازن للغرام والانتحار. كنت قمر124 الذئاب العاصية في لحظة فرح125، وكنت الفرح للقمر الذئبيّ المبيت لي ولامرأتي أقسى عقاب. أنت أثينا هذا القمر! أنت أثينا هذه الذئاب! أنت أثينا التي أرادت أن تحب بعد أن نسيت أي قلب شرس لها. لماذا أنقذتني لأجل أن ترميني قرب ذهبك وقبري126؟ أهي مكافأتك الأولى أم جزاؤك الأخير لإنسان كان حيوانًا وغدا إنسانًا يكره الإنسان فيه127؟ ليدقك حقدي، أثينا، حقد البشر الكاره للبشر! ليدقك حقدي، حقد طروادة الكارهة لطروادة128! انكسري في الذل، وإلا فازرعي الموت... انتحري، اشربي كأس الهوان، وإلا فدمري الحياة! انتصري بالذل، وإلا فاحرقي الذهب129! اقتلي في النفس كبرياءها السافلة، ولا بأس أن تنشري الخراب في الأرض الخربة130، دمري ذل النفس العظيم131 والحجر المتمنع، هكذا أصلك بجسدي ولا أمنع عني نابك أو ظلفك أو مخلبك، هكذا نصل إلى اللامتناهي132.

    أتتني أثينا ماردة قاهرة جبارة غادرة غُرابة فاسقة133 وقالت لي العرابة134:

    - سأعيدك من حيث جئت بك.

    فوافقت، ولكن عندما أعادتني من حيث جاءت بي لم أجد أولئك المحتفلين الأنيقين، كانت الطرقات مغطاة بجثث الكلاب المنهوشة من طرف كلاب أخرى أو المشنع بها135.

    6

    من لم يخطئ بينكم أبدًا فليرمه بأول حجر136!

    حاولت أن أقرأ على وجوه الجثث موضوع خطئها... كل هذه الكلاب القتيلة ما ذنبها137؟ كل هذه الشفاه المجدوعة، كل هذه الوجنات المطعونة، كل هذه الأسنان المقلوعة، كل هذه القوائم المحطمة، كل هذه الأفخاذ الملتهمة، كل هذه الأثداء المقطعة، كل هذه البطون المبقورة، كل هذه الأقدام المبتورة، كل هذه الأصابع المشطورة، ما ذنبها؟ ما الفكرة القادرة على تدميرها؟ الشهوة العاجزة عن حمايتها؟ ما ذنب عجزها؟ ما جريمتها في انتظار منقذها138؟ ما ذنب أثينا؟ طروادة؟ الحصان؟ ما نوع الجرم الذي نقاتل به؟ نتهم به؟ نبرئ به139؟ ما جرم السكين؟ السيف؟ الرمح؟ ليس الرمح الذي يقتل بل اليد التي تحمله! ما جرم الطالع السيء140؟ ما حظنا عندما نضيع قدرنا؟ ما قدرنا عندما نضيع حظنا؟ ما حظنا عندما لا نستحق أي قدر؟ ما قدرنا دون قدر المقاتل؟ دون قدر المجرم؟ دون قدر القاتل141؟ سنرفض قدر القتيل. لا قدر للميت، وهذه الكلاب كلها ميتة. لماذا أنت ميتة؟ هكذا جعلتني أصرخ من الرعب الفكرة الباحثة عن سر الموت الجماعي142.

    راحت الجثث تتحرك، شيئًا فشيئًا، وقد دبت فيها إرادة الموت143، وراحت تنهض كالتماثيل الرافعة على أكتافها عبء عصور الظلام. ارتعشت شفة كلب منتزعة، ونطقت:

    - قتلوني لأني كنت النزاهة الفقيدة!

    ونطقت شفة كلب أخرى ممزقة:

    - قتلوني لأني كنت الشرف الطعين!

    ونطقت شفة كلب ثالثة على صورة سابقتها ممزقة:

    - قتلوني لأني كنت الشجاعة الباحثة عن ميدانها العلني!

    زحف كلب على قوائمه المحطمة، ورفع رأسه المفتوحة إليّ، ونطق:

    - قتلني كلب مثلي ومثلك ضحية الظلم لأني أنا ضحية الظلم144 أيضًا!

    تمتمت كلبة، وهي تبصق أسنانها:

    - قتلوني لأني كنت أُمًا مثالية145!

    جاءت كلبة ثانية ببطن مبقورة، وتمتمت: عضتني كلبة مثل امرأتك ومثلي عضة الموت تسعى لتأخذ تحت الشمس مكاني!

    جاءت كلبة ثالثة بفخذ يمنى ممزقة146، وصاحت:

    - قتلوني لأني كنت عاهرة147!

    قلت:

    - هناك خطأ، لا بد أن هناك خطأ148.

    - أخطأوا بقتلي، فهم أفحشوا بي ثم قتلوني!

    جاءت كلبة رابعة بفخذ يسرى مندهكة مثل موزة عفنة ملقاة في وسط149 الطريق، وصاحت هي الأخرى:

    - قتلوني لأني أنا أيضًا كنت عاهرة!

    - هناك خطأ، لا بد أن هناك خطأ.

    - لم يكن هناك خطأ، كنت عاهرة، وكنت ضدهم، كنت عاهرة شريفة150 في معبد أثينا، لهذا أفحشوا بي ثم قتلوني!

    قلت لشعب الكلاب:

    - قاتلكم أقوى منكم جميعًا151!

    - قاتلنا أضعف الذئاب152، وأحقد الحاقدين على الذات، وأعشق العاشقين لكرسي أثينا153.

    ضحكت، وأكدت لشعب الكلاب، قبل أن أمضي باحثًا عن امرأتي:

    - ستقتل قاتلكم ذئاب أقوى154 أو كلاب أشجع155 أو مواطنون أخلص لأثينا من عاهرة شريفة156.

    7

    وأنا على عتبة بيتي157 هاجمني كلبي158، أكثر الكلاب أمانة لي ووفاء، فهويت بقبضتي على فكه، وفصلته، ثم تقدمت في دمه إلى الاحتفال، فعرفني بعضهم، ولم يعرفني بعضهم، وعرفتهم كلهم. أخذت تصل إلى مسامعي أنغام موسيقى وأصوات غناء تتخللها قهقهات امرأة ثملة159، وعندما أطللت من بين الأعمدة، رأيت امرأتي، وهي تصعد على عرشي شبه عارية، في يدها قوس وعشرات السهام، ومن حولها عشرات الأقزام ذوي العين الواحدة160. قطعت امرأتي قهقهاتها فجأة، وضربت سهمًا اخترق عين قزم، فخر القزم صريعًا، وعادت زوجتي تقهقه. نزلت عن عرشي إلى مائدة ضخمة عليها شتى صنوف الطعام والشراب، وراحت تعب النبيذ، وتفسخ اللحم، وتأكل بجوع دهور، ثم وثبت على عرشي ثانية مثل جرادة مرعبة، فسقط الأقزام على قدميها باكين من عينهم الواحدة متوسلين بينا هي تهدد:

    - سأتزوج الحي الأخير من بينكم161!

    رمت الأقزام بثلاثة سهام أو أربعة، والأقزام يهربون أو يخرون صرعى. انحنت هذه المرة، وسحبت من أصابعهم خواتم مرصعة بأحجار كريمة، ومن جيوبهم أوراق نقدية، فقلت لنفسي لقد تقدم البشر كثيرًا أثناء غيابي! نظرت إلى أثينا دون أن يراها أحد غيري، فإذا بها تخلع ثيابها، وتلقي بجسدها البض في دم الأقزام لتجدد جمالها162. بفعلها هذا أعادت الأقزام القتلى إلى الحياة لتواصل امرأتي قتلهم حتى نهاية الأزمان دون أن تقدر على الزواج من آخر حي بينهم، وهكذا تبقى تحت مسؤوليتي163. كانت زوجتي قد أسقطت عددًا آخر منهم، وأثينا تُسْقِط جسدها في دمهم، وتزداد أكثر فأكثر جمالاً، فقررت أن أضع حدًا لتراجيديا الجميل164، لعبادة الجميل القائمة على الممارسات الدموية والقواعد الجمالية الساكنة.



    يتبع لاحقاً بإذن اله

    مع الشكر

    ابتسام شعبان

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين نوفمبر 25, 2024 9:37 am