لفتت انتباهَ بدر ٍ مشاجرة ٌ أو حالة ُ استنفار ، فترك كتابه مسرعا ً نحو النافذة َ وكاد يتعرقل ُ بكرسيّ ٍ كان أمامه .
لم تكن كالعادة مشاجراتُ صيف ٍ بين البشر هذه المرّة إنما صياح صبيان ٍ حين رأوا مجموعة ً من العصافير تـُزقزقُ بحدّة ٍ وتـُرفرفُ بقوّة ٍ ، فتبسّم مـُستمتعا ً بالمشهد فلربما رأتِ العصافيرُ في شِـقّ ِ الحائط أفعى فأعلنت النـّـفيرَ العام ، وكان ذلك .
سرعان ما حضر أحدُ جيرانه فتحلـّقَ الصبيانُ حولهُ وتبيّنَ الأمرَ فأحرق خـِرقة ً بعد ربْطها برأس قضيب ٍ حديديّ طويل ٍ وقرّبها من الشّقّ الذي في حائط البيت القديم ، فخرجت منه أفعى كبيرةٌ تترنّح من الدخان فقتلها بالقضيب وشقّ بطنها بقطعة زجاج ٍ واخرج من بطنها أربعةُ عصافير ٍ لا يزال ُ عليهنّ ريشُهن ّ وسْط َ فرح ِ ومرح ِ وخوف ِ الأطفال المتحلقين حوله .
حدث ذلك وبدر ٌ ما زال ينظر صامتا ً من نافذة بيته المـُطلـّة ِ على الحياة . فلما اطمأنّ على هذه النهاية التي نسي تصويرها ترك النافذة مفتوحة ً وعاد ليبحث في كتابه عن الصفحة التي وصلها ، فقد أغلقهُ بسرعة دون وضع علامة كالعادة في كتاب ٍ لا يملّ ُ قراءَ ته .
لكنه ما لبث أن أغلق كتابه وعاد لتأملاته وتساؤلاته التي لا تنتهي غير أن ّ هذا التساؤل داعب فكره ُ : لماذا لم تكن نظرتي للحياة ِ في سنّ الأربعينات كنظرتي في سنّ العشرينات ؟ وإن كانت كذلك هل يتغير ُ شيءٌ من القدر ؟
لكنّ بدرا ً استدرك الإجابة : فتَحْتَ قانون قسمة ِ المعيشةِ الربّانيّ العادل لا تعني الإجابة عن هذا التساؤل شيئا ... فما أحسنَ الرضى .
رنّ الهاتفُ فإذا صديقـُه ُ يـُذكـّـرُهُ بموعدِ التسوّق من مدينة بيت لحم ، فطلب إمهالـَهُ بـِضْعَ دقائق َ حتى يستعدّ ، وتأففّ بعد إغلاق الهاتف بسبب نـَـكَـدِ الطريق وحواجزها العسكرية .
قال لصديقه الذي يقود السيّارة : رحمَ الله ُ أيامَ زمان حيث كنا نذهب مشيا ً إلى بيت لحم وكنا نصل أسرع من هذه السيارة . أنحن ُ جنينا على أنفسنا أم جنى علينا عـُرْبـُـنا ؟
أجاب َ صديقـُهُ مبتسما ً : نحن في زمن ٍ لا يـُعـْرَفُ فيه من الجاني ومن المجنون ومن العدوّ ومن الصديق !
ثمّ سكتا لتستغلّ صمتـَهـُما نسائمُ الخريف تداعبهما كالمُواسية لهما من نافذة السيارة كأنها تقول لهما أنّ عجلة الزمان أسرعُ من عجلة سيارتكـُما وسيطوي الزمان ُ مرحلتـَكـُما ، ولربما تعودان إلى التسوّق من بيت لحم مشيا ً على الأقدام بعد أن تروْا بدرا ً من الأيام .
للكاتب محمد عميرة
مع كل الشكر
الجمعة يونيو 28, 2019 8:55 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» د. ليلى عريقات نائب الرئيس ورئيسة تكريم الشهادات الفخرية والرئيسة الفخرية للمجلس
الإثنين ديسمبر 03, 2018 12:25 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» اهداء ارتجالي الى عميدة الشعر المعاصر الاستاذة د. ليلى عريقات / د. لطفي الياسيني
السبت ديسمبر 01, 2018 9:05 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» خذ ومن عمري لعمرك .. مهداة لشيخ الشعراء المجاهدين لطفي الياسيني للشاعر حسين حرفوش
السبت ديسمبر 01, 2018 2:18 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» وما غير الطبيعة من سِفر
الخميس يوليو 11, 2013 6:22 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» حمى الناس ..إهداء إلى أهالي الحولة
الخميس يوليو 11, 2013 6:13 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» قصيدة معايدة الرؤساء العرب .. للشيخ عائض القرني
الخميس يوليو 11, 2013 6:12 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» طال ابتهال المصطفى
الخميس يوليو 11, 2013 6:11 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» من وحي السيول والفيضانات التي اجتاحت بيوتنا / د. لطفي الياسيني
الأربعاء يناير 09, 2013 4:02 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني