اسم التلميذ: د. عبد الرؤوف النجولي
اسم المدرسة: ميدان التحرير
السنة المكتبية:1432ه - 2011م
foralquds@yahoo.com
بسم الله الرحمن الرحيم
"قل اللهُمَّ مالكَ المُلكِ تؤتي المُلكَ مَن تشاءُ وتنزعُ المُلكَ ممَّن تشاءُ وتعزُّ مَن تشاءُ وتذلُّ مَن تشاءُ بيدِكَ الخيرُ إنّكَ على كلِّ شيءٍ قدير"
(الله وحده أسقط النظام............)
عنوان الدرس: يوم الغضب – التاريخ: الثلاثاء 25/1/2011م
خمس عشرة ساعة هزّتْ مصر!
صَحَتْ مصر اليومَ على صيحةِ الحق........ خرج الشعب كلًّا واحدًا...... يسار ويمين...... مسلمون ومسيحيون.... رجال ونساء...... صغار وكبار..... لا يخافون في الحقّ لومة لائم.... ينشدون سقوط نظام الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد......
وصلتُ إلى (الميدان) بعد الغروب....... وكانت فيه بقية من رائحة القنابل المسيلة للدموع......
كان الناس كثرًا.... وكانوا يهتفون لمصر وينكرون الظلم ويغنّون نشيدها القديم الذي نثر فاتحته مصطفى كامل وقدّس به سيد درويش للبلاد (بلادي بلادي بلادي لك حبي وفؤادي)..... ويعيدون نشيد الثورة التونسية (إذا الشعب يومًا أراد الحياة....).....
كان الثوار قد تحصّلوا على خوذات ودروع أمنية..... فرقى أحدهم عمود النور وبدأ يلوّح بالخوذة ويخفق بالعلم...... وبين يديه لافتات الجماهير الغضاب (ارحل ارحل يا مبارك.... الطيارة في انتظارك)..... وتُصَدِّق السماء على حدسنا بالطائرات العديدة التي راحت تئز وتبرق...... والله وحده يعلم من تحمل..... هل كان (جمالا) أو (عزا) أو (حسنيا) أو أي لصّ من العصابة الظالمة......
كان السعد في العيون...... والأمل في الوجوه....... والظلم مبدّدًا في الهواء كسحابات الدخان....... وكيف لا؟ وصرخة القاهري تشفعها آهة السكندري..... وصياح الفلاح يعتنق صدى الصعيدي..... وأمل محمّد يغازل رجاء بولس..... كل الناس على قلب رجل واحد.....
لقد خرجتْ مئات آلاف المصريين إلى الشوارع...... فيهم خمسون ألفا إلى (ميدان التحرير) وحده...... حيث رجعة الفرعون في (متحفه المصري)..... وعيش المصري في (المجمّع)....... و(الجامعة الأمريكية) بيننا وبين قبلة الله في مكة حينما صلى الناس لله العِشاء على تراب الميدان...... فاتصل سبب التراب الميت بالتراب الحي....... وتجدّد لكل امرئ شبابُ دينه..... فالمسجد بين يدينا....... والكنيسة من خلفنا...... والكنيس على قيد أشبار منّا........ وراح الأمل يروّي منّا العصب والعظم.... فالطاغية قد سقط أو يوشك..... والظلم إلى زوال.......
سرعان ما تأسّستْ إذاعة للثورة في الحديقة تولّاها عبد الرحمن يوسف القرضاوي الشاعر السياسي وعضو حركة كفاية...... وتقدّم عبر ميكروفونها ناس كثر بشرونا بالنصر المبين...... كان أولهم الروائي الدكتور علاء الأسواني الذي قال أن وجودنا وثورتنا تردّ عنّا تهمة التونسيين لنا بالتخلف..... فثلاثمئة ألف في الشوراع ولا تحرّش ولا تخريب..... فأي خلق وأي تحضّر!....... ثم جميلة إسماعيل المذيعة..... وأخيرا نقيب المحامين الشاب الذي نيّف على الثمانين وبارك سقوط دولة الفرد.......
كان عبد الرحمن يذيع البيانات....... "لقد استولى إخوانكم في المنصورة على أمن الدولة....... وإخوانكم في المحلة على مبنى المحافظة...... وفي السويس سقط أول شهيد وثاني شهيد للثورة....... وفي الفيوم وكفر الشيخ والإسكندرية عشرات الآلاف......"....... الله أكبر! لقد ذهب الطغيان إلى غير رجعة.....
ثمّ حذّرتْ الإذاعة الناسَ انتشارَ عناصر أمنيّة في ثيّاب مدنيّة لأجل إفساد كل شيء..... كانت هناك جماعة من (البلطجية) تحمل العصيّ تنتشر......
عند انتصاف الليل تمدّدتُ جوار (مينا) و(ماريو) عند ساحة (المجمّع)....... لكنّ الأرض بدأتْ تميد والصياح يعلو....
وبعد انتصاف الليل بدقائق بدأ البلطجية يلقون (البمب) والحجارة على الأمن للتحريش...... كنّا نهتف للعسكر ونقول (يا عسكري أنا اخوك..... مش زي ما فهّموك...... يا عسكري ساكت ليه؟.... إنت بتاخد أد إيه؟....)..... هناك من كان يهتف (حضرات السادة الظباط.... روحوا جنينة الحيوانات...... والجنينة مش بعيدة...... ميكروباص بنص جنيه.....)...... وعندما اشتدت وطأة التحريش بدأنا نصرخ من جديد (سلمية...... سلمية....... سلمية)...... لكن البوليس الذي لا يرحم بدأ يرش المياه الكبريتية بكثافة....... وأغرق الميدان بعشرات القنابل المسيلة للدموع........ فامتنعت الرؤية وانقطع النفس وثارت المعدة وكادت الروح تزهق........ لولا أن قيّض الله لنا شبابا يحملون الخلّ..... فغسلتُ وجهي وزال عني وجعي إلى حين....... في العتمة كان العساكر يطلقون الخراطيش.... وسقط الكثيرون....... كان الناس ينزفون بكثرة من الجبين والوجه والرِّجْل...... ورحنا نركض من الميدان حتى النيل...... عبر شوارع جانبية مظلمة......
هل كان نفاقًا؟..... لقد ذهبتُ في آخر الناس..... فقط لأنني غير مسيّس... لقد خرجت أنكر المنكر...... خرجتُ وقد حالت خلاياي خوفًا...... وركضتُ لأنّ جسمي الأعزل أوهن من احتمال الماء والغاز والصفير والهراوات والرصاص...... لقد دسسنا رؤوسنا في المعاطف وركضنا.... وحولنا الناس يسقطون....... هناك خمسمئة الآن يسامون سوء العذاب في معتقلات السفّاح الكفّار حبيب العادلي........
غصصتُ بحسرتي وشرقتُ بدموعي......لقد ذهب كل شيء...... الحلم والخيمة والبطانية...... كل شيء ذهب....... لكن نصر الله آت لا محالة...... "ألا إن نصر الله قريب".......... إن موعدكم الصبح........ إن موعدكم الجمعة.......
التقويم
س1 صِفْ صباحك يوم الثورة؟
ج1 كان صباحًا عاديًّا........ قبل أيّام منه تلقيتُ رسالة على (فيس بوك) تقول:
"تونس خرجتْ يوم كذا........ ونحن سنخرج يوم 25 يناير...... في يوم عيد الشرطة......
سأحضر؟
لن أحضر؟
ربما؟".........
صليتُ الفجر وأخذتُ كتاب (كفاحي) أكمل قراءته..... كانت آراء هتلر مدهشة للغاية....... خصوصًا نقده للحزب الإشتراكي الديمقراطي الذي هجر الحانة البلدية إلى البرلمان المدجّن الذي لن يصلح به شيء في النهاية (الأمر الذي تكرّر في مصر مع الإخوان المسلمين الذين تخلّوا عن المنابر بشكل كبير وخاضوا الانتخابات بكل قوتهم)...... رأى هتلر أن الديمقراطية فكرة كمّيّة تعتمد على حشد أكبر عدد ممكن من الأصوات غير ذات الكفاءة والمضللة بواسطة الإعلام....... وعن صوت هذا الطوفان الأحمق من الناس يعبّر البرلمان الذي أصبح سوقًا للخطب والأشعار...... وفي النهاية ستكون الحكومة ملزمة بقرارات البرلمان الحمقاء........ وفي النهاية أيضا هي وحدها المحاسَبة على أي مصيبة تنجم عن هذه القرارات.......
س2 كيف خرجتَ إذنْ؟
ج2 كان ابن خالتي وجاري المهندس أحمد قد خرج عند الظهيرة..... قبل العصر رأيتُ ابن بنت عمي محمودًا على التليفزيون في مظاهرات المنصورة....... لم أكن عضوًا في جماعة ما....... كان رأسي محشوًّا بخلفية سيئة عن الثورات من أقصى الشرق في روسيا إلى أقصى الغرب في كوبا وأمريكا اللاتينية مرورًا بمصر التي آضتْ بثورة يوليو 1952م دولة بوليسية من الدرجة الأولى........
داعٍ ما هتف بداخلي بوصفي مسلمًا:"اخرجْ وأنكرْ المنكر........ قلْ الحق عند السلطان الجائر.........".... صليتُ المغرب وخرجتُ بروحي على راحتي......... كانت الطرق مقفلة وتحوّلت السيارة المستأجرة إلى شوراع ملتوية..... أخيرًا قبل المتحف المصري بخطوات توقفتْ السيارة...... ونزلتُ...... كان أمامي صف من الحمائم البيض..... بنات الإخوان المسلمين..... يمكن للمرء أن يتعرّفهنّ بخمرهنّ البيضاء الرائعة وتكتلهنّ في نظام........ مررتُ جوار عربة الأمن المركزي المخصصة لإيداع المعتقلين....... عربة نقل ذات صندوق..... لونها أزرق..... ولها نوافذ عالية صغيرة مزوّدة بالشبك وعليها صفائح كافية بحجب أي خيط من النور عمّن في الداخل تماما كصناديق الشحن التي نراها على الطرق السريعة وفي المواني......
تمشّيتُ قليلًا..... كان (عبد المنعم رياض) يرتدي لباسه العسكري ويلوّح بيده نحوّ (التحرير)....... تمشيتُ في شارع التحرير..... كان الهتاف عاليًا........ وكل شيء على ما يرام....... وبصراحة كان الأمر مبهرًا لأن الشرطة لم تتدخل حتى تلك اللحظة [سمعت بعد ذلك أنها تدخلت عند دار القضاء في الصباح..... ورشت المياه الكبريتية وضربت الناس بالهراوات.......]....... إلى أن انتهى كل شيء بعد منتصف الليل.......
س3 هل تنتمي إلى تيار سياسي؟
ج3 لا....... هل بإمكاني أن أقول للأسف؟........ لقد تأسفتُ كثيرًا في الأيّام التالية على كوني فردًا ولستُ ضمن جماعة...... (فالمرء قليل بنفسه كثير بإخوانه)...... كانت حركة أي فرد ضمن جماعة فكرية أو شلة من الأصدقاء أمرًا رائعًا........ على الأقل سيعرفون أنه اعتقِل أو جُرح ويتدبّرون الأمر....... لكنّ إيماني بالقضية كان قويًّا....... وكان خروجي بوصفي مسلمًا..... رفعتُ شعار مصر لأنها جزء من وطني الأكبر...... وخرجت إلى (التحرير) لأنه الخطوة الأولى نحو القدس...... وأحببتُ أهل مصر فهم رحم وجيرة إن لم يكونوا إخوة في الإيمان بالله أو القضية........ إن تسامحي تجاه إخوتي المصريين بطوائفهم المختلفة نابع من إيماني بالله الذي يحبّ البررة والمقسطين....... وانضوائي تحت العلم المصري هو فكرة تعلمتها من المستشار طارق البشري عن الأمم الضعيفة والمنصورة [سيكون المستشار طارق البشري رئيسًا للجنة تعديل الدستور بعد الثورة!]....... فالأمة الضعيفة تبحث عن الذي يفرّق...... وهذا ما حدث في أول القرن العشرين عندما انقسم المسلمون عربًا وتركًا........ وحدث في آخره مع طوائف الأمّة العربية وهي أمّة (كثرتْ فيها طوائفها وقلّ فيها الدين)....... ثم بين أبناء الطائفة العاملين أنفسهم...... فمجدّد ومحافظ...... ومعطّل وظاهري....... إخواني وسلفي...... إخواني ووسطي...... إلى آخر هذه الانشطارات النووية التي فجع بها الناس المخلصون.......... لهذا وحده قررت أن أبحث عن الذي يجمّع...... عن علم مصر الحبيب........[فرّق تسد هي اللعبة التي جرتْ في مصر باسم الطائفية وتجري في الثورة الليبية الآن باسم العشائرية....]
إن الانتماء للحزب معناه الضرب بسيفه وحمل صليبه وتحميله مسئولية أي خطإ نرتكبه.......
س4 هل هي إسلامية؟
ج4 بالطبع لا........ حقيقة تعرّفتُ بعض الإسلاميين بين الناس من الإخوان المسلمين والسلفيين...... مكبرات الصوت التي استخدمتْها الإذاعة في الليلة الأولى كانت من النوع الذي رأيتُه في مظاهرات الإخوان في الجامعة...... هو النوع اللاسلكي..... وكانوا يستخدمون كلمة (إخوانكم......) كثيرًا........
بعد مرور ساعة تأكّد لديّ أن (المظاهرة) بعيدة كل البعد عن أن تكون إسلامية........ كانت البنات السافرات اللاتي يدخنّ السجائر يملأن المكان........ ومعهن أصحابهن (الفرافير)...... (فرافير) (فيس بوك)...........
س5 أقوال أخرى؟
ج5 كلمة جميلة لأدولف هتلر عن القراءة وعملها التخنيثي في توهين الشباب وتمضية العمر في الحسابات والإغفال التامّ للحكمة اللاتينية (العقل السليم في الجسم السليم)......... كم هو بذيء أن يمضي العمر في القراءة وحدها....... فأنت لن تجني من عسكري الأمن المركزي لو تلوت عليه رواية الأم أو الآلهة عطشى......... اطمئن.... الدابة تعرف أكثر من الذي يعرفه عسكري الأمن المركزي الذي يقضي عمره في علب السردين وتحت شمس آب اللهّاب.......
أقول هذا فقط لأجل عمري الذي ضاع في القراءة........ والحق ما قال شكسبير إن صانع الأحذية ينفع الدولة أكثر من الكتبة.......
الأربعاء 26/1
الأمر لم ينتهِ إذنْ.........
الصحفيون والمحامون يتظاهرون عند نقابتيهم........ الشرطة لم ترحم أحدا..... حتى محمد عبد القدوس الصحفيّ النزيه الذي نيّف على الخمسين، سحلوه!........ [كان محمد عبد القدوس ضيفًا على نقطة الأسعاف التي أعمل بها بعد ذلك....... وكان الناس يقبلون عليه ويصافحونه ويلتقطون الصور معه...... كان بدينا وحركته بطيئة وله لحية ويرتدي بدلة رسمية دومًا وله عينان خضراوان جميلتان كعيني أبيه]......
أنا حيران......
كنت قد رأيتُ (شباب 6 أبريل) -أحد أهم الدعاة إلى الثورة- قبل ذلك اليوم مرة واحدة فقط...... كان ذلك في شارع فؤاد ........ كانوا عشرات من الشباب على رصيف دار القضاء......... يحملون أوراقًا..... وكان العساكر يطوقونهم بعيدا عن الطريق...... أما الضباط فكانوا يدخنون على السلم ويضحكون بقوة.... وكانت ثيابهم سوداء للغاية.........
يوم 6 أبريل الذي تسمّتْ الجماعة باسمه وهو يوم للإضراب لم يحظ بمشاركة الأحزاب ولا جماعة الإخوان المسلمين على اعتبار أن الجهة المتبنية للإضراب غير معلومة...... وعليه لم يتغيب أحد عن العمل خوفا من أن يحسب عليهم..........
الأمر أمسِ اختلف كثيرا........ كانت التظاهرة بمئات الآلاف........ أكبر من رصيف دار القضاء......... وأكبر من وسط البلد كله......
بيني وبين نفسي شعرتُ أن (الجزيرة) خذلتنا كثيرا........ كانت الأخبار كلها عن ثورة الشمال اللبناني ضد تولي ميقاتي الشيعي المحسوب على (حزب الله) مهام الحكومة بديلا عن سعد الحريري السنّي......... تسقطتُ خبرا من هنا وخبرا من هناك...... ربما في اليوم التالي الخميس رأيت نوارة نجم في مكتب الجزيرة تقول أن هؤلاء الناس لم يجتمعوا لأجل بعض الإصلاحات "لقد اجتمعوا لإسقاط النظام كاملًا ولن يتراجعوا...."
على (فيس بوك) كانت الشرطة السرية في التحرير تصفع الناس وتركلهم وتضربهم بالهراوات والعصي الكهربية والخناجر... كثيرون رهن الاعتقال.. [لم أخرج في الليل ولا في اليوم الذي يليه، كان (الليث يستجمع ريثما يثب)، والوثبة الجمعة]
التقويم
س انطباعك؟
ج ثورة وليست مظاهرة........
عنوان الدرس: جمعة الغضب – التاريخ: 28/1
[عيد الميلاد الثالث لمحمد ابن أختي.. لم يتسنّ لنا شراء كعكة.. لأن محلات الحلوى مغلقة.. لم يكن في إمكان (عمتو) أن تحضر إلى القاهرة لأن الطرق مقطوعة..... كان التنزّه محرّمًا أيضًا]
بنصيحة من أحمد ابن خالتي الذي اشترك مع الإخوان المسلمين في فترة من حياته تأخّر خروجي إلى يوم الجمعة....... كان الإخوان المسلمون قد تلقوا تكليفًا هذه المرة بالنزول إلى الشوراع بكل طاقتهم..... بعد أن كان وجودهم قبل ذلك وجود أفراد ضمن الطوفان الشعبي الذي غمر مصر يوم الثلاثاء.....
بعد الصلاة توجهنا في مظاهرة جلّى بدأتْ ممّا بعد شارع الوحدة (ممدوح سالم) وطافتْ أجزاء كبرى من إمبابة...... في الطريق اشترينا المياه الغازية لاستخدامها في غسيل الوجه حال إطلاق القنابل المسيلة للدموع....... ومررنا بالكنيسة وهتفنا لحياة الهلال مع الصليب....... أخيرًا وصلنا إلى شارع السودان....... هناك تلقتنا قوات الأمن المركزي بالقنابل...... شرع الشباب في تكسير حجارة الرصيف واستخدامها في رشق العساكر..... كان هذا جديدًا بالنسبة لي...... وكان مضادًّا لمفهوم المظاهرة السلمية...... لأن عددًا كبيرًا من السيارات الواقفة تضرّر... وأحبّ أن أقول أنني لم أرمِ حجرًا واحدًا في تلك الثورة..... لأنّ ثوّار التحرير لم يستخدموا الحجارة إلا في يوم مجزرة الأربعاء..... وهو اليوم الذي عدا عليهم فيه (البلطجية) بخَيلهم ورَجِلهم وسيفهم وحجرهم....... ثم سرعان ما استخدم الثوار تلك الحجارة في تشكيل كلمات ورسوم تعبّر عن مطالبهم على الإسفلت في الأيام التالية.......
في العتمة ضاع أحمد..... صمدتُ كثيرا في وجه القنبلة صمودا مسيحيا غانديا...... وقررتُ أخيرا أن أهجر المظاهرة... ومن الشوراع الصغيرة وصلتُ إلى شارع المنيرة........ وهناك أخذتُ سيارة إلى المهندسين أحد أرقى أحياء القاهرة لأشترك في المظاهرات السلمية...... كان ميدان مصطفى محمود تحت سيطرة الشرطة...... تقدمتُ نحو سفنكس...... ورقيتُ كوبري مايو مع الثائرين..... قطعتْ قوات الأمن الطريق..... أخيرا نفدتْ ذخيرتهم [كانت القنابل صناعة أمريكية منتهية الصلاحية...... وقيل أن أميركا رفضتْ إمداد مبارك بالمزيد.... وأن الصهاينة أرسلوا طائرتين محملتين بشحنات من القنابل إليه]........ وصل المتظاهرون إلى الضابط للتفاوض.... قال الضابط أنه هنا لتنفيذ الأوامر........ فجأة اكتشف الناس أن كمينًا قد أعدّ لهم..... فتفرقوا تحت الكوبري...... وبدأتْ قوات الأمن تلقي القنابل المسيلة للدموع وتتلقف حجارة الشباب لترميهم بها..... استخدم الشباب الماء لإطفاء القنابل، والبصل لمحاربة رائحتها....... قررتُ أن أكون واحدا من هذه الفئة...... ولم أستخدم الحجارة...... كان الجندي يضرب القنبلة بالأرض لترتد علينا بكل عنف..... مرّت واحدة قريبا من وجهي...... ركضتُ..... شعرتُ بالحمق وأنا أركض..... لأن الموت لن يجدي معه الركض..... فلو شاء اللهُ أصابني منذ البداية.
لم تمض دقائق حتى أعلن الراديو أن الحاكم العسكري مباركًا قد أعلن حظر التجوّل بدءً من السادسة مساء (لم يبق على السادسة في تلك اللحظة إلا ثلث ساعة...... فكيف تريدون الناس أن يعودوا إلى دُورهم يا أغبياء؟!) وحتى السابعة من صباح اليوم التالي...... ورأيت في (الجزيرة) في المقهى انتشار وحدات من الجيش.....
توجهتُ إلى شارع عرابي..... كانت حركة السير قد شحت كثيرا...... وكان الحصول على مواصلة صعبا جدا...... في النهاية رجعتُ إلى البيت بمشقة كبيرة.......
كانت الأمور عند أحمد الذي وصل إلى وسط البلد تختلف كثيرا...... بعد معارك قاسية سُفِحَتْ فيها الدماء وأزْهِقَتْ فيها الأرواح...... وحُقّ لهذه الجمعة أن تسمّى على الشهداء...... خلعتْ الشرطة لباسها الرسمي وصافحتْ الناس وأخلتْ المكان....... لينتشر الجيش ويقوم بمهامها.....
في الإسكندرية عشرون قتيلا........ المدينة تحت سيطرة الناس....... في سيناء استخدِمتْ قذيفة آر بي جي في تدمير قسم للشرطة......
كانت الأخبار تقول أن القيادة سرّحتْ الشرطة لمدّة أسبوع طاح فيه اللصوص بالنساء والبنين والذهب والفضة...... رأيتُ بنفسي سيارات ودراجات وعربات تحمل بضائع من مجمّع (أركاديا) القريب منّا....... [أنا أسكن قرب النيل من ناحية إمبابة.......]
أخيرًا ظهر مبارك على التليفزيون عند منتصف الليل..... ليعلن إقالة حكومة نظيف....... وقال أن الفوضى نتيجة طبيعية "لحرية التعبير التي سمح بها"....... كان الأمر مخيّبًا للآمال!
التقويم
س1 ثورة مساجد؟
ج1 لا...... يحبّ أخي محمد إبراهيم أن يسمّيها كذلك لأنّ الجُمُعات كانت نقاطا فاصلة في تاريخ الثورة....... لكن الحقيقة هي أن المشايخ كانوا يغفلون الأمر إن لم يذمّوه ويدعوا الشباب إلى القعود في الفتنة.......
س2 كيف تلقيتَ آراء المشايخ؟
ج2 أنا ضمن مظاهرة سلمية..... خرجتُ لإنكار المنكر والأخذ على يديه...... ولم أستخدم سلاحًا..... وفي النهاية (بلطة الجزار ذبحها قطر الندى)..... والحمد لله......
س3 لماذا يناير؟
ج3 ليس لأنّه يناير....... لكنْ لأن ثورة تونس شبّت قبل أيام.... وإن تكرّرتْ الثورات المصرية في يناير..... يناير 1952 مثلا والستة الأشهر التالية كان فاتحة لانقلاب الجيش في يوليو... وكانت انتفاضة الخبز في 17 و 18 يناير 1977 آخر هذه الثورات.......
ناقشتُ زملائي في فرضية أن الثورة كانت في الصيف حيث لا قرّ ولا مطر... لكن كان جوابهم واحدا: إن الشتاء أرحم ألف مرة من شمس الصيف.........
س4 أقوال أخرى؟
ج4 كان معنا شابّ أبدى عن صليب في معصمه وأشار إلى الشرطة وقال:
"أنا مسيحي يابا...... هؤلاء من ضربوا الكنيسة....."
وسرعان ما ردّ عليه الناس:
"ما فيش حاجة اسمها مسلم ومسيحي....... كلو واحد......."
لعبة الطائفية التي لعبها حبيب العادلي معنا على طريقة (فرق تسد) صارت مكشوفة وقذرة..... رأيتُ في السبت التالي سيّدة مسيحية ترفع لافتة مكتوبا عليها:
"نحن الآن في أمان....... كلنا أقباط"
في الآحاد أقام النصارى صلواتهم تحت حماية المسلمين السلفيين أصحاب اللحى والنقب..... وأمّن الأخيرون على دعائهم وكبّروا في آخره.......
لقد تعهّد السلفيون الكنائس في الإسكندرية والقناة بالحماية طيلة أيام الثورة...... وقال أحد القساوسة:
"الكنائس من دون شرطة لأيام طويلة....... ولم نسمع عن حادث اعتداء واحد......."
والأمر نفسه تكرّر مع المعبد اليهودي في وسط البلد الذي رأيته بنفسي...... ولم تمس فيه زجاجة واحدة........
هامش:
البلطجي: كلمة تركية تعني من يحمل البلطة.... وهو من يستخدم السلاح في العدوان على الناس وأموالهم.......
الكوبري: كلمة تركية معناها الجسر.
السبت 29/1
في الصباح تجمّع عشرة آلاف شخص في ميدان التحرير....... طمأن مدير الشئون المعنوية في الجيش الناسَ عبر التليفزيون......
في الثانية والنصف أخذتُ سيارة إلى التحرير... توقفتْ السيارة عند منتصف كوبري مايو...... وتابعتُ السير حتى (التليفزيون)..... اتصل أحمد مجود بي..... وقال: "ما أسعدك الآن!.... الثورة البلشفية رأي العين......."...... [في الليل سيتصل أحمد مجود مرة أخرى ليشتم كثيرا وينعى كثيرا..........]
كانت الأمور عند التليفزيون تشبه الأعياد....... كانت مدرعات الجيش واقفة.... والشبّان والعوائل يلتقطون الصور معها......
سرعان ما التحقتُ بمظاهرة...... وصلنا إلى ميدان عبد المنعم رياض..... هناك اعترضتْنا مدرعات الجيش........ بدأنا نهتف (الجيش والشعب إيد واحدة......) (الجيش والشعب.... إسقاط النظام)........ تفاوضنا مع الضابط الشاب الذي يحمل ثلاثة نجوم على كتفه..... كان وسيمًا وعيناه زرقاوين...... واحمرّ وجهه كثيرًا.......
ركّب الجنود خزائن الطلقات في البنادق........ فهتفنا (سلميّة... سلميّة..... سلاح لأه.....).... فخلعوها من جديد..... ولان قلب الضابط للناس..... فحملوه على الأعناق وهتف معهم....... كانت عيناه حائرتين ولسانه هادرًا.... ترى أي مصير ينتظرك أيها المسكين؟...... مخالفة الأمر في الجيش معناه المحاكمة العسكرية وربما الموت...... [في الغد ستظهر صورة الضابط في الصفحة الأولى في الجريدة......]
رشّ الناس الدبابات بأوراق الورد.... وركّبوا الأعلام فيها.... وكتبوا على جدرانها عبارات ثورية...... وبدأتْ (كفاية) تلصق شعاراتها......
تضاعف العدد كثيرًا في نهاية اليوم بالرغم من قرار مبارك بحظر التجوّل الذي تقدّم هذا اليومَ ليصبح بدءً من الرابعة عصرًا........
أذّن للعصر...... وصلى الجيش والشعب على أرض الميدان..... ودعونا الله أن ينصر سعينا وأن يأذن لشرعه أن يسود...... وبلغتْ الصفوفُ الأولى الصفوفَ الأخرى.......
كم كنتُ سعيدًا!.... كلمة سعيد هذه حمقاء ولا تفي بالغرض.... لقد خابرتُ أهلي وأصدقائي في كل مكان... "الجيش معنا....."
حمل الناس الشيخ صفوت حجازي على الأعناق...... [سيكتب الله للشيخ صفوت شأنًا كبير في تثبيت الناس (يوم الجمل)، وفي تطوير الثورة وتطويق مجلسي الشعب والشورى قبل انتهاء الثورة بأيام........]
رقى خالد الصاوي الممثّل دبابة وحمل لافتة تنادي بسقوط مبارك....... وهتف وهتف الناس......
قبل الغروب اتصلتْ بي أختي... كان صوتها باكيا...... لقد عدا البلطجية على الشارع..... لكن الله منعهم بالناس...... صار لزامًا أن أعود مع ابن خالتي وزوج خالتي اللذين لحقاني لحراسة الدار....... خطة جديدة لتشتيت (ثوّار الورد)........
عدنا إلى الدار بسرعة.... كانت القاهرة مدينة أشباح.......
ليلة الأحد 30/1
اتصل أحمد مجود بي...... وراح ينعى على الثوار الحمقى الذين أغفلوا تراثا من الجهل والفقر والمرض عمره ثلاثون عاما..... "كان يجب أن تحسبوا حسابا لكل هذه الجرائم......"...... أو بعبارة ألكسندر بوشكين "ألا وقانا الله شهود ثورة شعبية روسية، ثورة مجنونة لا ترحم أ.... إن أولئك الين يفكّرون في تهيئة ثورات بلادنا، إمّا أنّهم شبّان لا يتبصّرون بعواقب الأمور، وإمّا أنّهم أناس لا يعرفون طبيعة شعبهم، وإمّا أنّهم قساة القلوب لا يقيمون وزنًا لحياتهم ولا لحياة غيرهم من الناس"..... لكن يا مجود بك الأمر يختلف هنا عنه لدى إيميليان بوغاتشيف الذي استخدم السلاح في حرب طاحنة مع جند القيصر ونصّب نفسه قيصرًا وقتّل العباد وخرّب البلاد....... نحن أناس وقفنا نقول للظلم: لا..... فقط باللسان...... ولسنا مسئولين عن كل هذا الخراب الذي لحق مصر........ استخدم النظام معنا شعار (إذا مت ظمآنا فلا نزل القطر) [فيها لاخفيها]..... وأحرق (نيرون) القاهرة......
سقطتْ أقسام الشرطة واحدة تلو الأخرى بسلاحها في أيدي البلطجية....... احترقتْ الأقسام والنيابات ودواوين المحافظات ولجان (الحزب الوطني) ونقاط الإطفاء..... حوادث القتل والسرقة بالجملة..... عشرات الفتيات وقعن ضحية الاغتصاب في حيّ المهندسين...... اللصوص يستخدمون الميكروفونات لترويع السكان في ميدان لبنان...... اللصوص يختطفن النساء بالبنادق الآلية من مخادعهن في المعادي...... اللصوص يحتلّون المساكن في أطراف القاهرة.......
ملثّمون يهدمون السجون ويطلقون النار على المساجين لإجبارهم على الهرب...... مقتل العشرات في طريق أبي زعبل بلباس السجن...... مقتل مدير سجن الفيوم على يد مجهولين..... وهروب عشرات الآلاف من المساجين في أنحاء الجمهورية.........
كان لزامًا أن تتشكل لجان شعبية لحماية الممتلكات...... أغلق الشباب شارعنا بأحجار الرصيف الكبيرة....... كانوا يطلبون هويّات الناس ويفتشون حقائب السيارات...... مستعينين بالعصيّ والسيوف والزجاجات الحارقة في تأمين أنفسهم...... وضعنا نحن شبابَ مدينة التحرير الشارة البيضاء... ووضع شباب مدينة العمّال الشارة الحمراء....... ونجحنا في القبض على عدد من البلطجية وتقييدهم....... وتسلمهم الجيش عند الصباح....... خصص الجيش رقما لأجل ذلك هو 19614 وأرقاما أخرى..........
قضينا الليل على صوت أم كلثوم [(أغار) على صوت العرب في الثامنة مساءً (كانت صوت العرب بعيدة عمّا يجري في مصر تمام البعد.... وتبث برامجها بشكل طبيعي)..... وفي الحادية عشرة غنت (مصر التي في خاطري) ثم (رباعيات الخيام) التي تكررت في الأيام التالية بشكل دافع على العجب..... لماذا عمر الخيام في هذه الليالي بالذات؟!... خمر ومزهر ونساء في الليالي التي اختنقنا فيها بطعم الدخان وأزيز الرصاص؟!] وذكريات جارنا الخفير الشيخ..... وشربنا الشاي أكثر من مرة.....
كان أملنا في الجيش كبيرًا وسعادتنا باقترابه منا أكبر........ هو الآن في شوارع القومية والمطار........
جاءت الأخبار عبر (الجزيرة) تباعا عن القبض على رجال من الشرطة والمباحث متورطين في أعمال النهب........ [تماما كما سيتورطون مع رجال الحزب في ذبح الناس في يوم الأربعاء المقبل......]
في الليل أذاع الراديو المصري بيانا يهيب فيه بالمواطنين التزام دورهم وعدم الخروج إلى الشرفات أو الأسطح لئلا يتعرضوا للقنص....... مع ذلك بقينا...... لأجل نسائنا وأموالنا..... كانت السيارات تطلق النار على اللجان وتقتل منهم..... في شارع الوحدة أمسك الأهالي خمسة من هؤلاء السفاحين وذبحوهم........
كانت زوجتا جمال مبارك وأحمد عز قد رحلتا عن مصر....... واستقال الأخير من أمانة الحزب..... وأصبح عمر سليمان مدير المخابرات العسكرية نائبا لمبارك...... وأصبح أحمد شفيق وزير الطيران رئيسا لمجلس الوزراء...... [هتف الثوّار: "لا شفيق ولا سليمان.... كله عميل للأمريكان"..... عمر سليمان هو مهندس حرب غزّة ومتورّط في تقسيم السودان وتهافت علاقة مصر بجاراتها في النيل]
ابن جارنا سامي ضابط في الشرطة...... حكى له كيف صمد حتى النهاية...... وكيف أنّه رفض أن يتخلّى عن القسم الذي يرأسه وطلب تعزيزات وحاول تسليم السلاح إلى من هم أعلى رتبة....... وعندما عجز في النهاية حمل السلاح في سيارتين إلى إحدى الدارات (الفِلل).......
في الصباح توجهتُ إلى سريري.. وفي القلب خوف من الآتي... وفي اللسان ذكر لله الذي بنى لهذه الثورة بكلتا يديه.......
التقويم
س انطباعات؟
ج التآخي الرائع الذي شهدتُه بين ثوار الورد وشهدتُه بين الناس في شارعنا....... حقا لقد (ذهبتْ المحَن بالإحَن)..... وأصبحت القاهرة التعاقدية –بعبارة الدكتور المسيري- آية في التراحمية........ وأصبح الشبّان الفاسدون حرّاسًا للشعب.......
كان الشعب رائعًا...... حاولوا أن يصموه بالفوضوية التي لقنوه إياها في أفلام القط والفأر ومدرسة المشاغبين........ كان الشعب رائعا حتى آخر نفاية كنسها عن أرض الوطن بعد انتهاء الثورة..........
هامش:
"القوات المسلحة تناشد رجال مصر المخلصين لمواجهة الخونة والمجرمين وحماية أهلنا وعرضنا ومصرنا الغالية" رسالة قصيرة من فودافون في الواحدة والنصف صباحًا.
الأحد 30/1
"الله أكبر....... الثورة بتكبر......"
مكرَ اللهُ للشعب العظيم.... وقوّاه.... وأربى ثوارُ التحرير على مئة الألف.... مئة تعززها مئات في اللجان الشعبية وحول شاشات التليفزيون......... وتهافت حزب الشيطان جند وراء جند: الأمن المركزي برصاصه الميّت والحيّ....... والآن البلطجية [ سيجمع البلطجية كيدهم إلى ميدان التحرير يوم الأربعاء التالي...... يوم الجمل]........
في الظهيرة خطب البرادعي في الناس.... بوصفه رمزًا مناهضًا للنظام..... وإن لم يكن محبوبًا من أكثر فئات الشعب لغيابه عن مصر و صلته الطيبة بالأميركان.......
هرب حبيب العادلي من وزارته عند العصر تحت زخات الرصاص...... قيل أنه قبض عليه...... لكن اتضح أن الرصاص كان لتأمين الهروب وأنه يجلس الآن مع عاد والفراعنة الشداد للنظر في حال البلد.........
تقطّعتْ المروحيّات سماء الميدان طيلة النهار....... وفي آخره أبرقتْ الإف ستة عشر وأردعتْ..... [فسّر البعض وجود الطائرات الأخيرة على أنه رسالة من وزير الطيران الذي أصبح رئيسًا للوزارة..... هيرمان غورنغ على العهد يا زعيم!]....... كنتُ أنا في طريق العودة إلى بيتنا....... [سأقضي اليوم التالي في اللجنة الشعبية حاملًا سيخًا من الحديد وراديو صغيرًا....... وسأبكي كثيرًا في الليل البارد وستبكي معي شادية وفايزة أحمد وأم كلثوم ومحمد قنديل............].
يتبع قريباً بإذن الله
مع أخلص أمنياتي وأطيب تحياتي
هدى قويدر
اسم المدرسة: ميدان التحرير
السنة المكتبية:1432ه - 2011م
foralquds@yahoo.com
بسم الله الرحمن الرحيم
"قل اللهُمَّ مالكَ المُلكِ تؤتي المُلكَ مَن تشاءُ وتنزعُ المُلكَ ممَّن تشاءُ وتعزُّ مَن تشاءُ وتذلُّ مَن تشاءُ بيدِكَ الخيرُ إنّكَ على كلِّ شيءٍ قدير"
(الله وحده أسقط النظام............)
عنوان الدرس: يوم الغضب – التاريخ: الثلاثاء 25/1/2011م
خمس عشرة ساعة هزّتْ مصر!
صَحَتْ مصر اليومَ على صيحةِ الحق........ خرج الشعب كلًّا واحدًا...... يسار ويمين...... مسلمون ومسيحيون.... رجال ونساء...... صغار وكبار..... لا يخافون في الحقّ لومة لائم.... ينشدون سقوط نظام الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد......
وصلتُ إلى (الميدان) بعد الغروب....... وكانت فيه بقية من رائحة القنابل المسيلة للدموع......
كان الناس كثرًا.... وكانوا يهتفون لمصر وينكرون الظلم ويغنّون نشيدها القديم الذي نثر فاتحته مصطفى كامل وقدّس به سيد درويش للبلاد (بلادي بلادي بلادي لك حبي وفؤادي)..... ويعيدون نشيد الثورة التونسية (إذا الشعب يومًا أراد الحياة....).....
كان الثوار قد تحصّلوا على خوذات ودروع أمنية..... فرقى أحدهم عمود النور وبدأ يلوّح بالخوذة ويخفق بالعلم...... وبين يديه لافتات الجماهير الغضاب (ارحل ارحل يا مبارك.... الطيارة في انتظارك)..... وتُصَدِّق السماء على حدسنا بالطائرات العديدة التي راحت تئز وتبرق...... والله وحده يعلم من تحمل..... هل كان (جمالا) أو (عزا) أو (حسنيا) أو أي لصّ من العصابة الظالمة......
كان السعد في العيون...... والأمل في الوجوه....... والظلم مبدّدًا في الهواء كسحابات الدخان....... وكيف لا؟ وصرخة القاهري تشفعها آهة السكندري..... وصياح الفلاح يعتنق صدى الصعيدي..... وأمل محمّد يغازل رجاء بولس..... كل الناس على قلب رجل واحد.....
لقد خرجتْ مئات آلاف المصريين إلى الشوارع...... فيهم خمسون ألفا إلى (ميدان التحرير) وحده...... حيث رجعة الفرعون في (متحفه المصري)..... وعيش المصري في (المجمّع)....... و(الجامعة الأمريكية) بيننا وبين قبلة الله في مكة حينما صلى الناس لله العِشاء على تراب الميدان...... فاتصل سبب التراب الميت بالتراب الحي....... وتجدّد لكل امرئ شبابُ دينه..... فالمسجد بين يدينا....... والكنيسة من خلفنا...... والكنيس على قيد أشبار منّا........ وراح الأمل يروّي منّا العصب والعظم.... فالطاغية قد سقط أو يوشك..... والظلم إلى زوال.......
سرعان ما تأسّستْ إذاعة للثورة في الحديقة تولّاها عبد الرحمن يوسف القرضاوي الشاعر السياسي وعضو حركة كفاية...... وتقدّم عبر ميكروفونها ناس كثر بشرونا بالنصر المبين...... كان أولهم الروائي الدكتور علاء الأسواني الذي قال أن وجودنا وثورتنا تردّ عنّا تهمة التونسيين لنا بالتخلف..... فثلاثمئة ألف في الشوراع ولا تحرّش ولا تخريب..... فأي خلق وأي تحضّر!....... ثم جميلة إسماعيل المذيعة..... وأخيرا نقيب المحامين الشاب الذي نيّف على الثمانين وبارك سقوط دولة الفرد.......
كان عبد الرحمن يذيع البيانات....... "لقد استولى إخوانكم في المنصورة على أمن الدولة....... وإخوانكم في المحلة على مبنى المحافظة...... وفي السويس سقط أول شهيد وثاني شهيد للثورة....... وفي الفيوم وكفر الشيخ والإسكندرية عشرات الآلاف......"....... الله أكبر! لقد ذهب الطغيان إلى غير رجعة.....
ثمّ حذّرتْ الإذاعة الناسَ انتشارَ عناصر أمنيّة في ثيّاب مدنيّة لأجل إفساد كل شيء..... كانت هناك جماعة من (البلطجية) تحمل العصيّ تنتشر......
عند انتصاف الليل تمدّدتُ جوار (مينا) و(ماريو) عند ساحة (المجمّع)....... لكنّ الأرض بدأتْ تميد والصياح يعلو....
وبعد انتصاف الليل بدقائق بدأ البلطجية يلقون (البمب) والحجارة على الأمن للتحريش...... كنّا نهتف للعسكر ونقول (يا عسكري أنا اخوك..... مش زي ما فهّموك...... يا عسكري ساكت ليه؟.... إنت بتاخد أد إيه؟....)..... هناك من كان يهتف (حضرات السادة الظباط.... روحوا جنينة الحيوانات...... والجنينة مش بعيدة...... ميكروباص بنص جنيه.....)...... وعندما اشتدت وطأة التحريش بدأنا نصرخ من جديد (سلمية...... سلمية....... سلمية)...... لكن البوليس الذي لا يرحم بدأ يرش المياه الكبريتية بكثافة....... وأغرق الميدان بعشرات القنابل المسيلة للدموع........ فامتنعت الرؤية وانقطع النفس وثارت المعدة وكادت الروح تزهق........ لولا أن قيّض الله لنا شبابا يحملون الخلّ..... فغسلتُ وجهي وزال عني وجعي إلى حين....... في العتمة كان العساكر يطلقون الخراطيش.... وسقط الكثيرون....... كان الناس ينزفون بكثرة من الجبين والوجه والرِّجْل...... ورحنا نركض من الميدان حتى النيل...... عبر شوارع جانبية مظلمة......
هل كان نفاقًا؟..... لقد ذهبتُ في آخر الناس..... فقط لأنني غير مسيّس... لقد خرجت أنكر المنكر...... خرجتُ وقد حالت خلاياي خوفًا...... وركضتُ لأنّ جسمي الأعزل أوهن من احتمال الماء والغاز والصفير والهراوات والرصاص...... لقد دسسنا رؤوسنا في المعاطف وركضنا.... وحولنا الناس يسقطون....... هناك خمسمئة الآن يسامون سوء العذاب في معتقلات السفّاح الكفّار حبيب العادلي........
غصصتُ بحسرتي وشرقتُ بدموعي......لقد ذهب كل شيء...... الحلم والخيمة والبطانية...... كل شيء ذهب....... لكن نصر الله آت لا محالة...... "ألا إن نصر الله قريب".......... إن موعدكم الصبح........ إن موعدكم الجمعة.......
التقويم
س1 صِفْ صباحك يوم الثورة؟
ج1 كان صباحًا عاديًّا........ قبل أيّام منه تلقيتُ رسالة على (فيس بوك) تقول:
"تونس خرجتْ يوم كذا........ ونحن سنخرج يوم 25 يناير...... في يوم عيد الشرطة......
سأحضر؟
لن أحضر؟
ربما؟".........
صليتُ الفجر وأخذتُ كتاب (كفاحي) أكمل قراءته..... كانت آراء هتلر مدهشة للغاية....... خصوصًا نقده للحزب الإشتراكي الديمقراطي الذي هجر الحانة البلدية إلى البرلمان المدجّن الذي لن يصلح به شيء في النهاية (الأمر الذي تكرّر في مصر مع الإخوان المسلمين الذين تخلّوا عن المنابر بشكل كبير وخاضوا الانتخابات بكل قوتهم)...... رأى هتلر أن الديمقراطية فكرة كمّيّة تعتمد على حشد أكبر عدد ممكن من الأصوات غير ذات الكفاءة والمضللة بواسطة الإعلام....... وعن صوت هذا الطوفان الأحمق من الناس يعبّر البرلمان الذي أصبح سوقًا للخطب والأشعار...... وفي النهاية ستكون الحكومة ملزمة بقرارات البرلمان الحمقاء........ وفي النهاية أيضا هي وحدها المحاسَبة على أي مصيبة تنجم عن هذه القرارات.......
س2 كيف خرجتَ إذنْ؟
ج2 كان ابن خالتي وجاري المهندس أحمد قد خرج عند الظهيرة..... قبل العصر رأيتُ ابن بنت عمي محمودًا على التليفزيون في مظاهرات المنصورة....... لم أكن عضوًا في جماعة ما....... كان رأسي محشوًّا بخلفية سيئة عن الثورات من أقصى الشرق في روسيا إلى أقصى الغرب في كوبا وأمريكا اللاتينية مرورًا بمصر التي آضتْ بثورة يوليو 1952م دولة بوليسية من الدرجة الأولى........
داعٍ ما هتف بداخلي بوصفي مسلمًا:"اخرجْ وأنكرْ المنكر........ قلْ الحق عند السلطان الجائر.........".... صليتُ المغرب وخرجتُ بروحي على راحتي......... كانت الطرق مقفلة وتحوّلت السيارة المستأجرة إلى شوراع ملتوية..... أخيرًا قبل المتحف المصري بخطوات توقفتْ السيارة...... ونزلتُ...... كان أمامي صف من الحمائم البيض..... بنات الإخوان المسلمين..... يمكن للمرء أن يتعرّفهنّ بخمرهنّ البيضاء الرائعة وتكتلهنّ في نظام........ مررتُ جوار عربة الأمن المركزي المخصصة لإيداع المعتقلين....... عربة نقل ذات صندوق..... لونها أزرق..... ولها نوافذ عالية صغيرة مزوّدة بالشبك وعليها صفائح كافية بحجب أي خيط من النور عمّن في الداخل تماما كصناديق الشحن التي نراها على الطرق السريعة وفي المواني......
تمشّيتُ قليلًا..... كان (عبد المنعم رياض) يرتدي لباسه العسكري ويلوّح بيده نحوّ (التحرير)....... تمشيتُ في شارع التحرير..... كان الهتاف عاليًا........ وكل شيء على ما يرام....... وبصراحة كان الأمر مبهرًا لأن الشرطة لم تتدخل حتى تلك اللحظة [سمعت بعد ذلك أنها تدخلت عند دار القضاء في الصباح..... ورشت المياه الكبريتية وضربت الناس بالهراوات.......]....... إلى أن انتهى كل شيء بعد منتصف الليل.......
س3 هل تنتمي إلى تيار سياسي؟
ج3 لا....... هل بإمكاني أن أقول للأسف؟........ لقد تأسفتُ كثيرًا في الأيّام التالية على كوني فردًا ولستُ ضمن جماعة...... (فالمرء قليل بنفسه كثير بإخوانه)...... كانت حركة أي فرد ضمن جماعة فكرية أو شلة من الأصدقاء أمرًا رائعًا........ على الأقل سيعرفون أنه اعتقِل أو جُرح ويتدبّرون الأمر....... لكنّ إيماني بالقضية كان قويًّا....... وكان خروجي بوصفي مسلمًا..... رفعتُ شعار مصر لأنها جزء من وطني الأكبر...... وخرجت إلى (التحرير) لأنه الخطوة الأولى نحو القدس...... وأحببتُ أهل مصر فهم رحم وجيرة إن لم يكونوا إخوة في الإيمان بالله أو القضية........ إن تسامحي تجاه إخوتي المصريين بطوائفهم المختلفة نابع من إيماني بالله الذي يحبّ البررة والمقسطين....... وانضوائي تحت العلم المصري هو فكرة تعلمتها من المستشار طارق البشري عن الأمم الضعيفة والمنصورة [سيكون المستشار طارق البشري رئيسًا للجنة تعديل الدستور بعد الثورة!]....... فالأمة الضعيفة تبحث عن الذي يفرّق...... وهذا ما حدث في أول القرن العشرين عندما انقسم المسلمون عربًا وتركًا........ وحدث في آخره مع طوائف الأمّة العربية وهي أمّة (كثرتْ فيها طوائفها وقلّ فيها الدين)....... ثم بين أبناء الطائفة العاملين أنفسهم...... فمجدّد ومحافظ...... ومعطّل وظاهري....... إخواني وسلفي...... إخواني ووسطي...... إلى آخر هذه الانشطارات النووية التي فجع بها الناس المخلصون.......... لهذا وحده قررت أن أبحث عن الذي يجمّع...... عن علم مصر الحبيب........[فرّق تسد هي اللعبة التي جرتْ في مصر باسم الطائفية وتجري في الثورة الليبية الآن باسم العشائرية....]
إن الانتماء للحزب معناه الضرب بسيفه وحمل صليبه وتحميله مسئولية أي خطإ نرتكبه.......
س4 هل هي إسلامية؟
ج4 بالطبع لا........ حقيقة تعرّفتُ بعض الإسلاميين بين الناس من الإخوان المسلمين والسلفيين...... مكبرات الصوت التي استخدمتْها الإذاعة في الليلة الأولى كانت من النوع الذي رأيتُه في مظاهرات الإخوان في الجامعة...... هو النوع اللاسلكي..... وكانوا يستخدمون كلمة (إخوانكم......) كثيرًا........
بعد مرور ساعة تأكّد لديّ أن (المظاهرة) بعيدة كل البعد عن أن تكون إسلامية........ كانت البنات السافرات اللاتي يدخنّ السجائر يملأن المكان........ ومعهن أصحابهن (الفرافير)...... (فرافير) (فيس بوك)...........
س5 أقوال أخرى؟
ج5 كلمة جميلة لأدولف هتلر عن القراءة وعملها التخنيثي في توهين الشباب وتمضية العمر في الحسابات والإغفال التامّ للحكمة اللاتينية (العقل السليم في الجسم السليم)......... كم هو بذيء أن يمضي العمر في القراءة وحدها....... فأنت لن تجني من عسكري الأمن المركزي لو تلوت عليه رواية الأم أو الآلهة عطشى......... اطمئن.... الدابة تعرف أكثر من الذي يعرفه عسكري الأمن المركزي الذي يقضي عمره في علب السردين وتحت شمس آب اللهّاب.......
أقول هذا فقط لأجل عمري الذي ضاع في القراءة........ والحق ما قال شكسبير إن صانع الأحذية ينفع الدولة أكثر من الكتبة.......
الأربعاء 26/1
الأمر لم ينتهِ إذنْ.........
الصحفيون والمحامون يتظاهرون عند نقابتيهم........ الشرطة لم ترحم أحدا..... حتى محمد عبد القدوس الصحفيّ النزيه الذي نيّف على الخمسين، سحلوه!........ [كان محمد عبد القدوس ضيفًا على نقطة الأسعاف التي أعمل بها بعد ذلك....... وكان الناس يقبلون عليه ويصافحونه ويلتقطون الصور معه...... كان بدينا وحركته بطيئة وله لحية ويرتدي بدلة رسمية دومًا وله عينان خضراوان جميلتان كعيني أبيه]......
أنا حيران......
كنت قد رأيتُ (شباب 6 أبريل) -أحد أهم الدعاة إلى الثورة- قبل ذلك اليوم مرة واحدة فقط...... كان ذلك في شارع فؤاد ........ كانوا عشرات من الشباب على رصيف دار القضاء......... يحملون أوراقًا..... وكان العساكر يطوقونهم بعيدا عن الطريق...... أما الضباط فكانوا يدخنون على السلم ويضحكون بقوة.... وكانت ثيابهم سوداء للغاية.........
يوم 6 أبريل الذي تسمّتْ الجماعة باسمه وهو يوم للإضراب لم يحظ بمشاركة الأحزاب ولا جماعة الإخوان المسلمين على اعتبار أن الجهة المتبنية للإضراب غير معلومة...... وعليه لم يتغيب أحد عن العمل خوفا من أن يحسب عليهم..........
الأمر أمسِ اختلف كثيرا........ كانت التظاهرة بمئات الآلاف........ أكبر من رصيف دار القضاء......... وأكبر من وسط البلد كله......
بيني وبين نفسي شعرتُ أن (الجزيرة) خذلتنا كثيرا........ كانت الأخبار كلها عن ثورة الشمال اللبناني ضد تولي ميقاتي الشيعي المحسوب على (حزب الله) مهام الحكومة بديلا عن سعد الحريري السنّي......... تسقطتُ خبرا من هنا وخبرا من هناك...... ربما في اليوم التالي الخميس رأيت نوارة نجم في مكتب الجزيرة تقول أن هؤلاء الناس لم يجتمعوا لأجل بعض الإصلاحات "لقد اجتمعوا لإسقاط النظام كاملًا ولن يتراجعوا...."
على (فيس بوك) كانت الشرطة السرية في التحرير تصفع الناس وتركلهم وتضربهم بالهراوات والعصي الكهربية والخناجر... كثيرون رهن الاعتقال.. [لم أخرج في الليل ولا في اليوم الذي يليه، كان (الليث يستجمع ريثما يثب)، والوثبة الجمعة]
التقويم
س انطباعك؟
ج ثورة وليست مظاهرة........
عنوان الدرس: جمعة الغضب – التاريخ: 28/1
[عيد الميلاد الثالث لمحمد ابن أختي.. لم يتسنّ لنا شراء كعكة.. لأن محلات الحلوى مغلقة.. لم يكن في إمكان (عمتو) أن تحضر إلى القاهرة لأن الطرق مقطوعة..... كان التنزّه محرّمًا أيضًا]
بنصيحة من أحمد ابن خالتي الذي اشترك مع الإخوان المسلمين في فترة من حياته تأخّر خروجي إلى يوم الجمعة....... كان الإخوان المسلمون قد تلقوا تكليفًا هذه المرة بالنزول إلى الشوراع بكل طاقتهم..... بعد أن كان وجودهم قبل ذلك وجود أفراد ضمن الطوفان الشعبي الذي غمر مصر يوم الثلاثاء.....
بعد الصلاة توجهنا في مظاهرة جلّى بدأتْ ممّا بعد شارع الوحدة (ممدوح سالم) وطافتْ أجزاء كبرى من إمبابة...... في الطريق اشترينا المياه الغازية لاستخدامها في غسيل الوجه حال إطلاق القنابل المسيلة للدموع....... ومررنا بالكنيسة وهتفنا لحياة الهلال مع الصليب....... أخيرًا وصلنا إلى شارع السودان....... هناك تلقتنا قوات الأمن المركزي بالقنابل...... شرع الشباب في تكسير حجارة الرصيف واستخدامها في رشق العساكر..... كان هذا جديدًا بالنسبة لي...... وكان مضادًّا لمفهوم المظاهرة السلمية...... لأن عددًا كبيرًا من السيارات الواقفة تضرّر... وأحبّ أن أقول أنني لم أرمِ حجرًا واحدًا في تلك الثورة..... لأنّ ثوّار التحرير لم يستخدموا الحجارة إلا في يوم مجزرة الأربعاء..... وهو اليوم الذي عدا عليهم فيه (البلطجية) بخَيلهم ورَجِلهم وسيفهم وحجرهم....... ثم سرعان ما استخدم الثوار تلك الحجارة في تشكيل كلمات ورسوم تعبّر عن مطالبهم على الإسفلت في الأيام التالية.......
في العتمة ضاع أحمد..... صمدتُ كثيرا في وجه القنبلة صمودا مسيحيا غانديا...... وقررتُ أخيرا أن أهجر المظاهرة... ومن الشوراع الصغيرة وصلتُ إلى شارع المنيرة........ وهناك أخذتُ سيارة إلى المهندسين أحد أرقى أحياء القاهرة لأشترك في المظاهرات السلمية...... كان ميدان مصطفى محمود تحت سيطرة الشرطة...... تقدمتُ نحو سفنكس...... ورقيتُ كوبري مايو مع الثائرين..... قطعتْ قوات الأمن الطريق..... أخيرا نفدتْ ذخيرتهم [كانت القنابل صناعة أمريكية منتهية الصلاحية...... وقيل أن أميركا رفضتْ إمداد مبارك بالمزيد.... وأن الصهاينة أرسلوا طائرتين محملتين بشحنات من القنابل إليه]........ وصل المتظاهرون إلى الضابط للتفاوض.... قال الضابط أنه هنا لتنفيذ الأوامر........ فجأة اكتشف الناس أن كمينًا قد أعدّ لهم..... فتفرقوا تحت الكوبري...... وبدأتْ قوات الأمن تلقي القنابل المسيلة للدموع وتتلقف حجارة الشباب لترميهم بها..... استخدم الشباب الماء لإطفاء القنابل، والبصل لمحاربة رائحتها....... قررتُ أن أكون واحدا من هذه الفئة...... ولم أستخدم الحجارة...... كان الجندي يضرب القنبلة بالأرض لترتد علينا بكل عنف..... مرّت واحدة قريبا من وجهي...... ركضتُ..... شعرتُ بالحمق وأنا أركض..... لأن الموت لن يجدي معه الركض..... فلو شاء اللهُ أصابني منذ البداية.
لم تمض دقائق حتى أعلن الراديو أن الحاكم العسكري مباركًا قد أعلن حظر التجوّل بدءً من السادسة مساء (لم يبق على السادسة في تلك اللحظة إلا ثلث ساعة...... فكيف تريدون الناس أن يعودوا إلى دُورهم يا أغبياء؟!) وحتى السابعة من صباح اليوم التالي...... ورأيت في (الجزيرة) في المقهى انتشار وحدات من الجيش.....
توجهتُ إلى شارع عرابي..... كانت حركة السير قد شحت كثيرا...... وكان الحصول على مواصلة صعبا جدا...... في النهاية رجعتُ إلى البيت بمشقة كبيرة.......
كانت الأمور عند أحمد الذي وصل إلى وسط البلد تختلف كثيرا...... بعد معارك قاسية سُفِحَتْ فيها الدماء وأزْهِقَتْ فيها الأرواح...... وحُقّ لهذه الجمعة أن تسمّى على الشهداء...... خلعتْ الشرطة لباسها الرسمي وصافحتْ الناس وأخلتْ المكان....... لينتشر الجيش ويقوم بمهامها.....
في الإسكندرية عشرون قتيلا........ المدينة تحت سيطرة الناس....... في سيناء استخدِمتْ قذيفة آر بي جي في تدمير قسم للشرطة......
كانت الأخبار تقول أن القيادة سرّحتْ الشرطة لمدّة أسبوع طاح فيه اللصوص بالنساء والبنين والذهب والفضة...... رأيتُ بنفسي سيارات ودراجات وعربات تحمل بضائع من مجمّع (أركاديا) القريب منّا....... [أنا أسكن قرب النيل من ناحية إمبابة.......]
أخيرًا ظهر مبارك على التليفزيون عند منتصف الليل..... ليعلن إقالة حكومة نظيف....... وقال أن الفوضى نتيجة طبيعية "لحرية التعبير التي سمح بها"....... كان الأمر مخيّبًا للآمال!
التقويم
س1 ثورة مساجد؟
ج1 لا...... يحبّ أخي محمد إبراهيم أن يسمّيها كذلك لأنّ الجُمُعات كانت نقاطا فاصلة في تاريخ الثورة....... لكن الحقيقة هي أن المشايخ كانوا يغفلون الأمر إن لم يذمّوه ويدعوا الشباب إلى القعود في الفتنة.......
س2 كيف تلقيتَ آراء المشايخ؟
ج2 أنا ضمن مظاهرة سلمية..... خرجتُ لإنكار المنكر والأخذ على يديه...... ولم أستخدم سلاحًا..... وفي النهاية (بلطة الجزار ذبحها قطر الندى)..... والحمد لله......
س3 لماذا يناير؟
ج3 ليس لأنّه يناير....... لكنْ لأن ثورة تونس شبّت قبل أيام.... وإن تكرّرتْ الثورات المصرية في يناير..... يناير 1952 مثلا والستة الأشهر التالية كان فاتحة لانقلاب الجيش في يوليو... وكانت انتفاضة الخبز في 17 و 18 يناير 1977 آخر هذه الثورات.......
ناقشتُ زملائي في فرضية أن الثورة كانت في الصيف حيث لا قرّ ولا مطر... لكن كان جوابهم واحدا: إن الشتاء أرحم ألف مرة من شمس الصيف.........
س4 أقوال أخرى؟
ج4 كان معنا شابّ أبدى عن صليب في معصمه وأشار إلى الشرطة وقال:
"أنا مسيحي يابا...... هؤلاء من ضربوا الكنيسة....."
وسرعان ما ردّ عليه الناس:
"ما فيش حاجة اسمها مسلم ومسيحي....... كلو واحد......."
لعبة الطائفية التي لعبها حبيب العادلي معنا على طريقة (فرق تسد) صارت مكشوفة وقذرة..... رأيتُ في السبت التالي سيّدة مسيحية ترفع لافتة مكتوبا عليها:
"نحن الآن في أمان....... كلنا أقباط"
في الآحاد أقام النصارى صلواتهم تحت حماية المسلمين السلفيين أصحاب اللحى والنقب..... وأمّن الأخيرون على دعائهم وكبّروا في آخره.......
لقد تعهّد السلفيون الكنائس في الإسكندرية والقناة بالحماية طيلة أيام الثورة...... وقال أحد القساوسة:
"الكنائس من دون شرطة لأيام طويلة....... ولم نسمع عن حادث اعتداء واحد......."
والأمر نفسه تكرّر مع المعبد اليهودي في وسط البلد الذي رأيته بنفسي...... ولم تمس فيه زجاجة واحدة........
هامش:
البلطجي: كلمة تركية تعني من يحمل البلطة.... وهو من يستخدم السلاح في العدوان على الناس وأموالهم.......
الكوبري: كلمة تركية معناها الجسر.
السبت 29/1
في الصباح تجمّع عشرة آلاف شخص في ميدان التحرير....... طمأن مدير الشئون المعنوية في الجيش الناسَ عبر التليفزيون......
في الثانية والنصف أخذتُ سيارة إلى التحرير... توقفتْ السيارة عند منتصف كوبري مايو...... وتابعتُ السير حتى (التليفزيون)..... اتصل أحمد مجود بي..... وقال: "ما أسعدك الآن!.... الثورة البلشفية رأي العين......."...... [في الليل سيتصل أحمد مجود مرة أخرى ليشتم كثيرا وينعى كثيرا..........]
كانت الأمور عند التليفزيون تشبه الأعياد....... كانت مدرعات الجيش واقفة.... والشبّان والعوائل يلتقطون الصور معها......
سرعان ما التحقتُ بمظاهرة...... وصلنا إلى ميدان عبد المنعم رياض..... هناك اعترضتْنا مدرعات الجيش........ بدأنا نهتف (الجيش والشعب إيد واحدة......) (الجيش والشعب.... إسقاط النظام)........ تفاوضنا مع الضابط الشاب الذي يحمل ثلاثة نجوم على كتفه..... كان وسيمًا وعيناه زرقاوين...... واحمرّ وجهه كثيرًا.......
ركّب الجنود خزائن الطلقات في البنادق........ فهتفنا (سلميّة... سلميّة..... سلاح لأه.....).... فخلعوها من جديد..... ولان قلب الضابط للناس..... فحملوه على الأعناق وهتف معهم....... كانت عيناه حائرتين ولسانه هادرًا.... ترى أي مصير ينتظرك أيها المسكين؟...... مخالفة الأمر في الجيش معناه المحاكمة العسكرية وربما الموت...... [في الغد ستظهر صورة الضابط في الصفحة الأولى في الجريدة......]
رشّ الناس الدبابات بأوراق الورد.... وركّبوا الأعلام فيها.... وكتبوا على جدرانها عبارات ثورية...... وبدأتْ (كفاية) تلصق شعاراتها......
تضاعف العدد كثيرًا في نهاية اليوم بالرغم من قرار مبارك بحظر التجوّل الذي تقدّم هذا اليومَ ليصبح بدءً من الرابعة عصرًا........
أذّن للعصر...... وصلى الجيش والشعب على أرض الميدان..... ودعونا الله أن ينصر سعينا وأن يأذن لشرعه أن يسود...... وبلغتْ الصفوفُ الأولى الصفوفَ الأخرى.......
كم كنتُ سعيدًا!.... كلمة سعيد هذه حمقاء ولا تفي بالغرض.... لقد خابرتُ أهلي وأصدقائي في كل مكان... "الجيش معنا....."
حمل الناس الشيخ صفوت حجازي على الأعناق...... [سيكتب الله للشيخ صفوت شأنًا كبير في تثبيت الناس (يوم الجمل)، وفي تطوير الثورة وتطويق مجلسي الشعب والشورى قبل انتهاء الثورة بأيام........]
رقى خالد الصاوي الممثّل دبابة وحمل لافتة تنادي بسقوط مبارك....... وهتف وهتف الناس......
قبل الغروب اتصلتْ بي أختي... كان صوتها باكيا...... لقد عدا البلطجية على الشارع..... لكن الله منعهم بالناس...... صار لزامًا أن أعود مع ابن خالتي وزوج خالتي اللذين لحقاني لحراسة الدار....... خطة جديدة لتشتيت (ثوّار الورد)........
عدنا إلى الدار بسرعة.... كانت القاهرة مدينة أشباح.......
ليلة الأحد 30/1
اتصل أحمد مجود بي...... وراح ينعى على الثوار الحمقى الذين أغفلوا تراثا من الجهل والفقر والمرض عمره ثلاثون عاما..... "كان يجب أن تحسبوا حسابا لكل هذه الجرائم......"...... أو بعبارة ألكسندر بوشكين "ألا وقانا الله شهود ثورة شعبية روسية، ثورة مجنونة لا ترحم أ.... إن أولئك الين يفكّرون في تهيئة ثورات بلادنا، إمّا أنّهم شبّان لا يتبصّرون بعواقب الأمور، وإمّا أنّهم أناس لا يعرفون طبيعة شعبهم، وإمّا أنّهم قساة القلوب لا يقيمون وزنًا لحياتهم ولا لحياة غيرهم من الناس"..... لكن يا مجود بك الأمر يختلف هنا عنه لدى إيميليان بوغاتشيف الذي استخدم السلاح في حرب طاحنة مع جند القيصر ونصّب نفسه قيصرًا وقتّل العباد وخرّب البلاد....... نحن أناس وقفنا نقول للظلم: لا..... فقط باللسان...... ولسنا مسئولين عن كل هذا الخراب الذي لحق مصر........ استخدم النظام معنا شعار (إذا مت ظمآنا فلا نزل القطر) [فيها لاخفيها]..... وأحرق (نيرون) القاهرة......
سقطتْ أقسام الشرطة واحدة تلو الأخرى بسلاحها في أيدي البلطجية....... احترقتْ الأقسام والنيابات ودواوين المحافظات ولجان (الحزب الوطني) ونقاط الإطفاء..... حوادث القتل والسرقة بالجملة..... عشرات الفتيات وقعن ضحية الاغتصاب في حيّ المهندسين...... اللصوص يستخدمون الميكروفونات لترويع السكان في ميدان لبنان...... اللصوص يختطفن النساء بالبنادق الآلية من مخادعهن في المعادي...... اللصوص يحتلّون المساكن في أطراف القاهرة.......
ملثّمون يهدمون السجون ويطلقون النار على المساجين لإجبارهم على الهرب...... مقتل العشرات في طريق أبي زعبل بلباس السجن...... مقتل مدير سجن الفيوم على يد مجهولين..... وهروب عشرات الآلاف من المساجين في أنحاء الجمهورية.........
كان لزامًا أن تتشكل لجان شعبية لحماية الممتلكات...... أغلق الشباب شارعنا بأحجار الرصيف الكبيرة....... كانوا يطلبون هويّات الناس ويفتشون حقائب السيارات...... مستعينين بالعصيّ والسيوف والزجاجات الحارقة في تأمين أنفسهم...... وضعنا نحن شبابَ مدينة التحرير الشارة البيضاء... ووضع شباب مدينة العمّال الشارة الحمراء....... ونجحنا في القبض على عدد من البلطجية وتقييدهم....... وتسلمهم الجيش عند الصباح....... خصص الجيش رقما لأجل ذلك هو 19614 وأرقاما أخرى..........
قضينا الليل على صوت أم كلثوم [(أغار) على صوت العرب في الثامنة مساءً (كانت صوت العرب بعيدة عمّا يجري في مصر تمام البعد.... وتبث برامجها بشكل طبيعي)..... وفي الحادية عشرة غنت (مصر التي في خاطري) ثم (رباعيات الخيام) التي تكررت في الأيام التالية بشكل دافع على العجب..... لماذا عمر الخيام في هذه الليالي بالذات؟!... خمر ومزهر ونساء في الليالي التي اختنقنا فيها بطعم الدخان وأزيز الرصاص؟!] وذكريات جارنا الخفير الشيخ..... وشربنا الشاي أكثر من مرة.....
كان أملنا في الجيش كبيرًا وسعادتنا باقترابه منا أكبر........ هو الآن في شوارع القومية والمطار........
جاءت الأخبار عبر (الجزيرة) تباعا عن القبض على رجال من الشرطة والمباحث متورطين في أعمال النهب........ [تماما كما سيتورطون مع رجال الحزب في ذبح الناس في يوم الأربعاء المقبل......]
في الليل أذاع الراديو المصري بيانا يهيب فيه بالمواطنين التزام دورهم وعدم الخروج إلى الشرفات أو الأسطح لئلا يتعرضوا للقنص....... مع ذلك بقينا...... لأجل نسائنا وأموالنا..... كانت السيارات تطلق النار على اللجان وتقتل منهم..... في شارع الوحدة أمسك الأهالي خمسة من هؤلاء السفاحين وذبحوهم........
كانت زوجتا جمال مبارك وأحمد عز قد رحلتا عن مصر....... واستقال الأخير من أمانة الحزب..... وأصبح عمر سليمان مدير المخابرات العسكرية نائبا لمبارك...... وأصبح أحمد شفيق وزير الطيران رئيسا لمجلس الوزراء...... [هتف الثوّار: "لا شفيق ولا سليمان.... كله عميل للأمريكان"..... عمر سليمان هو مهندس حرب غزّة ومتورّط في تقسيم السودان وتهافت علاقة مصر بجاراتها في النيل]
ابن جارنا سامي ضابط في الشرطة...... حكى له كيف صمد حتى النهاية...... وكيف أنّه رفض أن يتخلّى عن القسم الذي يرأسه وطلب تعزيزات وحاول تسليم السلاح إلى من هم أعلى رتبة....... وعندما عجز في النهاية حمل السلاح في سيارتين إلى إحدى الدارات (الفِلل).......
في الصباح توجهتُ إلى سريري.. وفي القلب خوف من الآتي... وفي اللسان ذكر لله الذي بنى لهذه الثورة بكلتا يديه.......
التقويم
س انطباعات؟
ج التآخي الرائع الذي شهدتُه بين ثوار الورد وشهدتُه بين الناس في شارعنا....... حقا لقد (ذهبتْ المحَن بالإحَن)..... وأصبحت القاهرة التعاقدية –بعبارة الدكتور المسيري- آية في التراحمية........ وأصبح الشبّان الفاسدون حرّاسًا للشعب.......
كان الشعب رائعًا...... حاولوا أن يصموه بالفوضوية التي لقنوه إياها في أفلام القط والفأر ومدرسة المشاغبين........ كان الشعب رائعا حتى آخر نفاية كنسها عن أرض الوطن بعد انتهاء الثورة..........
هامش:
"القوات المسلحة تناشد رجال مصر المخلصين لمواجهة الخونة والمجرمين وحماية أهلنا وعرضنا ومصرنا الغالية" رسالة قصيرة من فودافون في الواحدة والنصف صباحًا.
الأحد 30/1
"الله أكبر....... الثورة بتكبر......"
مكرَ اللهُ للشعب العظيم.... وقوّاه.... وأربى ثوارُ التحرير على مئة الألف.... مئة تعززها مئات في اللجان الشعبية وحول شاشات التليفزيون......... وتهافت حزب الشيطان جند وراء جند: الأمن المركزي برصاصه الميّت والحيّ....... والآن البلطجية [ سيجمع البلطجية كيدهم إلى ميدان التحرير يوم الأربعاء التالي...... يوم الجمل]........
في الظهيرة خطب البرادعي في الناس.... بوصفه رمزًا مناهضًا للنظام..... وإن لم يكن محبوبًا من أكثر فئات الشعب لغيابه عن مصر و صلته الطيبة بالأميركان.......
هرب حبيب العادلي من وزارته عند العصر تحت زخات الرصاص...... قيل أنه قبض عليه...... لكن اتضح أن الرصاص كان لتأمين الهروب وأنه يجلس الآن مع عاد والفراعنة الشداد للنظر في حال البلد.........
تقطّعتْ المروحيّات سماء الميدان طيلة النهار....... وفي آخره أبرقتْ الإف ستة عشر وأردعتْ..... [فسّر البعض وجود الطائرات الأخيرة على أنه رسالة من وزير الطيران الذي أصبح رئيسًا للوزارة..... هيرمان غورنغ على العهد يا زعيم!]....... كنتُ أنا في طريق العودة إلى بيتنا....... [سأقضي اليوم التالي في اللجنة الشعبية حاملًا سيخًا من الحديد وراديو صغيرًا....... وسأبكي كثيرًا في الليل البارد وستبكي معي شادية وفايزة أحمد وأم كلثوم ومحمد قنديل............].
يتبع قريباً بإذن الله
مع أخلص أمنياتي وأطيب تحياتي
هدى قويدر
الجمعة يونيو 28, 2019 8:55 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» د. ليلى عريقات نائب الرئيس ورئيسة تكريم الشهادات الفخرية والرئيسة الفخرية للمجلس
الإثنين ديسمبر 03, 2018 12:25 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» اهداء ارتجالي الى عميدة الشعر المعاصر الاستاذة د. ليلى عريقات / د. لطفي الياسيني
السبت ديسمبر 01, 2018 9:05 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» خذ ومن عمري لعمرك .. مهداة لشيخ الشعراء المجاهدين لطفي الياسيني للشاعر حسين حرفوش
السبت ديسمبر 01, 2018 2:18 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» وما غير الطبيعة من سِفر
الخميس يوليو 11, 2013 6:22 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» حمى الناس ..إهداء إلى أهالي الحولة
الخميس يوليو 11, 2013 6:13 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» قصيدة معايدة الرؤساء العرب .. للشيخ عائض القرني
الخميس يوليو 11, 2013 6:12 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» طال ابتهال المصطفى
الخميس يوليو 11, 2013 6:11 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» من وحي السيول والفيضانات التي اجتاحت بيوتنا / د. لطفي الياسيني
الأربعاء يناير 09, 2013 4:02 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني