كان يا مكان في قديم الزمان،غابة خضراء،غنية بمياهها و أعشابها، يرعى فيها قطيع كبير و متنوع من الأسود و الغزلان و الحمير و الثعالب و الأبقار و الذئاب و الماعز و... كل هذا القطيع يأكل الأعشاب و فواكه الأشجار، لم يكن وقتها لاحم و لا قارت، الكل عاشب، الكل قائد و يعرف حدوده، لا صراع و لا تناطح إلا في وقت التزاوج.
عشق الأسد المنقط لبؤة كما عشقها غيره،استمر الصراع بين هذه الذكور عدة أيام، ففاز بها الأسد الرمادي، استمتع بها عدة أيام أمام الجميع، لم يعترف الأسد المنقط بهذه النتيجة/بهذا القانون، أعد مكيدة فقتل الأسد الرمادي و تذوق طعم الدم، في هذه اللحظة قرر بمحض إرادته أن يكون لاحما و أعلن نفسه ملكا على الغابة، لكن القطعان رفضت بيعته و اعتبرته خائنا. فبدأ الصراع، حاول الأسد المنقط فرض إرادته على الجميع بالدم، أخذ يفترس حتى الصغار لنشر رعبه، لم يفلح لأن الجميع قاطعه. و بذكاء أقنع الأسود الأخرى بالتخلي عن نمط عيشها، اقتنعت بالفكرة، وجدتها مثيرة؛ افتراس العاشبين و الصعود إلى درجة أعلى في السلسلة الغذائية. شكل زمرة ملكية، و رغم ذلك لم يستطع إخضاع الغابة. حاول مرة أخرى البحث عن حلفاء آخرين، فوجد الضباع مستعدين للدخول تحت مظلته و نشر الرعب في صفوف القطيع. أخيرا استطاع فرض سيطرته على الغابة؛ تصطاد له الضباع و اللبؤات كلما جاع، يتجول في الغابة بتكبر و افتخار؛ تحيط به الضباع من كل جانب لتحفظ هيبته.
ملت الذئاب و الثعالب من كونها في قاع السلسلة الغذائية، فقادت ثورة في القطيع للإطاحة بالملك، لكنه عرف بذكائه من يحرك القطيع، قام بحوار مباشر مع الثعالب و الكلاب، فقبل انضمامها إلى الحيوانات اللاحمة، و أعطى لهم الحق في الصيد كما يشاءون.
مرت الأعوام و السنين، فزاد تعطش اللاحمين للدم و تكاثرت أعدادها، ازدادت عدد الهجمات على العاشبين فتقلصت أعدادها؛ اختار عدد منها الرحيل إلى أماكن بعيدة حيث عدد اللاحمين قليل، و قرر عدد آخر الامتناع عن التزاوج كي لا يكون أبناءها المستقبليون وليمة للثعالب و الكلاب و إيمانا منها بأن انقراض العاشبين هو انقراض حتمي للاحمين. أما جزء أخر فقرر الثورة و الدفاع عن النفس. انتشر خبر مفاده أن الغابة التونسية استطاعت خلع ملكها و نفيه و أن الغابة المصرية تحاكم ملكها كل هذا جعل القطيع المغربي يتمنى تغيير الوضع. هاجم القطيع الغاضب اللاحمين، يسب و يشتم، حاول اللاحمون نشر الرعب بمخالبها القوية و أنيابها الحادة، فتذكرت كيف استطاع القطيع المصري و التونسي تقليم أظافر و اقتلاع أنياب اللواحم المصرية و التونسية. استفادت من الدرس، فقررت الانبطاح، ازداد غضب القطيع؛ يتجول في الغابة مطأطأ الرأس، يستفز و يشتم، لكن اللاحمين ازدادوا انبطاحا، أملها كبير في مرور هذه الزوبعة الكئيبة، و الرجوع إلى الانتقام و افتراس كل من سولت له نفسه التلاعب بقانون السلسلة الغذائية.
هذه ليست زوبعة غضب فقط، هذه معركة حياة أو موت، هل هذه اللواحم استطاعت فهم المشكلة؟ المعضلة هو أن عدد اللاحمين زاد من حجمه الطبيعي. هل يمكن تصور مستقبل الغابة بانقراض العاشبين؟ انه بدون شك انقراض الغابة و العالم بصفة عامة. الحل في نظري هو الانتقال نحو البدائية الحديثة حيث انعدام السيطرة و السلسلة الغذائية و العيش بسلام كالعاشبين الأوائل. لكن في نظري أيضا لم يحن الأوان بعد و لم تتضح الفكرة ككل، و كذلك العالم أجمعه لم يستسغ بعد فكرة انقراض اللاحمين، رغم المحاولات الفكرية لبعض الرحل الجدد في تكوين قبائل جديدة للمقاومة و خاصة في باريس و سأكتب مواضيع بهذا الخصوص مستقبلا.
و الحل القابل للتطبيق حاليا هو تقليص عدد اللواحم، كيف؟ ذلك بتناطح و تصارع العائلات اللاحمة فيما بينها حتى تنتصر عائلة واحدة، وتقوم باقتلاع أنياب العائلات الأخرى و كذا أسنان فكها العلوي و ترغمها على العودة إلى صفوف القطيع العاشب. ما لا أريده فعلا هو استغلال القطيع الغاضب و توجيهه إلى عائلة أو عائلات أخرى كي يقوم بتصفيتها، أو عقد حوارات جديدة فتولد عائلة لاحمة جديدة.
ما أنا إلا عنكبوت صغير يحاول أن يلوث نقاء التراب بنسج خيوط رقيقة، ما أنا بلاحم و لا عاشب، أنا فقط نتاج نظام السلسلة الغذائية، أنا رمز الطبقة المتوسطة بتعبير القانون الجديد للغابة، أنا القارت، أتناول العشب عندما ترغمني الظروف و ألتهم اللحم عندما ترغمني كذلك الظروف. أنا المنافق الذي يحدد كفة الميزان التي ستنتصر فأنضم إليها. أنا القواد الذي يشرعن كل قانون جديد. أنا الطبال، أطبل لكل قائد قوي. أنا الخائن لكل مبدأ. أنا الوسيط بين الخير و الشر. أنا الوسيط بين اللاحم و العاشب. أنا الحافظ على استمرارية الحياة. تحالفت مع العاشبين في الاتحاد السوفيتي و قتلنا اللاحمين فصرت أنا اللاحم فخنت المبدأ. تحالفت مع العاشبين في إيران و صرت أنا اللاحم الأكبر الملتحي بالدين و الآن أريد أن أنزع عني اللحية و أنزع البرقع عن المرأة، فقد ولى زمن الكبت و الصوم، أريد الاستمتاع بالحياة. تحالفت مع اللواحم في أمريكا، فخلقنا العالم الجديد و سيطرنا على العوالم الأخرى، فأصبحت مخنوقا بالالتزامات، وصرت آلة للاستهلاك فكرهت نفسي و فقدت آدميتي. أريد أن أكون آدم و حواء، عشقت التفاحة، وكلما نلتها عشقت تفاحة أكثر حراما و امتناعا...
هكذا أنا أعيش و أموت، أنا الحرية بعينها، أنا الحشرة الصغيرة التي تلعب دور محرك التاريخ. خلقت من صراع بين العاشبين و اللاحمين فصرت صراعا، أنا الحرب بعينه، أنا الحب الحقيقي. لم تعد تهمني الرأسمالية، فبدأت أفكر فيما بعد الرأسمالية؛ البدائية الحديثة.
- كيف تتحدث بهذا الأسلوب و هذه الوقاحة، من أنت؟
- أنا الفتاة البريئة التي جعلتها عاهرة، أتذكرك عندما أتيت إلي؛ كنت خجولا، ساعدتك ، فتعرفت إلى أول أنثى في حياتك. و الآن قد كبرت فوصفتني بأبشع العبارات و نبذتني من المجتمع. أنا الفقيه الذي علمك فرائض الوضوء و علمك الصلاة وبين عشية و ضحاها جعلتني إرهابيا و حكمت علي بالإعدام.
أنا الراقصة المغنية التي ستدمر كل رأسمالك الرمزي. أنا مصمم الأزياء الذي يجعلك تفكر بطريقة جنونية؛ حتى تعشق أن ترى زوجتك تثير الآخرين، لتحس بأنك محظوظ بنيلها. أنا المتشرد المتمرد على الوضع، اخترت أن ألبس القذارة بطريقتي الخاصة، اخترت الأكل من المزابل كي تفلس شركات الماركات العالمية. أنا التناقض المنظم، سأدمر كل رأسمال رمزي و مادي أوجده نظام السلسلة الغذائية. لن أساند بعد اليوم العاشبين في ثورتهم و لا اللاحمين في استبدادهم، سأطور نظاما جديدا أنتحر فيه، لا أريد الوجود أنتم أوجدتموني بصراعكم. سأخلق فضاء جديدا تسود فيه الحرية و عدم السيطرة، تضمحل فيه كل المعتقدات و الأديان و باقي آليات الضبط.
- عجيب أمرك بدأت تتكلم و كأن الطبقة المتوسطة هي كل شيء، سيتحالف اللاحمون و العاشبون لإفنائكم. ما رأيك في هذا الحل الثالث؟
- قلت سابقا أن الطبقة المتوسطة هي نتاج حتمي لصراع بين اللاحمين و العاشبين، و وجودها ضروري لاستمرار الحياة. هل يمكن أن تتصور علاقة جنسية بين رجل مصاب بالسيدا و امرأة سالمة بدون واقي ذكري دون مرور العدوى؟ أنا الواقي الذكري يا صديقي ، و بدونه ستموت المرأة و تموت معها الحياة. لا حوار بين العاشبين و اللاحمين إلا بلغة الافتراس و الحرب.
إن قزمت الطبقة المتوسطة يشتد الصراع بين اللاحمين و العاشبين انظر ما يجري في الغابات العربية. لم تستفق اللواحم إلا بعد فوات الأوان؛ تسعى الآن إلى زيادة رواتب العناكب للحفاظ على التوازن. لن يستطيع نظام السلسلة الغذائية أن يستمر دون وجود الطبقة المتوسطة، هذه القوة الكامنة، المفعمة بالحب و المغامرة و الإثارة، التي ليس لها خطوط حمراء و تسعى دائما إلى الجديد و الكثير من الحرية. أنظر في أمريكا استطاعت اللواحم أن تمارس فعل الافتراس على العواشب عبر الواقي العنكبوتي.
- أنت فعلا إنسان مجنون لا تفرق بين الحلال و الحرام و لا بين المداد و الدم؟
- نعم أنا إنسان مجنون حسب قوانينكم، أما قانوني فهو التحدي و المغامرة و الذهاب إلى أبعد من الحدود. خلقت لهذا الغرض؛ الاستفزاز و الخدش على المستور بغية الانتقال نحو المستقبل. تصور معي جمعا من الناس داخل بيت مغلق، يتحدثون فيحسنون الحديث و فجأة شمموا رائحة نتنة، فقد أطلق أحدهم ريحا، كل واحد ينظر إلى جاره بعين الشك. ثار أحدهم يسب و يشتم من أطلق الريح فخرج مسرعا ممسكا أنفه.
- ماذا تقصد بهذا أيها الصرصور المعتوه، المفتون بعلاقته الحميمية مع ثقب المرحاض؟
- أنا من أطلقت الريح، و باعتباري أكبر المنافقين تظاهرت بالكبرياء فشتمت و غضبت، و في الأخير سأخرج من هذه القصة الخرقاء، و أترككم تشمون رائحتكم في ريحي النتنة. أنا زين الحازقين تيمنا بزين الهاربين.
- وداعا يا زين الحازقين/الحاقدين، ابتعد كثيرا عني فقد شبعت من خيالك و ترهاتك الزائفة، اسمحوا لي أن أقدم نفسي فقد ظهرت داخل القصة فجأة و دون استئذان، فأنا هو الضمير الإنساني الذي يكبح ذلك المنافق من نيل مبتغاه، سأفتح أولا النوافذ و الباب حتى تخرج رائحة الصرصور.
صحيح أن هناك مشاكل داخل كل مجتمع، لكن الإنسان الخلاق قادر على التحكم في الصراعات و إيجاد حلول منطقية، بعيدا عن لغة الدم التي سمعناها من الصرصور، بعيدا عن لغة الجنس و الأنانية. لا وجود للعاشبين و اللاحمين إلا في مخيلة ذلك المجنون، يوجد فقط الإنسان و الدور الذي خلق من أجله، لو استطاع كل واحد منا الاستماع إلى قلبه و إتباعه لوصل إلى حلمه و عاش في سعادة و أسعد المجتمع بسعادته. فالجزار الذي أرغمته العائلة على أن يصبح طبيبا مثلا، لا يمكن أن يكون سعيدا و لا يمكن أن يعمل بجد ليسعد مجتمعه، بل سيكون متمردا وينتقم لا شعوريا من المواطنين.
الحب و الحلم هما مفتاحا السعادة؛ أن تحب غيرك أكثر من نفسك هو السبيل نحو الحرية الحقيقية، أن تحب عملك أو دراستك هو الطريق نحو الحلم. إن استطعت أن تدخل الحب العميق سيوصلك إلى حب الإنسان و حب الله، و عندما تحب الله حق المحبة تقدر المسؤولية، فتستطيع أن تسامح من أخطأ و تتعايش مع من اختلف معك كما أتعايش و أعيش في كل جسم من أجسامكم مع تلك الصراصير التي سمعنا واحد منها يتحدث قبل قليل.
قريبا سننشر مقالا جديرا بالاهتمام أنا و صديقي الصرصور حول التجربة الروحية للرحل الجدد. إلى اللقاء، تحياتي إلى كل ضمير حي.
النص للأديب: أحمد لعساس
مع كل الشكر
عشق الأسد المنقط لبؤة كما عشقها غيره،استمر الصراع بين هذه الذكور عدة أيام، ففاز بها الأسد الرمادي، استمتع بها عدة أيام أمام الجميع، لم يعترف الأسد المنقط بهذه النتيجة/بهذا القانون، أعد مكيدة فقتل الأسد الرمادي و تذوق طعم الدم، في هذه اللحظة قرر بمحض إرادته أن يكون لاحما و أعلن نفسه ملكا على الغابة، لكن القطعان رفضت بيعته و اعتبرته خائنا. فبدأ الصراع، حاول الأسد المنقط فرض إرادته على الجميع بالدم، أخذ يفترس حتى الصغار لنشر رعبه، لم يفلح لأن الجميع قاطعه. و بذكاء أقنع الأسود الأخرى بالتخلي عن نمط عيشها، اقتنعت بالفكرة، وجدتها مثيرة؛ افتراس العاشبين و الصعود إلى درجة أعلى في السلسلة الغذائية. شكل زمرة ملكية، و رغم ذلك لم يستطع إخضاع الغابة. حاول مرة أخرى البحث عن حلفاء آخرين، فوجد الضباع مستعدين للدخول تحت مظلته و نشر الرعب في صفوف القطيع. أخيرا استطاع فرض سيطرته على الغابة؛ تصطاد له الضباع و اللبؤات كلما جاع، يتجول في الغابة بتكبر و افتخار؛ تحيط به الضباع من كل جانب لتحفظ هيبته.
ملت الذئاب و الثعالب من كونها في قاع السلسلة الغذائية، فقادت ثورة في القطيع للإطاحة بالملك، لكنه عرف بذكائه من يحرك القطيع، قام بحوار مباشر مع الثعالب و الكلاب، فقبل انضمامها إلى الحيوانات اللاحمة، و أعطى لهم الحق في الصيد كما يشاءون.
مرت الأعوام و السنين، فزاد تعطش اللاحمين للدم و تكاثرت أعدادها، ازدادت عدد الهجمات على العاشبين فتقلصت أعدادها؛ اختار عدد منها الرحيل إلى أماكن بعيدة حيث عدد اللاحمين قليل، و قرر عدد آخر الامتناع عن التزاوج كي لا يكون أبناءها المستقبليون وليمة للثعالب و الكلاب و إيمانا منها بأن انقراض العاشبين هو انقراض حتمي للاحمين. أما جزء أخر فقرر الثورة و الدفاع عن النفس. انتشر خبر مفاده أن الغابة التونسية استطاعت خلع ملكها و نفيه و أن الغابة المصرية تحاكم ملكها كل هذا جعل القطيع المغربي يتمنى تغيير الوضع. هاجم القطيع الغاضب اللاحمين، يسب و يشتم، حاول اللاحمون نشر الرعب بمخالبها القوية و أنيابها الحادة، فتذكرت كيف استطاع القطيع المصري و التونسي تقليم أظافر و اقتلاع أنياب اللواحم المصرية و التونسية. استفادت من الدرس، فقررت الانبطاح، ازداد غضب القطيع؛ يتجول في الغابة مطأطأ الرأس، يستفز و يشتم، لكن اللاحمين ازدادوا انبطاحا، أملها كبير في مرور هذه الزوبعة الكئيبة، و الرجوع إلى الانتقام و افتراس كل من سولت له نفسه التلاعب بقانون السلسلة الغذائية.
هذه ليست زوبعة غضب فقط، هذه معركة حياة أو موت، هل هذه اللواحم استطاعت فهم المشكلة؟ المعضلة هو أن عدد اللاحمين زاد من حجمه الطبيعي. هل يمكن تصور مستقبل الغابة بانقراض العاشبين؟ انه بدون شك انقراض الغابة و العالم بصفة عامة. الحل في نظري هو الانتقال نحو البدائية الحديثة حيث انعدام السيطرة و السلسلة الغذائية و العيش بسلام كالعاشبين الأوائل. لكن في نظري أيضا لم يحن الأوان بعد و لم تتضح الفكرة ككل، و كذلك العالم أجمعه لم يستسغ بعد فكرة انقراض اللاحمين، رغم المحاولات الفكرية لبعض الرحل الجدد في تكوين قبائل جديدة للمقاومة و خاصة في باريس و سأكتب مواضيع بهذا الخصوص مستقبلا.
و الحل القابل للتطبيق حاليا هو تقليص عدد اللواحم، كيف؟ ذلك بتناطح و تصارع العائلات اللاحمة فيما بينها حتى تنتصر عائلة واحدة، وتقوم باقتلاع أنياب العائلات الأخرى و كذا أسنان فكها العلوي و ترغمها على العودة إلى صفوف القطيع العاشب. ما لا أريده فعلا هو استغلال القطيع الغاضب و توجيهه إلى عائلة أو عائلات أخرى كي يقوم بتصفيتها، أو عقد حوارات جديدة فتولد عائلة لاحمة جديدة.
ما أنا إلا عنكبوت صغير يحاول أن يلوث نقاء التراب بنسج خيوط رقيقة، ما أنا بلاحم و لا عاشب، أنا فقط نتاج نظام السلسلة الغذائية، أنا رمز الطبقة المتوسطة بتعبير القانون الجديد للغابة، أنا القارت، أتناول العشب عندما ترغمني الظروف و ألتهم اللحم عندما ترغمني كذلك الظروف. أنا المنافق الذي يحدد كفة الميزان التي ستنتصر فأنضم إليها. أنا القواد الذي يشرعن كل قانون جديد. أنا الطبال، أطبل لكل قائد قوي. أنا الخائن لكل مبدأ. أنا الوسيط بين الخير و الشر. أنا الوسيط بين اللاحم و العاشب. أنا الحافظ على استمرارية الحياة. تحالفت مع العاشبين في الاتحاد السوفيتي و قتلنا اللاحمين فصرت أنا اللاحم فخنت المبدأ. تحالفت مع العاشبين في إيران و صرت أنا اللاحم الأكبر الملتحي بالدين و الآن أريد أن أنزع عني اللحية و أنزع البرقع عن المرأة، فقد ولى زمن الكبت و الصوم، أريد الاستمتاع بالحياة. تحالفت مع اللواحم في أمريكا، فخلقنا العالم الجديد و سيطرنا على العوالم الأخرى، فأصبحت مخنوقا بالالتزامات، وصرت آلة للاستهلاك فكرهت نفسي و فقدت آدميتي. أريد أن أكون آدم و حواء، عشقت التفاحة، وكلما نلتها عشقت تفاحة أكثر حراما و امتناعا...
هكذا أنا أعيش و أموت، أنا الحرية بعينها، أنا الحشرة الصغيرة التي تلعب دور محرك التاريخ. خلقت من صراع بين العاشبين و اللاحمين فصرت صراعا، أنا الحرب بعينه، أنا الحب الحقيقي. لم تعد تهمني الرأسمالية، فبدأت أفكر فيما بعد الرأسمالية؛ البدائية الحديثة.
- كيف تتحدث بهذا الأسلوب و هذه الوقاحة، من أنت؟
- أنا الفتاة البريئة التي جعلتها عاهرة، أتذكرك عندما أتيت إلي؛ كنت خجولا، ساعدتك ، فتعرفت إلى أول أنثى في حياتك. و الآن قد كبرت فوصفتني بأبشع العبارات و نبذتني من المجتمع. أنا الفقيه الذي علمك فرائض الوضوء و علمك الصلاة وبين عشية و ضحاها جعلتني إرهابيا و حكمت علي بالإعدام.
أنا الراقصة المغنية التي ستدمر كل رأسمالك الرمزي. أنا مصمم الأزياء الذي يجعلك تفكر بطريقة جنونية؛ حتى تعشق أن ترى زوجتك تثير الآخرين، لتحس بأنك محظوظ بنيلها. أنا المتشرد المتمرد على الوضع، اخترت أن ألبس القذارة بطريقتي الخاصة، اخترت الأكل من المزابل كي تفلس شركات الماركات العالمية. أنا التناقض المنظم، سأدمر كل رأسمال رمزي و مادي أوجده نظام السلسلة الغذائية. لن أساند بعد اليوم العاشبين في ثورتهم و لا اللاحمين في استبدادهم، سأطور نظاما جديدا أنتحر فيه، لا أريد الوجود أنتم أوجدتموني بصراعكم. سأخلق فضاء جديدا تسود فيه الحرية و عدم السيطرة، تضمحل فيه كل المعتقدات و الأديان و باقي آليات الضبط.
- عجيب أمرك بدأت تتكلم و كأن الطبقة المتوسطة هي كل شيء، سيتحالف اللاحمون و العاشبون لإفنائكم. ما رأيك في هذا الحل الثالث؟
- قلت سابقا أن الطبقة المتوسطة هي نتاج حتمي لصراع بين اللاحمين و العاشبين، و وجودها ضروري لاستمرار الحياة. هل يمكن أن تتصور علاقة جنسية بين رجل مصاب بالسيدا و امرأة سالمة بدون واقي ذكري دون مرور العدوى؟ أنا الواقي الذكري يا صديقي ، و بدونه ستموت المرأة و تموت معها الحياة. لا حوار بين العاشبين و اللاحمين إلا بلغة الافتراس و الحرب.
إن قزمت الطبقة المتوسطة يشتد الصراع بين اللاحمين و العاشبين انظر ما يجري في الغابات العربية. لم تستفق اللواحم إلا بعد فوات الأوان؛ تسعى الآن إلى زيادة رواتب العناكب للحفاظ على التوازن. لن يستطيع نظام السلسلة الغذائية أن يستمر دون وجود الطبقة المتوسطة، هذه القوة الكامنة، المفعمة بالحب و المغامرة و الإثارة، التي ليس لها خطوط حمراء و تسعى دائما إلى الجديد و الكثير من الحرية. أنظر في أمريكا استطاعت اللواحم أن تمارس فعل الافتراس على العواشب عبر الواقي العنكبوتي.
- أنت فعلا إنسان مجنون لا تفرق بين الحلال و الحرام و لا بين المداد و الدم؟
- نعم أنا إنسان مجنون حسب قوانينكم، أما قانوني فهو التحدي و المغامرة و الذهاب إلى أبعد من الحدود. خلقت لهذا الغرض؛ الاستفزاز و الخدش على المستور بغية الانتقال نحو المستقبل. تصور معي جمعا من الناس داخل بيت مغلق، يتحدثون فيحسنون الحديث و فجأة شمموا رائحة نتنة، فقد أطلق أحدهم ريحا، كل واحد ينظر إلى جاره بعين الشك. ثار أحدهم يسب و يشتم من أطلق الريح فخرج مسرعا ممسكا أنفه.
- ماذا تقصد بهذا أيها الصرصور المعتوه، المفتون بعلاقته الحميمية مع ثقب المرحاض؟
- أنا من أطلقت الريح، و باعتباري أكبر المنافقين تظاهرت بالكبرياء فشتمت و غضبت، و في الأخير سأخرج من هذه القصة الخرقاء، و أترككم تشمون رائحتكم في ريحي النتنة. أنا زين الحازقين تيمنا بزين الهاربين.
- وداعا يا زين الحازقين/الحاقدين، ابتعد كثيرا عني فقد شبعت من خيالك و ترهاتك الزائفة، اسمحوا لي أن أقدم نفسي فقد ظهرت داخل القصة فجأة و دون استئذان، فأنا هو الضمير الإنساني الذي يكبح ذلك المنافق من نيل مبتغاه، سأفتح أولا النوافذ و الباب حتى تخرج رائحة الصرصور.
صحيح أن هناك مشاكل داخل كل مجتمع، لكن الإنسان الخلاق قادر على التحكم في الصراعات و إيجاد حلول منطقية، بعيدا عن لغة الدم التي سمعناها من الصرصور، بعيدا عن لغة الجنس و الأنانية. لا وجود للعاشبين و اللاحمين إلا في مخيلة ذلك المجنون، يوجد فقط الإنسان و الدور الذي خلق من أجله، لو استطاع كل واحد منا الاستماع إلى قلبه و إتباعه لوصل إلى حلمه و عاش في سعادة و أسعد المجتمع بسعادته. فالجزار الذي أرغمته العائلة على أن يصبح طبيبا مثلا، لا يمكن أن يكون سعيدا و لا يمكن أن يعمل بجد ليسعد مجتمعه، بل سيكون متمردا وينتقم لا شعوريا من المواطنين.
الحب و الحلم هما مفتاحا السعادة؛ أن تحب غيرك أكثر من نفسك هو السبيل نحو الحرية الحقيقية، أن تحب عملك أو دراستك هو الطريق نحو الحلم. إن استطعت أن تدخل الحب العميق سيوصلك إلى حب الإنسان و حب الله، و عندما تحب الله حق المحبة تقدر المسؤولية، فتستطيع أن تسامح من أخطأ و تتعايش مع من اختلف معك كما أتعايش و أعيش في كل جسم من أجسامكم مع تلك الصراصير التي سمعنا واحد منها يتحدث قبل قليل.
قريبا سننشر مقالا جديرا بالاهتمام أنا و صديقي الصرصور حول التجربة الروحية للرحل الجدد. إلى اللقاء، تحياتي إلى كل ضمير حي.
النص للأديب: أحمد لعساس
مع كل الشكر
الجمعة يونيو 28, 2019 8:55 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» د. ليلى عريقات نائب الرئيس ورئيسة تكريم الشهادات الفخرية والرئيسة الفخرية للمجلس
الإثنين ديسمبر 03, 2018 12:25 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» اهداء ارتجالي الى عميدة الشعر المعاصر الاستاذة د. ليلى عريقات / د. لطفي الياسيني
السبت ديسمبر 01, 2018 9:05 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» خذ ومن عمري لعمرك .. مهداة لشيخ الشعراء المجاهدين لطفي الياسيني للشاعر حسين حرفوش
السبت ديسمبر 01, 2018 2:18 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» وما غير الطبيعة من سِفر
الخميس يوليو 11, 2013 6:22 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» حمى الناس ..إهداء إلى أهالي الحولة
الخميس يوليو 11, 2013 6:13 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» قصيدة معايدة الرؤساء العرب .. للشيخ عائض القرني
الخميس يوليو 11, 2013 6:12 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» طال ابتهال المصطفى
الخميس يوليو 11, 2013 6:11 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» من وحي السيول والفيضانات التي اجتاحت بيوتنا / د. لطفي الياسيني
الأربعاء يناير 09, 2013 4:02 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني