من طرف أحمد عز الدين الأحد يوليو 17, 2011 8:15 am
باب في فرق بين الحقيقة والمجاز
الحقيقة: ما أقر في الاستعمال على أصل وضعه في اللغة. والمجاز: ما كان بضد ذلك. وإنما يقع المجاز ويعدل إليه عن الحقيقة لمعان ثلاثة وهي: الاتساع والتوكيد والتشبيه. فإن عدم هذه الأوصاف كانت الحقيقة البتة.
فمن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم في الفرس: هو بحر. فالمعاني الثلاثة موجودة فيه. أما الاتساع فلأنه زاد في أسماء الفرس التي هي فرس وطرف وجواد ونحوها البحر حتى إنه إن احتيج إليه في شعر أو سجع أو اتساع استعمل استعمال بقية تلك الأسماء ولكن لا يفضى إلى ذلك إلا بقرينة تسقط الشبهة، وذلك كأن يقول الشاعر:
علوت مطا جوادك يوم يوم وقد ثمد الجياد فكان بحرا
وكأن يقول الساجع: فرسك هذا إذا سما بغرته كان فجراً وإذا جرى إلى غايته كان بحراً ونحو ذلك. ولو عَرِى الكلام من دليل يوضح الحال لم يقع عليه بحر لما فيه من التعجرف في المقال من غير إيضاح ولا بيان. ألا ترى أن لو قال رأيت بحراً وهو يريد الفرس لم يعلم بذلك غرضه فلم يجز قوله لأنه إلباس وإلغاز على الناس. وأما التشبيه فلأن جريه يجر ي في الكثرة مجرى مائه. أما التوكيد فأنه شبه العرض بالجوهر وهو أثبت في النفوس منه والشبه في العرض منتفية عنه ألا ترى أن من الناس من دفع الأعراض وليس أحد دفع الجواهر.
وكذلك قول الله سبحانه: {وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا} هذا هو مجاز. وفيه الأوصاف الثلاثة. أما السعة فلأنه كأنه زاد في أسماء الجهات والمحال اسماً هو الرحمة. وأما التشبيه فلأنه شبه الرحمة وإن لم يصح دخولها بما يجوز دخوله. فلذلك وضعها موضعه. وأما التوكيد فلأنه أخبر عن العرض بما يخبر به عن الجوهر. وهذا تعال بالغرض وتفخيم منه إذ صير إلى حيز ما يشاهد ويلمس ويعاين ألا ترى إلى قول بعضهم في الترغيب في الجميل: ولو رأيتم المعروف رجلاً لرأيتموه حسنا جميلاً وإنما يرغب فيه بأن ينبه عليه ويعظم من قدره بأن يصوره في النفوس على أشرف أحواله وأنوه صفاته. وذلك بأن يتخيل شخصاً متجسماً لا عرضاً متوهماً.
وعليه قوله:
تغلغل حب عثمة في فؤادي فباديه مع الخافي يسير
أي فباديه إلى الخافي يسير أي فباديه مضموماً إلى خافيه يسير. وذلك أنه لما وصف الحب بالتغلغل فقد اتسع به ألا ترى أنه يجوز على هذا أن تقول: شكوت إليها حبها المتغلغلا فما زادها شكواي إلا تدللا فيصف بالمتغلغل ما ليس في أصل اللغة أن يوصف بالتغلغل إنما وصف يخص الجواهر لا الأحداث ألا ترى أن المتغلغل في الشيء لا بد أن يتجاوز مكاناً إلى آخر. وذلك تفريغ مكان وشغل مكان. وهذه أوصاف تخص في الحقيقة الأعيان لا الأحداث. فهذا وجه الاتساع. وأما التشبيه فلأنه شبه ما لا ينتقل ولا يزول بما يزول وينتقل. وأما المبالغة والتوكيد فلأنه أخرجه عن ضعف إلى قوة الجوهرية.
وعليه قول الآخر:
قرعت ظنابيب الهوى يوم عالج ويوم النقا حتى قسرت الهوى قسرا
وقول ألآخر:
ذهوب بأعناق المئين عطاؤه عزوم على الأمر الذي هو فاعله
وقول الآخر:
غمر الرداء إذا تبسم ضاحكا غلقت لضحكته رقاب المال
وقوله:
ووجه كأن الشمس حلت رداءها عليه نقي اللون لم يتخدد
جعل للشمس رداء وهو جوهر لأنه أبلغ في النور الذي هو العرض.
وهذه الاستعارات كلها داخلة تحت المجاز.
فأما قولهم: ملكتُ عبداً ودخلت داراً وبنيت حماماً فحقيقي هو ونحوه لا استعارة فيه ولا مجاز في هذه المفعولات لكن في الأفعال الواصلة إليها مجاز. وسنذكره.
ولكن لو قال: بنيت لك في قلبي بيتاً أو ملكت من الجود عبداً خالصاً أو أحللتك من رأيي وثقتي دار صدرق لكان ذلك مجازاً واستعارة لما فيه من الاتساع والتوكيد والتشبيه على ما مضى.
ومن المجاز كثير من باب الشجاعة في اللغة: من الحذوف والزيادات والتقديم والتأخير: والحمل على المعنى والتحريف. ألا ترى أنك إذا قلت: بنو فلان يطؤهم الطريق ففيه من السعة إخبارك عما لا يصح وطؤه بما صح وطؤه. فتقول على هذا: أخذنا على الطريق الواطئ لبني فلان ومررنا بقوم موطوئين بالطريق و يا طريق طأ بنا بني فلان أي أدنا إليهم. وتقول: بني فلان بيته على سنن المارة رغبة في طئة الطريق بأضيافه له. أفلا ترى إلى وجه الاتساع عن هذا المجاز. ووجه التشبيه إخبارك عن الطريق بما تخبر به عن سالكيه. فشبهته بهم إذ كان هو المؤدي لهم فكأنه هم. وأما التوكيد فلأنك إذا أخبرت عنه بوطئه إياهم كان أبلغ من وطء سالكيه لهم. وذلك أن الطريق مقيم ملازم فأفعاله مقيمة معه وثابتة بثباته. وليس كذلك أهل الطريق لأنهم قد يحضرون فيه ويغيبون عنه فأفعالهم أيضاً كذلك حاضرة وقتاً وغائبة آخر. فأين هذا مما أفعاله ثابتة مستمرة. ولما كان هذا كلاماً الغرض فيه المدح والثناء اختاروا له أقوى اللفظين لأنه يفيد أقوى المعنيين.
وكذلك قوله سبحانه {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا} فيه المعاني الثلاثة. أما الاتساع فلأنه استعمل لفظ السؤال مع ما لا يصح في الحقيقة سؤاله. وهذا نحو ما مضى ألا تراك تقول: وكم من قرية مسؤولة. وتقول: القرى وتسآلك كقولك: أنت وشأنك. فهذا ونحوه اتساع. وأما التشبيه فلأنها شبهت بما يصح سؤاله لما كان بها ومؤلفاً لها. وأما التوكيد فلأنه في ظاهر اللفظ إحالة بالسؤال على من ليس من عادته الإجابة. فكأنهم تضمنوا لأبيهم عله السلام أنه إن سأل الجمادات والجبال أنبأته بصحة قولهم. وهذا تناهٍ في تصحيح الخبر.
منقول
مع كل الشكر
أحمد عز الدين
الجمعة يونيو 28, 2019 8:55 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» د. ليلى عريقات نائب الرئيس ورئيسة تكريم الشهادات الفخرية والرئيسة الفخرية للمجلس
الإثنين ديسمبر 03, 2018 12:25 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» اهداء ارتجالي الى عميدة الشعر المعاصر الاستاذة د. ليلى عريقات / د. لطفي الياسيني
السبت ديسمبر 01, 2018 9:05 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» خذ ومن عمري لعمرك .. مهداة لشيخ الشعراء المجاهدين لطفي الياسيني للشاعر حسين حرفوش
السبت ديسمبر 01, 2018 2:18 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» وما غير الطبيعة من سِفر
الخميس يوليو 11, 2013 6:22 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» حمى الناس ..إهداء إلى أهالي الحولة
الخميس يوليو 11, 2013 6:13 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» قصيدة معايدة الرؤساء العرب .. للشيخ عائض القرني
الخميس يوليو 11, 2013 6:12 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» طال ابتهال المصطفى
الخميس يوليو 11, 2013 6:11 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» من وحي السيول والفيضانات التي اجتاحت بيوتنا / د. لطفي الياسيني
الأربعاء يناير 09, 2013 4:02 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني