تحية طيبة وبعد
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركا فيه، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وتابعيه أمّا بعدُ:
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:" من قال عليّ ما لم أقلْ فليتبوّء مقعدَه من النّار"1. وقال شيخ الإسلام-رحمه الله في كتابه الإيمان ما نصّه:
"... فإنّ العربيَّ الذي يفهمُ كلام العرب يسبقُ إلى ذهنه اللّفظ ما لا يسبق إلى ذهن ذلكم النبطي الذي صابر يستعملُ الألفاظ في غير معانيها، ومن هنا غلط كثيرٌ من الناس، فإنّهم تعوّدوا ما اعتادوه، إمّا من خطاب عامّتهم، وإمّا من خطاب علمائهم باستعمال اللفظ في معنى، فإذا سمعوه في القرآن والحديث ظنّوا أنّه مستعملٌ في ذلك المعنى، فيحملون كلام الله ورسوله على لغتهم النبطية وعاداتهم الحادثة، وهذا ممّا دخل به الغلط على طوائف، بل الواجب أن يعرف اللغة والعادة والعرفَ الذي نزل به القرآن والسنة، وما كان الصحابة يفهمون من الرسول عند سماع تلك الألفاظ، فبتلك اللغة والعادة والعرفِ خاطبهم الله ورسوله لا بما حدث بعد ذلك"3.
وممّا حدث قبل زمننا هذا وقبل زمن ابن تيمية تسميةُ الجماعة من الظباء والعير وحمر والوحش والطير بـ"السِّرب"، على أنّ المعنى الأصلي للّفظة هو كما قال صاحي المقاييس:
" السينُ والرّاءُ والزّاي أصلٌ مطّردٌ وهو يدلّ على الاتّساع والذّهاب في الأرض"4، قال: قيس بن الخطيم:-كامل-
أنّى سَرَبْتِ وكنتِ غيرَ سروبِ *** وتَقَرُّبُ الأحلامِ غيرُ قريبِ5.
أي: ذهبتِ في الأرض، ومنه قول الله –تبارك وتعالى-:" ومن هو مستخفٍ بالليلِ وساربٌ بالنّهار"6، قال صاحب اللسان:" أي ظاهرٌ بالنهار في سِربِه، ويُقال في سَربه أي في طريقه، فالمعنى الظاهر في الطرقات، والمستخفي في الظلمات7، لكنّها على فهم وتأويل أخي جابر: المستخفي في الظلمات، والمجتمع الآمن في النهار، فيفسد المعنى فسادًا كاملا لأنّ المراد أنّهما عند الله سواءٌ، سواءٌ المتستّر بالليل أو الظاهر بالنهار.
وكان الأخفش يقول: أصيحَ آمنًا في سَربه بالفتح أي مذهبه ووجهه، والثقات من أهل اللغة –اسمع بارك الله فيك- قالوا: أصبح آمنّا في سِربه أي في نفسه، وفلانٌ آمنُ السَّربِ لا يُغزى مالُه ونَعَمُه لِعِزّه، وفلانٌ آمنٌ في سربه في نفسه8، وهو قول الأصمعي، وزاد صاحب المقاييس:
"فأمّا قولهم آمنٌ في سِربه فهو بالكسر قالوا معناه: آمنٌ في نفسه، وهذا صحيح ولكن في الكلام إضمار كأنّه يقول: آمنةُ نفسُه حين سَرِبَ أي سعى"9.
هذا فيم يخص لفظة "سرب"، وقد تبين أنّها ليست من المجاز ولا الاستعارة ولا التشبيه في شيء، وإنّما تُحمل على حقيقتها اللغوية التي وُضعت عليها، هكذا فهمها الصحابةُ و جلُّ سلف هذه الأمّة.
أمّا لفظة "حيزت"، فمن ذا الذي قيّدها بالممتلك المادّي، وهل أطلقتها العربُ في غير المحسوس الملموس فحسب؟؟، إن كان لك دليلٌ فإنّنا والله لا نبغي وراء هذه الكلمات إلاّ معرفة الحق، ولا نناشد إلاّهُ، وإلاّ فاسمع فقط كلام ابن فارس، قال –رحمه الله-
"الحاء والواو والزاي أصلٌ واحدٌ هو الجمع والتجمّع، يُقال لِكلّ مجمعٍ وناحية: حوْزٌ وحوزةٌ، وحمى فلانٌ الحوزةَ، أي المجمع والناحية، وجعلته المرأةُ مثلاً10 لما ينبغي أن تحميَه وتدفَعَه فقالت:-سريع-
فَظِلتُ أَحْثِي التّربَ في وجهه *** عنّي وأحمي حوزةَ الغائب11.
فالعرب تُجري مثل هذه الألفاظ على الحقيقة، وتفهمها هذا الفهم، وتتذوّقها حدّ النّخاع، فلمّا فهمت اتّفقت، ولمّا جهلنا اختلفنا، فاللهم ألف بين قلوبنا واجمعنا على كلمة سواء معتصمين بحبلك الذي نُسب إليك، والحمد لله ربّ العالمين
الخلاصة:.
( آمنًا في سربه )
1.شبه الرسول (ص ) الجماعة بالسرب بجامع طلب الأمان والتجمّع. حذف المشبه( الجماعة ) ، وصرّح بالمشبه به ( السرب ) على سبيل الاستعارة التصريحيّة.
2.( حيزت له الدنيا )
شبه الرسول ( ص ) الدنيا بشيء مادي يمكن الحصول عليه كالمال. ذكر الدنيا ( المشبه ) وكنّى بالمشبه به ، فالاستعارة مكنيّة.
مقتبس
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركا فيه، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وتابعيه أمّا بعدُ:
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:" من قال عليّ ما لم أقلْ فليتبوّء مقعدَه من النّار"1. وقال شيخ الإسلام-رحمه الله في كتابه الإيمان ما نصّه:
"... فإنّ العربيَّ الذي يفهمُ كلام العرب يسبقُ إلى ذهنه اللّفظ ما لا يسبق إلى ذهن ذلكم النبطي الذي صابر يستعملُ الألفاظ في غير معانيها، ومن هنا غلط كثيرٌ من الناس، فإنّهم تعوّدوا ما اعتادوه، إمّا من خطاب عامّتهم، وإمّا من خطاب علمائهم باستعمال اللفظ في معنى، فإذا سمعوه في القرآن والحديث ظنّوا أنّه مستعملٌ في ذلك المعنى، فيحملون كلام الله ورسوله على لغتهم النبطية وعاداتهم الحادثة، وهذا ممّا دخل به الغلط على طوائف، بل الواجب أن يعرف اللغة والعادة والعرفَ الذي نزل به القرآن والسنة، وما كان الصحابة يفهمون من الرسول عند سماع تلك الألفاظ، فبتلك اللغة والعادة والعرفِ خاطبهم الله ورسوله لا بما حدث بعد ذلك"3.
وممّا حدث قبل زمننا هذا وقبل زمن ابن تيمية تسميةُ الجماعة من الظباء والعير وحمر والوحش والطير بـ"السِّرب"، على أنّ المعنى الأصلي للّفظة هو كما قال صاحي المقاييس:
" السينُ والرّاءُ والزّاي أصلٌ مطّردٌ وهو يدلّ على الاتّساع والذّهاب في الأرض"4، قال: قيس بن الخطيم:-كامل-
أنّى سَرَبْتِ وكنتِ غيرَ سروبِ *** وتَقَرُّبُ الأحلامِ غيرُ قريبِ5.
أي: ذهبتِ في الأرض، ومنه قول الله –تبارك وتعالى-:" ومن هو مستخفٍ بالليلِ وساربٌ بالنّهار"6، قال صاحب اللسان:" أي ظاهرٌ بالنهار في سِربِه، ويُقال في سَربه أي في طريقه، فالمعنى الظاهر في الطرقات، والمستخفي في الظلمات7، لكنّها على فهم وتأويل أخي جابر: المستخفي في الظلمات، والمجتمع الآمن في النهار، فيفسد المعنى فسادًا كاملا لأنّ المراد أنّهما عند الله سواءٌ، سواءٌ المتستّر بالليل أو الظاهر بالنهار.
وكان الأخفش يقول: أصيحَ آمنًا في سَربه بالفتح أي مذهبه ووجهه، والثقات من أهل اللغة –اسمع بارك الله فيك- قالوا: أصبح آمنّا في سِربه أي في نفسه، وفلانٌ آمنُ السَّربِ لا يُغزى مالُه ونَعَمُه لِعِزّه، وفلانٌ آمنٌ في سربه في نفسه8، وهو قول الأصمعي، وزاد صاحب المقاييس:
"فأمّا قولهم آمنٌ في سِربه فهو بالكسر قالوا معناه: آمنٌ في نفسه، وهذا صحيح ولكن في الكلام إضمار كأنّه يقول: آمنةُ نفسُه حين سَرِبَ أي سعى"9.
هذا فيم يخص لفظة "سرب"، وقد تبين أنّها ليست من المجاز ولا الاستعارة ولا التشبيه في شيء، وإنّما تُحمل على حقيقتها اللغوية التي وُضعت عليها، هكذا فهمها الصحابةُ و جلُّ سلف هذه الأمّة.
أمّا لفظة "حيزت"، فمن ذا الذي قيّدها بالممتلك المادّي، وهل أطلقتها العربُ في غير المحسوس الملموس فحسب؟؟، إن كان لك دليلٌ فإنّنا والله لا نبغي وراء هذه الكلمات إلاّ معرفة الحق، ولا نناشد إلاّهُ، وإلاّ فاسمع فقط كلام ابن فارس، قال –رحمه الله-
"الحاء والواو والزاي أصلٌ واحدٌ هو الجمع والتجمّع، يُقال لِكلّ مجمعٍ وناحية: حوْزٌ وحوزةٌ، وحمى فلانٌ الحوزةَ، أي المجمع والناحية، وجعلته المرأةُ مثلاً10 لما ينبغي أن تحميَه وتدفَعَه فقالت:-سريع-
فَظِلتُ أَحْثِي التّربَ في وجهه *** عنّي وأحمي حوزةَ الغائب11.
فالعرب تُجري مثل هذه الألفاظ على الحقيقة، وتفهمها هذا الفهم، وتتذوّقها حدّ النّخاع، فلمّا فهمت اتّفقت، ولمّا جهلنا اختلفنا، فاللهم ألف بين قلوبنا واجمعنا على كلمة سواء معتصمين بحبلك الذي نُسب إليك، والحمد لله ربّ العالمين
الخلاصة:.
( آمنًا في سربه )
1.شبه الرسول (ص ) الجماعة بالسرب بجامع طلب الأمان والتجمّع. حذف المشبه( الجماعة ) ، وصرّح بالمشبه به ( السرب ) على سبيل الاستعارة التصريحيّة.
2.( حيزت له الدنيا )
شبه الرسول ( ص ) الدنيا بشيء مادي يمكن الحصول عليه كالمال. ذكر الدنيا ( المشبه ) وكنّى بالمشبه به ، فالاستعارة مكنيّة.
مقتبس
الجمعة يونيو 28, 2019 8:55 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» د. ليلى عريقات نائب الرئيس ورئيسة تكريم الشهادات الفخرية والرئيسة الفخرية للمجلس
الإثنين ديسمبر 03, 2018 12:25 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» اهداء ارتجالي الى عميدة الشعر المعاصر الاستاذة د. ليلى عريقات / د. لطفي الياسيني
السبت ديسمبر 01, 2018 9:05 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» خذ ومن عمري لعمرك .. مهداة لشيخ الشعراء المجاهدين لطفي الياسيني للشاعر حسين حرفوش
السبت ديسمبر 01, 2018 2:18 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» وما غير الطبيعة من سِفر
الخميس يوليو 11, 2013 6:22 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» حمى الناس ..إهداء إلى أهالي الحولة
الخميس يوليو 11, 2013 6:13 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» قصيدة معايدة الرؤساء العرب .. للشيخ عائض القرني
الخميس يوليو 11, 2013 6:12 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» طال ابتهال المصطفى
الخميس يوليو 11, 2013 6:11 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» من وحي السيول والفيضانات التي اجتاحت بيوتنا / د. لطفي الياسيني
الأربعاء يناير 09, 2013 4:02 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني