النظم الشعري بين الصدق والمبالغة
الشعر هو صورة خرجت من رحم الحياة، برسمه النفس وترجمته لها على شكل فيض من مشاعر وتصورات تكون تجسيداً للنفس ومسلاة للروح في كل قطب من أقطاب الحياة الاجتماعية.
وشاعرية الشاعر لا تقاس بسبك الموضوع، فالموضوع الذي يترجمه الشاعر في نظمه هو عبارة عن ما انقدح في ذهنه وما اشتعل في نفسه فأفرغه في قالب الكلام والنظم. وليس الحكم على الشاعر بالإبداع أو الرداءة يكون في جوهر الموضوع، فالموضوعات مطروحة في الشاعر يتلقفها من يتقفها، وإنما ينساق الحكم رديفاًُ للآداء وكيفية التصوير ودلالة اللفظ على المعنى وتدفق الشعور كتيار مصاحب للصور الشعرية وهي وحدها العناصر التي يحاسب عليها الشاعر.
ولو رجعنا إلى الشعر القديم من باب النقد البسيط لرأينا أن هناك الكثير الكثير من ذلك الشعر ما كان مجرداً من صدق الشعور كشعر المديح المرسل للحكام والخلفاء، فلا ينبنى الحكم هنا برداءة الشعر لانعدامه من الصدق النفسي، وإنما يكون الحكم ابتداءً بقدرة الشاعر في محاكاة الموضوع بطريقة عروضية استلهمت سامع الشاعر وقارءه، وإن خلا هذا الشعر من المشاعر الصادقة الجياشة. وهذا عيب خلقي اعتور الشعر القديم- مترع المبالغات- في مثالب جمة، فثمة انتقاد موجه لذلك الشعر القديم بتصوره المبالغ البعيد عن مجريات الواقع. وفي تراثنا الشعري القديم نجد الكثير من السقطات التي نظمها شعراء احترفوا الشعر وامتهنوه بغية التزييف والتكسب ومنها ما يحضرني الآن:
ما شئتَ لا ما شاءت الأقدار فاحكم، فأنت الواحد القهّار
ومنها:
كفى بجسمي نحول أنني رجل لولا مخاطبتي إياك لم ترني
فأين الصدق مع النفس من ذلك النظم جيد القافية رديء الحس الشعوري الصادق؟.
والشعر إذا تجرد من ثوب الصدق وابتعد عن الحقيقة في جوهر الموضوع استحال إلى مجرد رتل لوصوف مبالغة تفقده القدرة على اكتساب صفة الشاعرية لناظمه، على عكس الشعر جيد القافية والوزن مسهب الأفكار صادق المشاعر ، وعلى هذا فلنا أن تعتبر لامية الإمام ابن الوردي الوعظية التي ابتدأها بقوله (اعتزل ذكر الأغاني والغزل) وديوان الشافعي المشهور خير مثال على هذا الشعر الصادق.
ولو عدنا إلى الشعر الحديث لوجدناه ملئ كذباً ومبالغة في استدراج كلمات لا تمت للموضوع بصلة إلا اللهم كانت لضرورة الوزن العروضي، هذا إذا كان ذلك الشعر موزوناً ومقفىً، عداك عن ذلك الحشو في الكلام الذي لا يعدو عن كونه أقصوصة نثرية أو مجرد هراءات استصنعت كلفاً وتلفاً، فالشعر القديم كان له وزن قائم وبحور قواعدية تدرج عليها وأعملها الشعراء في نظمهم وإن كان بعضهم قد جانب الصواب في الشعور، إلا أننا نرى أن قدرتهم البلاغية وصورهم الرائعة قد اكتسحت فينا ما آل إلى ألبابنا من صدق الشعور أو عدمه، بينما نرى الشعر الحديث في مجمله خلا من أي وزن او ضرب عروضي وابتعد كل البعد عن الصدق باقترافه المبالغات المدموغة وخلقه عالم خيالات في نفس القارئ.
فلماذا لا نعود إلى الشعر القديم بأصالته وبراعته وما كان منه صادق الشعور ونستلهم منه ما نحن بحاجة إليه في نظمنا وفي نثرنا؟ أليس الشعر هو شعور النفس بما نظمت؟ فلماذا تجنح تلك النفس في رسم شعورها إلى عالم الخيال والمبالغات والكذب أحياناً؟ ولماذا يطيب لنا التكلف في البديع المتكلف في صناعة الكلام؟ أبتنا نسير على قاعدة (أعذب الشعر أكذبه)؟؟ أم ماذا؟؟.
الجمعة يونيو 28, 2019 8:55 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» د. ليلى عريقات نائب الرئيس ورئيسة تكريم الشهادات الفخرية والرئيسة الفخرية للمجلس
الإثنين ديسمبر 03, 2018 12:25 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» اهداء ارتجالي الى عميدة الشعر المعاصر الاستاذة د. ليلى عريقات / د. لطفي الياسيني
السبت ديسمبر 01, 2018 9:05 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» خذ ومن عمري لعمرك .. مهداة لشيخ الشعراء المجاهدين لطفي الياسيني للشاعر حسين حرفوش
السبت ديسمبر 01, 2018 2:18 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» وما غير الطبيعة من سِفر
الخميس يوليو 11, 2013 6:22 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» حمى الناس ..إهداء إلى أهالي الحولة
الخميس يوليو 11, 2013 6:13 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» قصيدة معايدة الرؤساء العرب .. للشيخ عائض القرني
الخميس يوليو 11, 2013 6:12 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» طال ابتهال المصطفى
الخميس يوليو 11, 2013 6:11 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» من وحي السيول والفيضانات التي اجتاحت بيوتنا / د. لطفي الياسيني
الأربعاء يناير 09, 2013 4:02 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني