الذي يقرأ مقالات الدكتور فاخر الياسري المنشورة في كتابه الموسوم ( في قضايا العربية ) يجد ويطمأن بأن خيول اللغة العربية ما زالت جامحة وأن فرسانها ما زالوا يمسكون عنان التوازن من تلك الأمجاد التي سطرها الأقدمون في اللغة وسهروا على سلامتها وإيصالها إلى الأجيال اللاحقة سالمة من كل الأمراض التي تشوبها والتي تعتري جسدها القويم .
فاللغة العربية شامخة عالية كعلو الجبال ، ويرجع شموخها وعلوها ورسوخها في أعماق اللغات الأخرى إلى دستورها الشامخ الذي نزل بها من الله عز وجل وصرَح بكيانها ومسارها وهو القرآن الكريم وكذلك التراث العربي القديم الذي ما زال منتصباً وعاليَاً كالجبال التي وضعها الله سبحانه على هذه الأرض كي لا تميد بأهلها ، ويرجع الفضل لاولائك الأقدمون الذين سهروا على سلامة اللغة العربية من الأمراض التي تشوبها وهم كثر تضيق الأوراق عن ذكر أسمائهم والذين أخذوها عن سنة نبي الرحمة محمد ( ص ) وعن أهل بيته الكرام وختموها بطابع المجد والخلود أمثال أبي الأسود الدؤلي وغيره ممن عاصروا أهل بيت النبوة عليهم السلام وكتبوا عنهم .
فما زالت اللغة العربية لغة القرآن ودستور الحياة وسنة رسول الله (ص) وأحاديثه الشريفة وأهل بيته عليهم السلام ، فالسهر على سلامتها وتقويم أصولها الصحيحة يعد من الجهاد الواجب ، حيث أرجعها بعض الأقدمين مثل ( الثعالبي) على أن حب اللغة كحب الله سبحانه وتعالى وحب رسوله الكريم ، وأرجع حب الرسول (ص) إلى حب العرب ، وحبهم يعني حب اللغة العربية التي يتحدثون بها ويكتبون أمجادهم ويسطرون ملاحم حروبهم بها ، فهي إذن ديوان العرب وتأريخهم حيث يسخر بتلك الأمجاد والصفائح النيَرة من الأدب والشعر والفلسفة والتأريخ وغيرها من باقي العلوم الأخرى .
فالخوض في مسار اللغة والغوص في أعماقها وتجليَتها من الأمور الصعبة جداً لما لها من دقائق وأبعاد صعبة ومهمة يجب إتباعها والسهر على سلامتها من اللحن والأمت الذي يشوبها من بعض المتطفلين عليها والمتقولين الذين لا يلتزمون بما فيها من قوانين صريحة وواجب إتباعها عند الكلام والكتابة وإلاَ تكون خطأً .
وما جهد الأستاذ الدكتور الياسري لهذه المقالات التي كتبها في كتابه إلاَ انتصار رائع وتنبيه لاولائك الذين ينحتون بالصخور الصلبة ، فالأمانة الثقافية التي يتمتع بها الياسري جعلته يكتب وينتصر إلى لغته العربية لغة القرآن الكريم ومنهج الحياة القويم ، كي ينبه ويسهل ما أستصعب على البعض من أمور اللغة !!
وهذا يرجع إلى ثقل الأمانة الثقافية التي ينوء بها الياسري تجاه الآخرين الذين يراهم ويسمعهم يلحنون بها !!
فهي كما يقول (( سياحة في بستان العربية الرحب الفصيح )) ص 4.
وهذا واضح تماماً في ما آل إليه الدكتور في سياحته هذه لأنه يريد أن يوصل المنابع الأساسية الصافية إلى أنظار القراء والدارسين لهذه اللغة العريقة والتي أرست جذورها في أعماق الأرض منذ أقدم العصور حتَى أصبحت سلاحا رهيباً يخاف منه الأعداء في بقاع الأرض كافة ، لأنها تقترن بكتاب الله تعالى كما أشار إ لى ذلك المستشرق الألماني (بيكر) قائلاً : ( لا سبيل للوصول إلى الشرق ما دام هذا القرآن موجوداً ) ص7 .
فالياسري أراد أن يقدم الفكر اللغوي السليم لجمهور المتكلمين بالعربية ، لذا نراه يحلل ويصحح المسار لاستعمال بعض المصطلحات والكلمات حسب مواقعها من الجمل ، فعلى سبيل المثال لا الحصر وضح استخدام كلمة ( كافة) الخاطئ عند بعض المتكلمين حيث استخدموها في غير حالتها الصحيحة وهي كما ذكرها الرضي وأبو حيَان النحويان المعروفان على أنها من الأسماء التي تلزم الحالية ولا تضاف ، وقد أجاز ما جاء به النحويان أعلاه الفيروز آبادي والزبيدي والحريري على عدم تجويز استعمال ( كافة) خارجة عن جهة النصب .
في حين نرى ونسمع استخدامها في مواقع كثيرة غير هذا كأن تكون في حالة الجر وغيرها ، وقد أستشهد الياسري بكثير من الأمثلة على استخدام اللغة الخاطئ عند كثير من المتكلمين والدارسين والعاملين على شبكات التلفزة والإعلام وغيرها ، وصحح المسار لكثير من المصطلحات التي يضيق بها هذا الموضوع البسيط !!
فنراه ينتصر وبقوة معلناً أسفه الشديد على لغة القرآن وسجل الماضي والحاضر ووعاء الثقافة في الأرض العربية ، وهو يرى ويسمع أبناء هذه الأمة وهي تستعمل مفردات هذه اللغة العظيمة ، لغة الله عز وجل في محكم كتابه المنزَلْ على رسوله الكريم محمد (ص) بألفاظ غير صحيحة يشوبها التشويه والتحريف ، فيقول : ( وإني لأعجب كل العجب حين أستمع إلى نقاش أو حوار بين المثقفين بل قل المتخصصين في اللغة العربية ، أو حينما أتابع حديثاً أو محاضرة لأحدهم إذ ْ أجد اللهجة العامية هي السائدة في ذلك الحوار أو المحاضرة ) ص 27.
فهو يرى ويتمنى علينا أن نحيي هذه اللغة ونتكلم بها بأصولها الصحيحة القائمة على أسسها النحوية الصحيحة ، وفي أبسط الأمور بين جمهور المثقفين والمسئولين على أبسط تقدير !!
ويذهب الياسري بعيداً مشيراً إلى القواعد التي يجب أن تستخدم عند المتكلمين والدارسين والمثقفين حتَى عند موظفي الدوائر الرسمية وأصحاب الأعمال الكتابية الأخرى !
وعليه أرى علينا كعرب ومهتمين باللغة ، ولأنها لغتنا ويجب المحافظة عليها من اللحن والزلل والخطأ ، ليس لدينا أحسن وأعظم من مدرسة الاهتمام باللغة العربية وتبيان مقوماتها وحركاتها وإرساء مفرداتها على النحو الصحيح السليم من كل الشوائب والأمراض التي تعتريها نتيجة الاستخدام الخاطئ !
وما مقالات الياسري في مؤلفه المتواضع الذي أهتم بالشأن اللغوي إلاَ دليل حرصه على سلامة اللغة العربية التي هي مدرسة لا بد من التوجه أليها والتنزه في حدائقها الغنَاء ، وأرى أن لا أسلب من قارئ هذه المقالات فرصة التمتع بها والاستفادة منها ، حيث أوجه أنظار القراء والدارسين إلى اقتنائها ودراستها دراسة مستفيضة للوقوف على أهميتها وقطف زهورها والتفكه بما تحتويه من معان مهمة ومفيدة وخاصة للمشتغلين عليها والمهتمين والدارسين والله ولي التوفيق.
الجمعة يونيو 28, 2019 8:55 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» د. ليلى عريقات نائب الرئيس ورئيسة تكريم الشهادات الفخرية والرئيسة الفخرية للمجلس
الإثنين ديسمبر 03, 2018 12:25 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» اهداء ارتجالي الى عميدة الشعر المعاصر الاستاذة د. ليلى عريقات / د. لطفي الياسيني
السبت ديسمبر 01, 2018 9:05 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» خذ ومن عمري لعمرك .. مهداة لشيخ الشعراء المجاهدين لطفي الياسيني للشاعر حسين حرفوش
السبت ديسمبر 01, 2018 2:18 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» وما غير الطبيعة من سِفر
الخميس يوليو 11, 2013 6:22 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» حمى الناس ..إهداء إلى أهالي الحولة
الخميس يوليو 11, 2013 6:13 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» قصيدة معايدة الرؤساء العرب .. للشيخ عائض القرني
الخميس يوليو 11, 2013 6:12 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» طال ابتهال المصطفى
الخميس يوليو 11, 2013 6:11 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» من وحي السيول والفيضانات التي اجتاحت بيوتنا / د. لطفي الياسيني
الأربعاء يناير 09, 2013 4:02 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني