جوانب من تاريخ أضرحة مدينة أكادير
أخذ تكريم الأضرحة أبعادا متناهية في الأوساط الشعبية، وكلما تقدمت حركة التصوف والزوايا، أصبحت الأضرحة التي تضم رفات مؤسسيها مقصد للزوار.
ومن هذا المنطلق فقد ارتبطت الأضرحة ارتباطا مباشرا، بالمعتقدات الراسخة في أذهان ساكنة أكادير على الخصوص والمجتمع المغربي بصفة عامة، الذي يعتبر الضريح مجالا للتبرك ودفع الضرر، ومتنفسا يهون عليه واقع الآفات الاجتماعية كالمرض والعقم والبطالة والعنوسة… ولتلك الأسباب يبقى تواجد الأضرحة ساريا حتى وإن لقي معارضة من علماء الدين. ومدينة أكادير وحدها تتوفر على أكثر من 90 ضريحا، لا يزال السكان إلى اليوم يترددون على أغلبها، مما يدل على أنه رغم انتشار العلم والتكنولوجيا وغيرها من الأشياء التي تنعكس على الأمم وتصوراتها، إلا أن ذلك لم يسلب للأولياء مكانتهم المرموقة في نفوس الناس، فالضريح كان وما يزال مقصدا لكل فئات المجتمع الميسورة منها أو المحرومة المتعلمة والأمية.
ويتجلى تكريم الأضرحة من خلال المواسم السنوية التي تقام احتفالا بذكرى شخصية من الأولياء، وفي هذه المواسم يتم ذبح الذبيحة وغالبا ما تكون عجلا ويتم تحضير المعروف وتوزيعه على الزائرين والمساكين، ويقوم الفقهاء بتلاوة القرآن الكريم والدعاء للمتبرعين. وعند الظهيرة تأتي النساء والأطفال لحضور الاحتفال وهم يرتدون الألبسة التقليدية، وهي غير موحدة لكن هناك بعض أصناف اللباس التي لم تتغير إلى اليوم كالقفطان والفرجة والمضمة والبرنس والسلهام.
وأهم مظهر من مظاهر هذا الاحتفال هي ما يسمى "بالتبوريدة"، وهي إطلاق الرصاص جماعيا بينما يركب الرجال على خيولهم وهي تركض ركضا.
وتساهم هذه التظاهرة الشعبية في وفود القبائل المجاورة للولي المحتفل به، وكذا سكان بعض المدن، كما تساهم هذه المواسم في تنشيط الحركة الاقتصادية،حيث يزداد الرواج التجاري في هذه المناسبات.
ونظرا للمكانة التي تحتلها الأضرحة في نفوس الساكنة سنركز على الحديث عن المعتقدات الخاصة بها والتي لأجلها لا تزال النساء يترددن عليها.وأهم الأضرحة التي سنتناولها: ضريح سيدي بوالقنادل وضريح سيدي بوجمعة أكناو.
ضريح سيدي بوالقنادل:
يقع بجبل أكادير أوفلا وبالضبط في فونتي القديمة، ويعتبر هذا الضريح من أهم الأضرحة بأكادير و لا يزال إلى اليوم يلقى إقبالا كبيرا من قبل الزوار الذين يعتقدون أن الولي مدفون بالضريح وأن بركته تحيط بالمكان. لذلك نجد أن الزوار يترددون على هذا الضريح لأسباب عدة كالزواج، والشفاء من بعض الأمراض، كالعقم والمس… إلى غير ذلك من المعتقدات التي تسيطر على عقلية ساكنة مدينة أكادير.
وأهم الطقوس التي يقوم بها الزائر عند زيارته للضريح: إشعال الشموع ورش ماء الزهر على غرفة الولي، وهناك من يضع الماء في الصندوق ويقبل الأركان الأربعة للضريح ويطوف حوله ثلاث مرات.
ومن الاعتقادات السائدة حول ضريح سيدي بوالقنادل، أن الفتيات الراغبات في الزواج يقمن بإحضار قفل جديد، ويقفلنه في الشباك المحيط بالضريح ويحتفظن بالمفتاح، وبعد أن يتم زواج إحداهن تعود لفتح القفل وتقدم صدقة للضريح وتترحم على الولي.
وهذه الصدقة تكون من خلال مأدبة من الكسكس تعرف بكلمة "المعروف". وهذه الأخيرة في الثقافة الشعبية ذات بعد ديني تقوم عمليا بالوفاء بالنذر، ويقال أنه إذا ضاع المفتاح فليس هناك زواج.
كما تقوم الفتيات والنساء بنقش أيديهن بالحناء، وهي من الفنون التقليدية الشعبية التي تمتاز بعراقتها بين التقليد والتجديد؛ ففي كل الأضرحة نجد "نقاشات الحناء" يتربعن أمام عتبات الضريح، وتتوافد عليهن الزائرات لنقش أيديهن وأرجلهن بالحناء، وذلك لتحقيق رغبات ذاتية كالإثارة ولفت الأنظار برسومات الحناء ولونها.
وتقوم النساء أيضا بحلق الشعر الأول لمولدهن في الضريح، اعتقادا منهن أن بركة الولي ستدفع الأذى عن أطفالهن. ويقال أيضا آن من نام في الضريح فسيرى رؤية تجسد ما سيحدث في المستقبل.
وإلى جانب هذه المعتقدات نجد للشعوذة نصيبا، حيث هناك "عرافات" يتخذن من الضريح مكانا مناسبا لاستقطاب الناس، هذه الفئة التي لا تزال متمسكة بهذه المعتقدات، فهناك من تقرأ الورق لرؤية المستقبل، وهناك نوع غريب من الشعوذة وهي ما يعرف بـ "ألْدُونَ"، وهي مادة يستعملها الصيادون عند الصيد تتخذ شكل بيضاوي صلب ويوجد شرخ في وسطه أو على شكل صفائح الألومينيوم، فهذه المادة تأخذها العرافات وتذبنها فوق رؤوس النساء، فإن أحدتث صوتا يشبه المفرقعات، فهذا يدل على أن المرأة التي أذيب "الألدون" فوق رأسها مسحورة، لهذا يتم تكرار هذه العملية حتى تحدث تلك المادة صوتا خفيفا يشبه وضع أداة ساخنة جدا في الماء، و يعتبر ذلك دليلا على زوال السحر.
ويعتبر الزوار أن ماء الضريح مبارك، لذلك نجد أن الفتيات يغتسلن بمائه لإبعاد "التابعة".
وما يلاحظ اليوم أن ضريح سيدي "بوالقنادل" لم يعد ذلك الضريح الذي كان يتوافد عليه الزوار للتبرك ببركة الولي، بل أصبح اليوم مكانا للشعوذة، الشيء الذي يسيء إلى طهارة المكان. ومع ذلك يظل من بين أهم الأضرحة بمدينة أكادير.
- ضريح سيدي بوجمعة أﯖناو:
يوجد ضريح سيدي بوجمعة أكناو بقصبة أكادير أوفلا. ويتكون من ثلاث غرف؛ واحدة خاصة بالولي، وأخرى بتخزين السلع والهدايا التي تقدم للضريح، و الثالثة خاصة بمقدم الضريح.
يقام موسم الضريح في 15 شعبان من كل سنة. وقبل حلوله ببضعة أيام يقوم كناوة "اسمكان" بشراء الذبيحة، وهي عبارة عن بقرة يطوفون بها القرى المجاورة كإعلان عن اقتراب حلول الموسم، مع جمع التبرعات من الأهالي. وتكون عملية الذبح في مكان يسمى للا ميمونة.
كما كان يوم السبت اليوم الأسبوعي لسيدي بوجمعة اكناو؛ بحيث يجتمع فيه "اسمكان" لإحياء ليلة كناوة، والقيام ببعض الطقوس الخاصة بهذه الليلة كإشعال الشموع، والدوران حول الضريح مشكلين بذلك دائرة يرددون خلالها الأغاني والأهازيج الكناوية. وتسمى هده الطقوس بـ"الحضرة".
و يعرف الضريح إقبالا كبير من طرف النساء اللواتي يعانين من العقم، بحيث تقدم المرأة أغطية للولي وتغتسل بماء الصهريج. واذا تحققت أمنيتها في الإنجاب فلا بد لها أن تحمل طفلها إلى الضريح لحلق رأسه من قبل المقدم، و جعل ثقب في حلمة أذنه، اعتقادا من اﻷم بان ذلك سيجلب الرزق لطفلها ويحميه من الأمراض. كما يجب على الأم ان تقدم ذبيحة سنوية للضريح.
وتقصده أيضا النساء اللواتي يعانين من الإجهاض المتكرر، بسبب "أم الصبيان"، نظرا لوجود امرأة مسنة متخصصة في علاج هذه الحالات كل يوم سبت وأحد؛ حيث تقوم بلف خيط حول بطن المرأة المريضة منذ بداية حملها. ويبقى ذلك الخيط حتى تنجب ويكون لزاما عليها إحضار الذبيحة. كما تعالج فيه الأمراض النفسية والعصبية، عن طريق إقامة المريض لمدة 3 أيام أو أكثر بالضريح حسب نوع المرض. وعلامة شفائه هو حلمه بالولي يقف عليه في منامه ليبشره بشفائه ويعين له نوع الذبيحة التي سيحضرها. وفي حالة ما اذا تعذر على الولي علاج المريض فإنه يوجهه إلى ولي أخر يؤمن بقدراته.
والله الموفق
حنان جاسم
الجمعة يونيو 28, 2019 8:55 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» د. ليلى عريقات نائب الرئيس ورئيسة تكريم الشهادات الفخرية والرئيسة الفخرية للمجلس
الإثنين ديسمبر 03, 2018 12:25 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» اهداء ارتجالي الى عميدة الشعر المعاصر الاستاذة د. ليلى عريقات / د. لطفي الياسيني
السبت ديسمبر 01, 2018 9:05 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» خذ ومن عمري لعمرك .. مهداة لشيخ الشعراء المجاهدين لطفي الياسيني للشاعر حسين حرفوش
السبت ديسمبر 01, 2018 2:18 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» وما غير الطبيعة من سِفر
الخميس يوليو 11, 2013 6:22 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» حمى الناس ..إهداء إلى أهالي الحولة
الخميس يوليو 11, 2013 6:13 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» قصيدة معايدة الرؤساء العرب .. للشيخ عائض القرني
الخميس يوليو 11, 2013 6:12 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» طال ابتهال المصطفى
الخميس يوليو 11, 2013 6:11 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» من وحي السيول والفيضانات التي اجتاحت بيوتنا / د. لطفي الياسيني
الأربعاء يناير 09, 2013 4:02 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني