إنهم يموتون جوعاً ولكنهم يصنعون المستقبل!
أ.د. سليمان صالح
عن الشرق القطرية
قلبي مثقل بالحزن مثل كل العرب.. وكيف لي أن أهرب من أحزاني، وأنا احيا على أرض العرب وأحمل همهم وأعيش مأساتهم.. لكنني رغم كل هذا الحزن قررت ان اشحذ البصيرة، وابحث في الظلمات عن خيوط الفجر واحتواء الأمل، قررت ان ابحث في التاريخ والجغرافيا والواقع عن فسحة امل.. اعرف ان ايامنا اصبحت كئيبة ليس بها سوى أخبار المذابح والكوارث والمجاعات والإهانات، واعرف ان الناس في بلادي لم تعد تصدق ان الليل يمكن ان يتجلى.. وقد يظن بي الناس اني لا اعيش واقعهم ولا اكتوي مثلهم بنار الظلم، واني اتجاهل المأساة، وأهرب لاتحدث عن امل اصبح وهماً.
لكنني والله رجل من قومي العرب.. انتمي اليهم اصلا ونسبا ولسانا وتاريخا وذوقا وفهما وعلما، لذلك أحزن على كل قطرة دم تسفح من جسد عربي، واشعر بالألم كلما عرفت أن رجلا أو امرأة من قومي يتعرض للظلم والقهر والجوع.
ربما يكون ما احمله من هم أكبر من كل ما تتخيلوّه، وربما يكون وجع القلب أثقل من ان يطاق.. رغم كل هذا تذكرت الشاعر الفلسطيني توفيق زياد.. تخيلته وهو يصرخ اننا للمرة الألف نقول: لا وحق الضوء من هذا التراب الحر لن نفقد ذرة.. اننا لن ننحني للنار والفولاذ يوما قيد شعرة.
هذا هو الدليل
من جرحنا العميق تولد الانتفاضة والنهضة، وألم الجرح سوف يجعلنا نستيقظ ونقاوم، ولا تسقط راية امة وهي مازالت تقاوم.
رغم كل الحزن والهم والغم تعالوا نبحث عن أشعة الفجر وأضواء الأمل ونحلم بمستقبل أفضل لأطفالنا ونغني للحرية.. القيد ثقيل لكن إرادة الشعوب ستحطمه، والباطل منتفش ولكنه يوما سيسقط، والاستبداد يصول ويجول على أرض وطننا، لكنه قريبا سينهار بكل اجهزة امنه.
وأول اضواء الأمل اننا مازلنا أمة نقاوم ومازالت قادرة على تقديم الشهداء الذين بلغ عددهم في يوم الاربعاء الذي اكتب فيه مقالي 20 شهيداً.
إننا أمة الشهداء مازلنا نستطيع أن نفدي إسلامنا ووطننا وأرضنا بأرواحنا، وندافع عن اعراضنا ومقدساتنا وزيوتنا وحريتنا فلتسقط الطائرات الاسرائيلية صواريخها.. فسوف نشيع شهداءنا ونقاوم، وليحكم الطغاة حصارهم فرغم الجوع مازال شعبنا في غزة يحلم بالحرية والتحرير ويرابط على أرضه يتحدى الطغاة بآلامه وصبره وجوعه.. اهل غزة يموتون جوعاً.. لكنهم يقاومون ويصنعون المستقبل وينسجون خيوط فجر الحرية.
هل تريدون دليلاً؟ حسناً.. في هذا اليوم نصب أبطال الأمة كمينا لقوات الاحتلال الإسرائيلي التي كانت تتقدم صوب غزة.
حماس تقول: إن أبطالها تمكنوا من ابادة القوة الاسرائيلية.. وانا والله اصدق، ولكن دعنا نقتصر على ما اعترف به العدو الذي قال: إن عدد قتلاه قد بلغ ثلاثة، وان عدد جرحاه قد بلغ ستة.
لقد قام الفدائيون من كتائب عز الدين القسام وعددهم ثمانية بعملية بطولية وابداعية بكل المقاييس حيث استطاعوا ان يخططوا كأفضل الجنرالات العسكريين، وان ينفذوا العملية بفدائية ومهارات قتالية تتجلى فيها أعلى درجات الجندية.
شعرت بالفخر بهؤلاء الأبطال وهم ينتصرون على لواء جفعاتي الذي تصفه إسرائيل بأنه جيش النخبة، والخطة التي نفذها المقاتلون الفلسطينيون الأبطال تقوم على تشكيل كمين مكون من خطين قتاليين احدهما متقدم والآخر متأخر.. ثم تركوا العدو يتقدم ليقع بين فكي الكماشة، ثم ظهرت بطولتهم في القتال المباشر مع القوة الاسرائيلية باسلحتهم الرشاشة، هذه العملية تؤكد انه عندما تتاح الفرصة لشباب العرب ليقاتلوا العدو فانه سوف تتجلى في ميادين القتال كل ما يختزنه العربي المسلم في نفسه من فروسية وشجاعة وبطولة وإقدام، وانه عندما يسقط الاستبداد العربي، سوف ترى إسرائيل وأمريكا أدلة واضحة على اننا أمة مازالت قادرة على أن تقاتل وتنتصر وتبني الحضارة وتعمر الارض وتصنع التقدم، وان الغزاة سيضطرون الى الرحيل مهزومين.
لن نخاف بعد اليوم
ولأننا قد جربنا كل ما يمكن ان يتخيله الانسان من ألم ومرارة وحزن وتعاسة وقهر وتعذيب وجوع، فإنه لم يعد هناك ما يخيف!
تخيلت الأبطال الذين نفذوا تلك العملية الفدائية الرائعة.. ربما كانوا يربطون على بطونهم حجرا مثل اصحاب رسول الله في غزوة الخندق.. ما اقسى الجوع، وما اشد مرارته، ولكنه على أية حال تجربة عاشها اهل غزة، وهناك الملايين في الوطن العربي يعيشون تلك التجربة، الجوع كافر كما يقول البسطاء في بلادي، وهم يعنون بذلك انه شديد القسوة والايذاء للبدن والنفس.. ولكن رغم كل هذا الجوع مازال شباب فلسطين قادرين على ان يقدموا لكل المستضعفين على وجه الارض نموذجا واقعيا وحضاريا للكفاح من اجل الحرية، رغم كل هذا الجوع مازال شباب فلسطين يحلمون ويقاتلون ويتحدون الطغاة ويصنعون المستقبل، وكل الجائعين المظلومين على وجه الارض سوف يقلدون يوما شباب فلسطين، وسيبدعون اساليب جديدة للكفاح، وسيبدعون في تحدي الطغاة حتى يسقط الاستبداد ويرحل الاستعمار.
الطغاة ضغطوا على الشعوب حتى جربت الشعوب ألم الجوع، ولم يعد هناك ما يمكن ان تخاف منه.. فالموت شهادة ودفاعا عن الوطن اشرف من الموت جوعا وقهرا وبؤسا وحزنا.
الطغاة اجبروا شعوبهم على الاختيار بين الموت جوعاً، وبين الدفاع عن الوطن وعن حق الحياة، وعن الحرية.. وكم هي جميلة تلك الحرية.. ويزداد جمالها عندما نتمتع بها على أرض الوطن، وعندما نأكل من ارضه قمحا وزيتونا وتمرا.
وسوف ننتزع الحرية
لكن الحرية لا تمنح بل تنتزعها الشعوب بكفاحها وبدماء شهدائها، وحرية الوطن تستحق التضحية من أجلها لان الانسان لا يعيش سيدا إلا على أرض وطن حر، ولاننا نريد ان نعيش سادة على أرض وطننا، فإننا لابد ان نكافح لتحرير وطننا من الاستعمار والاستبداد والفساد، لذلك يجب ان نتعلم كيف نبدع في التخطيط والتنفيذ، كما ابدع شباب فلسطين في مواجهة العدو.. وهؤلاء الأبطال الذين قاموا بتلك العملية يقدمون الامل للامة ويثبتون لها انها قادرة على تحرير الوطن ليعود الانسان حرا وسيدا، يعود له حقه في لقمة خبز شريفة، وفرصة للتعليم والعمل والمسكن.. وحقه في ان يتزوج وينجب ويحلم.
يقول عبدالوهاب البياتي: انا لن اموت مادام في مصباح ليل اللاجئين زيت ونار عبر مقبرة الحدود، حيث الخيام الباليات كأنها في الريح لافتة تشير إلى طريق العودة الدامي القريب.
شكراً لأبطال فلسطين فقد اعطونا الامل في النصر والحرية والتقدم.
مقال رائع : وأحببت أن أطلعكم عليه
تحياتي
هاني السيد
الجمعة يونيو 28, 2019 8:55 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» د. ليلى عريقات نائب الرئيس ورئيسة تكريم الشهادات الفخرية والرئيسة الفخرية للمجلس
الإثنين ديسمبر 03, 2018 12:25 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» اهداء ارتجالي الى عميدة الشعر المعاصر الاستاذة د. ليلى عريقات / د. لطفي الياسيني
السبت ديسمبر 01, 2018 9:05 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» خذ ومن عمري لعمرك .. مهداة لشيخ الشعراء المجاهدين لطفي الياسيني للشاعر حسين حرفوش
السبت ديسمبر 01, 2018 2:18 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» وما غير الطبيعة من سِفر
الخميس يوليو 11, 2013 6:22 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» حمى الناس ..إهداء إلى أهالي الحولة
الخميس يوليو 11, 2013 6:13 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» قصيدة معايدة الرؤساء العرب .. للشيخ عائض القرني
الخميس يوليو 11, 2013 6:12 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» طال ابتهال المصطفى
الخميس يوليو 11, 2013 6:11 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» من وحي السيول والفيضانات التي اجتاحت بيوتنا / د. لطفي الياسيني
الأربعاء يناير 09, 2013 4:02 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني