مفهوم عبارة (هذه هي المرة والأخيرة لك)
كان هذا الرجل يمشي أمام زوجته التي أمسكت برسن حمارها تحاول جره، لكن عبثاً ما تفعل أمام امتناع الحمار عن السير، فنظرت برهة إلى الحمار وقالت له: هذه هي المرة الأولى لك. فأطرق الرجل في زوجته هنيهةً إطراقة المستهجِن المستغرب من قولها، ثم سألها عن سبب قولها ذاك، فأجابته قائلة: هذا ليس من شأنك، فلا تقحم نفسك فيما لا يعنيك.
تابع الزوجان السير بعد جهد ليس بيسير في صراعهما مع هذا الحمار الذي رضخ لأمر الزوجة وتابع السير. وبعد فترة وجيزة توقف الحمار مرة أخرى ممتنعاً عن السير رغم المحاولات المتكررة من الزوجة التي بدورها أضناها السحب والجر دون فائدة، فنظرت مرة أخرى إلى هذا الحمار، وقالت له: هذه هي المرة الثانية لك. فعاد الزوج بجامع الفضول، وآثر إلا أن يعرف كنه هذا القول، فامتعضت منه زوجته كل امتعاض وقالت له: قلت لك أن هذا لا يعنيك.
وبعد فترة وجيزة توقف الحمار (مرة ثالثة)، فقالت الزوجة: هذه هي المرة الثالثة والأخيرة لك. ثم سحبت مسدساً كان في جعبتها، وأطلقت وابل الرصاص على رأس هذا الحمار وأردته صريعاً على حافة الطريق.
فقام زوجها بتوبيخها على فعلتها، فردت عليه بقولها: هذه هي المرة الأولى لك. فقاطعها بقوله: (أقسم لكِ .. لن أعيدها مرة ثانية). فهذا الزوج المسكين لم يُرد أن يكون حاله حال هذا الحمار. فاكتفى بالصمت والطاعة.
إن ما استوقفني من ذاكرتي على هذه القصة، هو ذلك الحوار الذي دار قبل يومين تقريباً في أحد البرامج الحوارية، حينما احتد النقاش بين طرفي النزاع ليصل الأمر إلى أن يشتم أحدهما الآخر بألفاظ نابية بعيدة كل البعد عن منهج الحلقة. فرد الطرف (الذي وقع عليه الشتم) على الآخر بقوله: دي أول مرة أنشتم فيها كده ... ودي أول وآخر مرة تتكلم معي بالطريقة دي.
السؤال المفترض هنا: يا ترى، وبالفرض الساقط، لو قام هذا الطرف الشاتم وألقى مزيداً من عبارات الحنْق والسُباب على الطرف المشتوم، أسيكون حاله حال ذلك الحمار المسكين- والأمر ليس للتشبيه وإنما لضرب المثل قياساً-؟؟ -هذا إن افترضنا أن الطرف المشتوم لم يأت إلى البرنامج إلا متسلحاً بكل ذخيرة وعتاد-، أم أن الطرف الشاتم سيكبح رشاش ألفاظه عن النطق مذعناً وصائغاً؟!.
السؤال المفترض هنا هو المقصود بجملة (هذه المرة الأولى والأخيرة لك) والتي جاءت في مضرب التهديد؟ هل المقصود فيها إضفاء سبغة شرعية على احترام قائلها أم انعدام الحيلة في مجالدة الطرف الآخر فتسلح بتلك الجملة لجنب نفسه (رجوع القهقرى) أمام خصمه؟؟.
في علم النفس: يقال إن الشخص الذي لا يقوى على مجابهة الغير (قولاً أو فعلاً) يحاول الركون إلى استعمال جمل عديدة درج الشارع على اقتفائها وتداولها على الألسن، فيقبس له من تلك الجمل ما يكون معينه وناصره (نوعاً ما)، علّ الطرف الآخر يمتثل له فيكف عما بدر منه أمام هذا الطرف ملجَم القول.
هل كلما طالبنا صاحب البقالة بدفع دين شبه معدوم علينا أن نقاطعه بقولنا: (هذه هي المرة الأولى التي أخاطب فيها بهذه الوتيرة ... وهي المرة الأولى والأخيرة لك في الحديث معي هكذا). مع علمي القاطع بأنه لو تكرر هذا الفعل من صاحب المتجر مرة ومرات فلن يحرك المدين ساكناً إلا ببعض الهذربة السخيفة.
وهل كلما قام أحد المدرسين بتأنيب بعض طلابه على مشاكلته ومشاكسته يقوم هذا الطالب -كنوع من ردة الاعتبار أمام زملائه- بقذف مدرسه بتلك العبارة: (أبوي ما بيحكي معي هيك .. وهي أول مرة وآخر أسمحلك فيها تحكي معي هيك)... إلخ من الأحداث اليومية التي تدور جميعها في حلقة واحدة، وهي عبارة (هذه المرة الأولى والأخيرة).
الحاجة وكل الحاجة التي دعتني إلى كتابة هذه المقالة هي أنني بت أسمع تلك العبارة نزيلة أذنيّ كل يوم من كل حدب وصوب، فصاحبتني منذ الصباح وحتي المساء أثناء قيادتي وفي عملي وفي تسوقي وفي كل الوسط البيئي الذي أعيش فيه.
فإلى متي ستكون فينا سذاجة الحديث المطبق في أفواهنا بأن نحشو في أفواهنا تلك السفاسف والنثريات الفارغة؟ وإلى متي سنكون مضرب المثل لمن بعدنا من فلذات أكبادنا في رتل مزيد من عبارات الاستهجان والتهديد التي باتت ملازمة لشفاهنا بصورة تتناسب طردياً مع أعمارنا؟ ومتى سينزل الشارع عن ظهره ما ناء بحمله من تلك التفاهات التي أقحمت فيه قسراً؟. وإلى متى سنحدر أنفسنا تحدر الأشقياء بألفاظهم المبتدعة الردئية، وعقولهم الفارغة، ولسانهم المترع البذيء؟؟.
لماذا لا ندع عن أفواهنا ما أنيط بها من تلك الجمل، ونكبح جماح عقولنا عن التفكير بها وما ستودي به إلى مزيد من الشحناء والبغضاء بين القلوب. فسحبنا ان ذلك سيكون أجمل لو صدقنا مع نفوسنا ومع الغير بعيداً عن تلك الجملة، كي لا نكون في معرض قوله تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).
الجمعة يونيو 28, 2019 8:55 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» د. ليلى عريقات نائب الرئيس ورئيسة تكريم الشهادات الفخرية والرئيسة الفخرية للمجلس
الإثنين ديسمبر 03, 2018 12:25 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» اهداء ارتجالي الى عميدة الشعر المعاصر الاستاذة د. ليلى عريقات / د. لطفي الياسيني
السبت ديسمبر 01, 2018 9:05 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» خذ ومن عمري لعمرك .. مهداة لشيخ الشعراء المجاهدين لطفي الياسيني للشاعر حسين حرفوش
السبت ديسمبر 01, 2018 2:18 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» وما غير الطبيعة من سِفر
الخميس يوليو 11, 2013 6:22 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» حمى الناس ..إهداء إلى أهالي الحولة
الخميس يوليو 11, 2013 6:13 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» قصيدة معايدة الرؤساء العرب .. للشيخ عائض القرني
الخميس يوليو 11, 2013 6:12 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» طال ابتهال المصطفى
الخميس يوليو 11, 2013 6:11 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» من وحي السيول والفيضانات التي اجتاحت بيوتنا / د. لطفي الياسيني
الأربعاء يناير 09, 2013 4:02 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني