من طرف زهرة الشمس الخميس أبريل 22, 2010 8:54 am
دليلة ويمنى
هرعت الصغيرتان تجريان متسابقتين نحوغرفة جدهما بفرح وسرور، فاستقبل كلتيهما معا ببهجة وسعادة غامرة ، ثم انحنى نحوهما يضمهما ويقبلهما معا ، بعدها انطلق يوزع نظراته وابتساماته ببينهما :
كيف حال صغيرتي الجميلتين ؟ .
أجابت أكبرهما سندس إبنة العاشرة نحن بخير ولله الحمد يا جدي ، ونحن بشوق كبير لك ولحكاياتك الممتعة .
وعلقت الصغيرة سلسبيل إبنة الثامنة ، وأنا بشوق كثير لك ولحكاياتك المسلية يا جدي العزيز ، أجاب الجد وهو يداعب خدها الأسيل بغمزة ناعمة خفيفة وأنا في شوق أكثر لك يا حبيبتي الحلوة ، ثم التفت إلى سندس وقد امتدت يده لتداعب شعرها الأشقر الناعم وهويمسح على رأسها ويقول : وأنت كذلك يا أميرة قلبي إنني في شوق كبير إليك .
غاصت يده في جيبه لتمتلأ بحفنة كبيرة من أنواع مختلفة من الحلوى ليفرغها بين يدي سندس الصغيرتين والتي لم تتسع لهم كفاها الصغيرتان فتساقطت بعض حبات "الملبس والشوكلاته "على الأرض فالتقطهم ودسّهم في جيبها الصغير وهي تصيح هذا كثير يا جدي ،أجابها وهو يغرف من جيبه غرفة أخرى مثلها للصغيرة سلسبيل : ليس هناك من شيء يكثر على حبيباتي الحلوات وأميرات قلبي .
طبعت سندس قبلة ناعمة رقيقة على خد جدها وقد شعرت بوخز ناعم من شويكات صغيرة كست وجه جدها المتجعد الخشن : شكرا لك يا جدي على هذه الحلويات ولكن لا تظن بأنك سترشيني بها لتتهرب من الحكاية التي وعدتنا بها من الخميس الفائت ، وأضافت الصغيرة سلسبيل وكذلك أنا ياجدي مازلت أحلم بها من الخميس الفائت لأحكيها إلى زميلاتي الطالبات ، ثم اضافت سندس بسعادة غامرة ، وكأنها قد تذكرت شيئا : جدي ... جدي لقد حكيت لزميلاتي حكاية الأسبوع الماضي عن النمر الجبلي الذي انكمش إلى قط كبير وأصبح أمير القطط بعد أن ألمّ به الجوع ، فنحل جسده واشتد به الهزال ...... لقد أعجبتهم الحكاية وضحكوا لها كثيرا .
قال الجد وهو يبتسم لسندس ويمسح بيده على شعرها الأشقر الناعم : حاضر يا جميلاتي الرائعات ستكون حكايتنا اليوم عن الحيوانات ، ولكنها ليست حكاية مضحكة كحكاية النمر لكنها حكاية مفيدة ومعبرة ، لقد قرأتها في كتاب يتحدث عن قصص الحيوانات ويتحدث على لسانها اسمه : "دليلة ويمنى" .
صاحت سندس وهي تقهقه بضحكة بريئة عذبة تشعر فيها بروح الفخر والإعتزاز ، وهي تصوب لجدها خطأه بأسلوب لطيف كلطافة روحها وخفة ظلها : جدي لعلك نسيت ..... اسم القصة التي تتكلم عن الحيوانات ..... اسمها يا جدي "كليلة ودمنة" ليس " دليلة ويمنى " ! .
ابتسم الجد : مرحى لك يا سندس ... مرحى .... ولكن من أين عرفت اسم هذه القصة ؟
أجابت سندس وهي تشعر بزهو وفرحة : لقد حكت لنا الأستاذة الأمس عنها وحكت لنا منها حكاية .
أضاف الجد وهو يقدم لها قطعة سكاكر إضافية مكافأة لها على نباهتها وملاحظتها ، وما اسم الحكاية التي حكتها لكم الأستاذة يا حلوتي .
أجابت سندس بسرعة : حكاية الحمامة والثعلب ومالك الحزين .
- رائع يا سندس .... ولكن هذه مجموعة قصصية غير تلك يا حلوتي العزيزة !
أجابت سندس : يعني هل يوجد فعلا قصة باسم "دليلة ويمنى" وتتكلم عن الحيوانات وهي غير "كليلة ودمنة" يا جدي ؟
أجاب الجد : بالطبع يا عزيزاتي ! وإن كان بينهما بعض أوجه التشابه ، إلا أن بينهما اختلافات وفروق كثيرة .
- إذن فإني أعتذر عن المقاطعة والتصويب ، لقد كنت متسرعة فعلا يا جدي .
- لا عليك يا عزيزتي ، بل إني فخور بملاحظتك ونباهتك .
- وما هي هذه الإختلافات والفروق يا جدي ؟
- الفرق الأول يا سندس وأنت يا سلسبيل الشاطرة : "كليلة ودمنة" قصة قديمة من أكثر من ألف ومائتي سنة وأما "دليلة ويمنى" فهي قصة حديثة معاصرة لم تكتمل مجموعتها بعد ، وهي أكبر بكثيرمن "كليلة ودمنة "
- قالت سندس ولماذا سميت كل منهما بهذا الإسم ، وما يعني كل منهما يا جدي؟
- قال الجد : أما "كليلة ودمنة " فهما أسماء حيوانات من أبناء آوى عاشت في الغابة هزيلة نحيلة ، تبحث عن صيدها بين الجحوروالكهوف والأشجار ، عن جرذ هنا أو أفعى هناك .
وأما الأخرى" دليلة ويمنى " فهما اسما هرتان ناعمتان مدللتان أليفتان ، لهما وبر أبيض ناعم طويل ، وعينان خضراوان براقتان ، وذيل طويل مخطط بالأبيض والأسود كحمار الوحش . غليظ وافر الصوف وناعمه ، تغتسلان كل يوم بالماء الساخن ومع أفخر أنواع ماء الصابون بالبلسم "الشامبو " لتحافظا على نظافة شعرهما الحريري الناعم ورونقه وجماله ، وتعيشان في قصور فارهة ، مع السادة والكبراء ، وأما طعامهما فهو يأتي إليهما من شرائح اللحم الطازج ، مع حليب النوق .... وقلوب العصافير! .
قالت سندس وهي تتلمظ وتبتلع ريقها كأنها تحسد تلك القطط على حياتها المرفهة التي تحياها ونعيمها الذي ترفل فيه : وهل هناك فروقا أخرى يا جدي؟
- نعم يا حبيباتي : ففي" كليلة ودمنة " الأسد هو ملك الغابة ، وكما تعرفون يا عزيزاتي الصغيرات عن شجاعة الأسد وأنفته ، وعزة نفسه وإبائه ، وغيرته وكرامته ، وأما في الثانية "دليلة ويمنى" فإن الذي سيطر على الغابة وتربع على عرشها هو الخنزير ،وعشيرة الخنازير ، وللأسف فإنه ليس في الخنزير غير الدياثة والقذارة .
صاحت الصغيرة سلسبيل ببراءة عذبة : يا للفظاعة ! ... الخنزير يصبح ملك الغابة بدل الأسد ، وأين ذهب الأسد وماذا حلّ به يا جدي ؟
- لقد تآمروا عليه وحاربوه ، ثم قيّدوه وحاصروه ، وبعد ذلك حركوا عليه أبناءه وعزلوه .
سألت سلسبيل بغرابة ودهشة : ومن الذي فعل به ذلك يا جدي ؟
أجاب الجد بتحسر : الخنازير والذئب والقردة ، لكن لا بد أن تعود الأمور إلى نصابها ، ويأخذ كل ذي حق حقه .
سألت سندس : ولم فعلوا به ذلك وانقلبوا عليه ؟
لأن الأسد كان يطبق القانون وينشر العدل في الغابة بين جميع الحيوانات ، وهؤلاء يكرهون العدل ويحاربون القانون .
سألت سلسبيل : ولم يكره هؤلاء العدل ويحاربون القانون ؟
- لأنه يحد من جشعهم وأثرتهم ، ويمنع استعباد الآخرين وإذلالهم ، ويهدد أطماعهم في اغتصاب حقوق المخلوقات الأخرى ولو كانت ضعيفة أو عاجزة .
وبعد لحظة وجوم وتأثر خيمت على الموقف : سألت سندس وهل هناك من فروق أخرى يا جدي بين القصتين ؟
نعم يا عزيزتي لقد بقي فرقا واحدا ، وهو انضمام بني آدم ، ليس كل بني آدم حقيقة ، بل أغلب المتنفذين والمستبدين منهم ، إلى مملكة الغابة والإنضواء تحت حكم الخنزير والعمل تحت إمرته ، ويتحركون بحسب إشارته ، ويعملون بحسب توجيهاته ، وينفذون كل تعليماته .
صرخت الصغيرة سلسبيل مرة ثانية ببراءة ودهشة : يا للعار أيعمل الإنسان عبدا للخنزير تحت إمرته وخادما له ؟ ! .
قالت سندس لقد شوّقتني كثيرا يا جدي لقراءة هذه المجموعة فهل يمكنك أن تشتري لي واحدة منها من المكتبة لأقرأها وأحكيها لزميلاتي في الفصل ؟
قال الجد وهو ينظر نحوها بحسرة : لا يغلى عليك شيء يا جدي ... ولكن ...
قاطعته سندس بتعجل وتعجب : ولكن ماذا يا جدي العزيز .... سوف أوفرمن مصروفي اليومي لأجمع ثمن هذه القصة إن كان ....
أجاب الجد وهو يتحسرمرة أخرى : لو كان الأمر متوقفا على ثمنها لاشتريت لكل منكما أكثر من قصة منها .... ولكن ........
- ولكن ماذا يا جدي ؟
- لقد أصدر الخنزير أمرا بجمعها من المكتبات والأسواق ، ومعاقبة كل من يمسك متلبسا ببيعها أو احتوائها أو قراءتها ، لأنه اعتبرها تتكلم عنه وتشهر به وبحلفائه ، وتسيء إلى مملكة الغابة الحديثة ، وتنتقص من قدرها ، وتنتهك كرامتها ، وتسلب هيبتها ، وتنمي روح التمرد والتعدي على رموزها وقادتها .
- ولكنني أتكلم عنا نحن بني آدم ! ليس على الحيوانات .... والخنزير.... والغابة ...
- لكأنك نسيت الفرق الأخير بين القصتين يا عزيزتي سندس ، وهو دخول أغلب المتنفذين من بني آدم تحت حكم الخنزير والعمل تحت إمرته والتحرك بحسب تعليماته ! .
- لقد نسيت يا جدي .... لقد ظننتك تتكلم عن شيء غيرنا ... لا يخصنا نحن بني الإنسان .... والآن ألن تحكي لنا الحكاية ؟ فلقد شوّقتنا إليها كثيرا يا جدي ، وكم حكاية قرأت لنا من كتاب " دليلة ويمنى " قبل أن يصادر الكتاب من الأسواق ؟
قال الجد وهو يشير إلى حفيدتيه بالجلوس حوله ليشكلن مثلثا متتساوي الساقين يجلس الجد على زاوية رأسه وتجلس كل من سندس وسلسبيل على زاوية من زوايا قاعدته ليحكي لهم الحكاية الأولى من مجموعة " دليلة ويمنى": قرأته كله قبل أن يصدر الأمر ويعمم بمصادرته ، ولكنني لم أعد أذكر منه إلاّ القليل .
قالت سلسبيل الصغيرة وهي تتطلع بشوق إلى عيني جدها : لم تقل لنا بعد ما اسم الحكاية يا جدي العزيز .
قال الجد وهو يسند ظهره إلى الجدار خلفه : الحكاية الأولى يا حبيباتي الأمورات من كتاب" دليلة ويمنى" هي حكاية :"الخراف في غابة الخنازير" .
مع خالص امنياتي
زهرة الشمس
الجمعة يونيو 28, 2019 8:55 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» د. ليلى عريقات نائب الرئيس ورئيسة تكريم الشهادات الفخرية والرئيسة الفخرية للمجلس
الإثنين ديسمبر 03, 2018 12:25 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» اهداء ارتجالي الى عميدة الشعر المعاصر الاستاذة د. ليلى عريقات / د. لطفي الياسيني
السبت ديسمبر 01, 2018 9:05 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» خذ ومن عمري لعمرك .. مهداة لشيخ الشعراء المجاهدين لطفي الياسيني للشاعر حسين حرفوش
السبت ديسمبر 01, 2018 2:18 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» وما غير الطبيعة من سِفر
الخميس يوليو 11, 2013 6:22 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» حمى الناس ..إهداء إلى أهالي الحولة
الخميس يوليو 11, 2013 6:13 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» قصيدة معايدة الرؤساء العرب .. للشيخ عائض القرني
الخميس يوليو 11, 2013 6:12 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» طال ابتهال المصطفى
الخميس يوليو 11, 2013 6:11 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» من وحي السيول والفيضانات التي اجتاحت بيوتنا / د. لطفي الياسيني
الأربعاء يناير 09, 2013 4:02 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني