من طرف لؤي الصيفي الأحد أكتوبر 03, 2010 10:04 am
لا يَزال جَسدي يَحمُل رُوحاً قَد أتمت السَادِسة للتو حِين دَخل الظَلامُ عَيني بِلصقِها قَسراً مِن قِبلِ أحدِ الأطباء , فَانزَلقَ المَوت لِأرجَائِي ببطءٍ شَدِيد , بَدا أثرُ المُنْوِم جَيداً عَليّ . . فَنِمت مَا يُقارِب تسعة عَشر سَاعة و رُبما أكثر , عَقلي قَد غَفا أيضاً وَ أتخذ كُرسِياً مَقصِياً يَهزُ للأمامِ وَ الخَلف كَمهادٍ لِطفلٍ صَغير , إن الذَاكِرةَ تَتزاحم فِي فَوضتِها الشَاهِقة , تَغُوص للعوَالم المَاضِية , أذكُر أن السَقفَ بَدا غَرِيباً جِداً لَم يَتعرفْ عَليهِ بَصري مِن قَبل , أذكُر كَيف فُتح البَاب بِقوةِ وَ حَملي وَ صُعودهم للسَيارة وَ الهَواتف التِي بَدأت تَرن, أذكُر كُل هذا . . أذكُر أيضاً دَواماتِ القَدرِ كُلها , إنْنِي مَرِيضةٌ جِداً يَا أُمي , مَرِيضة . . أُعاني مِن العَجْزِ الشَديد , قَدْمِي قَد بَتْرها أحدُ الأطباء وَ بِي حَدس بأن الأُخرى رَاحِلة حَيث مَا دُفنت أُختها , أشعُر بِالموتِ يَا أُمي , أشعُر بِه فِي كُلِ ثَانيةٍ أتنَفسها , مَا الخَطيئة التِي طَرحت جَسدي على هذا السَرير الأبيض الذِي يُشبه كَفناً لِميت فيَغمُر الروح بِالغصة ؟ مَا الخَطيئة التِي أشعرتني بِالنقصِ فِي سنٍ صَغيرٍ جِداً وَ ضاعفت مَا بِي بِأنفلونزا قَد أرهقت بَقاياي ؟ مَا الخَطيئة يَا أُمي ؟ .
إنني الآن أختَبئ فِي بُؤبؤ عَيني , أُراقب شَعرةً شَعرة حِين تَسقط بِسبب الأدوية التِي أسقاني إياها عِدة مِن الأطباء , أحين أكبُر يَا أُمي سَينمو لِي شَعراً وَ تُزرع لِي قَدماً جَديدة ؟ فَأقف ؟ كَمثلكِ ؟ وَ مثلهم ؟ كَبقية الأطفال يَا أُمي ؟ !
- مَاما !
- يَا رُوح مَاما . . " تَقتَرِب أكثر فَتمسحُ رأسي , جِسمها أدخل الدِفء لجَوفي "
- أين قَدمي الثَانِية ؟ !
- . . " دَمعة "
الأقدْارُ بَدأت تُشكِل خَارِطة فَتتخذ رُكنا جَديداً مِن التَفكِيرِ , كَالتِي أصَابتني حِين صَافحتُ أولَ كِتابٍ رَغبةً فِي العِزلة وَ الهُروب عَني , كِنتُ قَد قَرأتُ . . " طِفلٌ اسمهُ نَكِرة " للكَاتب دَايف بِيلزر , هذا الطِفل المَدعُو بِديفيد قَد تَحدى الجَمِيع وَ بقِي عَلى قَيدِ الحَياة , فَمع كُل حَرف أقرأهُ كِنتُ ألتهم قَدراً وَافِياً مِن الحَياة فَورّثَ فِي نَفسي بُذوراً سُكرية اللون تُنَمِي بِداخلي أملاً فِي كُلِ صَباح , هذا الصَغير قَد رُبِط بِداخلي وَ أصبحت صُورته مَحضاً لِتخيلي أيضاً .
صَافحتُ بَعدها شَبكة الانترنت وَ نسجتُ عَلى نَفسي حَائِطاً آخر أهذي فِيه , وَقعتُ عَلى مَوضوعٍ حَمل اسِم " كُل مَا تريد مَعرفته عَن أنفلونزا الخَنازير " تِلك التِي أصابتني وَ أنا فِي حَالةِ تَدهُور بِسبب جُوع ذاك المرض الذي قَلع سَاقي , عُدت للعشِ الأبيض الذي نِمتُ عَليه أياماً طِوال , هذا المَرض قَد أنبت فِي رأسي مُوقداً يَشتعل نَاراً , فَبِتُ أرشح وَ أسعُل وَ بدا الاسوداد وَاضحاً حَول عَيني مَع صَفرة قَوية فِي وَجهي , عَالجني مِنه الأطباء بِعقارٍ يُسمى "tamiflu " قد استخدم لِما يُقارب خَمسة إلى سِتةِ أيام . الإعلام يَبدو عَليه بَذخ الفَزع وَ الخوف مِن هذا المَرض , لَكنني مَا شَعرت حِين أُصبت بِه أنه مُغاير عن الأنفلونزا المَوسمية , رُغم أنه أرهقني حَد الموت , رُبما لأني كِنت قَد أُلقيت عَلى السَرير الأبيض بَسبب الوَرم الذي أُصِيب سَاقي , لَكن أحمدُك الله . . أحمِدُكَ حِين أنقذت جَسدي مِن الوفاةِ .
" مَا كَان مُؤلِم فِي هذهِ الأجواء , هُو تَنحي الجَميع وَخوفهم مِني - تِلك التِي أُصيبت بأنفلونزا الخَنازير- " كِنتُ حِينها بِحاجةٍ لأن أسند رأسي عَلى كَتِفِ أيُ أحدٍ , بِحاجة لِتربيت يِداً غَير يَدْيّ . . بِحاجةٍ لأن أبكي أيضاً مِن فرطِ التَعب الذِي أشعُر بأنه مُعضِل يَا أُمي , الأطباء حِين دَخلوا عَليّ كَانوا يَرتدون كَماماً عني أخذاً بِالحيطة . . وَ لم يِقدموا لِي كَماماً يُبعد عَني رَائحة المُستشفى وَ الوِسادة وَ رَائحة المَوت يَا أُمي . - " هَالتِي مُؤذِية الآن . . " - .
لا تنسونا من الدعاء
أخوكم
لؤي الصيفي
» د. ليلى عريقات نائب الرئيس ورئيسة تكريم الشهادات الفخرية والرئيسة الفخرية للمجلس
» اهداء ارتجالي الى عميدة الشعر المعاصر الاستاذة د. ليلى عريقات / د. لطفي الياسيني
» خذ ومن عمري لعمرك .. مهداة لشيخ الشعراء المجاهدين لطفي الياسيني للشاعر حسين حرفوش
» وما غير الطبيعة من سِفر
» حمى الناس ..إهداء إلى أهالي الحولة
» قصيدة معايدة الرؤساء العرب .. للشيخ عائض القرني
» طال ابتهال المصطفى
» من وحي السيول والفيضانات التي اجتاحت بيوتنا / د. لطفي الياسيني