وأد البنات في القرن الحادي والعشرينلم تستمتع بطفولتها، ولن تعيش ما ستعيشه صويحباتها من أفراح الشباب وأحلام المستقبل، فقد اختصر والداها بمباركة من المجتمع طريقها إلى القبر، حين زفوها جميعا إلى الموت!!!
تلك هي إلهام ذات الثلاثة عشر ربيعا، الفتاة اليمنية التي فقدت حياتها بعد أربعة أيام من زواجها فقط إثر تهتك أعضائها التناسلية بشكل كامل في عملية اغتصاب سموها زواجا.إلهام فقدت حياتها، ولو لم تفقد حياتها لفقدت حريتها؛ إذ لو قدر لها أن تعيش حتى تبلغ سن الزواج المفترض؛ لرأت نفسها حبيسة بيت لم تبنِه، وبين ذراعي رجل لم تختره، ولن يسمح لها إلا بأن تضحي، وإلا أن تربّي وتحب، وتواصل موتها حتى الموت!!!
إلهام ذهبت واستراحت، لكن القدر البائس لا زال في انتظار الآلاف من الفتيات اليانعات؛ ليزج بهن في مصير غامض بأيدي الآباء ومباركة المجتمع وصمت الحكومات أو تقصيرها في القيام بواجبها تجاه الطفولة، كما تأكد وسائل الإعلام التي تطالعنا كل يوم بخبر جديد عن طفولة تذبح على مذبح العادات والتقاليد قربانا لإله القبيلة، أو عن طفولة تباع لقاء حفنة من المال، بينما تستمر جمعيات حقوق الإنسان في نداءاتها ولا حياة لمن تنادي.
حكوماتنا التي حققت نجاحات باهرة في مجال مكافحة الإرهاب ما بالها لم تحقق نجاحات تذكر في مجال حماية الطفولة؟
هل هذا لأن موت إلهام والآلاف الموعودات بمصيرها وتشرد الأطفال في زوايا الشوارع المظلمة لا يزحزح حاكما عربيا عن كرسيه ولا يشغل المتنفذين في بلادنا العربية عن تكديس المزيد من الأرصدة في بنوك العالم؟
نحن نريد لهذه الظاهرة ولمثيلاتها من الظواهر السلبية أن تحارب كما حوربت ظاهرة الإرهاب، نريد لها أن تلقى ذات المصير التي تلاقيه ظاهرة تقض مضجع الحاكم وأعوانه، نريد لأطفالنا أن يعيشوا طفولتهم بكل تفاصيلها، نريد للآباء الذين يسحقون طفولة أبنائهم أن يقعوا تحت طائلة القانون، وأن تصدر عليهم أحكام صارمة تتناسب مع ما ارتكبوه من جرائم العبث بمصائر أطفالهم.
وإني لأتعجب من رجال الدين الذين يقفون في وجه أي محاولة لسن قانون يحدد سنا أدنى للزواج بحجة أن هذا يؤدي إلى تحريم ما أحل الله، ولن أتعرض هنا إلى سرد حججهم الواهية والرد عليها، بل سأكتفي بإيراد بعض ما جاء في مقدمة (قرار حقوق العائلة في النكاح المدني والطلاق) وهو مشروع وضعه الفقهاء أيام الدولة العثمانية، وأصدر السلطان العثماني محمد رشاد -رحمه الله- أمرا يوجب العمل به ويكلف المجلس العمومي بجعله قانونا سنة 1336, وانظر إلى الفرق الكبير في الوعي والشمولية والتأصيل، بل وفي الإحساس بالمسؤولية بين فقهائنا اليوم وبين فقهاء تلك الحقبة السالفة، وأنا إذ أورد هذا النص هنا فلكي يعلم القارئ العزيز أن الشريعة الإسلامية المأخوذ بها في سن قوانين الأحوال الشخصية إن خلت من نص يحدد سن الزواج، فإنها لم تمنع من الاجتهاد في تشريع ما تقتضيه المصلحة المختلفة باختلاف الزمان والمكان، وأينما وجدت المصلحة فثم شرع الله كما يقول الإمام الشافعي، على أن الفقهاء أجازوا للحاكم أن يمنع ما هو مباح أذا ارتأى مصلحة في ذلك بشروط وضوابط ليس هذا مجال التفصيل فيها، وفقهاء اليوم يعلمون هذا ويراعونه حين يتعلق الأمر بمنع الصيد في المحميات وما شاكل ذلك من أحكام ثانوية، ولكنهم لا يراعونه في قضية كهذه القضية، وكأن الحفاظ على حياة الطيور والبهائم أولى في نظرهم من صيانة حقوق الإنسان!!…
فمما جاء في تلك المقدمة تحت عنوان “أهلية النكاح” :
“” ( يرى الإمام أبو يوسف والإمام محمد رحمهما الله أن الذكور والإناث إذا
وصلوا إلى الخامسة عشرة من سني حياتهم , ولم تظهر عليهم آثار البلوغ يعدون بالغين حكما , بناء على الغالب والشائع , وتكون عقودهم معتبرة , وكذلك الإمام مالك والإمام الشافعي والإمام أحمد رحمهم الله تعالى كلهم رأوا ذلك .
وقد بنيت المادتان 986 و 987 من المجلة على قول هؤلاء ) .
( نعم إن الذين يبلغون الخامسة عشرة من سني حياتهم , يكونون في
الأكثر بالغين ، وقد يوجد فيهم من هم غير بالغين بالفعل ؛ أي : إن قواهم البدنية لم تكمل بعد ، فجعل هؤلاء تابعين للأكثرية ومنحهم حقوقا لا يقدرون على تحملها , يستلزم تحميلهم وظائف وواجبات مقابل تلك الحقوق تؤدي في العاقبة إلى ضررهم .
وإذا علمنا أن الشرع الشريف مع إنه اعتبر الخامسة عشرة غاية البلوغ , لم يستعجل في إعطاء الصغير ماله عند بلوغه , بل منعه من التصرف فيه إلى أن تظهر عليه علائم الرشد والسداد ؛ نعلم أنه يتأنى في تحميل الصغار حقوقا ووظائفا .
والنكاح لا يقاس على المال ؛ لأنه الرابطة لتكون الأسر التي هي أجزاء الجمعية البشرية .
وكلما كانت الأفراد التي تتألف منها الأسرة تقدر حقوق الزوجية حق قدرها؛ تكون الأسرة التي تتألف منها قوية , ويكون ارتباطها مع الأسر الأخرى صميميا ومتينا ، فاعتبار الصغار بالغين حكما لمجرد إكمالهم الخامسة عشرة , ومنحهم حق الزواج يستفاد منه أنه لم ينظر إلى النكاح بالعناية اللائقة به .
والذي يستدعي مزيد الرحمة في هذه المسألة هو حالة البنات ؛ إذ من المعلوم أن الزوج والزوجة هما مشتركان في تأليف الأسر ( البيوت ) وإدارتها , ففي السن التي يكون الأطفال فيها معذورين بإضاعة أوقاتهم باللعب في الأزقة , تكون البنت في مثلها مشغولة بأداء وظيفة من أثقل الوظائف في نظر الجمعية البشرية , وهي كونها والدة ومدبرة أمور أسرة . وإن صيرورة بنت مسكينة لم يكمل نموها البدني
مما يضعف أعصابها إلى آخر العمر , ويكسبها عللا مختلفة , ويكون الولد الذي تلده ضاويا ( ضعيفا هزيلا ) مغلوبا للمزاج العصبي , وذلك من جملة أسباب تدلي العنصر الإسلامي .
على أن ابن عباس رضي الله عنهما وتابعيه يقولون : إن سن البلوغ هي
الثامنة عشرة , كما أن بعض أجلة الفقهاء يذهبون إلى أنها الثانية والعشرون , بل يوجد بينهم من يقول : إنها الخامسة والعشرون , والإمام الأعظم رحمه الله قد اعتمد تمام الثامنة عشرة نهاية لسن البلوغ في الذكور , وتمام السابعة عشرة نهاية لسن البلوغ في الإناث احتياطا وتبعا لابن عباس رضي الله عنهما ، لذلك قبل قول الإمام المشار إليه هذا في النكاح , ووضعت المادة الرابعة [1] على هذا الأساس ؛ منعا
لهذه الأحوال التي هي من أعظم مصائب مملكتنا .
( وهذا نصها ) :
المادة 4- يشترط في أهلية النكاح أن يكون الخاطب في سن الثامنة عشرة
فأكثر , والمخطوبة في سن السابعة عشرة فأكثر . “”
فهل لاحظت -عزيزي القارئ- الآن الفرق بين فقهائنا بالأمس، وبين فقهائنا اليوم؟
إننا لا نزداد بمرور الوقت إلا ظلامية وجمودا وخذلانا للضعيف والمظلوم، فمتى نستخرج هذه الكنوز من تراثنا، ونفعل الإسلام المضيء بالعقل والإنسانية؟
ومتى سنخجل من عادة وأد البنات؟
لقد خرج الملايين في مظاهرات ؛ لأن صحفيا مخبولا رسم صورة كاريكاتيرية تسيء إلى نبينا الكريم، فلماذا لا يخرج عشر هذا العدد حين تأد أسرة ابنتها مطالبة بسن قانون يجرّم هذا الفعل ويعاقب عليه بصرامة؟
إن من تلد الحياة والأمل تستحق أن نمنحها الحياة والأمل أيضا
منقول/ سمير الغامدي
الجمعة يونيو 28, 2019 8:55 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» د. ليلى عريقات نائب الرئيس ورئيسة تكريم الشهادات الفخرية والرئيسة الفخرية للمجلس
الإثنين ديسمبر 03, 2018 12:25 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» اهداء ارتجالي الى عميدة الشعر المعاصر الاستاذة د. ليلى عريقات / د. لطفي الياسيني
السبت ديسمبر 01, 2018 9:05 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» خذ ومن عمري لعمرك .. مهداة لشيخ الشعراء المجاهدين لطفي الياسيني للشاعر حسين حرفوش
السبت ديسمبر 01, 2018 2:18 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» وما غير الطبيعة من سِفر
الخميس يوليو 11, 2013 6:22 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» حمى الناس ..إهداء إلى أهالي الحولة
الخميس يوليو 11, 2013 6:13 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» قصيدة معايدة الرؤساء العرب .. للشيخ عائض القرني
الخميس يوليو 11, 2013 6:12 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» طال ابتهال المصطفى
الخميس يوليو 11, 2013 6:11 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني
» من وحي السيول والفيضانات التي اجتاحت بيوتنا / د. لطفي الياسيني
الأربعاء يناير 09, 2013 4:02 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني