منتدى الشاعر حسن محمد نجيب صهيوني

نرحب بجميع زوار هذا المنتدى ونأمل أن يطيب لكم البقاء ويحدونا الفخر بانضمامكم لأسرتنا


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدى الشاعر حسن محمد نجيب صهيوني

نرحب بجميع زوار هذا المنتدى ونأمل أن يطيب لكم البقاء ويحدونا الفخر بانضمامكم لأسرتنا

منتدى الشاعر حسن محمد نجيب صهيوني

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى الشاعر حسن محمد نجيب صهيوني

ملتقى أدبي يهتم بفنون الأدب العربي من شعر قديم ومعاصر ويحوي عدداً من التراجم والسير الأدبية والمقالات والقصص والروايات

بعد التحية على الزوار الراغبين بالإنضمام لهذا المنتدى التسجيل بأسمائهم الحقيقية أو ألقابهم أو أي اسم أدبي يليق بالمنتدى بعيداً عن أي أسماء تخل بسمعة المنتدى وتسيء إليه، وسوف تقوم إدارة المنتدى بالرقابة على الأسماء غير اللائقة أدبياً ثم حجبها ..... إدارة المنتدى

المواضيع الأخيرة

» ملحمة شعرية مهداة الى الشاعرة عائشة الفزاري / د. لطفي الياسيني
الإلتزام و"المطر المر" لمحمد السيد  Emptyالجمعة يونيو 28, 2019 8:55 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني

» د. ليلى عريقات نائب الرئيس ورئيسة تكريم الشهادات الفخرية والرئيسة الفخرية للمجلس
الإلتزام و"المطر المر" لمحمد السيد  Emptyالإثنين ديسمبر 03, 2018 12:25 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني

» اهداء ارتجالي الى عميدة الشعر المعاصر الاستاذة د. ليلى عريقات / د. لطفي الياسيني
الإلتزام و"المطر المر" لمحمد السيد  Emptyالسبت ديسمبر 01, 2018 9:05 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني

» خذ ومن عمري لعمرك .. مهداة لشيخ الشعراء المجاهدين لطفي الياسيني للشاعر حسين حرفوش
الإلتزام و"المطر المر" لمحمد السيد  Emptyالسبت ديسمبر 01, 2018 2:18 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني

» وما غير الطبيعة من سِفر
الإلتزام و"المطر المر" لمحمد السيد  Emptyالخميس يوليو 11, 2013 6:22 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني

» حمى الناس ..إهداء إلى أهالي الحولة
الإلتزام و"المطر المر" لمحمد السيد  Emptyالخميس يوليو 11, 2013 6:13 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني

» قصيدة معايدة الرؤساء العرب .. للشيخ عائض القرني
الإلتزام و"المطر المر" لمحمد السيد  Emptyالخميس يوليو 11, 2013 6:12 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني

» طال ابتهال المصطفى
الإلتزام و"المطر المر" لمحمد السيد  Emptyالخميس يوليو 11, 2013 6:11 pm من طرف الشاعر لطفي الياسيني

» من وحي السيول والفيضانات التي اجتاحت بيوتنا / د. لطفي الياسيني
الإلتزام و"المطر المر" لمحمد السيد  Emptyالأربعاء يناير 09, 2013 4:02 am من طرف الشاعر لطفي الياسيني

التبادل الاعلاني


2 مشترك

    الإلتزام و"المطر المر" لمحمد السيد

    نسرين أبو اللبن
    نسرين أبو اللبن


    عدد المساهمات : 175
    نقاط : 25925
    السٌّمعَة : 0
    تاريخ التسجيل : 15/05/2010
    العمر : 43

    الإلتزام و"المطر المر" لمحمد السيد  Empty رد: الإلتزام و"المطر المر" لمحمد السيد

    مُساهمة من طرف نسرين أبو اللبن الخميس ديسمبر 29, 2011 11:31 am

    تختلف التصورات حول موضوعة الموت من مجال معرفي إلى آخر، ومن فرد إلى فرد، ومن زمن إلى زمن، لكنها في النهاية قدرنا المحتوم. وإذا تصفحنا دواوين الشعر العربي القديمة منها والحديثة، فلا نجد ديوانا يخلومن هذه التيمة، إما لوعي الشاعر العربي بزوال الحياة وعرضيتها أولأنها الخلاص من حياة سوداء. فكيف ينظر الشاعر المغربي عبد السلام دخان إلى الموت؟ وكيف وظفها في ديوانه الصادر حديثا عن مطبعة الخليج العربي بتطوان(أغسطس2011) في68 صفحة.

    إن اختيار اللون الأسود للغلاف، إلى جانب اللون الأحمر، لم يكن اعتباطا بل هوانعكاس لروح الديوان وصاحبه معا، فالأحمر لون الدم، والسواد لون الحزن، والدم دليل الموت، أما الحزن فنتيجة أوسبب لها. كما أن اختيار "فقدان المناعة"عنوانا للديوان له دلالته، إذ يشير إلى حالة مرضية تصيب الإنسان عن طريق العدوى وتؤدي إلى التقليل من فاعلية الجهاز المناعي بشكل تدريجي ليترك المصاب به عرضة للأمراض الانتهازية والأورام …وبالتالي الموت. وينقسم ديوان" فقدان المناعة" إلى مجموعتين وسم الأولى بصور مختلة هي صور جزئية لعوالم غير واضحة، وغموضها يتجلى في نكرة عناوينها، لكننا سنطرق ونعيد الطّرْق، وسنكشف أن نقطة بداية عالم دخان فلسفة وهي بداية مستمرة وكثيرة الإلحاح من خلال تصوره الخاص للعالم ولعناصر الطبيعة : 1- الهواء: فرش من هواء، دروب الهواء. 2- الماء: البحر، المطر، النهر. 3- النار: بروج نارية. 4- التراب: أرض الشمال. . .

    إن هذه الصور المختلة وإن بدت متفرقة من خلال تعدد العناوين والاستقلالية الطباعية إلا أنها وحدة مترابطة. نلاحظ، مثلا، هذا الكشف الأفقي:

    القصيدة الكلمات المشتركة
    خريف البحر، الريح
    متسول الريح، الحلم
    شاعر حلم، وضعت يدي فوق تجاعيد
    دعوة ضع يدك في يد القمر، البحر
    هدية البحر، الحلم
    نزوة الحلم، لا امرأة تضئ
    شوق شوق لامرأة، رؤى الأيام
    مرايا الأحلام التي ترقد، تخوم الحنين
    كميليا بياض الحنين، لم يبق غير وجه الله
    فراق الموت، الوداع، لن أعود
    بورتريه عاد الموت، المقبرة
    لا يستطيع الشاعر عبد السلام دخان التخلص من قصيدة لينشئ قصيدة أخرى جديدة، مستقلة في المعنى وفي المعجم لأن فكره تحكمه عناصر متعددة، وكذالك قصائده(في الديوان ككل) فهي قصيدة واحدة تحكمها العناصر التالية: الماء، الهواء، النار، التراب، الحلم، المرأة، الأسى والحزن(الموت)، الريح (السفر).

    عناصر الطبيعة : وهنا حضور الفكر الفلسفي وتشبعه بمبادئ فلاسفة الطبيعة

    (الأسطقساط: الماء، الهواء، النار، التراب.) والذين يعتبرون أن هذه العناصر هي أصل الكون

    الحلم : فهوالذي يطل منه على اللاشعور(احترقت أرصفة الحلم، حلم السفن، . . .) يحقق به آماله ويخلق به عالمه الأفلاطوني.

    المرأة : هي الوطن، وهي عروسة الشمال، هي العون والسند والرأفة، لها أوصاف حددها بالنقيض في قصيدة "نزوة".

    الأسى: هوالدافع الأساس لكتابة قصائده، فقد فقدٙ مناعته وآماله في كل شيء والموت هوسبب أساه، موت الآمال، موت الأصل بكل تجلياته (الأب، القيم، المبادئ. . . ) لدرجة أنه نعت نفسه بدخان المساءات

    الريح: لا تكاد تخلوكل قصيدة من كلمة "الريح": (خطوات الريح المتعبة، أحرس جفون الريح. . . . ) وهي الريح التي تحمل الدخان وتنتقل بها شمالا وجنوبا ؛ إما بحثا عن الكلمة أوبحثا عن دفئ العائلة.

    وفي المجموعة الثانية من ديوان " فقدان المناعة" والمعنونة ب تفاصيل شائكة يمكن رهي تفاصيل عن الأنا وعن الآخر، وعن العالم. هذا الأنا يخشى المواجهة لا قدرة له على قول نعم أولا هوكائن رقمي يهوى التواصل الافتراضي والسينما، . . . هوالذي يريد أن يصرخ لكنه لا يصرخ إلا في صمت؛ ويصرخ بالبياض، ولا يجد نفسه إلا في : فال فلوري، ومغارة هرقل، وأوبيدوم نوفوم القصر الكبير واللكوس، وليكسوس العرائش، وباب البحر، وتمودة، وطنجيس. أما الآخر فهوكاذب (الممرضة)، متناقض (المثقف العضوي) ومع ذلك فهويبعث بالسلام إلى الرفاق المدججين بأحلام لنين، وهنا حضور الفكر اليساري للشاعر كما يبعث بهذا السلام الى المعطلين عن الحلم وإلى العشاق اليتامى، إلى "رواد الليل". والعالم بالنسبة له مقبرة إسمنت مسلح، عالم مظلم، مزيف، لكن نقطة الضوء الوحيدة التي تتسرب عبر مغارة هرقل هي التي تنتشله من هذا الظلام علاقته بأرض الشمال. لقد فقد الشاعر مناعته من كثرة الانكسارات وخيبات الأمل، فلم يعد قادرا على المواجهة، ولا "على قول نعم أولا "(ص: 29)، فبات صريع اليأس والحزن والفشل:

    "المراهم تخفي
    تجاعيد الفشل
    وجسدي العليل
    لا يحتمل
    وخز الإبر "(ص: 33)
    لقد شحذ الأسى عبقرية الشاعر الإبداعية وعمق عزلته بالقلق المستديم والرعب (قصيدة: عزلة وارفة) لدرجة أنه صار "دخان الأسى"(ص: 15) و"دخان المساءات" (ص: 21) إنه يصر على النهاية لأنها خلاصه من هذا التيه والقلق والحزن:

    "فأنا وإن اخضر
    شاهدي
    لن أعود
    أبدا لن أعود…"(ص : 23)
    وإصراره يمتد إلى أن يقدم " بورتريها " للمقبرة (ص: 24)، وهنا تنقلب الموازين عند شاعرنا فنجد معجم الفرح يطفو: المقبرة فاتنة، الموت مبتسم، المقبرة مكن دافئ…. ويجد الشاعر في الموت خلاصه من اليأس ومن المعاناة ويؤيد بذلك قول المعري:

    مـــوتٌ يســيرٌ معــهُ رحمــةٌ
    خــيرٌ مـن اليسـرِ وطـولِ البقـاءْ
    وقـــد بلَوْنـــــا العيش أطوارَهُ
    فمــا وجدنــا فيـهِ غـيرَ الشـقاءْ
    تقَـــدَّمَ النـــاس فيــا شــوقَنا
    إلــى اتّبــاعِ الأَهــلِ والأَصدقـاءْ
    مــا أطْيَــبَ المــوتَ لشُــرَّابهِ
    إن صــحَّ للأَمـواتِ وَشْـكُ التقـاءْ
    وقول جبران خليل جبران في قصيدته "جمال الموت":

    "دعوني أرقد فقد شبعت روحي من الأيام والليالي. اشعلوا الشموع وأوقدوا المباخر حول مضجعي وانثروا أوراق الورد والنرجس على جسدي وعفروا بالمسك المسحوق شعري وأرهقوا الأطياب على قدمي ثم انظروا واقرءوا ما تخطه يد الموت على جبهتي. خلوني غارفاُ بين ذراعي الكرى فقد تعبت أجفاني من هذه اليقظة. اضربوا على القيثارات ودعوا رنات أوتارها الفضية تتمايل في مسامعي. "

    إلى جانب العديد من الشعراء الذين جعلوا من الموت بوابة الخلاص من حياة محدودة تسبب الألم.

    إن عمق الجروح، وثقل الهموم، وكثرة التعب، وعتمة الحياة تجعل الشاعر يردد سوناتا حامل التابوت (ص: 43)، لأن قدر الشاعر أن يظل أسير أحزان الأرض لأن " الأسى أطول من الليل " (ص: 54). ومع ذلك فإصراره يستمر ويتخيل نفسه في حالة احتضار ويطلب من أمه أن تضع في فمه قطرة ماء، ليستعجل بأحلامه وتخيلاته الموت، وترافقه هذه الأحلام إلى حدود بعيدة، حدود ما بعد الموت :

    " الجسد الذي صنعته نذوب الأمس
    استطاع أن يغوي الموت
    . . . . . .
    يودع الجسد الأجوف
    الجالسين في المقهى
    . . . . . .
    أنا الميت في الظل "(ص: 60 _61)
    لقد استطاع أن يتخلص من" زمن الانهيار " (ص: 62) ومن "رتابة الحياة"(ص: 64)، لكن رحلة الاشتهاء انتهت فجأة عندما عادت "سفينة ليكسوس مثقلة بالتعب تحمل حلما مكسرا"(ص: 65). وحلم الشاعر بالخلاص تكسر لأن لعنة اليأس/الحياة لم يجد حيلة للتخلص منها، فأودعته في "حقول الشوك" مرة أخرى، وفي "الجحيم"، وفي "حديقة طروادة"، وفي "فلسطين". فما عاد يتحمل لأنه يخضع لقوتين:

    "السماء مطرقة
    والأرض سندان
    أعيروني رئتكم
    فما عادت تكفيني
    رئتان" (ص: 74)
    فصار يختنق، هل هوالاختناق الذي يسبق الموت؟

    في قصيدته الأخيرة، يحتضر الشاعر مرة أخرى لكنه يستحضر الصور التي تربطه بالحياة، إنها ذكرياته، نجملها في الكلمات التالية: أبيدوم نوفوم، البحر، الوطن، الكتب، العِلم، الشعر. . . . . ليطلب في الأخير الموت:

    "غطوا وجهي بثوب الفجر
    وإنا لله وإنا إليه راجعونا"(ص: 80)
    إن السؤال الذي يراودنا بعد هذا الكشف عن موضوعة الموت في الديوان هوسبب إصرار الشاعر عليها؟ لماذا دخان الأسى تحمل عبء هذه الرحلة الطويلة في البحث عن جزيرة الموت بسفينته المثقلة بالأحزان؟ لماذا لم يختر رحلة الحياة والحياة البديلة؟

    إنه يرى في الموت الحياة البديلة، وقد نضج لديه هذا التصور واكتمل عندما انتهت رحلة الشريف المصباحي دخان، رحمه الله، في الحياة. فكتب بنفسه ولنفسه "شهادة الوفاة".
    avatar
    كريم أبو العسل


    عدد المساهمات : 101
    نقاط : 25578
    السٌّمعَة : 0
    تاريخ التسجيل : 22/06/2010

    الإلتزام و"المطر المر" لمحمد السيد  Empty الإلتزام و"المطر المر" لمحمد السيد

    مُساهمة من طرف كريم أبو العسل الإثنين ديسمبر 26, 2011 10:25 am

    الالتزام و"المطر المر" لمحمد السيد
    حيدر قفه
    الإنسان مجموعة متشابكة من المشاعر والأحاسيس والعواطف والاهتمامات، كما أنه محصلة جامعة لردود الفعل الحياتية المتكررة التي يكوّن تراكمها الجمعي ثقافته وشخصيته.
    والأدب بجميع فنونه إنما هو انعكاس لهذه المشاعر والأحاسيس والعواطف والاهتمامات بالدرجة الأولى، وكلما كانت العملية الأدبية متخلقة عن واقع تجربة جاشت بها العواطف، كانت أقرب من الأدب الحقيقي الراقي.
    ولما كان الأدب كذلك كان المنتج متنوعاً حسب هذه الأحاسيس قوة وضعفاً، وحسب التجربة عمقاً وسطحية. وتصور أن الأديب لا يصدر في عمله إلا عن ناحية واحدة معاندة للطبيعة وتحميل الحقيقة أكثر مما تتحمل. ولذلك كانت عملية الالتزام في الأدب عملية قسرية أو انتقائية، أما قسريتها فتنبع من تصور الأديب بلا مشاعر، وإنما هو رد فعل لجانب حياتي واحد، وهذا مستبعد، بل غير محتمل، وأما أن تكون عملية انتقائية، فهذا – في نظري – الأقرب لواقع الحال، ذلك أن الأديب – لكينونته البشرية – يصدر عنه أحاسيس متباينة، وكونه لا يظهر إلا جانباً واحداً منها، فتلك عملية انتقائية، بمعنى أن ينفعل بكل المشاعر، ويكتب أو يبدع فيها كلها حسب الحالة التي تلبسته، لكنه لا يظهر إلا ما كان منسجماً مع خطه الفكري، فنقول: التزم في أدبه – المعلن – بهذا الخط، وأخفى ما خالفه لنفسه أو لخاصته.
    ولذا كان الالتزام في الأدب عملية شاقة وقاسية وغير طبيعية.
    ومجموعة محمد حمدان السيد القصصية "المطر المر" الصادرة عن دار عمار للنشر والتوزيع بعمان في طبعتها الأولى سنة 1408 هـ 1988 م والتي تحتوي على اثنتي عشرة قصة تمتد في مئة وسبع وثلاثين صفحة من القطع الوسط هي من الأدب الملتزم، فالأديب ألزم نفسه بقضية واحدة هي "مقاومة المستبد" بكل أبعادها النفسية والاجتماعية والعسكرية والتدميرية، وردود الفعل المختلفة من هذه القضية.
    وإن كان السيد قد وظف قصصه – في أغلبها – لمقاومة المستبد الطائفي في رقعة واحدة من العالم العربي، ولم يكد يخرج منها إلا في قصة أو اثنتين على الأغلب فإن "مقاومة المستبد" في حد ذاتها قضية عالمية إنسانية متجذرة في التاريخ، ومتجددة عبر الأيام ما بقي على الأرض إنسان، بما وصفه الله من طبيعة ميالة للاستبداد ما لم تكبحه كوابح، وصدق الله العظيم إذ يقول: "كلا إن الإنسان ليطغى، أن رآه استغنى) (العلق 6 – 7) وقول المتنبي:
    والظلم من شيم النفوس فإن تجد=ذا عفة فلعلة لا يظلم
    وصدق الاستنتاج الشعبي "قيل لفرعون: ما فرعنك؟ قال: لم أجد من يردني"
    وهذه طبيعة الحياة التي تقوم على الصراع بين قوى الخير والشر. ودخولنا في لب قصص "محمد السيد" يجلي لنا هذه القضية، قضية الالتزام بمقاومة المستبد.
    ففي قصته الأولى (رقم على الجدار) وهي قصة رجل قتل أخواه في مقاومة جنود السلطة الطائفية المستبدة التي استولت على كل شيء في البلاد، وحرمت الفئات الأخرى – وهم الأكثرية من كل شيء، وانقسم الناس حيالها إلى منافق أو معارض أو ساكت مسالم، فأما المنافق فله حياة الذل الرغيدة، والمعارض ليس له إلا الموت العاجل، والساكت له الموت البطيء والخراب الذي يعم. يموت أخواه قبله شهيدين، فيستمر هو في المقاومة، ويصلي الأعداء من خلف البناية برشاشه ورشاشي أخويه الشهيدين بجانبه، ولا يموت إلا بعد أن يوقع في العدو خسائر فادحة حتى ظنوه مجموعة من المجاهدين.
    في هذه القصة استخدم السيد رموزاً كثيرة، ولنقل مصطلحات بينية يعرفها المقاتلون – ولا مشاحة في الاصطلاح كما قال الأصوليون – فاستخدم "الجنادب" كمصطلح يدل على جنود الأعداء، و "الرمانات" مصطلح يدل على القنابل اليدوية، كما وظف الموروث الديني في مثل قوله "إنهم يفكرون بعقول بني قريظة (أحرص الناس على حياة) ص 13 و"غداً نلقى الأحبة" ص 13 إشارة إلى قول الصحابي الجليل بلال بن رباح عندما حضره الموت.
    وفي قصة (المطر المر) رجل يعيش في مدينة، المدينة موحشة في ليلة ماطرة، يحمل طفلته البكر ذات العشر سنوات التي أصيبت برصاصة غادرة، تأخروا في علاجها خوف الاتهام – مع أنه رجل (عادي) ليس له انتماء، يحمل طفلته إلى طبيب أمين موثوق، إنه الدكتور سعيد صديقه وقريبه، عندما يصل إلى العمارة في هذا الجو الموحش يجد بابها مفتوحاً، والعيادة أيضاً بابها مفتوحاً، ولكنه يجد الطبيب جثة قد خلع رأسها نصفين ببلطة، لقد فعلها الباطنيون الخونة، يعود أدراجه مسرعاً إلى بيته، فيجد الجو نفسه يسبقه حيث الهدوء والسكون المريبان، يدخل فيجد زوجته وطفله قد قتلا، وبمجرد دخوله تأتيه رشة من الرصاص مع رشة قهقهات فاجرة، فيموت ويموت معه التصميم على الانتقام.
    والقصة وصف لوحشية الطائفة الباطنية التي لا ترقب في مؤمن إلاً ولا ذمة، وتستأصل الفئات الأخرى المناوئة تحت ذريعة الإرهابيين, والمطر الذي كان ينزل من شعره على وجهه وأنفه وفمه كان مراً بعامل الفجائع التي لاقاها. والكاتب يعكس الحالة النفسية لبطل القصة (خالد) على الكون حوله، فالناعورة (الساقية) كانت تغني فيما مضى، أما اليوم فإنها تنوح ص 19 – 20 والسلوك الهمجي لجنود القوة المستبدة يدل على وحشيتهم وتخلفهم، لكنها قوة على الضعفاء من أبناء البلاد، وليست على الأعداء الحقيقيين (يهود) فالسيف الذي يقتل إذن ليس سيفاً عربياً، إنه سيف غريب حاقد ص27، أما عامة الشعب الساكت عن الحق، فهو غافل عن الحقيقة، والدمار سيدركه لا محالة بسكوته وتفرجه على الصراع بين الطغمة الفاسدة والفئة المؤمنة ص27.
    وفي قصته (لكل حادث حديث) مجند عسكري في جيش البلاد، الجيش الذي يسيطر عليه الأعداء، حيث يسيطر على الجيش الطائفة الباطنية الحاقدة، وهي تريد التسلط على البلاد وأهلها، واستئصال الطوائف الأخرى إن قدرت، ولكي تسوغ لجنودها – الذين هم من الطوائف كلها – عملية القتل والتدمير في طائفة ما، فإنها تتهمهم بالقتلة الإرهابيين والسفاحين الخونة، حتى تبرر قتلهم ولا تجد من يعارض من طائفتهم.
    المجند أحمد يجد نفسه في مكان لا يألفه، وقد أفاق من نوم عميق بعد عملية جراحية، وينظر إلى الوجوه التي حوله، فإذا هي من أسماهم ضابطه الباطني (أعداء) وإذا بهم رحماء، لم يسرقوا متاعه، ولم يقتلوه بل عرفوا اسمه من هويته، وأعادوها إلى بدلته العسكرية، إذن فهم ليسوا أعداء.
    وتذكر كيف أن أمه كانت توصيه كلما خرج من البيت ألا يقتل مسلماً، لأنهم طيبون مثلنا – توحي له بتغرير القيادة بهم، واستخدامهم في قتل إخوانهم – وكيف رأى وحشية قائده وزملائه في البطش بالناس، وآخرها محاولة التمثيل بجسد صبي يافع أمام أمه، فلم يتمالك نفسه فأطلق الرصاص على قائده وسريته كلها فأبادهم، وأطلقوا عليه الرصاص فأثبتوه، لذا كان من المصابين فاقدي الوعي.
    والقصة توحي بالتغرير الذي تمارسه الطغمة الفاسدة المتسلطة على الجيش، وفي التغرير بعناصرها للفتك بالشرفاء تحقيقاً لمصالح السادة المتسلطين.
    أما في قصته (السيدة) فيتحدث عن عجوزين، رجل وامرأته، تجاوزا الستين من عمريهما، قدر الله أن يكون منزلهما ملاصقاً لأحد مراكز السلطة الغاشمة الذي تتخذه للاعتقال والتعذيب، تعذيب الشباب المؤمن، تعذيباً يتضاءل بجانبه تعذيب جيش الاستعمار الذي مر بهذه البلاد. العجوز يتمنى أن تزول هذه البناية بمن فيها، زوجته توبخه على هذه الأمنية، فقد يتأثر بيتهم وبيوت حولهم، العجوز لا يهتم. وتأتي الأمنية من أحد الشباب المؤمن، حيث يفجر البناية بمن فيها وعلى من فيها، ولا يفيق العجوز من هول قوة التدمير إلا في المستشفى، ويسعد، ويحمد الله على النتيجة، ثم يسلم الروح.
    والقصة صراع بين الحق والباطل، وبين العدل والظلم، وينعى الشيخ على الناس الساكتين الممالئين للسلطة، فهؤلاء يعملون على تقويتها من حيث لا يدرون وفي الوقت نفسه سكوتهم إضعاف للمجاهدين، وعندما يصل البلاء لا يرحم حتى الساكتين، وهنا يصل الفرد العادي إلى حالة من اليأس يتمنى فيها الخراب لعدوه، حتى لو طاله شيء من هذا الخراب، فحسبه أن يزول الظلم، وحسبه تضحيةً – تناسب سنه وضعفه – أن يضحي ببيته إن كان هذا يساعد في زوال الباطل.
    وفي قصة (الإقطاعيون الجدد) قصة "أبي علي" الفلاح البسيط الذي فرح يوم أن استولى النظام على أملاك الإقطاعيين ووزعها على الفلاحين، والفلاحون البسطاء ألهبتهم هذه الحادثة فرحاً وسعادة، ولكن المتعلمين الواعين في القرية من أمثال الأستاذ "عامر الحسن" كانوا يدركون خطورة هذا الفعل، إلا أن الفلاح أبا علي لم ينتبه لتحذير عامر الحسن وسبب تجهمه.
    ودارت الأيام، وإذا بسند التمليك سند قيد وعبودية، فبعد أن كان الفلاح يعمل عند إقطاعي واحد، وتدرب على التفاهم والتعامل معه، أصبح اليوم يتعامل مع (طابور) من الموظفين، كل يريد أن يرتشي قبل أن ينجز عمله، وإذا رفض الفلاح المسكين دفع الرشوة دبرت له تهمة، فهذا أبو خضر يرفض إعطاء رئيس جمعية الفلاحين خمس تنكات زيت إلا بعد أن تجري المحاسبة من الحكومة، فيلفق له تهمة "المعارضة" ولما ناصره أبو علي لفقت لهما تهمة "تنظيم غير مشروع" والتعامل مع أعداء النظام، خرج بهما في السجن، بعد تعذيب وتحقيق. وخرج أبو علي لأنه ثبت أنه لا يعمل شيئاً مما حدث. وبقي أبو خضر رهين السجن إلى اليوم، فأي سعادة في ملك الأرض؟ وترحم الناس على أيام الإقطاعيين السابقين.
    ولكن محمد السيد يختم قصته بنص مفتوح: "موعدنا غداً يا أستاذ" والكلام موجه للصحفي الأستاذ فتحي.. وهذا الموعد يبدو أنه موعد لإكمال الحديث الذي يصلح تحقيقاً صحفياً.. وهل هو كذلك في حكمٍ يكمم الأفواه؟!.. لا.. بل إنه موعد للفجر الآتي، الذي يزيح من طريقه الظلام والخفافيش وفئران الأرض.
    أما قصة (أجساد تحترق) فقصة مدينة فيها نهر وناعورة، وجلادون حاقدون، يصبون حقدهم على كل شيء، العمارات، المعالم البارزة، الأجساد، الشباب المؤمن... المدينة نفسها يتخيل الكاتب كيف دخلتها خيول خالد بن الوليد (رضي الله عنه) وكيف تغيرت نظرة الكائنات الجامدة (الناعوة والنهر) في الأولى حزن وأسى، وفي الثانية تذكر ونصر وفرح.
    الجلادون يعذبون الشباب المؤمن مطالبينهم بترك الدين وعبودية القائد الزعيم، والشباب يصر على موقفه، أحدٌ.. أحد.. الجلادون يحرقون أجساد الشباب المؤمن، الأحياء منهم والأموات ومن فيهم أرحامه، وذلك بصب النفط عليهم، ولكن الشباب المؤمن يبصق على الجلادين.
    والقصة قصة الصراع بين الحق والباطل، وصبر المؤمنين، وإذا كانت النار أكلت أجساد المؤمنين، فإن أرواحهم (مبادئهم وأفكارهم) لا يقدر على أكلها النفط.
    وفي قصة (بوابة في جدار الجنة) "أحمد الحسن" طالب في المرحلة الثانوية، حياته مصروفة للدراسة فحسب، لا يشغله إلا الدرس والتحصيل والسباق نحو نيل أعلى الدرجات.
    "خالد" زميله ومثيله، إلا أنه بدأ يتغير ويتكلم بلهجة أخرى، فالحياة ليست دراسة وحسب، بل هناك الدين، والإيمان, الجهاد، وجنة عرضها السماوات والأرض. تذكر "أحمد الحسن" كلمة الموجة (المفتش) الذي زار صفهم يوماً فقدح في أصحاب اللحى واتهمهم بالعمالة!! الموجة من طائفة حاقدة على طائفة يمثلها صلاح الدين الأيوبي، فهو الحقد التاريخي إذن ص78.
    "أحمد الحسن" يغلب على ظنه انضمام خالد إلى تلك المجموعة المؤمنة، يتحسر على تأخره، ينضم إلى المجموعات، فيلتقي مع "خالد وثلاثة آخرين في موعد، ويبدأون الجهاد الذي هو أعلى من الشهادات الدراسية كلها، وتحتدم المعركة مع العدو، يفلت خالد، ويصاب أحمد، وينتقل إلى الجنة شهيداً!
    القصة قصة الصراع بين أمل الشباب الآتي في الحصول على الشهادات العلمية، والمراكز الإدارية، والمناصب العليا.. وكلها زائلة، والأمل الحقيقي الذي لا يزول، والذي ترنو إليه الأرواح المؤمنة، الشهادة في سبيل الله، وجنة عرضها السماوات والأرض، ويفوز الأمل الأصيل، ويرقى بروحه إلى الجنة.
    وفي قصة (الشهيد) "حسان" و "أحمد" شريكان في مهمة اصطياد دورية عدوة ستمر في الشارع بعد قليل لقتل من تجده خارج بيته ص83، "حسان" يتذكر اليوم الذي كان حداً فاصلاً بين حياته الأولى وحياته الجهادية الآن، أبوه يوافقه على الجهاد ويساعده في شراء السلاح (كلاشن) الأب يبكي من الفرح لأن ابنه ينوي الجهاد.
    نماذج لظلم السلطة الغاشمة، عندما تعتقل بائع الفول ليلاً وإعادته بعد شهرين مقعداً من التعذيب، ولم يبق له إلا صوته ينادي به على الفول ص88. والشاب الجامعي "خالد" الذي أخذوه من قاعة الامتحان وأعادوه جثة ص88.
    الأب يدرك ويعلم ابنه أن الحكومة الظالمة ستأكل الناس واحداً بعد واحد إذا لم يقفوا في وجهها وقفة رجل واحد.
    الدورية تأتي متترسة بالناقلة يسيرون خلفها من الجبن والخوف، حسان ينزل متحصناً بسلاحه لملاقاتها (نوع من خطط الاستدراج) أحمد ينفذ الشق الثاني من الخطة فيصلي الدورية بوابل من رشاشه، وحسان يصاب في خاصرته ص90، الإصابة كانت بسبب استعجال حسان، فردت عليه الدورية، أحمد وحسان قتلا ثمانية من أفراد الدورية، حسان يستشهد ص92.
    والقصة تعالج مواقف الناس من الظلم، ووجوب عدم الانخداع بالظالمين ووعدهم، وضرورة وقفة الناس وقفة رجل واحد في وجه الطغيان مهما كلف من مال وشهداء، وإلا تغولوا – أي الطغاة – وأهلكوا الناس جميعاً، المعارض والساكت والممالئ.
    قصة (هل من موعد؟) خرجت عن الخط العام (خط الالتزام بمقاومة طائفة مستبدة) وإن لم تخرج عن خط مقاومة الاستبداد بشكل آخر. ثلاثة من الأصدقاء، كانوا طلاباً في المرحلة الثانوية، وكل منهم كان له أمنية وهدف، أحدهم كانت أمنيته أن يصبح طبيباً لمعالجة الناس الفقراء، وسيشغل نفسه بهذه القضية الإنسانية حياته كلها والثاني دخل كلية الآداب وأصبح معلماً وربما كاتباً.
    أحدهم تتعطل يده، يتذكر صديقه الطبيب الذي لم يره منذ سنوات طويلة، ربما منذ الدراسة في المرحلة الثانوية، يأخذ سيارته برفقة الصديق الثالث. يتذاكران في الطريق صديقهما "محموداً" الطبيب والوعود التي كان يقطعها على نفسه.
    الصديق الذي تعطلت يده يذهب إلى المستشفى وكله شوق لصديق عمره وصباه ودراسته الثانوية، لكنه يفاجأ بأن صديقه الطبيب ينكره، ويرفض علاجه إلا بموعد سابق، مع أن الدوام لم ينته بعد، وليس عنده مرضى آخرون.
    يكتشف الصديق المفجوع أن صديقه الطبيب الذي كان يتغنى بالإنسانية والعلاج المجاني للفقراء، ووقف حياته وعلمه وجهوده عليهم!! صاحب عيادة خاصة خارج المستشفى، ويتقاضى أجراً مضاعفاً، لذا فهو لا يبذل طاقته كاملة في المستشفى.
    القصة تعالج التحولات التي تصيب المرء أو بعض الناس، وفجيعة الوعود والأماني وتغير الأخلاق والرؤى في زمن النفعية واندحار المبادئ أمام المادة.
    أما في "مهر العروس" فنلاحظ تحولاً عن الخط العام أيضاً، من مقاومة الاستبداد الطائفي في بلد عربي إلى مقاومة الاستبداد والاحتلال الصهيوني في فلسطين.
    اليهود يريدون تدنيس الحرم القدسي، الهدف للمجاهدين ضابط (موساد) كبير مع مجموعة من جنود يهود الموكلين بحراسة الأسواق حول الحرم القدسي، والعملية مخطط لها أن تتم وقت الظهيرة.
    أحمد المكلف بالعملية يسرح في تأمل حياته وهو الثائر، يا ترى... لو بقي في دراسته وأصبح مهندساً لامعاً متمتعاً بكل رفاهية واستقرار، أليس أفضل من وضعه الحالي؟!
    ويبرز سؤال: وأين الاستقرار ويهود يركلون كل من كان أمامهم، حتى من باع نفسه لهم مقابل الاستقرار المزعوم هذا ص103.
    من هادن يهود خاطباً ودهم مثل "رمزي" المهندس اللامع لم تنفعه المهادنة، وها هو ذا جندي يهودي خبيث يطأ والده بحذائه لما حاول الدفاع عن أرضه.
    يتذكر أحمد في سرحته هذه غرفته التي يقطنها، وأثاثها البالي اليسير، ورجاء أمه له أن يتزوج!! ورفضه لفكرة الزواج، فالوطن يشغله، والانتساب إليه يشغله، وقد جاد من يدعيه، ويدعي ملكيته له ص 106، ثم يقرر أن انتساب الوطن لأصحابه لا تقررها إلا الرصاصة.
    يتذكر يهود وهم يحاولون هدم منزلهم بحجة أن أخاه يعمل مع الفدائيين يأبى أبوه هدم المنزل ويقول: لن تمروا!! وبماذا أجيب عمر وأبا عبيدة إذا قابلتهما هناك؟! لقد سكن أجدادي هذه البقعة منذ فتحها عمر ص107.
    يعاود تذكر عرض أمه الزواج عليه، وبدأ يتخيل زفاف العروس إليه، ثم يأتي وقت العملية العسكرية المكلف بها، فيهب، ويقوم بالمهمة، ويقتل منهم الكثيرين في الجانب الغربي من القدس، أما في الجانب الشرقي منها فقد كان عرسه على عروسه (نصر) 112.
    والقصة قصة الكفاح ضد يهود، والعروس هي الانتصار، ولا مانع من الزواج، فما يدريك بالغد؟! ولعلها ترزق بذرية تحمل الراية غداً، أما اليأس والقنوط والاستسلام وعدم الزواج فلا، فما لا يحققه السلاح اليوم، قد تحققه الكثرة غداً، والبقاء في الأرض بثقل ديمغرافي يرسخ الوجود.
    وقد وظف السيد الموروث التاريخي هنا أيضاً، حتى استذكر الأجداد الفاتحين أمثال عمر وأبو عبيدة، ويجب ألا يفرط الناس في هذه الأرض، وعليهم القيام بدورهم المكمل لدور الفاتحين، وهو الحفاظ عليها إسلامية عربية.
    وفي قصته (بقعة ضوء) فاطمة مواطنة تذهب للصلاة في المسجد الإبراهيمي في الخليل، الجندي المدجج بالسلاح على الباب ينخزها بسلاحه استعجالاً لها حتى لا تقف على الباب.. عندما تدخل إلى باحة المسجد تعبق رائحة المسجد الزكية في أنفها، هذه الرائحة تذكرها بأيام طفولتها حيث كانت تحضر مع أبيها وإخوتها، انتحت جانباً لتصلي ركعتين، سمعت فتاتين مجاورتين تتحاوران، إحداهما تصر على الجهاد، وأختها تدعوها للمسالمة، الصراع في نفس فاطمة يحتدم، صورة الجندي اليهودي على الباب يذكرها بصورة بطرس الراهب داعية الحروب الصليبية، فاطمة تنوي شيئاً ما.. تتحسس حقيبتها اليدوية وشيئاً أخفته فيها، تخرج من المسجد وعند الباب تخرج سكيناً وتطعن بها الجندي فيصليها رشة رصاص من بندقيته، لكنها تظل متشبثة بعنقه حتى يسقطا معاً إلى الأرض، هي إلى الجنة وهو إلى الجحيم.
    القصة تعالج دور المرأة في الجهاد، وأنها لا تقل مسؤولية عن الرجل بل مكمل له حتى يشعر الأعداء أن كل فرد، بل كل ذرة تراب، بل كل زاوية في هذه البلاد تكرههم وتتربص بهم، عندها سيرحلون إلى حيث كانوا مشتتين في بلاد العالم.
    وفي القصة الأخيرة (الشهادة)، خالد مدرس، زوجته صفية عروس لم يعش معها إلا عشرة أيام، ثم اعتقل، اعتقله الباطنيون الظلمة، تتذكره صفية وهو يطلب منها أن تسمى ابنهما القادم "بلالاً" تيمناً بالصحابي الجليل، وتتذكر الرسالة التي جاءتها منه وهو في السجن بعد خمسة أشهر يعرض عليها سراحها والتحلل من ميثاقها معه (بالطلاق) حتى لا يبقى مصيرها معلقاً بمعتقل لا يعلم متى يخرج؟ ثم لا تلبث أن تسمع صوت جنازة، وإذا بها جنازة زوجها وحبيبها، تصمم على الانتقام لزوجها وأبي طفلها القادم عندما تنتقل إلى منزل أهلها بعد انقضاء عدتها، يخبئ أخوها "عادل" عندها بعض الأسلحة والذخائر، تصمم على مجاهدة الأعداء لعلها تنال الشهادة وتلحق بزوجها، لكن عندما تحتدم المعركة مع الأعداء تباد السرية بأسرها، ولكن يجدون بجوارها جثة شاب في مقتبل العمر، مات أخوها ولم تمت هي.
    القصة تعالج قضية الخوف الذي يصيب بعض الناس من الجهاد، فالموت لا يصيب إلا من قدر عليه الموت، وحتى لو طلبه المرء بكل عزيمة وإصرار فقد لا يأتيه لأن ساعته لم تحن بعد، فعلام الخوف إذن؟!
    هذه هي "المطر المر" مجموعة محمد السيد القصصية، مجموعة ملتزمة بقضية وطن، ولم يخرج الكاتب عن رقعته الضيقة إلا في قصتين تقريباً، ولكن خروجه هذا لم يخرجه من القضية الأساسية التي التزم بها وهي "مقاومة المستبد" أينما كان.
    وفضلاً عن الصور الجميلة التي تضمنتها المجموعة، والموروث الديني والثقافي والتاريخي الذي وظفه "السيد" نجد كذلك الروح الوثابة، والرسائل المتتابعة التي يرسلها إلى حس العربي والمسلم لعلها توقظ فيه هذه الحمية التي مرد الإعلام والساسة على قتلها فيه بالاستسلام والرضى بالواقع الذي صنعه الباطل بجحافله وأعوانه.

    الإلتزام و"المطر المر" لمحمد السيد  Adab18 الإلتزام و"المطر المر" لمحمد السيد  Adab18 الإلتزام و"المطر المر" لمحمد السيد  Adab18



    شكراً لكم

    كريم ابو العسل

      الوقت/التاريخ الآن هو الثلاثاء مايو 14, 2024 11:27 am